يختص برنامج الاقتصاد والطاقة بتحليل والتنبؤ بقضايا الاقتصاد الكُلي، وانعكاساتها على المُستوي الدولي، وربطها بأسواق الطاقة التقليدية والمُتجددة، ليُقدم رؤية مُتكاملة لبنية الاقتصاد العالمي، وحلولًا لما قد يواجهه من تحديات
شهد النظام الدولي تحوّلًا جذريًّا في النظرة إلى الفضاء الخارجي، حيث لم يعد يُمثّل مجرد امتداد تقني للاستكشاف العلمي، بل أصبح يُجسّد موردًا استراتيجيًّا بالغ الأهمية. ساهمت الثورة الرقمية والاعتماد المتزايد على الأقمار الصناعية في تعظيم القيمة الجيوسياسية للمدارات، ودفع هذا التحوّل مؤسسات التنظيم الدولية، وفي مقدمتها الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)، إلى توسيع دورها في إدارة ما يُعرف بالموارد المدارية الطيفية (orbit-spectrum resources). رغم ذلك، حافظت هذه المؤسسات على آليات تنظيمية تعود جذورها إلى حقبة الستينيات، في وقت تضاعفت فيه أعداد الفاعلين وأهداف الاستخدام.
اعتمدت منظومة الـITU على مبدأ "الأسبقية في التقديم" (First Come, First Served – FCFS)، فسمحت للأطراف القادرة على تقديم ملفاتها مبكرًا بالحصول على أولوية قانونية في الوصول إلى المدارات والترددات، دون أن تربط ذلك بمدى الجاهزية التقنية أو الالتزام الفعلي بالتشغيل. هذا الإطار التنظيمي، الذي استجاب في حينه لمتطلبات فنية محدودة ولعدد قليل من الدول، لم يواكب التغيرات اللاحقة، فساهم في تكريس تفاوتات هيكلية بين من امتلك قدرات مبكرة ومن بقي على هامش النظام الفضائي العالمي.
دفع هذا الخلل النظامي الدول القادرة على بناء وتشغيل منظومات فضائية معقدة إلى استغلال قواعد الـFCFS، فاستحوذت على المواقع المدارية ذات القيمة الاستراتيجية. وتشير بيانات عام 2025 إلى وجود أكثر من 12,000 قمر صناعي نشط حول الأرض، تُشغّل الولايات المتحدة وحدها نحو 70% منها، بينما لا تتجاوز حصة الغالبية الساحقة من الدول النامية نسبًا هامشية. ارتبط هذا التوزيع غير المتكافئ بطفرة الكوكبات الضخمة (mega-constellations) في المدار الأرضي المنخفض (LEO)، حيث أطلقت شركات مثل SpaceX آلاف الأقمار ضمن شبكات مستقلة تُهيمن على البنية التحتية للاتصال العالمي.
لم تقتصر الإشكاليات على التوزيع غير العادل، بل امتدت لتشمل تحديات تتعلق بالاستدامة البيئية والأمن التقني. أسهمت الوتيرة المرتفعة لإطلاق الأقمار الصناعية في ازدحام طبقات المدار، ورفعت احتمالات التصادم، وعمّقت أزمة الحطام الفضائي. ومع أنّ النظام الحالي يُركّز على منع التداخل الترددي، إلا أنه لا يمتلك أدوات تنظيم حقيقية لإدارة الكثافة المدارية أو لتقليل مخاطر الاصطدام. ونتيجة لذلك، نشأت فجوة بين أهداف التنظيم التقني ومقتضيات الإدارة البيئية والأمنية.
في ضوء هذه التحولات، يهدف هذا التحليل إلى دراسة المنظومة القانونية والإجرائية القائمة، وتفكيك منطق عمل مبدأ FCFS، من خلال دراسة بيانات الامتلاك المداري، ورصد أنماط التمركز الاستراتيجي، وتتبع تداعياتها البيئية والجيوسياسية والاقتصادية.
