يختص برنامج الاقتصاد والطاقة بتحليل والتنبؤ بقضايا الاقتصاد الكُلي، وانعكاساتها على المُستوي الدولي، وربطها بأسواق الطاقة التقليدية والمُتجددة، ليُقدم رؤية مُتكاملة لبنية الاقتصاد العالمي، وحلولًا لما قد يواجهه من تحديات
خلال يومي الثالث والرابع عشر من يونيو عام 2025، أقدمت إسرائيل على تنفيذ واحدة من أكثر عملياتها العسكرية جرأة وتعقيدًا في التاريخ الحديث، وذلك من خلال ضربة جوية مركّبة استهدفت العمق الإيراني بصورة مباشرة وغير مسبوقة. شملت الضربة منشآت نووية حساسة على غرار منشأتي نطنز وفوردو، إلى جانب مواقع أخرى في محيط مدينة أصفهان، فضلاً عن استهداف مطارات عسكرية مركزية في البنية التحتية للدفاع الجوي الإيراني، مثل "مطار همدان" و"مطار تبريز". كما استهدفت إسرائيل في ذات العملية قيادات عسكرية بارزة في الصف الأول من الحرس الثوري الإيراني والجيش النظامي، وتوافرت لاحقًا مؤشرات تؤكد وقوع إصابات أو تصفيات مباشرة لعدد منهم¹.
جاء الرد الإيراني سريعًا ومُحمّلاً بطابع الارتجال، في مسعى من طهران لإثبات تماسكها وردع خصومها. فأطلقت الجمهورية الإسلامية في اليوم نفسه أكثر من مائة طائرة مسيّرة هجومية، غالبيتها من طراز "شاهد 136" و"شاهد 131"، قاطعةً مسافة تُقدّر بحوالي 2000 كيلومتر عبر المجالين الجويين العراقي والسوري. إلا أنّ هذه الضربة لم تُحقق أهدافها، إذ تمكّنت أنظمة الدفاع الجوي الأردنية والسعودية والإسرائيلية، مدعومة بتكنولوجيا الرصد الأميركية، من اعتراض الجزء الأكبر من الطائرات المسيّرة قبل أن تصل إلى أجواء إسرائيل، حيث تم إسقاط العديد منها فوق محافظة الأنبار وصحراء الأردن، فيما سقط بعضها شمال الأراضي السعودية².
وفي الرابع عشر من يونيو، أطلقت إيران هجومها الصاروخي الرئيسي، والذي اتسم بالتنسيق الواسع والنطاق العملياتي المتعدد. وقد استخدمت في هذا الهجوم أكثر من 150 صاروخًا باليستيًا، من أبرزها "قدر-110" (بمدى يصل إلى 3000 كم)، و"خرمشهر"، و"سجيل-2"، وهي من أخطر الصواريخ الإيرانية متوسطة المدى³. استهدفت هذه الصواريخ مواقع متفرقة في عمق الأراضي الإسرائيلية، كان من أبرزها محيط مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية في مجمّع "الكرياه" وسط تل أبيب، حيث أصيب المبنى بصاروخ واحد أسفر عن أضرار مادية وإصابات محدودة، من دون تسجيل خسائر مباشرة في صفوف الجيش. كما سُجلت أضرار في مبانٍ سكنية في مناطق رامات غان، وتل أبيب، وريشون لتسيون، إضافة إلى وقوع إصابات لعدد من المدنيين، بينهم حالة واحدة حرجة، بينما وصفت بقية الإصابات بالطفيفة أو المتوسطة⁴.
رغم الزخم النيراني، جاءت نتائج الهجوم دون سقف التوقعات الإيرانية، وهو ما دفع طهران إلى إعلان نيتها توسيع نطاق عملياتها لتشمل الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، وليس إسرائيل فقط. وقد تضمّن التهديد الإيراني إشارات مباشرة إلى قواعد أميركية حيوية، على غرار "قاعدة العُديد" في قطر، و"قاعدة الظفرة" في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك قواعد عسكرية أميركية في العراق كـ"عين الأسد" و"كامب فيكتوري" ببغداد، بالإضافة إلى منشآت بحرية في البحرين⁵.
