السيناريو المحظور: ماذا لو تم ضرب مفاعل ديمونة؟
البرامج البحثية
22 يونيو 2025

السيناريو المحظور: ماذا لو تم ضرب مفاعل ديمونة؟

في ظل تزايد وتيرة التصعيد بين إيران وإسرائيل خلال عام 2025، وتحوّل الهجمات المتبادلة إلى استهداف مباشر للمنشآت الحيوية والبنى التحتية السيادية، يبرز سيناريو استهداف مفاعل ديمونة النووي بوصفه أحد أكثر الاحتمالات خطورة من حيث النتائج السياسية والبيئية والأمنية. ورغم ما يُفترض من صعوبة تنفيذ مثل هذا الهجوم بفعل قوة المنظومة الدفاعية الإسرائيلية، إلا أن أي اختراق جزئي أو إصابة مباشرة لمنشآت المفاعل قد يُنتج حالة غير مسبوقة في تاريخ الصراعات الإقليمية، تتجاوز في آثارها الحدود السياسية والجغرافية للدول المنخرطة مباشرة في المواجهة.   تهدف هذه الورقة إلى تقديم تقدير موقف استشرافي من نوع "ماذا لو"، يُحلل الانعكاسات الإقليمية المحتملة في حال تعرّض منشأة ديمونة النووية لهجوم صاروخي فعّال يؤدي إلى تسرّب إشعاعي واسع النطاق. ويركّز التقدير على أربعة محاور جغرافية رئيسية: أولًا، التأثيرات المباشرة على إسرائيل، سواء من حيث الإصابات البشرية أو تدمير القطاعات الحيوية (الزراعة، المياه، السياحة) في النقب ومحيط القدس وتل أبيب؛ ثانيًا، الانعكاسات على الأردن، خاصة في منطقة الأغوار الشرقية، بما في ذلك خطر النزوح، وتلويث مصادر الغذاء والمياه؛ ثالثًا، التداعيات على مصر، تحديدًا في شمال سيناء وشريط قناة السويس، حيث تتهدّد حركة الملاحة الدولية والسياحة الساحلية؛ رابعًا، الأثر المحتمل على شمال السعودية، بما في ذلك مناطق مشروع نيوم، وخطوط النفط والبنية السكانية الحساسة.   في ضوء ذلك، لا تطرح هذه الورقة سيناريو تكتيكيًا معزولًا، بل تدقّ ناقوس الخطر حيال إمكانية دخول المنطقة في طور ما بعد الردع التقليدي، حيث لا تعود الحسابات العسكرية مقتصرة على نطاق الاشتباك بين دولتين، بل تمتد آثارها إلى إعادة تشكيل الخريطة السكانية والاقتصادية لدول بأكملها، وسط فراغ شبه كامل في آليات التنسيق الإقليمي لمواجهة الكوارث النووية غير التقليدية.
الردع الإيراني وتحوّل ساحات الاشتباك
البرامج البحثية

