اتجاهات الرأي العام: المخاطر النووية في الشرق الأوسط
البرامج البحثية
17 يوليو 2025

اتجاهات الرأي العام: المخاطر النووية في الشرق الأوسط

يستعرض استطلاع "اتجاهات الرأي العام"، الذي أُجري في يونيو 2025، تصوّرات المخاطر النووية في المنطقة، بما في ذلك احتمالية وقوع أحداث نووية، ومستويات الاستعداد، والحاجة إلى استجابة طارئة جماعية. وتقدّم نتائجه رؤى معمقة حول كيفية تأثير حالة الغموض الجيوسياسي في تشكيل مخاوف الجمهور حيال التهديدات النووية.     عند طرح سؤال حول احتمالية وقوع حدث نووي في الشرق الأوسط خلال العقد المقبل، أشار غالبية المشاركين إلى أن الاحتمال يتراوح بين مرتفع (41%) ومتوسط (41%). في المقابل، أعربت نسبة محدودة (16%) عن اعتقادها بأن هذا الحدث غير محتمل، فيما استبعده تمامًا 3.1% من المشاركين. ويعكس هذا التوزيع في الآراء تحوّلًا ملحوظًا في وعي الرأي العام؛ إذ لم يعد الحدث النووي يُنظر إليه كاحتمال بعيد، بل كخطر واقعي ومحتمل، تفرضه الديناميكيات الجيوسياسية الراهنة وحالة عدم الاستقرار الإقليمي المستمر.     ردًا على سؤال الاستطلاع المتعلّق بأكثر الأسباب احتمالًا لحدوث تداعيات نووية، اعتبر المشاركون أن الحرب النووية تُشكّل الخطر الأكثر ترجيحًا (46%)، متقدمة على احتمال وقوع خلل في مفاعل نووي (38%). وعلى الرغم من أن الوقائع التاريخية تُظهر تكرار أعطال المفاعلات، فإن المشاركين بدوا أكثر انشغالًا باحتمالية نشوب حرب نووية، وهو ما يُعزى على الأرجح إلى تصاعد حالة عدم اليقين الجيوسياسي في أعقاب النزاعات الأخيرة، وفي مقدمتها الحرب التي دارت بين إيران وإسرائيل. أما الهجمات السيبرانية، فرغم إمكانيتها من الناحية التقنية، فقد اعتُبرت أقل احتمالًا (13%)، في ظل مقارنتها بتهديدات أكثر إلحاحًا كالحرب والأعطال الفنية. وفي السياق ذاته، نالت الهجمات الإرهابية أدنى نسبة (4.2%)، ما يعزّز الانطباع بأن التهديدات الصادرة عن دول متنازعة تُعدّ أكثر خطورة من تلك التي تُنسب إلى جهات غير حكومية.     عند طرح سؤال حول مدى الحاجة إلى إنشاء نظام مشترك للطوارئ النووية في الشرق الأوسط، أعربت الغالبية الساحقة من المشاركين (91%) عن تأييدهم للتعاون الإقليمي، في دلالة واضحة على تنامي المخاوف من التوترات الراهنة، وإدراك محدودية قدرات بعض الدول على التصدي للتهديدات النووية بشكل منفرد. في المقابل، أعربت نسبة محدودة (9%) عن رفضها لفكرة النظام الجماعي الشامل، مفضّلة حصر التعاون في إطار عدد معيّن من الدول. ومن المحتمل أن تعكس هذه الرؤية اقتناعًا بوجود تفاوت في الجاهزية والمسؤولية بين دول الإقليم، أو تخوّفًا ضمنيًا من إشراك أطراف يُنظر إليها باعتبارها "مستفيدة دون التزام" ضمن منظومة الأمن الجماعي.     في ما يتعلّق بجاهزية الشرق الأوسط لمواجهة خلل نووي أو هجوم سيبراني، أفادت غالبية المشاركين (76%) بأنّ المنطقة غير مستعدة، في حين رأى 12% أنها مستعدة إلى حدّ ما، و12% آخرون أعربوا عن ثقتهم بكفاءة الاستعداد. وتعكس هذه النتائج مستوى مرتفعًا من القلق العام، وتكشف عن إدراك متزايد للفجوة القائمة في القدرات المؤسسية وآليات الاستجابة الطارئة. كما تعزز هذه المعطيات ما ورد سابقًا من دعم قوي لإنشاء نظام إقليمي مشترك للطوارئ النووية، في تأكيد على قناعة راسخة بأنّ التعاون الجماعي يمثّل الخيار الأمثل لسدّ ثغرات الاستجابة الفردية في مواجهة التهديدات النووية أو السيبرانية.   