ترى إيران أن أي مساهمة أميركية في دعم الدفاعات الجوية الإسرائيلية تُعدّ مشاركة مباشرة في الحرب، وبالتالي تمنحها شرعية استراتيجية لاستهداف الوجود العسكري الأميركي في الخليج. وهو ما يُمثّل تحولًا جذريًا في معادلة الردع الإقليمي، لا سيما أن هذه هي المرة الأولى منذ عام 2020 التي يظهر فيها خطر حقيقي بتحول منطقة الخليج إلى ساحة اشتباك عسكري مفتوح بين قوى إقليمية ودولية⁶.
يهدف هذا التحليل إلى تقديم قراءة معمقة للدوافع الاستراتيجية الكامنة خلف تهديدات إيران باستهداف القواعد العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج، وذلك عن طريق الربط بين المعطى الميداني (أنماط استخدام الصواريخ والطائرات المسيّرة) والمعطى البنيوي (توازن القوى الإقليمي والدولي)، لفهم السياقات التي تجعل من القواعد الأمريكية في الخليج أهدافًا ذات أولوية استراتيجية في الحسابات الإيرانية.
تتواصل الحرب التجارية الدائرة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية منذ عدة سنوات، وقد حظيت باهتمام جماهيري متزايد، وذلك إلى حد كبير بفضل تأثير منصات التواصل الاجتماعي. ومع تزايد الوعي بهذا النزاع، لم تَعد وسائل التواصل الاجتماعي تكتفي بنقل المعلومات، بل أصبحت تؤثر في سلوك المستهلِكين، وغالبًا ما تدفع الأفراد إلى التوجُّه نحو أسواق بديلة. وفي بعض الحالات، تُدرك الحكومات هذا التأثير وتستخدمه بشكل استراتيجي، من خلال الاستعانة بمؤثري وسائل التواصل الاجتماعي لتوجيه الرأي العام والقرارات الاقتصادية. وهذا ما يحدث بالفعل في السيناريو القائم بين الصين والولايات المتحدة.
على مدى عقود، لجأت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إلى استخدام العقوبات كأداة سياسية لتعزيز الديمقراطية ومنع بعض الدول من تطوير أسلحة نووية أو كيميائية. وتُعد إيران مثالًا بارزًا في هذا السياق، حيث أدت جهودها في تطوير الأسلحة النووية والتكنولوجيات العسكرية المتقدمة إلى فرض أحد أشد أنظمة العقوبات صرامة عليها منذ الثورة الإسلامية عام 1979. وقد تركت هذه العقوبات، بما في ذلك الحظر الذي فرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عامي 2007 و2015، أثرًا بالغًا على الاقتصاد الإيراني. ومع ذلك، ورغم المصاعب الاقتصادية التي أفرزتها، فقد أسهمت أيضًا في تحفيز نمو قطاع التصنيع المحلي، لا سيما في الصناعات الدفاعية والعسكرية، مما يعكس قدرة إيران على التكيُّف مع التحديات. ويهدف هذا التحليل إلى استكشاف التأثير المزدوج للعقوبات المفروضة على إيران، عبر دراسة تداعياتها الاقتصادية، والنتائج غير المتوقعة التي أسهمت في تطوُّر القطاع الصناعي، بالإضافة إلى استراتيجيات الحكومة في التخفيف من آثار هذه العقوبات.
مع نزوح الملايين، والدمار الهائل الذي حاق بالبلاد، وتدمير صناعات بأكملها، أطلق الصراع السوري العنان لفوضى غير مسبوقة أنهكت اقتصاد البلاد منذ بدايته في عام 2011. وفي خضم المناقشات الدولية بشأن سياسات الترحيل، يشق عدد كبير من اللاجئين طريقهم إلى ديارهم، مدفوعين بالأمل في إعادة بناء حياتهم ومجتمعاتهم في أعقاب سقوط نظام الأسد. وفي حين يمثل إعادة اللاجئين فرصة لإنعاش الاقتصاد، فإن التحديات المعقدة المرتبطة بإعادة الإدماج وإعادة الإعمار تجعل مسار تحقيق تقدم ملموس أمرًا معقدًا للغاية. لذلك، فإن استراتيجية إعادة الإدماج التدريجية، التي تعتمد على الدعم الدولي - وخاصة من الدول المضيفة للاجئين - لا غنى عنها لتعزيز التعافي المستدام.