الردع الإيراني وتحوّل ساحات الاشتباك

خلال يومي الثالث والرابع عشر من يونيو عام 2025، أقدمت إسرائيل على تنفيذ واحدة من أكثر عملياتها العسكرية جرأة وتعقيدًا في التاريخ الحديث، وذلك من خلال ضربة جوية مركّبة استهدفت العمق الإيراني بصورة مباشرة وغير مسبوقة. شملت الضربة منشآت نووية حساسة على غرار منشأتي نطنز وفوردو، إلى جانب مواقع أخرى في محيط مدينة أصفهان، فضلاً عن استهداف مطارات عسكرية مركزية في البنية التحتية للدفاع الجوي الإيراني، مثل "مطار همدان" و"مطار تبريز". كما استهدفت إسرائيل في ذات العملية قيادات عسكرية بارزة في الصف الأول من الحرس الثوري الإيراني والجيش النظامي، وتوافرت لاحقًا مؤشرات تؤكد وقوع إصابات أو تصفيات مباشرة لعدد منهم¹. جاء الرد الإيراني سريعًا ومُحمّلاً بطابع الارتجال، في مسعى من طهران لإثبات تماسكها وردع خصومها. فأطلقت الجمهورية الإسلامية في اليوم نفسه أكثر من مائة طائرة مسيّرة هجومية، غالبيتها من طراز "شاهد 136" و"شاهد 131"، قاطعةً مسافة تُقدّر بحوالي 2000 كيلومتر عبر المجالين الجويين العراقي والسوري. إلا أنّ هذه الضربة لم تُحقق أهدافها، إذ تمكّنت أنظمة الدفاع الجوي الأردنية والسعودية والإسرائيلية، مدعومة بتكنولوجيا الرصد الأميركية، من اعتراض الجزء الأكبر من الطائرات المسيّرة قبل أن تصل إلى أجواء إسرائيل، حيث تم إسقاط العديد منها فوق محافظة الأنبار وصحراء الأردن، فيما سقط بعضها شمال الأراضي السعودية².   وفي الرابع عشر من يونيو، أطلقت إيران هجومها الصاروخي الرئيسي، والذي اتسم بالتنسيق الواسع والنطاق العملياتي المتعدد. وقد استخدمت في هذا الهجوم أكثر من 150 صاروخًا باليستيًا، من أبرزها "قدر-110" (بمدى يصل إلى 3000 كم)، و"خرمشهر"، و"سجيل-2"، وهي من أخطر الصواريخ الإيرانية متوسطة المدى³. استهدفت هذه الصواريخ مواقع متفرقة في عمق الأراضي الإسرائيلية، كان من أبرزها محيط مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية في مجمّع "الكرياه" وسط تل أبيب، حيث أصيب المبنى بصاروخ واحد أسفر عن أضرار مادية وإصابات محدودة، من دون تسجيل خسائر مباشرة في صفوف الجيش. كما سُجلت أضرار في مبانٍ سكنية في مناطق رامات غان، وتل أبيب، وريشون لتسيون، إضافة إلى وقوع إصابات لعدد من المدنيين، بينهم حالة واحدة حرجة، بينما وصفت بقية الإصابات بالطفيفة أو المتوسطة⁴.   رغم الزخم النيراني، جاءت نتائج الهجوم دون سقف التوقعات الإيرانية، وهو ما دفع طهران إلى إعلان نيتها توسيع نطاق عملياتها لتشمل الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، وليس إسرائيل فقط. وقد تضمّن التهديد الإيراني إشارات مباشرة إلى قواعد أميركية حيوية، على غرار "قاعدة العُديد" في قطر، و"قاعدة الظفرة" في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك قواعد عسكرية أميركية في العراق كـ"عين الأسد" و"كامب فيكتوري" ببغداد، بالإضافة إلى منشآت بحرية في البحرين⁵.   ترى إيران أن أي مساهمة أميركية في دعم الدفاعات الجوية الإسرائيلية تُعدّ مشاركة مباشرة في الحرب، وبالتالي تمنحها شرعية استراتيجية لاستهداف الوجود العسكري الأميركي في الخليج. وهو ما يُمثّل تحولًا جذريًا في معادلة الردع الإقليمي، لا سيما أن هذه هي المرة الأولى منذ عام 2020 التي يظهر فيها خطر حقيقي بتحول منطقة الخليج إلى ساحة اشتباك عسكري مفتوح بين قوى إقليمية ودولية⁶.   يهدف هذا التحليل إلى تقديم قراءة معمقة للدوافع الاستراتيجية الكامنة خلف تهديدات إيران باستهداف القواعد العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج، وذلك عن طريق الربط بين المعطى الميداني (أنماط استخدام الصواريخ والطائرات المسيّرة) والمعطى البنيوي (توازن القوى الإقليمي والدولي)، لفهم السياقات التي تجعل من القواعد الأمريكية في الخليج أهدافًا ذات أولوية استراتيجية في الحسابات الإيرانية.
انفجارات ميناء رجائي: هل تعطّل المسار الدبلوماسي بين طهران وواشنطن؟
البرامج البحثية

