الأقمار الصناعية الورقية كنظام احتكار مُقنّن للمدارات الأرضية
البرامج البحثية
3 أكتوبر 2025

الأقمار الصناعية الورقية كنظام احتكار مُقنّن للمدارات الأرضية

شهد النظام الدولي تحوّلًا جذريًّا في النظرة إلى الفضاء الخارجي، حيث لم يعد يُمثّل مجرد امتداد تقني للاستكشاف العلمي، بل أصبح يُجسّد موردًا استراتيجيًّا بالغ الأهمية. ساهمت الثورة الرقمية والاعتماد المتزايد على الأقمار الصناعية في تعظيم القيمة الجيوسياسية للمدارات، ودفع هذا التحوّل مؤسسات التنظيم الدولية، وفي مقدمتها الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)، إلى توسيع دورها في إدارة ما يُعرف بالموارد المدارية الطيفية (orbit-spectrum resources). رغم ذلك، حافظت هذه المؤسسات على آليات تنظيمية تعود جذورها إلى حقبة الستينيات، في وقت تضاعفت فيه أعداد الفاعلين وأهداف الاستخدام.   اعتمدت منظومة الـITU على مبدأ "الأسبقية في التقديم" (First Come, First Served – FCFS)، فسمحت للأطراف القادرة على تقديم ملفاتها مبكرًا بالحصول على أولوية قانونية في الوصول إلى المدارات والترددات، دون أن تربط ذلك بمدى الجاهزية التقنية أو الالتزام الفعلي بالتشغيل. هذا الإطار التنظيمي، الذي استجاب في حينه لمتطلبات فنية محدودة ولعدد قليل من الدول، لم يواكب التغيرات اللاحقة، فساهم في تكريس تفاوتات هيكلية بين من امتلك قدرات مبكرة ومن بقي على هامش النظام الفضائي العالمي.   دفع هذا الخلل النظامي الدول القادرة على بناء وتشغيل منظومات فضائية معقدة إلى استغلال قواعد الـFCFS، فاستحوذت على المواقع المدارية ذات القيمة الاستراتيجية. وتشير بيانات عام 2025 إلى وجود أكثر من 12,000 قمر صناعي نشط حول الأرض، تُشغّل الولايات المتحدة وحدها نحو 70% منها، بينما لا تتجاوز حصة الغالبية الساحقة من الدول النامية نسبًا هامشية. ارتبط هذا التوزيع غير المتكافئ بطفرة الكوكبات الضخمة (mega-constellations) في المدار الأرضي المنخفض (LEO)، حيث أطلقت شركات مثل SpaceX آلاف الأقمار ضمن شبكات مستقلة تُهيمن على البنية التحتية للاتصال العالمي.   لم تقتصر الإشكاليات على التوزيع غير العادل، بل امتدت لتشمل تحديات تتعلق بالاستدامة البيئية والأمن التقني. أسهمت الوتيرة المرتفعة لإطلاق الأقمار الصناعية في ازدحام طبقات المدار، ورفعت احتمالات التصادم، وعمّقت أزمة الحطام الفضائي. ومع أنّ النظام الحالي يُركّز على منع التداخل الترددي، إلا أنه لا يمتلك أدوات تنظيم حقيقية لإدارة الكثافة المدارية أو لتقليل مخاطر الاصطدام. ونتيجة لذلك، نشأت فجوة بين أهداف التنظيم التقني ومقتضيات الإدارة البيئية والأمنية.   في ضوء هذه التحولات، يهدف هذا التحليل إلى دراسة المنظومة القانونية والإجرائية القائمة، وتفكيك منطق عمل مبدأ FCFS، من خلال دراسة بيانات الامتلاك المداري، ورصد أنماط التمركز الاستراتيجي، وتتبع تداعياتها البيئية والجيوسياسية والاقتصادية.
تكلفة غير متكافئة: كيف يعمّق الحطام الفضائي إقصاء الدول النامية من اقتصادات المُستقبل
البرامج البحثية
29 سبتمبر 2025

تكلفة غير متكافئة: كيف يعمّق الحطام الفضائي إقصاء الدول النامية من اقتصادات المُستقبل

شهد المدار القريب من الأرض Low Earth Orbit (LEO) منذ إطلاق القمر الصناعي الأول عام 1957 تحوّلًا جوهريًا من فضاء شبه فارغ إلى بيئة ملوّثة ومزدحمة بمخلّفات النشاط الفضائي. فقد تراكمت الأقمار الصناعية غير الوظيفية Dead Satellites، ومراحل الصواريخ المستهلكة Spent Rocket Stages، والقطع المُتفككة الناتجة عن الانفجارات والاصطدامات Fragmentation Debris، حتى تجاوزت الكتلة الاصطناعية في المدار 14,700 طن، كما وأسهمت أحداث محددة في تضخيم هذه الأزمة، أبرزها التجربة الصينية المضادة للأقمار الصناعية Anti-Satellite Test (ASAT) عام 2007، والاصطدام بين القمر الأميركي Iridium-33 والقمر الروسي Kosmos-2251 عام 2009، واللذان ولّدا معًا ما يقارب ثلث الحطام المرصود في المدار الأرضي المنخفض.   تتوزع هذه المخلفات عبر نطاقات مدارية مختلفة، لكنها تتركز بكثافة في الحزام الممتد بين 750 و1000 كيلومتر، وهو أكثر المدارات استخدامًا لأغراض الرصد الأرضي Earth Observation والاتصالات. وفي هذه الارتفاعات قد تبقى الأجسام قرونًا قبل أن تدخل الغلاف الجوي، فيما يكتسب المدار الثابت Geostationary Orbit (GEO) خطورته من استدامة وجود أي حطام يتولد فيه، نظرًا لندرة عودة الأجسام المتواجدة فيه إلى الأرض. الأمر الذي حول المدار من مجرد ساحة مفتوحة إلى موردًا محدودًا ملوّثًا يستدعي إدارة جماعية رشيدة.   يتناول هذا الملف بالدراسة والتحليل الأبعاد الاقتصادية والسياسية لظاهرة الحطام الفضائي Space Debris. ويركّز على قياس الكلفة المباشرة التي تتحملها الشركات والوكالات في إدارة مخاطرها، ثم ينتقل إلى تفكيك الانعكاسات غير المباشرة لهذه الظاهرة على البنية التحتية الأرضية مثل أنظمة الملاحة العالمية Global Navigation Satellite Systems (GNSS) والأرصاد الجوية Weather Forecasting. كما يخصص مساحة لتوضيح العقبات التي تواجه الدول النامية، من نقص التمويل إلى ضعف القدرات التقنية والتنظيمية، في ظل بيئة مدارية صاغتها أفعال القوى الفضائية الكبرى. وينتهي إلى بحث الاستجابات الممكنة، من إجراءات التخفيف Mitigation إلى الإزالة النشطة لهذه الأجسام Active Debris Removal (ADR).