خلال يومي الثالث والرابع عشر من يونيو عام 2025، أقدمت إسرائيل على تنفيذ واحدة من أكثر عملياتها العسكرية جرأة وتعقيدًا في التاريخ الحديث، وذلك من خلال ضربة جوية مركّبة استهدفت العمق الإيراني بصورة مباشرة وغير مسبوقة. شملت الضربة منشآت نووية حساسة على غرار منشأتي نطنز وفوردو، إلى جانب مواقع أخرى في محيط مدينة أصفهان، فضلاً عن استهداف مطارات عسكرية مركزية في البنية التحتية للدفاع الجوي الإيراني، مثل "مطار همدان" و"مطار تبريز". كما استهدفت إسرائيل في ذات العملية قيادات عسكرية بارزة في الصف الأول من الحرس الثوري الإيراني والجيش النظامي، وتوافرت لاحقًا مؤشرات تؤكد وقوع إصابات أو تصفيات مباشرة لعدد منهم¹.
جاء الرد الإيراني سريعًا ومُحمّلاً بطابع الارتجال، في مسعى من طهران لإثبات تماسكها وردع خصومها. فأطلقت الجمهورية الإسلامية في اليوم نفسه أكثر من مائة طائرة مسيّرة هجومية، غالبيتها من طراز "شاهد 136" و"شاهد 131"، قاطعةً مسافة تُقدّر بحوالي 2000 كيلومتر عبر المجالين الجويين العراقي والسوري. إلا أنّ هذه الضربة لم تُحقق أهدافها، إذ تمكّنت أنظمة الدفاع الجوي الأردنية والسعودية والإسرائيلية، مدعومة بتكنولوجيا الرصد الأميركية، من اعتراض الجزء الأكبر من الطائرات المسيّرة قبل أن تصل إلى أجواء إسرائيل، حيث تم إسقاط العديد منها فوق محافظة الأنبار وصحراء الأردن، فيما سقط بعضها شمال الأراضي السعودية².
وفي الرابع عشر من يونيو، أطلقت إيران هجومها الصاروخي الرئيسي، والذي اتسم بالتنسيق الواسع والنطاق العملياتي المتعدد. وقد استخدمت في هذا الهجوم أكثر من 150 صاروخًا باليستيًا، من أبرزها "قدر-110" (بمدى يصل إلى 3000 كم)، و"خرمشهر"، و"سجيل-2"، وهي من أخطر الصواريخ الإيرانية متوسطة المدى³. استهدفت هذه الصواريخ مواقع متفرقة في عمق الأراضي الإسرائيلية، كان من أبرزها محيط مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية في مجمّع "الكرياه" وسط تل أبيب، حيث أصيب المبنى بصاروخ واحد أسفر عن أضرار مادية وإصابات محدودة، من دون تسجيل خسائر مباشرة في صفوف الجيش. كما سُجلت أضرار في مبانٍ سكنية في مناطق رامات غان، وتل أبيب، وريشون لتسيون، إضافة إلى وقوع إصابات لعدد من المدنيين، بينهم حالة واحدة حرجة، بينما وصفت بقية الإصابات بالطفيفة أو المتوسطة⁴.
رغم الزخم النيراني، جاءت نتائج الهجوم دون سقف التوقعات الإيرانية، وهو ما دفع طهران إلى إعلان نيتها توسيع نطاق عملياتها لتشمل الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، وليس إسرائيل فقط. وقد تضمّن التهديد الإيراني إشارات مباشرة إلى قواعد أميركية حيوية، على غرار "قاعدة العُديد" في قطر، و"قاعدة الظفرة" في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك قواعد عسكرية أميركية في العراق كـ"عين الأسد" و"كامب فيكتوري" ببغداد، بالإضافة إلى منشآت بحرية في البحرين⁵.
ترى إيران أن أي مساهمة أميركية في دعم الدفاعات الجوية الإسرائيلية تُعدّ مشاركة مباشرة في الحرب، وبالتالي تمنحها شرعية استراتيجية لاستهداف الوجود العسكري الأميركي في الخليج. وهو ما يُمثّل تحولًا جذريًا في معادلة الردع الإقليمي، لا سيما أن هذه هي المرة الأولى منذ عام 2020 التي يظهر فيها خطر حقيقي بتحول منطقة الخليج إلى ساحة اشتباك عسكري مفتوح بين قوى إقليمية ودولية⁶.
يهدف هذا التحليل إلى تقديم قراءة معمقة للدوافع الاستراتيجية الكامنة خلف تهديدات إيران باستهداف القواعد العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج، وذلك عن طريق الربط بين المعطى الميداني (أنماط استخدام الصواريخ والطائرات المسيّرة) والمعطى البنيوي (توازن القوى الإقليمي والدولي)، لفهم السياقات التي تجعل من القواعد الأمريكية في الخليج أهدافًا ذات أولوية استراتيجية في الحسابات الإيرانية.