انفجارات ميناء رجائي: هل تعطّل المسار الدبلوماسي بين طهران وواشنطن؟

شهد ميناء رجائي ذو الأهمية الاستراتيجية في بندر عباس - جنوب إيران-  انفجاراً هائلاً أثناء انعقاد الجولة الثالثة من المحادثات الإيرانية- الأمريكية في عُمان يوم السبت 26 أبريل 2025، ما شكّل منعطفاً حاسماً يستدعي تحليلاً معمقاً. يقع الميناء بالقرب من مضيق هرمز، ويمثل نقطة محورية لحركة الحاويات الإيرانية، ويكتسب أهمية بالغة لتجارة إيران الخارجية، خاصة في ظل العقوبات المفروضة عليها. تشير التقارير الأولية إلى فرضيتين رئيسيتين لأسباب الحادث: الأولى، انفجار عرضي ناجم عن سوء التعامل مع مئات الأطنان من مادة كيمائية حيوية، يرجح انها تستخدم لتغذية برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، على غرار كارثة ميناء بيروت عام 2020؛ والثانية، احتمال وجود عمل تخريبي متعمد، ربما تقف خلفه إسرائيل بهدف تعطيل مسار المحادثات الأمريكية الإيرانية. ويضفي توقيت الانفجار، الذي تزامن مع جهود دبلوماسية مكثفة، مزيداً من الأهمية على تداعياته المحتملة.   بغض النظر عن السبب النهائي، فإن انفجاراً بهذا الحجم يكشف عن ثغرات كبيرة في منظومة الأمان والإدارة داخل إيران، ويرتد صداه على مستوى المنطقة بأسرها، ويلقي بظلال كثيفة ومعقدة على المساعي الدبلوماسية الرامية إلى معالجة التوترات النووية وغيرها من الملفات العالقة. يستعرض هذا التعليق السيناريوهات المحتملة لما بعد الحادث، وتداعيات كل فرضية، والأهم من ذلك، التأثير المحتمل لتوقيته على مسار العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران.
التكلفة العربية: التداعيات الاستراتيجية لاضطرابات باب المندب
البرامج البحثية

التكلفة العربية: التداعيات الاستراتيجية لاضطرابات باب المندب

بدأ مُصطلح "وحدة الساحات" ينتشر لأول مرة في أدبيات الصراع العربي الإسرائيلي بعد معركة سيف القدس في عام ٢٠٢١، هي نهج عسكري وأيديولوجي يرتبط في المقام الأول بوكلاء إيران في المنطقة ضمن ما يُسمى "محور المقاومة"، الذي يضم جماعات مثل حزب الله، حماس، الحوثيين، وغيرها من الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا والعراق، بهدف تعزيز التنسيق العملياتي بين هذه الجماعات لمواجهة إسرائيل وتقليص النفوذ الأمريكي في المنطقة، وفقًا لما تقتضيه المصالح الإيرانية، وذلك عن طريق اتخاذ إجراءات متزامنة عبر جبهات مختلفة، مثل لبنان وغزة واليمن، لخلق معركة واحدة مُتزامنة موحدة ضد الأعداء المشتركين، وخاصة إسرائيل والولايات المتحدة.   طُبقت هذه الاستراتيجية على نطاقات محدودة عدة مرات قبل عمليات السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، لكنها وصلت إلى مراحل غير مسبوقة من التنسيق بعد هذه العمليات، لتبلغ حد تقسيم الأهداف داخل إسرائيل، ليقوم هؤلاء الوكلاء باستهداف المُنشآت الإسرائيلية من كُلًا من غزة، لبنان، العراق، سوريا، وصولًا لليمن، في تزامن وتتابع مُضني بالصواريخ والمُسيرات ضغط الدفاعات الجوية الإسرائيلية، حتى أن بعضها أطلق من اليمن ليُصيب أهدافًا في تل أبيب.   لم يكتفِ هؤلاء الوكلاء وخصوصًا الحوثيين بتهديد المُنشآت الإسرائيلية، بل تتابعت ضرباتهم لتُعيق الملاحة في مضيق باب المندب، قُبالة السواحل اليمينية، وذلك عبر عشرات الضربات لسُفن يدعي الحوثيين أن لها علاقات بإسرائيل بداية من ملكية للدولة أو لأشخاص ذوي جنسية إسرائيلية وصولًا إلى مرورها بالموانئ الإسرائيلية، مما يوسع دائرة الاستهداف، ويجعل معاييرها مطاطة تشمل نسبة كبيرة من حركة المرور في المضيق المحوري بالنسبة للتجارة العالمية، وخصوصًا الدول العربية المُصدرة للنفط، ومصر التي تعتمد على قناة السويس مقصد النسبة الأكبر من السُفن العابرة للمضيق، ما أسفر عن تحول مسار خطوط الشحن من قناة السويس إلى طريق رأس الرجاء الصالح، الأمر الذي ستكون له تحولات استراتيجية بعيدة المدى، بالإضافة إلى  تداعيات المدى القصير على اقتصادات الدول العربية من المجموعتين السابقتين، لذلك يهدف هذا التحليل إلى تحليل أهمية المضيق بالنسبة للدول العربية، وانعكاساته الاستراتيجية على اقتصاداتها.
النُّفوذ الإيرانيِّ في السُّودان: بين دبلوماسيَّة المُسيرات وضغوط الصِّراع
البرامج البحثية

