تُمثّل المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة قطر، اليوم نواةً صاعدة داخل منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وذلك بوصفها مجموعةً شبه متبلورة باتت تُعرف تدريجيًا في أدبيات السياسة الخليجية الحديثة باسم "الثلاثي الخليجي". وعلى الرغم من أن هذا التشكيل لا يحظى بوضعية رسمية أو طابع مؤسسي، شأنه في ذلك شأن مجموعة الدول السبع التي تُعَدّ من أبرز محافل تنسيق السياسات الاقتصادية والسياسية بين الديمقراطيات الصناعية الكبرى، أو مجموعة العشرين التي تأسست عام 1999 كإطار للتفاعل بين القوى المتقدمة والصاعدة من أجل ضمان الاستقرار المالي العالمي، أو حتى مجموعة الـ77 التي تعد أكبر تكتل للدول النامية داخل منظومة الأمم المتحدة؛ إلا أن (الثلاثي الخليجي) تُقدَّم اليوم كإطار عملي وفعّال لتنسيق استراتيجيات النفوذ والتأثير بين أبرز الفاعلين في الفضاء الخليجي والعربي.
 
وتنبع خصوصية هذا الثلاثي من كونه أصغر التكتلات، وأكثرها حداثة، وأكثرها تجانسًا من حيث المحددات البنيوية والمصالح العليا لدوله، إذ تحتل الدول الثلاث مواقع متقدمة على مستوى النشاط السياسي والديبلوماسي، والقدرة الاقتصادية والمالية، فضلاً عن حضورها الدولي المُتنامي مُقارنة ببقية أعضاء المجلس. كما تدل المؤشرات المتراكمة على أن هذه الدول لم تعد تمارس دورها الإقليمي كقوى منفردة، بل باتت تشكل مركز ثقل جديد للسياسة العربية، يفرض نفسه من حيث التأثير وسرعة الاستجابة ووضوح التوجهات.
 
وانطلاقًا من لحظة التحول التي يشهدها الخليج في هذه المرحلة، والتي لا يُمكن أن تُفسَّر فقط بموازين القوى التقليدية أو بهياكل التعاون القائمة، بل باتت تستدعي فهمًا أدق للدوافع الكامنة وراء السياسات الخارجية لدول (الثلاثي الخليجي)، وآليات التنسيق غير الرسمي التي تربطها، والرهانات الكبرى التي تضعها هذه الدول في الحسبان وهي تعيد تعريف معادلة الأمن والتنمية في بيئة الشرق الأوسط ما بعد حقبة إيران.