الدعوة إلى القمة الطارئة جاء نتيجة الغارة الجوية الإسرائيلية التي نُفذت في 9 سبتمبر 2025، واستهدفت منطقة سكنية في الدوحة كانت تضم ممثلين سياسيين لحركة حماس. وأسفرت الغارة عن مقتل ستة أشخاص، بينهم مسؤول أمني قطري، وإصابة ثمانية عشر آخرين. وقد وصفت قطر الهجوم بأنه “عمل غادر” و”إرهاب دولة”، معتبرةً إياه انتهاكًا صارخًا لسيادتها وللقواعد الدولية الراسخة. ورغم أن العملية لم تُصِب قادة حماس البارزين، إلا أنها أدّت إلى مقتل خمسة من الأعضاء الأقل مرتبة إلى جانب المسؤول القطري. وفي تبرير للهجوم، صرّح متحدث إسرائيلي قائلاً: “رأينا الفرصة فاغتنمناها”، في تعبير يكشف بوضوح عن طابعه التكتيكي والانتهازي.
لقد ضاعف توقيت الهجوم من تداعياته السياسية، إذ جاء بينما كانت قيادة حركة حماس تدرس مقترحًا جديدًا لوقف إطلاق النار برعاية إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وقد رأى العديد من القادة العرب وقادة الدول الإسلامية أن الغارة جاءت كخطوة متعمدة لإفشال آفاق التفاوض. وتساءل الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن دوافع إسرائيل قائلاً: “إذا كانت إسرائيل تريد اغتيال القيادة السياسية لحماس، فلماذا تتفاوض معها؟”. وبالمثل، اعتبر الرئيس اللبناني جوزيف عون أن القصف لم يستهدف الأفراد بحد ذاتهم، بل “الفكرة ذاتها المتمثلة في التفاوض”. وبذلك، حملت الحادثة رسالة مفادها أن إسرائيل اختارت استراتيجياً ترجيح كفة التصعيد العسكري على حساب التسوية السياسية، الأمر الذي أطال أمد الصراع في غزة وسمح لها بتجنّب القيود السياسية التي يفرضها أي إطار لوقف إطلاق النار.
كما كشفت الحادثة عن هشاشة عميقة في منظومة العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة وقطر، وبالتالي في النظام الأمني الخليجي برمّته. فقد اعتقدت الدوحة، التي تحمل صفة “حليف رئيسي من خارج الناتو” والمستضيفة لأكبر قاعدة جوية أميركية في الشرق الأوسط بقاعدة العديد، أن هذه الشراكة كفيلة بتحصينها ضد أي عدوان خارجي. غير أن هذا الافتراض تلاشى مع تنفيذ الضربة، التي جرى تنفيذها عبر طائرات مصنَّعة أميركياً وبالقرب من القاعدة الأميركية، من دون أي محاولة لاعتراض سبيلها أو ردعها. وقد زاد من تعميق أزمة الثقة تضاربُ الروايات بشأن ما إذا كانت واشنطن قد أعطت موافقة ضمنية على الهجوم أو فوجئت به دون استعداد مسبق. إن عجز الولايات المتحدة، أو امتناعها، عن منع وقوع الحادثة، رسّخ الشكوك لدى دول الخليج حول موثوقيتها كضامن رئيسي لأمنها، ودفع باتجاه تسريع الاهتمام الإقليمي بالبحث عن “شراكات دفاعية بديلة”.
على مدى عقود، حافظت الولايات المتحدة على مظلة أمنية في منطقة الخليج مقابل ضمان اصطفاف استراتيجي معها. غير أن ضربة الدوحة شكّلت اختبارًا قاسيًا لهذه المعادلة، وهو اختبار أخفقت فيه واشنطن بوضوح. فبسماحها لحليف إقليمي بانتهاك سيادة دولة مضيفة، قوّضت الولايات المتحدة مصداقية تعهّداتها الأمنية ذاتها. ومن ثمّ، لم تُعقد القمة لإدانة الضربة الإسرائيلية باعتبارها انتهاكًا لسيادة دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي فحسب، بل أيضًا لمناقشة التراجع المتزايد في جدوى الحماية الأميركية.
