في 22 يونيو، شنت الولايات المتحدة هجومًا على ثلاثة من أهم المفاعلات النووية في إيران (فوردو، ونطنز، وأصفهان)، مدعيةً أن هذه الضربات كانت ناجحة وأدت إلى تعطيل هذه المنشآت النووية. في أعقاب هذا الهجوم، أطلقت إيران موجة جديدة من الصواريخ الباليستية تجاه إسرائيل، متعهدةً بالرد بشكل أشد على الضربات الأمريكية.
يعتمد حجم الرد الإيراني على مدى نجاح الولايات المتحدة في تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل. فإذا كانت إيران قد تمكنت من نقل اليورانيوم المخصب إلى أماكن آمنة جديدة قبل الضربات، أو إذا كانت هذه المواد مخزنة بأمان داخل المنشآت نفسها تحت الأرض، وخارج مدى الأسلحة الأمريكية، فقد يكون الرد الإيراني محدودًا. أما إذا كانت هذه المواد قد دُمّرت بالفعل، فمن المتوقع أن ترد إيران بقوة، باعتبار أن الولايات المتحدة وإسرائيل قد تجاوزتا الخطوط الحمراء التي سبق أن حددتها طهران. وفي هذه الحالة، من المرجح أن تسعى إيران إلى تفعيل وكلائها في الشرق الأوسط وإشراكهم في التصعيد.
تخوض جماعة الحوثي مواجهة عسكرية مع إسرائيل منذ ما يقارب 18 شهرًا، وحتى بعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع الولايات المتحدة في أوائل مايو 2025، استمرت الجماعة في استهداف إسرائيل باستخدام الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة. وعلى الرغم من عدم وجود معلومات دقيقة حول عدد الصواريخ والطائرات المسيّرة التي يمتلكها الحوثيون، إلا أن هناك احتمالًا كبيرًا بأن إيران زوّدت الجماعة بآلاف الطائرات المسيّرة وعدد من الصواريخ الباليستية القادرة على ضرب إسرائيل بشكل مباشر.
علاوة على ذلك، سعى الحوثيون إلى تصوير أنفسهم كمنتصرين بمجرد توقيع الاتفاق مع الولايات المتحدة، حيث تضمّن الاتفاق وقف استهداف السفن الأمريكية مقابل السماح لهم بمواصلة استهداف إسرائيل. كما أن فشل الولايات المتحدة، رغم وعود الرئيس ترامب، في تدمير القدرات العسكرية للحوثيين، زاد من ثقة الجماعة في قوتها العسكرية، ورسّخ لديها شعورًا بأنها باتت لاعبًا إقليميًا لا يمكن تجاهله.
إذا قررت إيران الدخول في حرب شاملة ضد إسرائيل والولايات المتحدة، فسيكون الحوثيون جزءًا أساسيًا من استراتيجيتها، إذ لا يزالون قادرين على استهداف السفن الأمريكية في البحر الأحمر، إلى جانب السفن المتجهة إلى إسرائيل. وتشير التقديرات إلى أن الحوثيين يمتلكون ما يكفي من الصواريخ لخوض حرب استنزاف ضد كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. ومع تصاعد وتيرة الهجمات، ستتجنب معظم السفن غير التابعة للولايات المتحدة أو إسرائيل المرور عبر هذه المنطقة لأسباب تتعلق بالسلامة، مما يعني أن مضيق باب المندب قد يُغلق فعليًا من الناحية التقنية.
مثل هذا الحدث سيكون له تأثير بالغ على الاقتصاد العالمي، خاصة وأن مضيق باب المندب يُعد أحد أهم الممرات البحرية الاستراتيجية في العالم. فإغلاقه أو حتى تعطيل حركة الملاحة فيه لفترة طويلة سيؤثر بشكل مباشر على التجارة الدولية، ويزيد من تكاليف الشحن، ويؤخر وصول شحنات النفط، مما يفرض ضغوطًا اقتصادية على أوروبا وآسيا ومنطقة الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، لن يكون الحوثيون مجرد فاعل عسكري فحسب، بل سيشكّلون أداة استراتيجية بيد إيران، تمكّنها من توسيع نفوذها. ويمنح هذا الدور الحوثيين مكانة مهمة في الاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، ليس فقط بسبب استعدادهم للقتال، بل أيضًا لقدرتهم المستمرة على خلق الفوضى وإلحاق الضرر على جبهات متعددة.
من المتوقع أن تكون الهجمات الحوثية منسقة مسبقًا مع إيران، إذ يُرجّح أن تقدم الأخيرة إحداثيات الأهداف البحرية المراد ضربها. ويدرك الحوثيون جيدًا أن إيران قد سلّحتهم عسكريًا ليكونوا أداة تُستخدم ضد أعدائها عند الحاجة. كما أن إيران بنت استراتيجيتها العسكرية خارج حدودها على وكلاء محليين، في محاولة لضرب أعدائها في أراضيهم، مما يحدّ من قدرتهم العسكرية على الردّ المباشر على إيران خلال الحروب. ونظرًا لأن وكلاء إيران الآخرين، مثل حزب الله والحشد الشعبي، ليسوا في موقع يسمح لهم بالتورط العسكري المباشر في الحرب ضد إسرائيل، فإن الحوثيين يظلون الجماعة الأقدر على المشاركة في هذا الصراع وإلحاق أضرار ملموسة بالولايات المتحدة وإسرائيل.
ستسعى جماعة الحوثي إلى تعظيم مكاسبها الداخلية من هذه الحرب، من خلال تسخير منصاتها الإعلامية والسياسية لتأطير مواجهتها مع إسرائيل والولايات المتحدة ضمن سردية “محور المقاومة” الأوسع. وقد ساعد هذا الخطاب الجماعة على حشد الدعم الشعبي وتعزيز شرعيتها داخليًا، لا سيما في ظل الحرب الطويلة والأزمة الإنسانية المستمرة في اليمن. ومن خلال تصوير نفسها كمدافع عن فلسطين ومناهض للاستعمار الغربي، لا تعزز قيادة الحوثي روابطها الأيديولوجية مع إيران وحزب الله فحسب، بل تحاول أيضًا كسب التعاطف على امتداد العالمين العربي والإسلامي.
ويُكسب هذا البُعد من “القوة الناعمة” الجماعة مزيدًا من القدرة على الصمود في وجه الضربات العسكرية، إذ تُحوّل خسائرها في ساحة المعركة إلى مكاسب سياسية من خلال حرب الرواية. علاوة على ذلك، كلما طال انخراط الجماعة في صراعات إقليمية كبرى، ازدادت خبرتها وثقتها بنفسها، سواء على صعيد التكتيكات العسكرية أو الدبلوماسية الإقليمية. وعلى المدى الطويل، قد يسمح لها ذلك بالتحول من ميليشيا محلية إلى فاعل إقليمي له نفوذ يتجاوز حدود اليمن.
خلاصة القول، باتت جماعة الحوثي أداة رئيسية في يد إيران في مواجهتها مع إسرائيل والولايات المتحدة. فعلى الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار مع واشنطن، واصلت الجماعة هجماتها على إسرائيل، ما يُظهر أنها لا تزال تحتفظ بقدرات عسكرية قوية. وإذا ما توسع نطاق الصراع، قد يلعب الحوثيون دورًا أكبر، لا سيما من خلال استهداف السفن والتأثير على التجارة العالمية عبر مضيق باب المندب. وفي الوقت ذاته، سيستغلون الحرب لتعزيز دعمهم الداخلي وتقديم أنفسهم كجزء من محور المقاومة.
تعليقات