حوّلت الحرب الأهلية السورية سوريا إلى ساحة مفتوحة لصراع إقليمي تتنافس فيها القوى الإقليمية لتعزيز نفوذها وتحقيق مصالحها الاستراتيجية. وفي قلب هذا المشهد الملتبس، برزت كلّ من تركيا وإسرائيل كفاعلين محوريين، تحمل كل منهما رؤى ومصالح متباينة، تتقاطع أحيانًا وتتعارض في كثير من الأحيان، ما يزيد من تعقيد الأزمة ويُفاقم حالة عدم الاستقرار التي تعصف بسوريا. وفي حين تنبع طموحات تركيا في سوريا من سعيها لترسيخ سلطة النظام الجديد لتفكيك الجماعات المسلحة الكردية ونزع سلاحها، تركّز إسرائيل على دعم الطائفة الدرزية في جنوب سوريا والجماعات الكردية في شرقها، بهدف عرقلة فاعلية الحكومة السورية الجديدة والحد من قدرتها على بسط سيطرتها على كامل الأراضي السورية. كما أن لإسرائيل مصالح استراتيجية أخرى في سوريا، أبرزها التصدي للنفوذ الإيراني المتزايد، وإنشاء مناطق عازلة في الجنوب لفصل القوات السورية عن مرتفعات الجولان المحتلة. ومن ثم، يوضح هذا التحليل كيف يمكن لتضارب المصالح بين تركيا وإسرائيل أن يؤثر في مسار الاستقرار في مرحلة ما بعد الأسد، ويعيد رسم خريطة التوازنات الإقليمية في سوريا الممزّقة.