شهد المدار القريب من الأرض Low Earth Orbit (LEO) منذ إطلاق القمر الصناعي الأول عام 1957 تحوّلًا جوهريًا من فضاء شبه فارغ إلى بيئة ملوّثة ومزدحمة بمخلّفات النشاط الفضائي. فقد تراكمت الأقمار الصناعية غير الوظيفية Dead Satellites، ومراحل الصواريخ المستهلكة Spent Rocket Stages، والقطع المُتفككة الناتجة عن الانفجارات والاصطدامات Fragmentation Debris، حتى تجاوزت الكتلة الاصطناعية في المدار 14,700 طن، كما وأسهمت أحداث محددة في تضخيم هذه الأزمة، أبرزها التجربة الصينية المضادة للأقمار الصناعية Anti-Satellite Test (ASAT) عام 2007، والاصطدام بين القمر الأميركي Iridium-33 والقمر الروسي Kosmos-2251 عام 2009، واللذان ولّدا معًا ما يقارب ثلث الحطام المرصود في المدار الأرضي المنخفض.
تتوزع هذه المخلفات عبر نطاقات مدارية مختلفة، لكنها تتركز بكثافة في الحزام الممتد بين 750 و1000 كيلومتر، وهو أكثر المدارات استخدامًا لأغراض الرصد الأرضي Earth Observation والاتصالات. وفي هذه الارتفاعات قد تبقى الأجسام قرونًا قبل أن تدخل الغلاف الجوي، فيما يكتسب المدار الثابت Geostationary Orbit (GEO) خطورته من استدامة وجود أي حطام يتولد فيه، نظرًا لندرة عودة الأجسام المتواجدة فيه إلى الأرض. الأمر الذي حول المدار من مجرد ساحة مفتوحة إلى موردًا محدودًا ملوّثًا يستدعي إدارة جماعية رشيدة.
يتناول هذا الملف بالدراسة والتحليل الأبعاد الاقتصادية والسياسية لظاهرة الحطام الفضائي Space Debris. ويركّز على قياس الكلفة المباشرة التي تتحملها الشركات والوكالات في إدارة مخاطرها، ثم ينتقل إلى تفكيك الانعكاسات غير المباشرة لهذه الظاهرة على البنية التحتية الأرضية مثل أنظمة الملاحة العالمية Global Navigation Satellite Systems (GNSS) والأرصاد الجوية Weather Forecasting. كما يخصص مساحة لتوضيح العقبات التي تواجه الدول النامية، من نقص التمويل إلى ضعف القدرات التقنية والتنظيمية، في ظل بيئة مدارية صاغتها أفعال القوى الفضائية الكبرى. وينتهي إلى بحث الاستجابات الممكنة، من إجراءات التخفيف Mitigation إلى الإزالة النشطة لهذه الأجسام Active Debris Removal (ADR).
تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة إلى إنشاء كتلة تجارية جديدة تمثل مبادرة استراتيجية مترابطة الأبعاد، ترمي إلى تحقيق جملة من الأهداف على الصعيدين الوطني والدولي. ولا يجوز النظر إلى هذه الكتلة التجارية بمعزل عن سياقها الأشمل، بل ينبغي فهمها في إطار الاستراتيجية الاقتصادية والجيوبوليتيكية الأوسع التي تنتهجها الإمارات، والتي تعكس بدورها التحوّلات البنيوية والتطورات المتسارعة في مشهد التجارة العالمية.