تمثلت النتيجة الأعمق للغارة في انكشاف حقيقة أن وجود القاعدة الجوية الأميركية الضخمة في قطر لم يشكّل درعًا يحول دون التعرض لهجوم خارجي. وقد دفع هذا الإخفاق حلفاء واشنطن العرب إلى إعادة تقييم اعتمادهم الاستراتيجي عليها، ليشكّل الحدث محفزًا لدول الخليج لمراجعة منظومتها الدفاعية بصورة جماعية، مع تنامي الاهتمام بالتعاون الأمني مع كلٍّ من الصين وتركيا. وبذلك حمل البيان الختامي للقمة رسالة مزدوجة تمثلت في إدانة صريحة للأفعال الإسرائيلية، وتحذير مباشر للولايات المتحدة من أن عجزها عن كبح جماح حليفها يرتّب أثمانًا حقيقية على مكانتها الإقليمية. أما تحرّك مجلس التعاون الخليجي الفوري لإصدار بيان منفصل وتفعيل مجلس الدفاع المشترك، فقد عكس خطوة حاسمة نحو بناء أمن جماعي قائم على الاعتماد الذاتي، ومستقل عن الضمانات الأميركية.
اتسمت القمة بخصوصية لافتة تمثلت في مشاركة دول إسلامية غير عربية، ما عكس امتدادها إلى فضاء إسلامي أشمل. فقد شاركت ماليزيا، ممثَّلة برئيس الوزراء داتو سري أنور إبراهيم، إلى جانب مسؤولين رفيعي المستوى، حيث جدّد حضورُه التأكيد على موقف ماليزيا الثابت تجاه حقوق الفلسطينيين، وعلى تضامنها المعلن مع قطر في أعقاب الغارة. وبالمثل، انضمت أذربيجان وعدد من الدول الإسلامية غير العربية ذات الغالبية المسلمة إلى أعمال القمة، في إشارة إلى أن القضية المطروحة تجاوزت حدود الجغرافيا السياسية العربية لتتبلور كقضية إسلامية شاملة.
إن الصفة المزدوجة للقمة – “عربية-إسلامية” – لم تكن مجرد صياغة لغوية بل تأطيرًا سياسيًا مقصودًا. فمن خلال جمعها قادة من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وإبرازها الطابع التمثيلي الجماعي الذي يشمل أكثر من مليار نسمة، منحت القمة بياناتها وتوصياتها السياسية شرعية أوسع وصدى عالميًا أعمق. كما أن تأطير الرد في إطار التضامن الإسلامي عزّز الانطباع بأن انتهاك السيادة القطرية لم يكن حدثًا منفصلًا، بل جزءًا من تحدٍّ أوسع يمسّ الكرامة والأمن الجماعي للدول الإسلامية.
بهذا المعنى، لم تقتصر القمة على الإيحاء بوجود اصطفاف دبلوماسي مؤقت دفاعًا عن قطر، بل عكست ملامح توافق جديد آخذ في التشكل. توافقٌ تلتقي فيه الدول العربية وغير العربية ذات الغالبية المسلمة حول إدراك جماعي للتهديد، وتعمل على ترجمته إلى خطوات مؤسسية منسقة. وقد مثّل هذا التلاقي إعادة رسم نادرة لديناميكيات الإقليم، أبرزت ليس فقط مواطن ضعف مشتركة، بل أيضًا قدرة مشتركة على الحشد والتعبئة.
شكّلت القمة منبرًا للقادة العرب والإسلاميين لإيصال رسالة موحّدة من الإدانة والتضامن. وقد عكست كلمات أبرز رؤساء الدول حالة غضب جماعي والتزامًا مشتركًا بانتهاج استجابة إقليمية أكثر فاعلية وفاعلية.