عند السؤال عن مدى استعداد المنطقة لاحتمال نشوب حرب نووية، أشار غالبية المشاركين بنسبة مرتفعة (87%) إلى أنّ الشرق الأوسط غير مؤهّل للتعامل مع هذا السيناريو. وبالمقارنة مع السؤال السابق المتعلّق بالأعطال النووية والهجمات السيبرانية، يكشف هذا التصوّر المتزايد لغياب الجاهزية عن نوع التهديدات التي تُثقل كاهل المشاركين وتشغل أذهانهم بصورة أكبر. ويُستدل من هذا التباين على أنّ الحرب النووية تُعدّ، على وجه التحديد، مصدر القلق الأكثر إلحاحًا، وهو ما يُعزى على الأرجح إلى ما ينطوي عليه هذا السيناريو من آثار كارثية، بالإضافة إلى ارتباطه الوثيق بحالة عدم الاستقرار الجيوسياسي المستمر في المنطقة.   يُعَدّ "اتجاهات الرأي العام" سلسلة تحليلية قائمة على البيانات، ترصد اتجاهات الرأي العام حيال القضايا الإقليمية والدولية الراهنة، ويُشرف على إعدادها كبار الباحثين في برنامج الإنذار المبكر التابع لمركز الحبتور للأبحاث: حبيبة ضياء الدين وأحمد السعيد.   وتستند النتائج المعروضة إلى بيانات جُمعت من خلال استطلاعات رأي عبر وسائل التواصل الاجتماعي ونماذج إلكترونية وُزّعت بالبريد الإلكتروني. وعلى الرغم من الحرص على تنويع العينة وتوسيع نطاقها، فإن هذه النتائج تعكس آراء المشاركين فحسب، ولا ينبغي اعتبارها تمثّل الرأي العام بمجمله أو تعكس مواقف مركز الحبتور للأبحاث.
نقاط الاشتعال والتداعيات: تقييم التهديدات النووية في المنطقة
الإصدارات
22 يونيو 2025

نقاط الاشتعال والتداعيات: تقييم التهديدات النووية في المنطقة

عاد شبح التهديد النووي، الذي بدا في السابق وكأنه قد تراجع مع نهاية الحرب الباردة، ليطلّ برأسه مجددًا بشكل حاد ومثير للقلق. فالعالم اليوم يشهد سباق تسلح نووي متجددًا وتآكلًا خطيرًا في الأعراف والمعاهدات التي ساهمت، على مدار عقود، في الحيلولة دون وقوع ما لا يمكن تصوره. فمنذ فبراير 2022، شكّلت الحرب الروسية على أوكرانيا، وما رافقها من خطاب صريح ومبطّن بشأن استخدام الأسلحة النووية، خرقًا واضحًا للمحرّمات التي سادت في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. وقد أدّى تموضع الأسلحة النووية الروسية في بيلاروسيا إلى تصعيد التوترات بشكل أكبر، وأسهمت في تطبيع الخطاب المرتبط بالحرب النووية. ولم تتوقف التداعيات عند حدود أوروبا الشرقية، بل امتدت لتشمل العالم بأسره، حيث أبدت دول مثل كوريا الجنوبية وألمانيا وبولندا اهتمامًا متزايدًا باستراتيجيات الردع النووي، سواء عبر تطوير برامجها الخاصة أو من خلال استضافة الأسلحة النووية الأمريكية على أراضيها. ويُعد تفكير بولندا في الانضمام إلى بلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتركيا كمضيف محتمل لهذه الأسلحة مؤشرًا مقلقًا على هذا التوجّه المتصاعد. وفي الوقت نفسه، يواصل النظام الكوري الشمالي تطوير ترسانته النووية دون رادع، فيما تستمر النزعة العدائية النووية بين الهند وباكستان، مما يشكل دليلًا إضافيًا على استمرار التهديد النووي على مستوى العالم.   