في السابع عشر من سبتمبر، التقى رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان برئيس شركة "أوبن إيه آي" (OpenAI) سام ألتمان لبحث سُبل تعزيز التعاون في مجال أبحاث وتطبيقات الذكاء الاصطناعي (AI). ويجسّد هذا اللقاء التزام الإمارات الراسخ بترسيخ موقعها كقوة عالمية رائدة في ميدان الذكاء الاصطناعي، في إطار "رؤية الإمارات 2031" وأهدافها المئوية لعام 2071.
يمكن النظر إلى لقاء دولة الإمارات مع شركة أوبن إيه آي بوصفه خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز منظومة الذكاء الاصطناعي لديها. فقد دأبت الدولة على تطوير بنية تحتية شاملة للذكاء الاصطناعي، بما يتماشى مع مبادرة “نحن الإمارات “031». وبالاستمرار في هذا المسار، يُتوقّع أن تحقق الدولة نظامًا لتحليل البيانات مؤتمتًا بنسبة 100% على مستوى جميع القطاعات الحكومية، وأن تطوّر منظومة رقمية سريعة قائمة على الحلول، قادرة على مواكبة التطورات العالمية.
وعلاوة على ذلك، ستشهد الحوكمة تطورات رقمية تحولية. وانسجاماً مع هدف دولة الإمارات في بناء حكومة تستشرف المستقبل، توحي هذه التطورات بأنّ الذكاء الاصطناعي قد يضطلع بدور في اقتراح تعديلات تشريعية أكثر ملاءمة لاحتياجات المواطنين، ودمج حلول مترابطة تربط بين مختلف القطاعات والأفراد، وضمان توجيه جميع الخطط الحكومية نحو اغتنام الفرص المستقبلية.
لقد اتخذت دولة الإمارات بالفعل خطوات استراتيجية لتعزيز موقعها في قيادة مسار تطوير الذكاء الاصطناعي. ففي شهر مايو الماضي، جرى إطلاق مبادرة ستارجيت الإمارات (Stargate UAE) في إطار الشراكة الإماراتية–الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي أتاح للإمارات فرصة توظيف أدوات شركة “أوبن إيه آي” في قطاعات رئيسية تشمل الحكومة والرعاية الصحية والتعليم والطاقة. وبموجب هذه الشراكة، ستصبح دولة الإمارات أول دولة في العالم تتيح الوصول المفتوح إلى تطبيق “تشات جي بي تي”(ChatGPT) على نطاق وطني شامل. وتعتمد الدولة استراتيجية متكاملة لتحقيق ركائز خطتها المئوية 2071 الأربع: حكومة تستشرف المستقبل، وتعليم رفيع المستوى، واقتصاد معرفي متنوع، ومجتمع سعيد متماسك.
قد يشكّل استثمار دولة الإمارات لشراكتها مع شركة “أوبن إيه آي” في مجال البحث والتطوير مدخلاً محورياً لتوظيف الذكاء الاصطناعي كأداة للسياسة الخارجية وقوة ناعمة. فالإمكانات الكبيرة التي تمتلكها الدولة في تنفيذ مشاريع رقمية قائمة على أبحاث الذكاء الاصطناعي تؤهّلها لتكون رائدة إقليمية في هذا المضمار، ولا سيما في مشاريع الذكاء الاصطناعي والتعاون الرقمي. ومن خلال هذه المشاريع الرقمية الإماراتية، يمكن للدولة أن تعزّز شراكاتها في المنطقة، بما يرسّخ موقعها المتقدّم في ميدان الدبلوماسية الرقمية (Digital Diplomacy).
قد تشمل هذه الشراكات دمج تطبيقات الذكاء الاصطناعي في قطاعات الطاقة واللوجستيات والرعاية الصحية والمشروعات التعليمية. وتواصل دولة الإمارات بالفعل إحراز تقدم ملحوظ في هذه المجالات، مع إمكانية التعاون مع شركائها الإقليميين عبر تصدير المشاريع الإماراتية المطوَّرة بالذكاء الاصطناعي، مثل العيادة الذكية الإماراتيةEmirati Smart Clinic) ) أو النظام الإداري الآلي الإماراتي Emirati Automated Admin System)) في قطاعي الرعاية الصحية والأعمال. ومثال آخر في قطاع التعليم يتمثل في تطوير وتصدير النظام التعليمي التفاعلي الإماراتي ((Emirati Interactive Learning System، المصمم ليتلاءم مع المستويات الإدراكية المختلفة والقدرات التعليمية المتباينة للطلاب.
