ابق على علمٍ بأحدث الأبحاث والتحليلات من خلال المنشورات والدوريات والإصدارات الخاصة ومنشورات الفعاليات التي نصدرها، حيث تقدم تعليقات الخبراء لدينا رؤى قيمة حول العديد من القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية
في زمن تتسارع فيه التحولات وتتعاظم التهديدات، يصبح من غير الكافي أن نكون شهودًا على الكوارث بعد وقوعها، بل تصبح الحاجة ماسة إلى الرؤية الاستباقية، والتحرك قبل أن تدق ساعة الخطر. من هنا، يأتي هذا الإصدار الدوري من مركز الحبتور للأبحاث، تحت عنوان “سفينة نوح”، ليكون بمثابة جرس إنذار مبكر، ودعوة للاستعداد قبل فوات الأوان.
ولم يكن اختيار اسم “سفينة نوح” عنوان لهذه العدد من قبيل المصادفة، فكما كانت تلك السفينة رمزًا للنجاة المبكرة من طوفان اجتاح العالم، نأمل أن يكون هذا الإصدار بمثابة سفينة معرفية تحمل في طياتها وعيًا مبكرًا بالمخاطر، ورؤية استراتيجية لمواجهتها والتأقلم معها. إنه محاولة لتجاوز ردود الفعل المتأخرة نحو بناء قدرة حقيقية على الاستباق والتخطيط والنجاة.
يندرج هذا العمل ضمن سلسلة الإصدارات الدورية التي يحرص مركز الحبتور للأبحاث على تقديمها، بوصفه مركز فكر عربي مستقل، يتبنى مقاربة تقوم على الإنذار المبكر واستشراف التهديدات الكبرى التي قد تطال الوطن العربي، سواء كانت ناتجة عن عوامل طبيعية، أو بفعل التطورات السياسية والتكنولوجية والصراعات الإقليمية والدولية.
وفي هذا العدد، نخوض تجربة غير تقليدية، حيث نسلط الضوء على أنماط من المخاطر التي لم تحظَ باهتمام كافٍ من قبل مراكز الفكر في العالم العربي، رغم أنها تحمل في طياتها تهديدات وجودية حقيقية. فنحن لا نتناول فقط المخاطر الأمنية والسياسية المألوفة، بل نذهب إلى أبعد من ذلك، نحو ملفات قلّما تجد طريقها إلى الأجندات البحثية العربية، ومنها: البراكين والكويكبات والعواصف الشمسية والتهديدات القادمة من الفضاء الخارجي، وما يمكن أن تمثله من أخطار على الحياة على الأرض والمنطقة العربية، كذلك المخاطر النووية، سواء تلك الناجمة عن الحروب، أو عن حوادث تسرب إشعاعي، أو حتى كسيناريوهات محتملة مرتبطة بالهجمات السيبرانية على منشآت نووية، كما يتطرق أيضا إلى الأوبئة والجوائح، ليس فقط من زاوية انتشار الأمراض، بل من حيث آثارها الهيكلية على الاقتصادات والمجتمعات، وارتباطها بتحولات النظام العالمي.
إن هذا الإصدار لا يدّعي امتلاك الإجابات النهائية، لكنه يطمح لأن يكون خطوة أولى نحو بناء وعي جمعي أكثر حساسية للمخاطر، وأكثر قدرة على الاستعداد لها. فالمعرفة، حين تكون مبكرة، تتحول إلى قوة. والاستشراف، حين يكون دقيقًا، يتحول إلى أداة إنقاذ.
نضع بين أيديكم هذا العمل في وقت دقيق، ونأمل أن يسهم في فتح نوافذ جديدة للنقاش والتخطيط، وأن يكون مدخلًا لتعاون عربي أوسع في مجال رصد المخاطر وبناء أنظمة فعّالة للإنذار المبكر.
تعكس المعلومات الواردة في هذا الإصدار الوضع القائم حتى مايو 2025. نُلفت عنايتكم إلى أن التطورات قد تطرأ بسرعة، مما قد يجعل بعض التفاصيل الواردة قديمة أو غير محدثة منذ ذلك التاريخ.