تشهد المملكة العربية السعودية تحولًا ملحوظًا عبر قطاعات متنوعة، مدفوعةً بإصلاحات طموحة في إطار رؤية 2030. فلا يكتفي اقتصاد المملكة بالوصول إلى آفاق جديدة، بعد أن حقق مؤخرًا مستوى تريليون دولار أمريكي، بل يهدف أيضًا إلى أن يكون من بين الاقتصادات الرائدة في العالم. وينبع هذا التقدم من استراتيجية التنويع الاقتصادي والاستثمارات القوية، التي تعيد تشكيل المشهد الاقتصادي للبلاد وتعزز مكانتها العالمية.
ومن المحركات الرئيسية الأخرى لهذا النمو ارتفاع مشاركة المرأة في القوى العاملة، من خلال زيادة الفرص التعليمية والبيئة الثقافية الأكثر شمولًا. وقد نفذَّت المملكة العربية السعودية إصلاحات جوهرية لتمكين المرأة اقتصاديًا، مما أحدث أثرًا إيجابيًا يتجاوز رؤية 2030. ونتيجةً لذلك، تشهد المملكة زيادةً كبيرةً في النمو الاقتصادي، مما يدل على القوة التحويلية لتمكين المرأة.
تُشكل أزمة التمويل تحديًا مُلحًا لجهود مُكافحة تغيُّر المناخ. فعلى الرغم من التعهدات الدولية، مثل تلك التي قُطعت في عام 2009 بتقديم 100 مليار دولار سنويًا للدول النامية بحلول عام 2020، إلا أنَّ الواقع يُشير إلى وجود فجوة تمويلية كبيرة تُعيق التقدم المُحرز في مجال التخفيف من آثار تغيُّر المناخ والتكيُّف معه. وعلى الرغم من أن اتفاق باريس لعام 2015 يهدف إلى الحد من الاحتباس الحراري، إلا أنه يواجه تحديات جمة في التنفيذ، ويُعزى هذه التحديات إلى عوامل مُتعددة، من بينها عدم كفاية التعهدات المالية من الدول المُتقدمة، وغياب آليات فعّالة للمُساءلة والشفافية لضمان الوفاء بهذه التعهدات. وتُؤكد هذه المُعطيات على ضرورة اضطلاع الدول المُتقدمة بدور قيادي في مُعالجة أزمة المناخ و التخفيف من آثار الاحتباس الحراري وتوفير الدعم المالي الكافي.
كما إنَّ عدم مُعالجة هذه الفجوة التمويلية يُنذر بعواقب وخيمة، لا سيما على الدول النامية التي تُعد الأكثر عُرضة لتداعيات تغيُّر المناخ. ويتمثل ذلك في تفاقم الظواهر الجوية المُتطرفة، وارتفاع منسوب مياه البحر، وتدهور الأنظمة البيئية، مما يُهدد سُبل عيش الملايين ويُعيق التنمية المُستدامة.
كما يُشكِّل تغيُّر المناخ تحديًا للنمو المستدام في عددٍ من الصناعات، وهو ليس مجرد شاغل بيئي، بل هو أيضًا مشكلة اقتصادية. فالاستثمار غير الكافي في مجال تغيُّر المناخ يؤدي إلى تفاقم المشاكل، بما في ذلك تزايد الديون لدى الدول النامية، وانخفاض الإنتاجية الزراعية، وانعدام الأمن الغذائي، والتقلُّبات في صناعات مثل السياحة. لذا، يتطلب الأمرُ مُراجعة شاملة للاتفاقيات الدولية المُتعلقة بتغيُّر المناخ، بهدف تعزيز فعاليتها وضمان تحقيق أهدافها. ويشمل ذلك إعادة النظر أيضًا في آليات التمويل، وتعزيز المُساءلة، وتطوير آليات فعّالة للتعاون الدولي.