شكّلت الكلمة الرئيسية للأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني المحور الأبرز في القمة. فقد ندّد بالهجوم الذي وصفه بـ”السافر والغادر والجبان” على حيّ سكني، معتبرًا إياه انتهاكًا فاضحًا لسيادة الدولة وللأعراف الدولية. وأبرز الأمير الدور طويل الأمد لقطر كوسيط سلمي، معربًا عن صدمته من استهدافها، ولا سيما في وقت كانت تضطلع فيه بتيسير مفاوضات لوقف إطلاق النار. وجدّد التأكيد على تمسّك بلاده بسيادتها ومواصلة دورها الوسيط، مشيرًا إلى أن “ممارسات إسرائيل لن تثنينا عن مواصلة جهودنا المخلصة” لإنهاء الحرب.
شارك ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في القمة ممثلًا عن الملك سلمان، وألقى خطابًا قويًا تضمّن رسالة إدانة واضحة. وأكد أن تجرؤ إسرائيل السافر لن يؤدي إلا إلى تأجيج الصراع، مشددًا على أن “على الدول العربية والإسلامية أن تقف موحّدة في مواجهة إسرائيل”. ولتجاوز حدود الخطاب، اقترح إعداد “خريطة طريق شاملة” لوقف إطلاق النار في غزة، وتشكيل لجنة عربية-إسلامية مشتركة لنقل الرسالة الجماعية إلى مجلس الأمن الدولي والهيئات الدولية الأخرى. وقد مثّل ذلك دعوة صريحة إلى تحرك جماعي وملموس لمعالجة الأزمة.
ألقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خطابًا حازمًا حذّر فيه من أن إسرائيل “تجاوزت كل الخطوط الحمراء” وعرّضت اتفاقات السلام القائمة للخطر. وأكد “تضامن مصر الكامل مع الدوحة”، مشددًا على أن الممارسات الإسرائيلية تهدد استقرار المنطقة ومستقبل السلام. ودعا المجتمع الدولي إلى إدراك أن سياسات إسرائيل “تضرب عرض الحائط بالقوانين الدولية”، مطالبًا قادة العالمين العربي والإسلامي بالتحرك الجماعي. كما اقترح الرئيس السيسي إنشاء “آلية عربية-إسلامية للتنسيق والتعاون” لمواجهة التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي يفرضها هذا النهج الإسرائيلي المنفلت من أي ضوابط.
لقد بدا أن الضربة الإسرائيلية، التي استهدفت زرع الانقسام وإضعاف التوافق الإقليمي، قد حققت النقيض تمامًا. فالاعتداء على دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي وشريك وثيق للولايات المتحدة قوبل بإدانة شبه جماعية تجاوزت الخلافات السياسية السابقة. وقد جسّد ذلك وحدة مستجدّة في مواجهة ما يُنظر إليه كتهديد وجودي للأمن القومي والسيادة المشتركة. إن هذه الاستجابة الجماعية تشي بوجود جبهة موحّدة ضد أفعال تُعد خرقًا للقانون الدولي وتحديًا لاستقرار المنطقة بأسرها.
شكّل مستوى التمثيل في القمة مؤشرًا واضحًا على الموقف الجيوسياسي لكل دولة. فقد عكس الحضور الواسع للقادة وكبار المسؤولين خطورة الحادثة والرغبة في إظهار جبهة موحّدة.
الدولة | أرفع ممثل رسمي |
قطر | الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – أمير دولة قطر |
السعودية | ولي عهد الأمير محمد بن سلمان |
الإمارات | الشيخ منصور بن زايد |
مصر | الرئيس عبد الفتاح السيسي |
الأردن | الملك عبد الله الثاني |
السلطة الفلسطينية | الرئيس محمود عباس |
سوريا | الرئيس أحمد الشرع |
لبنان | الرئيس جوزيف عون |
إيران | الرئيس مسعود بيزكشيان |
تركيا | الرئيس رجب طيب أردوغان |
ماليزيا | رئيس الوزراء داتو سري أنور إبراهيم |
البحرين | الشيخ عبد الله بن حمد آل خليفة |
المغرب | الأمير مولاي رشيد |
اختُتمت أعمال القمة بإصدار بيان ختامي تضمّن سلسلة من الإجراءات العملية والعقابية ضد إسرائيل. ويشكّل هذا البيان مرحلة جديدة في السياسة الخارجية العربية والإسلامية، إذ تجاوز حدود الخطاب الرمزي إلى إطار منسّق للتحرك القانوني والدبلوماسي.