في عصر العولمة المجزّأة، حيث تتزايد بصورة ملحوظة محاولات التنافس والتكامل بين الشبكات التجارية الإقليمية والنظم متعددة الأطراف، تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة إلى ترسيخ مكانتها والحفاظ على حضورها الفاعل عبر تموضعها في طليعة المشهد العالمي. وتتيح هذه المقاربة للإمارات تحقيق مكاسب على مستويات متعددة، من خلال دفع أولوياتها الداخلية قُدماً، وفي الوقت نفسه تعزيز قدرتها على التأثير في موازين القوة الاقتصادية العالمية المتحوّلة. ومع ذلك، فإن نجاح هذا التكتل ليس مضموناً بصورة مطلقة، إذ سيتعيّن عليه تجاوز عقبات تنظيمية وبنيوية وسياسية كبرى من أجل تحويل إمكاناته النظرية إلى نتائج عملية ملموسة.
شهدت السنوات الأخيرة بروز شبكة الأقمار الصناعية العاملة في المدار الأرضي المنخفض (Low Earth Orbit – LEO) كأحد التحوّلات الجذرية في بنية الاتصال العالمي، بعدما انتقلت من كونها حلًّا تقنيًّا لتوسيع نطاق التغطية في المناطق النائية إلى مكوّن أساسي في البنية التحتية الرقمية العالمية. وتُعد شبكة "ستارلينك" (Starlink)، التابعة لشركة SpaceX، أبرز الأمثلة على هذا التحول، إذ تجاوز عدد مستخدميها سبعة ملايين بحلول منتصف عام 2025، مع تغطية تشمل أكثر من 150 دولة، ومعدلات نمو غير مسبوقة في قطاعات الطيران، الملاحة البحرية، الأسواق المالية، والخدمات الحكومية والعسكرية.
هذا التوسّع التقني والجغرافي السريع وضع "ستارلينك" في موقع بنيوي بالغ الحساسية، إذ باتت تمثّل نقطة التقاء بين البنية التحتية الرقمية والوظائف السيادية للدول، في ظل غياب تنظيم دولي واضح يُقنن هذا الاعتماد أو يضمن استقراره. وقد كشفت حوادث الانقطاع الواسعة التي وقعت في شهري يوليو وسبتمبر 2025 عن هشاشة كامنة في المعمار البرمجي للشبكة، وعن قابلية هذا النظام العالمي الجديد للتعطل بفعل أخطاء داخلية أو اضطرابات بيئية فضائية.
يتناول هذا التحليل تلك الإشكالية من زاويتين مترابطتين: الأولى تقنية–اقتصادية، ترصد أنماط الفشل المحتملة لشبكات LEO من خلال دراسة حالتي الانقطاع المذكورتين وتفكيك البنية التشغيلية لشبكة ستارلينك، والثانية استراتيجية–استشرافية، تُقيّم الآثار المتوقعة لانقطاع عالمي واسع النطاق في المستقبل القريب، من خلال نمذجة الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة، واقتراح مسارات للحد من المخاطر النظامية، سواء عبر التنظيم التقني أو السياسات العامة على المستويين الوطني والدولي.
تشهد صناعة الطيران العالمية لحظة تاريخية يتحوّل فيها مركز الثقل من الغرب إلى الشرق، في تغيُر يعكس ديناميات أعمق لإعادة توزيع القوة الاقتصادية والجغرافية في النظام الدولي. فبعد عقود من الهيمنة الغربية التي ارتكزت على البنى التحتية المتقدمة والأساطيل الكبرى والأسواق الاستهلاكية المستقرة، بدأت شركات الطيران في الشرق الأوسط وآسيا تفرض نفسها باعتبارها المحرك الجديد للنمو، والفاعل المركزي في رسم خطوط الاتصال بين القارات. لم يكن هذا التحول وليد أزمة كوفيد-19 فحسب، بل تسارعت وتيرته في أعقابها، مع تعثّر تعافي الشركات الغربية، مقابل صعود شركات شرقية مدفوعة بدعم حكومي واسع واستراتيجيات توسّع مُمأسسة وممَوّلة على نطاق ضخم.