تتشكل الحملات الانتخابية الناجحة للوصول إلى رئاسة الولايات المُتحدة الأمريكية من مجموعة من العوامل من بين أهمها استراتيجيات الحملة، مؤهلات المُرشح، التغطية الإعلامية، والوصول للجمهور، العوامل الاجتماعية والاقتصادية، ومعنويات الناخبين، لكن على رأس هذه العوامل يأتي جمع الأموال وتخصيص الموارد، والذي يُعتبر وقود الحملة برمُتها، والمُعزز الذي يدفع في اتجاه توظيف مُجمل العوامل السابقة بشكل أكثر نجاعة، ولذلك بحثت العديد الدراسات العلاقة بين التمويل في الحملات الرئاسية الأمريكية ونجاح المرشحين، وعلى الرغم من الاختلاف الشديد لنتائج هذه الدراسات إلي أن مُجملها اتفق على أن جمع التبرعات يعد عنصرًا حاسمًا في أي حملة قابلة للاستمرار، فيما دار الاختلاف حول أن إجمالي المبالغ المُجموعة ليس دائمًا مؤشرًا نهائيًا للنجاح الانتخابي ، الأمر الذي يُمكن التدليل عليه بوجه خاص في حملتي الترشح الرئاسي لعامي 2016 و2020حيث ضعفت العلاقة بين المبلغ الذي تم جمعه واحتمالية الفوز ، بما يُشير إلى تغيُر في ديناميات تمويل الحملات الانتخابية وتفضيلات الناخبين.
على الجانب الآخر يُشير التمويل في حد ذاته إلى مجموعة واسعة من التفضيلات الأولية للناخبين، وانتماءاتهم السياسية، والأجندة التي سيتبناها الرئيس الجديد، بالإضافة إلى ترتيب أولوياته، والأدوات التي سيستخدمها لتحقيق هذه الأهداف، لذلك يحاول هذا المقال تحليل مصادر تمويل الحملتين الرئاسيتين للحزبين الديموقراطي والجمهوري باعتبارهما الأكبر والأكثر مُنافسة، والأعلى احتمالية للوصول إلى سُدة الحُكم.
انقضى عام كامل على عمليات حركة حماس في غُلاف غزة، والتي تعد أول اجتياح فلسطيني للداخل الإسرائيلي مُنذ حرب تأسيس إسرائيل في خمسينيات القرن الماضي، أُسر على إثرها عشرات الإسرائيليين، وقُتل المئات، وبدأت إسرائيل على إثرها أشد عملياتها العسكرية مُنذ حرب السادس من أكتوبر ١٩٧٢، في مُحاولة لاستعادة قدراتها المُبعثرة على الردع، وهيبتها المفقودة في الإقليم، شنت خلالها عشرات الآلاف من الهجمات، واستخدمت خلالها عشرة آلاف قذيفة في المتوسط شهريًا مُنذ بداية الحرب ، تضرر خلالها ١٦٣.٧ ألف مبنى وهو ما يمثل ٦٦٪ من إجمالي مباني القطاع ، منها ٥٢.٥ ألفًا مُدمرة بالكامل ، كما قُتل على إثرها أكثر من ٤١ ألفًا من الفلسطينيين وما زالت الخسائر مستمرة، لم يتوقف هذا الدمار عند غزة فقط، لكن تكلفة إحداثه والاستمرار فيه لمُدة عام كامل كانت باهظة على إسرائيل التي تلقت كذلك آلاف الهجمات الصاروخية، التي وإن كانت لم تُصب بنيتها التحتية بالقدر الكافي، لكنها انعكست وبشدة على اقتصادها وسُمعتها كاقتصاد مُتقدم وآمن، الأمر الذي يدفعنا لدراسة أثر الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي خلال العام الماضي، وتوقع آثارها المُستقبلية.
تتابع على الاقتصاد العالمي دورات من التشديد والتيسير النقدي تدور في عكس اتجاه دورات الأعمال بحيث كُلما كانت دورة الأعمال في أدني مُستوياتها وباتت في سبيلها للركود، جاءت السياسة النقدية توسعية لتحول مسارها وتمنعها من الوصول إلى مُستويات النمو السريع والفائق قُرب قمتها، تأتي السياسة النقدية الانكماشية لتقمع هذا النمو المُفرط وتكبح جماحه بحيث لا يُفرز آثار تضخمية تودي بالمُكتسبات الاقتصادية، وتقضي على مُدخرات المواطنين، بحيث تحافظ السياسة النقدية في كلا الحالتين على مُستويات مقبولة من نمو مُعتدل للاقتصاد الوطني دونما إفراط.