النُّفوذ الإيرانيِّ في السُّودان: بين دبلوماسيَّة المُسيرات وضغوط الصِّراع

تتسم العلاقات بين السُّودان وإيران بتاريخ متقلب بين التقارب والقطيعة التي استمرت نحو 8 سنوات على أثر التوترات القوية بين إيران والمملكة العربية السعودية على خلفية اقتحام محتجون إيرانيون السفارة السعودية في طهران عام 2016، واتخذت الحكومة السُّودانية آنذاك قرارًا بإغلاق جميع المدارس والمراكز الثقافية الإيرانية، ولكن اليوم يتجه السُّودان وإيران بخطى حثيثة لفتح صفحة جديدة من العلاقات، وسط توترات إقليمية متصاعدة بين طهران وداعميها من جهة، وواشنطن وحلفائها من جهة أخرى، وحرب يخوضها الجيش السُّوداني ضد قوات الدعم السريع شبه العسكرية منذ أبريل 2023.   هيأت التغيرات الإقليمية الراهنة وأتاحت الفرصة أمام الطرفين للتحرك بشكل محسوب نحو أعادة تسوية خلافات الماضي لتشهد معها العلاقات تنامي ملحوظ في العام الماضي عبر سلسلة من اللقاءات الرسمية رفيعة المستوى لمسؤولين سودانيين مع نظيرهم الإيرانيين، أبرزها لقاء وزير الخارجية السُّوداني السابق علي الصادق ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان آنذاك على هامش اجتماع اللجنة الوزارية لحركة عدم الانحياز الذي استضافته العاصمة الأذربيجانية باكو في يوليو 2023  في خطوة حملت تحسس لعودة العلاقات، والتي ترتب عليها إعلان السُّودان استئناف علاقاته الدبلوماسية مع إيران رسميًا في 9 أكتوبر 2023، وبعد مرور عام على استئناف العلاقات تسلم رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، أوراق اعتماد السفير الإيراني، حسن شاه حسيني، سفيراً ومفوضاً فوق العادة لبلاده لدى السُّودان 21 يوليو 2024، مما طرح العديد من التساؤلات خاصة أن توقيته تزامن مع تصاعد التوترات في المنطقة، و أشهر من المعارك الدائرة بين الجيش السُّوداني وقوات الدعم السريع، وفي ظل التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب الذي بدأ قبل نحو 4 سنوات.   كما يثير هذا التقارب العديد من التساؤلات حول مدى استدامة هذا الاتفاق، خاصة في ظل تباين الأولويات الإقليمية بين البلدين، حيث تركز إيران على المشرق العربي، ويظل مستقبل هذه العلاقة مرهونًا بالتطورات الإقليمية وحسابات إيران الاستراتيجية في منطقة البحر الأحمر. فهل ستشهد العلاقة تحولًا جذريًا نحو شراكة استراتيجية مستدامة، أم ستبقى أسيرة التجاذبات الإقليمية والتكتيكات السياسية؟