من بوابة إيران: كيف يُعيد التدخل الأمريكي تشكيل أمن المنطقة؟
البرامج البحثية
23 يونيو 2025

من بوابة إيران: كيف يُعيد التدخل الأمريكي تشكيل أمن المنطقة؟

في فجر الثاني والعشرين من يونيو 2025، دخلت منطقة الشرق الأوسط مرحة جديدة من الصراع، عقب تنفيذ الولايات المتحدة سلسلة من الضربات الجوية المُوجّهة ضد ثلاثة من أهم المراكز النووية الإيرانية: منشأة فوردو لتخصيب الوقود، ومجمع نطنز، ومركز أصفهان للتكنولوجيا النووية. مثّلت هذه الضربات تحوّلًا نوعيًّا في نمط التعاطي الأمريكي مع البرنامج النووي الإيراني، إذ تجاوزت واشنطن للمرة الأولى منذ عقود معادلة الاحتواء عبر العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية، إلى استخدام مباشر للقوة العسكرية الاستباقية بغرض شلّ القدرات التخصيبية الإيرانية في مرحلة حرجة من تطور البرنامج النووي.   جاء التدخل الأمريكي بعد تسعة أيام من "عملية الأسد الصاعد"، وهي حملة جوية إسرائيلية غير مسبوقة في نطاقها وشدتها، استهدفت عمق البنية التحتية العسكرية والنووية الإيرانية. وعلى إثر هذه الحملة، توصّلت القيادة الأمريكية إلى أن الضربات الإسرائيلية، على الرغم من تأثيرها الملموس، إلا أنها تحقق وحدها نتيجة حاسمة، لا سيما في مواجهة منشأة فوردو المحصّنة على عمق تسعين مترًا تحت الأرض، والتي تستعصي على أي سلاح تقليدي غير القنبلة الخارقة للتحصينات من طراز (GBU-57  ). وقد صرّح الرئيس الأمريكي حينها بأن "فوردو لم تعد موجودة"، في إعلان مدروس هدفه تأكيد اختلال ميزان الردع لصالح واشنطن، ونقل الرسالة إلى الداخل الإيراني والدولي على حد سواء بأن التفوق العسكري الأمريكي لم يتآكل رغم التحولات الجيوسياسية المتسارعة.   لكنّ النجاح العسكري لا يُترجم بالضرورة إلى حسم استراتيجي. فقد بادرت إيران، عبر خطابها الرسمي وأذرعها الإعلامية، إلى التخفيف من وقع الضربة، مُدعية محدودية الأضرار واستمرارية البرنامج النووي، فيما تجنّبت الرد العسكري المباشر في المرحلة الأولى، واختارت بدلًا من ذلك توسيع نطاق تهديداتها في البحر الأحمر ومضيق هرمز، وتفعيل أذرعها الإقليمية ضمن محور "الممانعة"، مع التلويح بإمكانية الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي.   وعلى مستوي أخر، عكست هذه الضربات تحوّلًا في العقيدة الأمريكية تجاه أمن الخليج والانتشار النووي في الإقليم، إذ باتت واشنطن ترى في الضربة المحدودة عالية الدقة أداة لردع استباقي بديلاً عن الاستثمار طويل الأمد في مسارات التفاوض المتعثرة. كما أعادت تموضعها التكتيكي في محيط إيران انطلاقًا من تقديرات مفادها أن بيئة ما بعد الحملة الإسرائيلية تُتيح نافذة زمنية نادرة لإعادة رسم الخطوط الاستراتيجية دون التورط في حرب شاملة.   يسعى هذا التقدير إلى تحليل البنية العسكرية والسياسية لهذه الضربات، وتفكيك أبعادها التقنية والاستراتيجية، في سياق دولي يتّسم بترقّب شديد واحتمال مرتفع لانزلاق الصراع إلى مستويات إقليمية أو حتى دولية. كما يعرض التقدير لخيارات الرد المتاحة أمام طهران، ويرسم ثلاثة سيناريوهات مركزية لمستقبل الإقليم، تتراوح بين احتواء مضبوط وتوازن ردع هش، وانزلاق نحو مواجهة متعددة الجبهات ذات كلفة اقتصادية وجيوسياسية باهظة.
اغتيال إسماعيل هنية: ماذا بعد ؟
البرامج البحثية
31 يوليو 2024

اغتيال إسماعيل هنية: ماذا بعد ؟

في الحادي والثلاثين من يوليو، اغتيل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في العاصمة الإيرانية طهران، عقب حضوره حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد. واتهمت إيرانُ وحركةُ حماس إسرائيلَ باغتياله، ولم يصدر بعد أي تعليق من جانب إسرائيل، كما جرت العادة عندما تنخرط تل أبيب في عملية اغتيال. وجاء اغتيال هنية بعد اغتيال فؤاد شكر، أحد كبار قادة حزب الله في بيروت، على يد إسرائيل، ردًا على هجوم أسفر عن مقتل 12 شخصًا في مرتفعات الجولان المحتلة.   وكانت إسرائيل قد أعلنت في وقت سابق أنها ستستهدف مسؤولي حماس أينما كانوا بعد السابع من أكتوبر، ونجحت في ديسمبر في تنفيذ تهديداتها عندما اغتالت نائب إسماعيل هنية في بيروت، مما أدى إلى توقف محادثات وقف إطلاق النار.   تشكل عملية استهداف هنية، الذي كان يقود جهود التفاوض من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار في الحرب بين إسرائيل وحماس، تصعيداً خطيراً، كما أن وقوع العملية في قلب إيران مباشرة بعد تنصيب الرئيس الإيراني لا يحمل تداعيات خطيرة على حرب غزة فحسب، بل وعلى إيران ووكلائها أيضاً، الذين استهدفتهم إسرائيل مؤخراً.   ولم تقدم إيران حتى الآن أي معلومات عن كيفية وقوع عملية الاغتيال وأعلن الحرس الثوري الإيراني أن الهجوم قيد التحقيق؛ ومن المرجح أن صاروخًا موجهًا بدقة استهدف مقرًا لقدامى المحاربين في الحرس الثوري الإيراني الذي كان يقيم فيه هنية في شمال طهران. وفي أعقاب الاغتيال، تعهد المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي بأن إسرائيل ستواجه "عقابًا قاسيًا" على ردًا على جريمتها في طهران.   وهذه ليست المرة الأولى التي تتمكن فيها إسرائيل من اختراق حدود إيران لتنفيذ عمليات اغتيال؛ فقد تمكنت إسرائيل بشكل روتيني من استهداف مسؤولين إيرانيين، مثل حملة الاغتيالات التي استمرت لسنوات ضد الخبراء النوويين الإيرانيين وغيرهم من المشاركين في البرنامج النووي الإيراني. وكان آخرها اغتيال محسن فخري زاده، العالم النووي العسكري الإيراني البارز، في عام 2020، والذي قُتل باستخدام برشاش آلي يعمل بجهاز تحكم عن بعد أثناء قيادته خارج العاصمة طهران.   في ضوء القصف الصاروخي المباشر والواسع النطاق الذي شنته إيران على إسرائيل في شهر أبريل، عقب قصف سفارتها في دمشق، يواجه العالم الآن أسئلة مهمة: كيف سترد طهران على اغتيال إسماعيل هنية على أراضيها؟ وعلاوة على ذلك، هل تمتلك إيران القدرة أو الحافز لاحتواء تصرفات حزب الله والحوثيين، وخاصة بعد مقتل فؤاد شكر القيادي في حزب الله في العاصمة اللبنانية بيروت وقصف ميناء الحديدة التابع للحوثيين في اليمن؟