أدان البيان الختامي “بأشد العبارات الممكنة” الهجوم “الجبان وغير المشروع” على دولة قطر. ودعا “جميع الدول” إلى اتخاذ “إجراءات قانونية وفعّالة لمنع إسرائيل من الاستمرار في أفعالها” ضد الشعب الفلسطيني. وشملت هذه الإجراءات إنهاء سياسة “الإفلات من العقاب” ومحاسبة إسرائيل على جرائمها، وفرض العقوبات عليها، فضلًا عن تعليق توريد أو نقل أو عبور الأسلحة والمواد العسكرية إليها. كما تضمن البيان مطالبة صريحة للدول الأعضاء بـ”إعادة النظر في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل” و”الشروع في اتخاذ الإجراءات القانونية ضدها”.
عزّز البيان الختامي من حدة الضغط القانوني عبر إلزام الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، الأطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، بدعم تنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة بحق مسؤولين إسرائيليين في نوفمبر 2024. كما حث الدول الأعضاء على مواصلة الجهود الدبلوماسية والقانونية لضمان امتثال إسرائيل لحكم محكمة العدل الدولية الصادر في يناير بشأن قضية الإبادة الجماعية في غزة. وفي خطوة رمزية وسياسية بالغة الدلالة، شجّع البيان دول المنظمة على “تقييم ما إذا كان استمرار عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة يتماشى مع ميثاقها”، والعمل على تعليق عضويتها. وقد جاءت صياغة البيان، التي تفتح الباب أمام الدول التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل لإعادة النظر في تلك العلاقات، لتفرض ضغطًا مباشرًا على الدول الموقعة على اتفاقات أبراهام لتبرير استمرار روابطها القائمة.
في تجسيد ملموس للتحرك الجماعي، أعلن مجلس التعاون لدول الخليج العربية قرارًا “بتفعيل آليات الدفاع المشترك وقدرات الردع الخليجية” في ضوء العدوان على قطر. وقد كُلِّفت القيادة العسكرية الموحدة باتخاذ “الإجراءات التنفيذية اللازمة” لإضفاء الطابع الرسمي على هذا المسار. وتكشف ندرة هذه الخطوة – إذ لم يُفعَّل مجلس الدفاع المشترك إلا مرتين من قبل، عام 1991 ضد العراق وعام 2011 أثناء أحداث الربيع العربي – عن مدى الجدية التي ينظر بها قادة الخليج إلى هذه الحادثة. ويعكس هذا القرار، مقترنًا بالنقاشات حول استكشاف “شراكات دفاعية بديلة مع الصين وتركيا”، تحولًا استراتيجيًا جوهريًا وربما طويل الأمد في أمن الخليج. وهو نتيجة مباشرة لتنامي القناعة بأن المظلة الأمنية الأميركية لم تعد موثوقة. ويُعد هذا التحوّل أوضح إشارة حتى الآن إلى أن دول الخليج باتت تنوّع خياراتها وتستعد لمستقبل تكون فيه أكثر اعتمادًا على ذاتها أو أكثر تقاربًا مع قوى غير غربية.