لقد ازدادت حدة الظلال النووية التي تخيّم على الشرق الأوسط في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر، والتي أعادت تصعيد التوترات الإقليمية بشكل حاد وكشفت هشاشة المنظومة الأمنية القائمة. وفي ظل اتساع نطاق العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة واحتمال تطورها إلى مواجهة إقليمية أوسع، تصاعدت المخاوف بشأن إمكانية استخدام الأسلحة النووية أو زيادة انتشارها في المنطقة. وقد حذّر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤخرًا من أن تفاقم الأعمال العدائية في المنطقة قد يكتسب "أبعادًا نووية"، مشددًا على الحاجة الملحّة لتطبيق ضمانات شاملة وتجديد المسار الدبلوماسي لمنع المزيد من التصعيد. وفي هذا السياق المتسم بتقلبات متزايدة، يظل الملف النووي متشابكًا بعمق مع الديناميات السياسية والأمنية الأوسع، مما يثير مخاوف حقيقية من بلوغ نقطة تحول خطيرة في مسار الانتشار النووي الإقليمي. ومع تجدّد المواجهة بين إسرائيل وإيران، عاد الحديث مجددًا عن الأهداف النووية وتداعياتها المحتملة على مستقبل المنطقة.   في هذا السياق، يتناول هذا البحث أشكال التهديدات النووية المختلفة ويقيّم مدى هشاشة عدد من الدول المختارة كدراسات حالة في مواجهة هذه التهديدات. وقد تم اختيار هذه الحالات — وهي مصر، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والأردن — بناءً على قابليتها للتعرّض لكوارث نووية، وذلك بالدرجة الأولى استنادًا إلى وجود منشآت نووية قد تشكّل مصادر محتملة للخطر. كما أُخذت الأهمية الجيوسياسية بعين الاعتبار كعامل أساسي في عملية الاختيار.   وقد تم تصنيف التهديدات إلى فئتين رئيسيتين: الأولى تتعلق بالمخاطر الناجمة عن الحروب النووية، والثانية تركّز على التهديدات المرتبطة بالتسرّب النووي أو الإشعاعي. ويُقسَّم كل سيناريو إلى سيناريوهات فرعية تُحلّل الآثار المتوقعة على الدول محل الدراسة، بما في ذلك تقديرات الخسائر في الأرواح والإصابات البشرية. ويُعد فقدان الأرواح هو المعيار الرئيسي الذي وجّه اختيار الحالات وتحليلها، حيث تم اختيار مدن معيّنة بناءً على كثافتها السكانية، ومن ثمّ تقييم العواقب المحتملة وفقًا لذلك.   من خلال تقييم الآثار المتوقعة—بما في ذلك الخسائر البشرية وتعطّل البُنى التحتية الحيوية—يهدف هذا البحث إلى تقديم تقييم شامل لمستوى الهشاشة النووية في هذه الدول المحورية. ويُبرز في هذا الإطار كيف أن المشهد النووي المتغيّر في منطقة الشرق الأوسط يتشكّل ليس فقط بفعل العوامل التكنولوجية والاستراتيجية، بل أيضًا من خلال تفاعل الطموحات الداخلية والضغوط الخارجية. وتؤكد النتائج على الحاجة الملحّة إلى توفير ضمانات قوية، وتعزيز التعاون الإقليمي، والانخراط الدولي النشط من أجل الحد من تصاعد المخاطر المرتبطة بالأسلحة والتقنيات النووية في بيئة دولية تتسم باضطراب متزايد.