شهدت السنوات الأخيرة بروز شبكة الأقمار الصناعية العاملة في المدار الأرضي المنخفض (Low Earth Orbit – LEO) كأحد التحوّلات الجذرية في بنية الاتصال العالمي، بعدما انتقلت من كونها حلًّا تقنيًّا لتوسيع نطاق التغطية في المناطق النائية إلى مكوّن أساسي في البنية التحتية الرقمية العالمية. وتُعد شبكة "ستارلينك" (Starlink)، التابعة لشركة SpaceX، أبرز الأمثلة على هذا التحول، إذ تجاوز عدد مستخدميها سبعة ملايين بحلول منتصف عام 2025، مع تغطية تشمل أكثر من 150 دولة، ومعدلات نمو غير مسبوقة في قطاعات الطيران، الملاحة البحرية، الأسواق المالية، والخدمات الحكومية والعسكرية.
هذا التوسّع التقني والجغرافي السريع وضع "ستارلينك" في موقع بنيوي بالغ الحساسية، إذ باتت تمثّل نقطة التقاء بين البنية التحتية الرقمية والوظائف السيادية للدول، في ظل غياب تنظيم دولي واضح يُقنن هذا الاعتماد أو يضمن استقراره. وقد كشفت حوادث الانقطاع الواسعة التي وقعت في شهري يوليو وسبتمبر 2025 عن هشاشة كامنة في المعمار البرمجي للشبكة، وعن قابلية هذا النظام العالمي الجديد للتعطل بفعل أخطاء داخلية أو اضطرابات بيئية فضائية.
يتناول هذا التحليل تلك الإشكالية من زاويتين مترابطتين: الأولى تقنية–اقتصادية، ترصد أنماط الفشل المحتملة لشبكات LEO من خلال دراسة حالتي الانقطاع المذكورتين وتفكيك البنية التشغيلية لشبكة ستارلينك، والثانية استراتيجية–استشرافية، تُقيّم الآثار المتوقعة لانقطاع عالمي واسع النطاق في المستقبل القريب، من خلال نمذجة الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة، واقتراح مسارات للحد من المخاطر النظامية، سواء عبر التنظيم التقني أو السياسات العامة على المستويين الوطني والدولي.