يشهد سوق العمل تحولاً عميقاً مع ابتعاد ملايين الأفراد حول العالم عن الوظائف التقليدية ذات الرواتب الثابتة، واتجاههم نحو أعمال مرنة ومستقلة تُيسّرها المنصات الرقمية. وقد أسهم هذا التحول في تسريع نمو اقتصاد العمل الحر "gig economy"، الذي يعيد تشكيل أنماط التوظيف، ويحفّز ريادة الأعمال، ويدفع بعجلة الابتكار. وفي المقابل، يثير هذا الواقع تحديات جديدة تتعلق بتقلب الدخل، وحماية حقوق العاملين، والإشراف التنظيمي.
إن مصطلح "gig"، الذي كان يُستخدم سابقاً من قبل الموسيقيين للدلالة على العروض المؤقتة، بات اليوم يشمل طيفاً واسعاً من الأعمال الحرة أو التعاقدية أو المؤقتة التي تمنح الأولوية للمرونة على حساب الاستقرار الدائم. ويستمد اقتصاد العمل الحر زخمه من المنصات الرقمية التي تربط العمال بالعملاء، بدءاً من خدمات النقل التشاركي وتطبيقات التوصيل، مروراً بأسواق العمل الحر، وصولاً إلى منصات التعليم عبر الإنترنت. ورغم أن هذا النموذج يوفّر مزايا اقتصادية تشمل إنتاجية أعلى، وقدرة أكبر على التكيف، وفرصاً ريادية واسعة، فإنه في الوقت ذاته يعرّض العاملين لمخاطر تتعلق بالحقوق، وأمن الوظيفة، والمعاملة العادلة. ومن ثم يبقى التوصل إلى توازن بين الابتكار وضمان الحماية المنصفة أمراً جوهرياً.
في الشرق الأوسط، يشهد اقتصاد العمل الحر توسعاً متسارعاً مدفوعاً بقاعدة شبابية متمرسة رقمياً، وضغوط البطالة، واستراتيجيات التنويع الاقتصادي التي تقودها الحكومات. وبحلول عام 2024، ساهمت المنطقة بأكثر من 7% من حجم سوق العمل الحر العالمي، حيث أصبح العمل الحر وخدمات التوصيل والمنصات الرقمية ركائز أساسية في الاقتصادات المحلية.
وقد بدأ صانعو السياسات بالاستجابة عبر إطلاق تأشيرات عمل حر، وبرامج لبناء المهارات، وتشريعات موجّهة؛ إذ تعمل دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على مواءمة اقتصاد العمل الحر مع رؤاها الطموحة للتحول، في حين تعكس مصر في الوقت نفسه قوة نمو هذا القطاع واستمرار تحديات الطابع غير الرسمي وضعف التنظيم.
ورغم ازدهار اقتصاد العمل الحر في الشرق الأوسط، فإن تحقيق إمكاناته الكاملة يظل رهناً بجيل جديد من الإصلاحات الحكومية التي تتجاوز مجرد دعم النمو، لتتجه نحو بناء قوة عاملة حرة مستقرة ومحمية.
في يوم 28 يوليو 2025، وخلال مؤتمر صحفي مشترك في اسكتلندا بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، أعلن ترامب بشكل مفاجئ أنه يمنح روسيا مهلة جديدة لا تتجاوز عشرة إلى اثني عشر يومًا (حتى 8 أغسطس 2025 تقريبًا) لإحراز تقدم نحو إنهاء الحرب في أوكرانيا، مهددًا بأنه في حال عدم الاستجابة سيواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حزمة عقوبات اقتصادية وقيود تجارية مشددة. وجاء هذا التصعيد بعد فترة من المحاولات الدبلوماسية غير المثمرة والتعبير المتكرر من ترامب عن استيائه من بوتين لاستمراره في العمليات العسكرية.
