يشهد سوق العمل تحولاً عميقاً مع ابتعاد ملايين الأفراد حول العالم عن الوظائف التقليدية ذات الرواتب الثابتة، واتجاههم نحو أعمال مرنة ومستقلة تُيسّرها المنصات الرقمية. وقد أسهم هذا التحول في تسريع نمو اقتصاد العمل الحر "gig economy"، الذي يعيد تشكيل أنماط التوظيف، ويحفّز ريادة الأعمال، ويدفع بعجلة الابتكار. وفي المقابل، يثير هذا الواقع تحديات جديدة تتعلق بتقلب الدخل، وحماية حقوق العاملين، والإشراف التنظيمي.
إن مصطلح "gig"، الذي كان يُستخدم سابقاً من قبل الموسيقيين للدلالة على العروض المؤقتة، بات اليوم يشمل طيفاً واسعاً من الأعمال الحرة أو التعاقدية أو المؤقتة التي تمنح الأولوية للمرونة على حساب الاستقرار الدائم. ويستمد اقتصاد العمل الحر زخمه من المنصات الرقمية التي تربط العمال بالعملاء، بدءاً من خدمات النقل التشاركي وتطبيقات التوصيل، مروراً بأسواق العمل الحر، وصولاً إلى منصات التعليم عبر الإنترنت. ورغم أن هذا النموذج يوفّر مزايا اقتصادية تشمل إنتاجية أعلى، وقدرة أكبر على التكيف، وفرصاً ريادية واسعة، فإنه في الوقت ذاته يعرّض العاملين لمخاطر تتعلق بالحقوق، وأمن الوظيفة، والمعاملة العادلة. ومن ثم يبقى التوصل إلى توازن بين الابتكار وضمان الحماية المنصفة أمراً جوهرياً.
في الشرق الأوسط، يشهد اقتصاد العمل الحر توسعاً متسارعاً مدفوعاً بقاعدة شبابية متمرسة رقمياً، وضغوط البطالة، واستراتيجيات التنويع الاقتصادي التي تقودها الحكومات. وبحلول عام 2024، ساهمت المنطقة بأكثر من 7% من حجم سوق العمل الحر العالمي، حيث أصبح العمل الحر وخدمات التوصيل والمنصات الرقمية ركائز أساسية في الاقتصادات المحلية.
وقد بدأ صانعو السياسات بالاستجابة عبر إطلاق تأشيرات عمل حر، وبرامج لبناء المهارات، وتشريعات موجّهة؛ إذ تعمل دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على مواءمة اقتصاد العمل الحر مع رؤاها الطموحة للتحول، في حين تعكس مصر في الوقت نفسه قوة نمو هذا القطاع واستمرار تحديات الطابع غير الرسمي وضعف التنظيم.
ورغم ازدهار اقتصاد العمل الحر في الشرق الأوسط، فإن تحقيق إمكاناته الكاملة يظل رهناً بجيل جديد من الإصلاحات الحكومية التي تتجاوز مجرد دعم النمو، لتتجه نحو بناء قوة عاملة حرة مستقرة ومحمية.