من خلال ريادتها في البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي(R&D in Artificial intelligence) ، ستعزز دولة الإمارات مكانتها الإقليمية والدولية، الأمر الذي يمكّنها من استشراف الاتجاهات المستقبلية والقطاعات الاقتصادية الواعدة، فضلًا عن دعم مسيرة التحول الرقمي في الدول المجاورة، لتغدو بذلك مركزًا إقليميًا ودوليًا للدبلوماسية مستقبلية التوجه.
قد يفضي التعاون والاستثمارات في مجال البحث والتطوير بين دولة الإمارات وشركة “أوبن إيه آي” إلى تطوير نظام شبيه بـ “شات جي بي تي” الإماراتي، مصمم خصيصًا لتلبية احتياجات المواطنين ومتطلبات التنمية المجتمعية في الدولة. وسوف يسهم مثل هذا النظام في تحقيق التحول الرقمي الشامل للبنية التحتية الإماراتية، بما يعزز تجربة المواطنين في المعاملات والخدمات الحكومية، على نحو مشابه لمنصة دبي للذكاء الاصطناعي (Dubai AI platform). وتمضي الدولة بخطى متسارعة نحو تعزيز النماذج الذكية، محققةً جميع المحطات الواردة في خطة الإمارات المئوية 2071، وفي الوقت ذاته مثرية قدرات وفرص الأجيال القادمة.
وبالتوازي مع هذه التطورات، تُعد دولة الإمارات نموذجًا رائدًا في صون التراث اللغوي والثقافي العربي، حيث أطلقت الدولة عددًا من المشاريع المعزَّزة بالذكاء الاصطناعي لدمج اللغة العربية في مجالات متعددة، من أبرزها مشروع “المعجم التاريخي للغة العربية بالاعتماد على شات جي بي تي” (GPT Historical Dictionary of the Arabic Language)، الذي يعرض أرشيفًا ضخمًا يضم أكثر من 20 مليون كلمة عربية. وبناءً على ذلك، يمكن توقّع العديد من المبادرات الطموحة المشابهة في المستقبل، في إطار إسهامات دولة الإمارات في إحياء اللغة العربية من خلال النماذج الذكية.
وفي الختام، من شأن هذه التطورات أن تعزز قدرات أبناء الإمارات، بما يتيح للمجتمع أن يكون أكثر توجهًا نحو المستقبل ويكفل ازدهار المواطنين. ويجسد اللقاء مع الرئيس التنفيذي لشركة “أوبن إيه آي” الخطوات الاستراتيجية التي تنتهجها دولة الإمارات نحو الريادة في الحلول المعزَّزة بالذكاء الاصطناعي في شتى مجالات الحياة. كما أن الإنجازات المتواصلة ترسخ دور الإمارات كقوة رقمية، حيث ستكون الدولة صاحبة النظم الأكثر ريادة وتفوقًا في مجال الذكاء الاصطناعي.
ترمي خطة الإمارات المئوية 2071 إلى ترسيخ مكانة الدولة عالمياً كقوة مؤثرة على الساحة الدولية. وتمضي الإمارات بخطوات متقدّمة نحو تبنّي مقاربة استشرافية أكثر شمولاً للمستقبل، إذ تُعدّ شراكتها مع “أوبن إيه آي” واحدة من بين خطوات استراتيجية عديدة لتحقيق الريادة في مجال الذكاء الاصطناعي. وستسهم الجهود الريادية التي تبذلها الدولة في هذا المجال في تعزيز ازدهار مواطنيها، وتنمية قدرات الأجيال المقبلة واستباق احتياجاتهم وتطلّعاتهم، مع ابتكار حلول متجددة قائمة على الذكاء الاصطناعي.
تساعد تعليقات باحثي مركز الحبتور للأبحاث على المواضيع الجارية إلى تقديم تعقيبات سريعة عبر استعراض وجهات النظر الشخصية، وآراء الخبراء دون تحمل عبء الاستشهادات. و يضمن هذا النهج المرونة والسرعة في مواكبة الموضوعات المطروحة سريعة التطور.
تعليقات