لاحقًا، وفي 31 يوليو 2025، رد نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، ديمتري ميدفيديف (الرئيس الروسي السابق)، بتصريحات حادة عبر قناته على تليغرام، مذكِّرًا ترامب بما أسماه "خطر اليد الميتة"، أي نظام الردع النووي الروسي شبه الآلي المصمم لضمان توجيه ضربة انتقامية نووية حتى في حال القضاء التام على القيادة الروسية. وقد أثار هذا الرد قلق الإدارة الأميركية، ورد ترامب بتحريك غواصتين نوويتين أميركيتين إلى مناطق استراتيجية تحسبًا لأي تصعيد محتمل، مؤكدًا أن التهديدات النووية "خطيرة للغاية" ويجب التحسب لها بقوة.
الرد الأميركي لم يتأخر. ففي الأول من أغسطس، نشر ترامب تدوينة جديدة على منصة "تروث سوشيال"، أكد فيها أنه وجّه أوامر مباشرة بنشر غواصتين نوويتين أميركيتين قرب المياه الإقليمية الروسية. ولم يُفصح الرئيس الأميركي ما إذا كانت الغواصات مزودة برؤوس نووية أم لا، تاركًا الباب مفتوحًا أمام أكثر السيناريوهات غموضًا، في خطوة محسوبة ضمن منطق الردع النووي الاستباقي.
لكن اللافت أن هذا التصعيد لم يبقَ محصورًا في المجال الروسي–الأميركي فقط، بل اتسعت دائرته لتطال الهند، التي وُضعت فجأة في قلب العاصفة. ففي 31 يوليو، أعلن ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 25٪ على كل الصادرات الهندية إلى الولايات المتحدة، وهدد بعقوبات إضافية تطال الشركات التي تواصل استيراد النفط أو بيع الأسلحة مع موسكو. جاءت هذه الخطوة بسبب اعتماد نيودلهي المتزايد على الخام الروسي، والذي بات يُشكل بين 35 و40٪ من احتياجاتها النفطية.
ومع أن الحكومة الهندية لم تُعلن رسميًا التراجع عن التعاقدات الروسية، فإن تعليمات غير مكتوبة صدرت إلى شركات التكرير الوطنية بالبحث الفوري عن بدائل في السوق العالمية، وبدأت فعلاً بوادر التحوّل تظهر، من دون أن تصل إلى حدّ القطيعة الكاملة مع روسيا، في محاولة لإرضاء الطرفين دون خسارة أيٍّ منهما.
غير أن التوتر هنا لا ينحصر فقط في لعبة التهديدات والمواقف. فالأزمة الناشئة بدأت ترسم موجات ارتدادية هائلة تتجاوز السيادة والردع، وتصل إلى قلب الأسواق العالمية. من الطاقة إلى الغذاء، ومن السلاح إلى سلاسل الإمداد، يشهد العالم اختلالًا متسارعًا في التوازنات، سيصُبّ لصالح بعض دول الشرق الأوسط التي ستستفيد من ارتفاع الطلب، بينما ستتضرر أخرى بشدة، سواء بفعل الأسعار أو بفعل خنق ممرات التجارة أو تقلبات التمويل.
يتتبّع هذا المقال بدقة أثر هذا التصعيد الجيوسياسي على أسواق الطاقة العالمية، مع التركيز على السيناريوهات المحتملة في حال استمر الضغط الأميركي وواصلت الهند تقليص اعتمادها على النفط الروسي. إذ تُعدّ الهند، بحجم استهلاكها وقدرتها على المناورة بين الموردين، فاعلًا مرجِّحًا في معادلة العرض والطلب، وتحوّلها المفاجئ نحو أسواق الخليج أو أميركا اللاتينية لا يُعيد فقط تشكيل الجغرافيا التجارية للنفط، بل يُحدث موجة مضاعفة من التأثيرات تمتد إلى الاقتصادات العربية ذات العلاقة العضوية بأسواق الطاقة. في هذا السياق، يرصد المقال الفرص والتحديات التي تواجه دول الخليج بوصفها بديلًا استراتيجيًا للمصدر الروسي.