تعمل أدوات السياسة النقدية بالطريقة السابقة في سائر اقتصادات العالم باستثناء، الفيدرالي الأمريكي الذي لا يقتصر تأثيره على الاقتصاد الأمريكي فحسب، بل إن تأثيراتها تمتد إلى الساحة العالمية بنطاقها الواسع، بحيث أن قرار رفع الفائدة في الولايات المُتحدة الأمريكية، يؤثر على إنفاق سائر البشر من أدنى الأرض إلي أقصها ولو بطريقة غير مُباشرة، هذا التأثير يجعل مواطني الدول الإفريقية على وجه الخصوص مُنكشفين بشدة على تداعيات تشديد السياسة النقدية الأمريكية، وعلى وجه الخصوص عند رفع أسعار الفائدة، لهذا تبحث هذه الورقة في الرابط بين السياسة النقدية التشددية للولايات المُتحدة خلال السنوات الثلاث الماضية، وموجات عدم الاستقرار التي ضربت القارة ومازالت حتى وقت كتابة هذه الكلمات، قبل أن يشرع الفيدرالي الأمريكي في عكس اتجاهه نحو سياسة نقدية توسعية من جديد.
تدخل الحرب الروسية الأوكرانية شهرها الثامن عشر، دونما حسم واضح في اتجاه أحد الطرفين، أو حتى سيطرة استراتيجية أو عملياتية من أحدهما، تقربه من فرض موقفه على طاولة المفاوضات، الأمر الذي يُشير إلى أن الصراع قد يستمر لعدة أشهر أخرى على أقل تقدير قبل أن يتجه الطرفين إلى التهدئة، الوضع ذاته في غزة التي تدخل الحرب فيها شهرها الثامن -كأحد أطول الحروب في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي رُبما باستثناء حربي تأسيس إسرائيل، والاستنزاف مع مصر- دونما اقتراب من أي حسم، أو حتى أفق يشير إلى أن طرفي الحرب على وشك الذهاب إلى التهدئة أو حتى أن أحدهما أو كلاهما بات راغب فيها، قد يكتمل عقد الحروب المُمتدة إذا اشتعلت الحرب بين الصين مع أحد جيرانها سواء في مضيق تايوان أو في بحر الصين الجنوبي، الأمر الذي بات غير مُستبعد في ظل انخراط الولايات المُتحدة في مُناوشات سياسية واقتصادية إقليمية ودولية تستهدف المصالح الصينية مُباشرة.
تجمع الحربين القائمتين وتلك المُتوقعة، خصيصتين -بالإضافة إلى أنها استغرقت أو قد تستغرق وقتًا أطول في الحسم مما كان متوقعًا- أولهما أنها تدور في مناطق ذات أهمية استراتيجية فائقة للعالم، سواء في السهل الأوروبي العظيم أحد أخصب أقاليم العالم وأغزر مناطق انتاج الحبوب فيه، أو في قلب الشرق الأوسط عند مُفترق طُرق التجارة العالمية ومسارات الطاقة. ثم أنهما أخيرًا لا تدوران بين دول أو أطراف مُنفردة، بل ضمن تحالفات أوسع، حيث ينخرط في الحرب الروسية الأوكرانية بشكل غير مُباشر كُلا من كوريا الشمالية وإيران إلى جانب روسيا، وحلف شمال الأطلسي إلى جانب أوكرانيا، فيما انخرط في حرب غزة إلى جانب إسرائيل كُلًا من الولايات المُتحدة وبريطانيا وفرنسا، وإلى جانب حماس إيران، حزب الله، الحوثيين، وعدد كبير من الجماعات الشيعية في العراق وسوريا.
هاتين الخصيصتين طبعتا الحربين الجاريتين بخصائص تُشبه جُزئيًا وبشكل مُصغر خصائص الحربين العالميتين الأولى والثانية من حيث كثافة الاستهلاك النيراني وما يُصاحبه من كثافة الوفيات بين الأطراف المُتصارعة، أو من حيث طول خطوط الاشتباك، وبالتالي باتت الحربين تستهلكان كميات هائلة من الذخائر والأسلحة التقليدية وخصوصًا دانات المدافع، حتى استنزفت أو كادت مخزونات القوى المُنخرطة في الصراع، وبالتالي بات الإحلال محلها حتميًا، ما أوصل حرارة المعارك الدائرة إلى خطوط الإنتاج في المصانع، التي -في أغلب الأوقات- كانت غير قادرة على الوفاء باحتياجات الجبهة أو أغراض إعادة استيفاء المخزون، ما أسفر في النهاية عن نُدرة شديدة في الذخائر على كل الجبهات لدى كُل الأطراف.
