في أعقاب القمة الأخيرة لحلف شمال الأطلسي، تعهّد القادة الأوروبيون بالتزام غير مسبوق يتمثل في رفع الإنفاق الدفاعي إلى نسبة 5% من إجمالي الناتج المحلي. ويجسّد هذا الاتفاق، الذي اعتبره مؤيدوه نقلة نوعية تاريخية، وتحوّلاً جذريًا في إدراك الأوروبيين لطبيعة التهديدات الأمنية، مدفوعًا ليس فقط بالحرب الروسية المستمرة في أوكرانيا، بل أيضًا بتصاعد الضغوط الأمريكية المتجددة مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. فقد أعاد "تأثير ترامب" إحياء الهواجس القديمة بشأن مدى موثوقية الضمانات الأمنية الأمريكية، الأمر الذي دفع أوروبا إلى تحمّل مسؤوليات دفاعية أوسع.
ورغم ما يعكسه هذا التعهّد من تصلّب في الموقف الأوروبي، إلا أنه يثير في الوقت ذاته تساؤلات جوهرية وهواجس ملحة: هل بوسع القارة العجوز فعلاً تحقيق هذه الأهداف الطموحة دون المساس بأسس النموذج الديمقراطي الذي تسعى لحمايته؟ ومع تنامي ميزانيات الدفاع، تتصاعد المخاوف من أن يكون الثمن هو تراجع منظومة الرفاه الاجتماعي، وتفكك التماسك المجتمعي، وتقليص أدوات الرقابة الديمقراطية، وهو ما من شأنه أن يعرّض القارة لمخاطر أعمق تتمثل في العسكرة الزاحفة للمشهد السياسي الأوروبي وتآكل العائد الديمقراطي الذي طالما تميّزت به.