في عالم تسوده التحوّلات المتسارعة المدفوعة بالتقدم التكنولوجي، يُعاد رسم ملامح المشهد العالمي على وقع الصعود اللافت لتقنيات الذكاء الاصطناعي، تلك التقنية التي باتت تضطلع بدور جوهري في إحداث تحوّلات اقتصادية كبرى، وإطلاق عصر جديد من النمو في الناتج المحلي الإجمالي. وتُعدّ منطقة الشرق الأوسط من بين أكثر المناطق حيويةً في ما يتعلّق بدمج الذكاء الاصطناعي، إذ لا تكتفي بمجرد الرصد أو مواكبة حركة التطور، بل تتبنّى هذا التحوّل بشكل ثوري، حيث تسعى حكومات المنطقة إلى تسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي لإعادة تشكيل سياساتها، وتطبيق استراتيجيات وطنية طموحة، واستقطاب استثمارات أكثر ذكاءً، وإعادة بناء مستقبلها على أسس رقمية أكثر تطورًا. وقد بدأت ملامح هذا التحول تؤتي ثمارها، حيث باتت اقتصادات عدّة في المنطقة أكثر مرونةً وديناميكية، وتطورت النظم لتعمل بكفاءة وذكاء أعلى، ما أسهم في توفير خدمات أفضل وأكثر فاعلية لشعوبها.
ورغم التقدّم السريع والنمو المتسارع في مجال الذكاء الاصطناعي داخل الشرق الأوسط، لا تزال المنطقة تواجه جملة من التحديات التي تُعيق المسار التحويلي المنشود، من أبرزها النقص في الكوادر البشرية المؤهّلة بالقدر الكافي، والحاجة المستمرة إلى حلول مبتكرة وأساليب جديدة لسد هذه الفجوة. وفي المقابل، تفتقر معظم دول المنطقة إلى إطار تشريعي متكامل ينظّم استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل عادل وأخلاقي، بما يضمن اتساقه مع المبادئ الإنسانية والمعايير الدولية. كما أن الحاجة المتنامية إلى تطوير بنية تحتية رقمية مستدامة تؤكد أن الطريق لا يزال يتطلّب المزيد من الجهود والعمل المؤسسي. غير أن تجاوز هذه التحديات والعقبات كفيل بإطلاق الإمكانات الكاملة للمنطقة، وتعزيز قدرتها التنافسية، وتمكينها من لعب دور محوري في مشهد الذكاء الاصطناعي العالمي.
تبرز محافظة السويداء السورية بوصفها ساحة شديدة التعقيد سياسيًا وهوياتيًا، في ظل التحولات الجذرية التي يشهدها المشهد السوري بعد سقوط نظام الأسد وتشكّل حكومة انتقالية مركزية جديدة، تطالب بعض أطرافها بتقرير المصير. ويهدف هذا التحليل إلى دراسة سيناريو استفتاء محتمل في السويداء، لا من منطلق الترويج له أو رفضه، بل لفهم العوامل البنيوية والتاريخية التي قد تحدد مآلاته. يعتمد التحليل على مقاربة متعددة الأبعاد تشمل الانقسام الداخلي الحاد في المجتمع الدرزي، والتنافر بين مشاريع الحكم الذاتي والمركزية الدستورية الجديدة، والانهيار الاقتصادي شبه الكامل، والتداخل الإقليمي الحاد. وذلك استنادًا إلى مصادر قانونية، تاريخية، وميدانية، بما يُبرز كيف أن غياب شروط الاستقرار السياسي والأمني، وتعدد اللاعبين المحليين والدوليين، يجعل من فكرة الاستفتاء، في هذا التوقيت، خطوة شديدة الخطورة قد تؤدي إلى تفكك داخلي وعنف مسلح.