حولت هذه النُدرة الحرب إلى سلسلة من المعارك الصناعية يتفوق فيها الطرف ذا القُدرة الصناعية الأكبر، حيث يكون قادر على إمداد قواته بمزيد من الذخيرة التي تعطيها اليد الأعلى في المعركة، وبالتالي تحولت الصناعة بشكل مُباشر إلى أحد مُقومات الأمن القومي بمعناه شديد الضيق، لذلك تُحلل هذه الورقة انعكاسات القُدرة الصناعية على الحرب الروسية الأوكرانية من خلال سلاح المدفعية لدى الطرفين.
في الخامس من أغسطس 2024، شهدت أسواق المال هبوطًا حادًا في أعقاب فترةٍ من التقلبات الشديدة، حيث شكَّلَ اضطراب المؤشرات الاقتصادية في الولايات المتحدة ورفع بنك اليابان أسعار الفائدة بشكل غير متوقع أبرز العوامل الرئيسية لهذا الانهيار. وكانت المؤشرات العالمية الرئيسية قد شهدت انخفاضًا حادًا، غير أنها تعافت في غضون 24 ساعة فقط، وعلى الرغم من أن هذا التعافي حدث سريعًا، إلا أن حدوث هذا التراجع قد يكون بمثابة إشارة إلى أن الاقتصاد العالمي على وشك التباطؤ مرةً أخرى.
بدأ مُصطلح "وحدة الساحات" ينتشر لأول مرة في أدبيات الصراع العربي الإسرائيلي بعد معركة سيف القدس في عام ٢٠٢١، هي نهج عسكري وأيديولوجي يرتبط في المقام الأول بوكلاء إيران في المنطقة ضمن ما يُسمى "محور المقاومة"، الذي يضم جماعات مثل حزب الله، حماس، الحوثيين، وغيرها من الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا والعراق، بهدف تعزيز التنسيق العملياتي بين هذه الجماعات لمواجهة إسرائيل وتقليص النفوذ الأمريكي في المنطقة، وفقًا لما تقتضيه المصالح الإيرانية، وذلك عن طريق اتخاذ إجراءات متزامنة عبر جبهات مختلفة، مثل لبنان وغزة واليمن، لخلق معركة واحدة مُتزامنة موحدة ضد الأعداء المشتركين، وخاصة إسرائيل والولايات المتحدة.
طُبقت هذه الاستراتيجية على نطاقات محدودة عدة مرات قبل عمليات السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، لكنها وصلت إلى مراحل غير مسبوقة من التنسيق بعد هذه العمليات، لتبلغ حد تقسيم الأهداف داخل إسرائيل، ليقوم هؤلاء الوكلاء باستهداف المُنشآت الإسرائيلية من كُلًا من غزة، لبنان، العراق، سوريا، وصولًا لليمن، في تزامن وتتابع مُضني بالصواريخ والمُسيرات ضغط الدفاعات الجوية الإسرائيلية، حتى أن بعضها أطلق من اليمن ليُصيب أهدافًا في تل أبيب.
لم يكتفِ هؤلاء الوكلاء وخصوصًا الحوثيين بتهديد المُنشآت الإسرائيلية، بل تتابعت ضرباتهم لتُعيق الملاحة في مضيق باب المندب، قُبالة السواحل اليمينية، وذلك عبر عشرات الضربات لسُفن يدعي الحوثيين أن لها علاقات بإسرائيل بداية من ملكية للدولة أو لأشخاص ذوي جنسية إسرائيلية وصولًا إلى مرورها بالموانئ الإسرائيلية، مما يوسع دائرة الاستهداف، ويجعل معاييرها مطاطة تشمل نسبة كبيرة من حركة المرور في المضيق المحوري بالنسبة للتجارة العالمية، وخصوصًا الدول العربية المُصدرة للنفط، ومصر التي تعتمد على قناة السويس مقصد النسبة الأكبر من السُفن العابرة للمضيق، ما أسفر عن تحول مسار خطوط الشحن من قناة السويس إلى طريق رأس الرجاء الصالح، الأمر الذي ستكون له تحولات استراتيجية بعيدة المدى، بالإضافة إلى تداعيات المدى القصير على اقتصادات الدول العربية من المجموعتين السابقتين، لذلك يهدف هذا التحليل إلى تحليل أهمية المضيق بالنسبة للدول العربية، وانعكاساته الاستراتيجية على اقتصاداتها.