في فجر الثاني والعشرين من يونيو 2025، دخلت منطقة الشرق الأوسط مرحة جديدة من الصراع، عقب تنفيذ الولايات المتحدة سلسلة من الضربات الجوية المُوجّهة ضد ثلاثة من أهم المراكز النووية الإيرانية: منشأة فوردو لتخصيب الوقود، ومجمع نطنز، ومركز أصفهان للتكنولوجيا النووية. مثّلت هذه الضربات تحوّلًا نوعيًّا في نمط التعاطي الأمريكي مع البرنامج النووي الإيراني، إذ تجاوزت واشنطن للمرة الأولى منذ عقود معادلة الاحتواء عبر العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية، إلى استخدام مباشر للقوة العسكرية الاستباقية بغرض شلّ القدرات التخصيبية الإيرانية في مرحلة حرجة من تطور البرنامج النووي.
جاء التدخل الأمريكي بعد تسعة أيام من "عملية الأسد الصاعد"، وهي حملة جوية إسرائيلية غير مسبوقة في نطاقها وشدتها، استهدفت عمق البنية التحتية العسكرية والنووية الإيرانية. وعلى إثر هذه الحملة، توصّلت القيادة الأمريكية إلى أن الضربات الإسرائيلية، على الرغم من تأثيرها الملموس، إلا أنها تحقق وحدها نتيجة حاسمة، لا سيما في مواجهة منشأة فوردو المحصّنة على عمق تسعين مترًا تحت الأرض، والتي تستعصي على أي سلاح تقليدي غير القنبلة الخارقة للتحصينات من طراز (GBU-57 ). وقد صرّح الرئيس الأمريكي حينها بأن "فوردو لم تعد موجودة"، في إعلان مدروس هدفه تأكيد اختلال ميزان الردع لصالح واشنطن، ونقل الرسالة إلى الداخل الإيراني والدولي على حد سواء بأن التفوق العسكري الأمريكي لم يتآكل رغم التحولات الجيوسياسية المتسارعة.
لكنّ النجاح العسكري لا يُترجم بالضرورة إلى حسم استراتيجي. فقد بادرت إيران، عبر خطابها الرسمي وأذرعها الإعلامية، إلى التخفيف من وقع الضربة، مُدعية محدودية الأضرار واستمرارية البرنامج النووي، فيما تجنّبت الرد العسكري المباشر في المرحلة الأولى، واختارت بدلًا من ذلك توسيع نطاق تهديداتها في البحر الأحمر ومضيق هرمز، وتفعيل أذرعها الإقليمية ضمن محور "الممانعة"، مع التلويح بإمكانية الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي.
وعلى مستوي أخر، عكست هذه الضربات تحوّلًا في العقيدة الأمريكية تجاه أمن الخليج والانتشار النووي في الإقليم، إذ باتت واشنطن ترى في الضربة المحدودة عالية الدقة أداة لردع استباقي بديلاً عن الاستثمار طويل الأمد في مسارات التفاوض المتعثرة. كما أعادت تموضعها التكتيكي في محيط إيران انطلاقًا من تقديرات مفادها أن بيئة ما بعد الحملة الإسرائيلية تُتيح نافذة زمنية نادرة لإعادة رسم الخطوط الاستراتيجية دون التورط في حرب شاملة.
يسعى هذا التقدير إلى تحليل البنية العسكرية والسياسية لهذه الضربات، وتفكيك أبعادها التقنية والاستراتيجية، في سياق دولي يتّسم بترقّب شديد واحتمال مرتفع لانزلاق الصراع إلى مستويات إقليمية أو حتى دولية. كما يعرض التقدير لخيارات الرد المتاحة أمام طهران، ويرسم ثلاثة سيناريوهات مركزية لمستقبل الإقليم، تتراوح بين احتواء مضبوط وتوازن ردع هش، وانزلاق نحو مواجهة متعددة الجبهات ذات كلفة اقتصادية وجيوسياسية باهظة.