جرت مراسم تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة للمرة الثانية في 20 يناير 2025، ليصبح الرئيس السابع والأربعين للبلاد. وقد عرض ترامب، خلال خطابه الافتتاحي، أجندة واسعة النطاق تمزج بين الأسس التقليدية للمحافظين وبعض ملامح الشعبوية الصاعدة. ومن اللافت للنظر، أنه وقّع في يوم تنصيبه على 26 أمرًا تنفيذيًا، وهو أعلى عدد يوقعه أي رئيس أمريكي في اليوم الأول من ولايته. تتمحور أجندة ترامب في ولايته الثانية حول شعارات "أميركا أولًا"، "الانتقام، و"فرض القانون والنظام"، حيث يسعى إلى إعادة تشكيل الحكومة الفيدرالية بوجه أكثر صرامة، واستعادة السياسات المتشددة التي انتهجها خلال فترته الأولى، فضلًا عن إعادة صياغة الدور الأميركي عالميًا من خلال نهج حمائي وتقليص انخراط الولايات المتحدة على المستوى الدولي.
لطالما شدد ترامب على تجنب الحروب الخارجية وتبني سياسة خارجية لا تقوم على التدخل، مع التركيز بدلًا من ذلك على أمن الحدود والنمو الاقتصادي. وقد عارض ما سمّاه "الحروب التي لا تنتهي"، ودعا إلى تقليص التواجد العسكري الأمريكي في الخارج. وأكد مرارًا أن الولايات المتحدة يجب ألا تنخرط في حروب باهظة الكلفة في الشرق الأوسط لا تخدم مصالحها بشكل مباشر، مستخدمًا شعارات من قبيل "لسنا شرطيّ العالم" و"أنهِوا الحروب التي لا تنتهي". كما وجّه انتقادات حادة للإدارات السابقة بسبب انخراطها الطويل في النزاعات العسكرية في العراق وأفغانستان وليبيا وسوريا. غير أن أفعال ترامب، منذ دخوله المكتب البيضاوي في ولايته الثانية، أظهرت انحرافًا ملحوظًا عن نهجه المُعلن القائم على عدم التدخل.
خلال يومي الثالث والرابع عشر من يونيو عام 2025، أقدمت إسرائيل على تنفيذ واحدة من أكثر عملياتها العسكرية جرأة وتعقيدًا في التاريخ الحديث، وذلك من خلال ضربة جوية مركّبة استهدفت العمق الإيراني بصورة مباشرة وغير مسبوقة. شملت الضربة منشآت نووية حساسة على غرار منشأتي نطنز وفوردو، إلى جانب مواقع أخرى في محيط مدينة أصفهان، فضلاً عن استهداف مطارات عسكرية مركزية في البنية التحتية للدفاع الجوي الإيراني، مثل "مطار همدان" و"مطار تبريز". كما استهدفت إسرائيل في ذات العملية قيادات عسكرية بارزة في الصف الأول من الحرس الثوري الإيراني والجيش النظامي، وتوافرت لاحقًا مؤشرات تؤكد وقوع إصابات أو تصفيات مباشرة لعدد منهم¹.
جاء الرد الإيراني سريعًا ومُحمّلاً بطابع الارتجال، في مسعى من طهران لإثبات تماسكها وردع خصومها. فأطلقت الجمهورية الإسلامية في اليوم نفسه أكثر من مائة طائرة مسيّرة هجومية، غالبيتها من طراز "شاهد 136" و"شاهد 131"، قاطعةً مسافة تُقدّر بحوالي 2000 كيلومتر عبر المجالين الجويين العراقي والسوري. إلا أنّ هذه الضربة لم تُحقق أهدافها، إذ تمكّنت أنظمة الدفاع الجوي الأردنية والسعودية والإسرائيلية، مدعومة بتكنولوجيا الرصد الأميركية، من اعتراض الجزء الأكبر من الطائرات المسيّرة قبل أن تصل إلى أجواء إسرائيل، حيث تم إسقاط العديد منها فوق محافظة الأنبار وصحراء الأردن، فيما سقط بعضها شمال الأراضي السعودية².