تقف منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في اللحظة الراهنة على مفترق طرق، وتمر بلحظة حاسمة ستتشكل وفقا لها اتجاهات التفاعلات والعلاقات بين الدول، ومستقبل الأمن الإقليمي الذي مر بتهديدات حاسمة خلال الفترة القليلة الماضية، لذا يحاول الإصدار الراهن الذي أعده فريق من الباحثين المتمرسين بمركز الحبتور للأبحاث استشراف تلك التهديدات التي تواجه المنطقة ورسم خريطة سياسية واقتصادية وأمنية لشكل المنطقة خلال السنوات القادمة، وذلك من خلال مجموعة من التحليلات التي تتطرق للتحديات الجيواقتصادية وتأثيراتها على مستقبل المنطقة في ظل موجة التغيرات الكاسحة التي يشهدها النظام العالمي من ملامح صراعات اقتصادية أثرت وتتأثر بما يحدث من تصعيد أمني وعسكري، والذي خلف تغييراً في خريطة القوى الدولية ومن المتوقع أن يغير بصورة كبيرة ملامح النظام العالمي الحالي، هذا بالإضافة إلى ما خلفته حالة عدم اليقين القائمة على مخاطر تهدد المستقبل الاقتصادي للدول وتعوق أبرز وأهم ممرات وطرق التجارة الحيوية مثل قناة السويس ومضيقي باب المندب و هرمز، وهي الممرات التي تلعب دوراً هاماً ومحورياً في أمن الطاقة العالمية والتجارة الدولية، حيث بدت ملامح هذه المهددات فيما شهدناه من تهديدات وتوترات في البحر الأحمر ، ما أثار العديد من المخاوف من حدوث اضطرابات محتملة يمكن أن تتصاعد لتصل إلى مواجهات عسكرية أوسع نطاقًا، كما يتناول الإصدار أيضا الحدود الجديدة للحرب، ممثلة فيما يفرضه الفضاء السيبراني من تغييرات في شكل واستراتيجيات الحروب، وبالتالي في أنماط وطرق التسلح والردع التي لا زال الإقليم يقف على مسافة بعيدة منها فيما يتعلق بالاستعداد للمواجهة واستباق هذا النوع من التهديدات في الوقت الذي تعد فيه المنطقة هدفاً جاذباً للهجمات الإلكترونية والحروب غير التقليدية.
وفي ظل ما تشهده المنطقة من عدم استقرار وتصاعد التوترات السياسية والأمنية التي خلفت أزمات إنسانية طاحنة برز تحدي الهجرة كمحدد محرك لمستقبل المنطقة، وعلى رأس هذه التوترات تأتي الحرب الأهلية في السودان، وحالة عدم الاستقرار في لبنان، والحرب في غزة، وقبلها تصاعد واستمرار تأزم الأوضاع الداخلية في سوريا وليبيا والعراق واليمن، وما خلفه كل ذلك من تحديات لدول الجوار وما خلفه أيضا من تأثيرات عميقة على ديناميكيات الهجرة في الإٍقليم وما ستخلفه من تأثيرات أمنية وسياسية حاسمة خلال الفترة القادمة، وما يمكن أن تمثله تحديات الهجرة أيضا من نقاط ضعف ومداخل لفرض أجندات خارجية على الدول المستقبلة للمساعدات، وفي نفس السياق تأتي التحديات المرتبطة بالمناخ في المنطقة والتي تدفع أيضا جهات فاعلة خارجية لفرض أجندتها ورهن ما تقدمه من دعم ومساعدات لمواجهة التغيرات المناخية بتغييرات وأجندات سياسية وأمنية تفرض أولويات مختلقة لدول الإقليم وتهدد استقراره.
وفي النهاية يمثل الإصدار الحالي ثمرة عصف ذهني عميق وبحث تم على مدى فترة زمنية ممتدة بين فريق العمل والعديد من الخبراء والمتخصصين لمحاولة إصدار استشراف منظم لمستقبل منطقة تعاني من الفوضى التي يصعب معها بناء نماذج تنبؤية حاسمة لما يمكن أن تكون عليه الأوضاع خلال السنوات القادمة، ولأننا نعمل في مركز الحبتور للأبحاث بدأب لمحاولة إلقاء المزيد من الضوء على المناطق المعتمة وخاصة ما يتعلق منها بالأزمات المتوقعة والمخاطر المحتملة قمنا بإعداد هذا الإصدار ضمن سلسلة من المخرجات البحثية التي تهدف بصورة أساسية إلى المساهمة في خلق مستقبل أفضل وأكثر استقراراً للمنطقة المحاصرة بالتهديدات.