وفي الرابع عشر من يونيو، أطلقت إيران هجومها الصاروخي الرئيسي، والذي اتسم بالتنسيق الواسع والنطاق العملياتي المتعدد. وقد استخدمت في هذا الهجوم أكثر من 150 صاروخًا باليستيًا، من أبرزها "قدر-110" (بمدى يصل إلى 3000 كم)، و"خرمشهر"، و"سجيل-2"، وهي من أخطر الصواريخ الإيرانية متوسطة المدى³. استهدفت هذه الصواريخ مواقع متفرقة في عمق الأراضي الإسرائيلية، كان من أبرزها محيط مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية في مجمّع "الكرياه" وسط تل أبيب، حيث أصيب المبنى بصاروخ واحد أسفر عن أضرار مادية وإصابات محدودة، من دون تسجيل خسائر مباشرة في صفوف الجيش. كما سُجلت أضرار في مبانٍ سكنية في مناطق رامات غان، وتل أبيب، وريشون لتسيون، إضافة إلى وقوع إصابات لعدد من المدنيين، بينهم حالة واحدة حرجة، بينما وصفت بقية الإصابات بالطفيفة أو المتوسطة⁴.
رغم الزخم النيراني، جاءت نتائج الهجوم دون سقف التوقعات الإيرانية، وهو ما دفع طهران إلى إعلان نيتها توسيع نطاق عملياتها لتشمل الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، وليس إسرائيل فقط. وقد تضمّن التهديد الإيراني إشارات مباشرة إلى قواعد أميركية حيوية، على غرار "قاعدة العُديد" في قطر، و"قاعدة الظفرة" في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك قواعد عسكرية أميركية في العراق كـ"عين الأسد" و"كامب فيكتوري" ببغداد، بالإضافة إلى منشآت بحرية في البحرين⁵.
ترى إيران أن أي مساهمة أميركية في دعم الدفاعات الجوية الإسرائيلية تُعدّ مشاركة مباشرة في الحرب، وبالتالي تمنحها شرعية استراتيجية لاستهداف الوجود العسكري الأميركي في الخليج. وهو ما يُمثّل تحولًا جذريًا في معادلة الردع الإقليمي، لا سيما أن هذه هي المرة الأولى منذ عام 2020 التي يظهر فيها خطر حقيقي بتحول منطقة الخليج إلى ساحة اشتباك عسكري مفتوح بين قوى إقليمية ودولية⁶.
يهدف هذا التحليل إلى تقديم قراءة معمقة للدوافع الاستراتيجية الكامنة خلف تهديدات إيران باستهداف القواعد العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج، وذلك عن طريق الربط بين المعطى الميداني (أنماط استخدام الصواريخ والطائرات المسيّرة) والمعطى البنيوي (توازن القوى الإقليمي والدولي)، لفهم السياقات التي تجعل من القواعد الأمريكية في الخليج أهدافًا ذات أولوية استراتيجية في الحسابات الإيرانية.
تتواصل الحرب التجارية الدائرة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية منذ عدة سنوات، وقد حظيت باهتمام جماهيري متزايد، وذلك إلى حد كبير بفضل تأثير منصات التواصل الاجتماعي. ومع تزايد الوعي بهذا النزاع، لم تَعد وسائل التواصل الاجتماعي تكتفي بنقل المعلومات، بل أصبحت تؤثر في سلوك المستهلِكين، وغالبًا ما تدفع الأفراد إلى التوجُّه نحو أسواق بديلة. وفي بعض الحالات، تُدرك الحكومات هذا التأثير وتستخدمه بشكل استراتيجي، من خلال الاستعانة بمؤثري وسائل التواصل الاجتماعي لتوجيه الرأي العام والقرارات الاقتصادية. وهذا ما يحدث بالفعل في السيناريو القائم بين الصين والولايات المتحدة.