مخرجات القمة | القرار / النتيجة الرئيسية | التداعيات الاستراتيجية |
الإجراءات الدبلوماسية في البيان الختامي | الدعوة إلى مراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل ودعم الإجراءات القانونية ضدها. | زيادة الضغوط الدولية على إسرائيل ووضع اتفاقات أبراهام تحت ضغط متزايد، بما قد يؤدي إلى عزلتها الدبلوماسية بشكل أوسع. |
الإجراءات القانونية في البيان الختامي | تأييد صريح لتنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، وضمان امتثال إسرائيل لأحكام العدل الدولية. كما تضمن الدعوة إلى تقييم عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة والعمل على تعليقها. | رفع إطار المساءلة القانونية ضد إسرائيل من مستوى الخطاب إلى جهد فعّال ومنسّق في المحافل الدولية. |
قرارات مجلس التعاون الخليجي الأمنية | تفعيل آلية الدفاع المشترك لمجلس التعاون الخليجي واستكشاف شراكات أمنية بديلة. | الإشارة إلى تحوّل واضح عن الاعتماد الحصري على الولايات المتحدة كضامن للأمن، بما يعكس انتقالًا طويل الأمد نحو تموضع دفاعي أكثر استقلالية وتنوعًا. |
التوحّد السياسي الجماعي | حضور معظم القادة الخليجيين والإسلاميين رفيعي المستوى، وإظهار علني للتضامن بين دول سبق أن شهدت خلافات فيما بينها. | الضربة الإسرائيلية، التي كان يُراد منها إحداث انقسام، أفضت – على غير المتوقع – إلى توحيد جبهة واسعة، مما عزّز الموقف العربي-الإسلامي في مواجهة أي عدوان إسرائيلي لاحق وأبرز شعورًا جديدًا بالأمن القومي المشترك. |
التداعيات الاستراتيجية
|
اعتبار الموقف الأميركي متناقضًا وعديم الفاعلية. | إلحاق ضرر بالغ بمصداقية الولايات المتحدة كشريك ووسيط موثوق في الشرق الأوسط، مع ما يحمله ذلك من مخاطر على تحالفات إقليمية راسخة وعالية القيمة، ودفع نحو إعادة تقييم للاتفاقات الأمنية القائمة. |
تشير الغارة على الدوحة إلى خطأ تكتيكي جسيم في حسابات إسرائيل. فالهجوم لم يحقق هدفه الرئيس المتمثل في استهداف قيادات حماس العليا، بل أسفر فقط عن مقتل عناصر من صفوف أقل رتبة إلى جانب مسؤول قطري. وبذلك، قوضت العملية المفاوضات الخاصة بإطلاق سراح الرهائن، التي تزعم إسرائيل حرصها عليها، وأثارت موجة واسعة من الإدانة. كما أفضت إلى توحيد الدول العربية والإسلامية في مواجهتها، ما ضاعف الضغوط عليها ووسّع نطاق التدقيق في ممارساتها، خصوصًا ضمن الأطر القانونية الدولية. وإلى جانب ذلك، ألقت الحادثة بظلال ثقيلة على مسار اتفاقات أبراهام، مهددة بإضعاف فرص المضي قدمًا في مسارات التطبيع مع قوى إقليمية رئيسية أخرى.
اعتُبر رد الفعل الأميركي على الهجوم “متناقضًا” ويفتقر إلى الدبلوماسية والجدية، وهو ما ألحق ضررًا بالغًا بمصداقية واشنطن كشريك يمكن الاعتماد عليه وكوسيط فاعل في المنطقة. وقد كشف هذا الإخفاق عن عجز الولايات المتحدة عن حماية أحد أهم حلفائها، الأمر الذي رسّخ الانطباع بأنها لم تعد شريكًا أمنيًا موثوقًا. وتندرج هذه الحادثة ضمن سياق أوسع من “إعادة الاصطفاف العالمي”، حيث يُنظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها تُغلّب تحالفها مع إسرائيل على حساب أمن الخليج ومصالحه الاستراتيجية الأوسع. وبذلك، فإن واشنطن تُخاطر بخسارة “شراكات إقليمية راسخة ورفيعة القيمة” تراكمت عبر عقود. وقد سرّع هذا الواقع من التحول في السياسة الخارجية الخليجية نحو تبنّي تموضع أمني أكثر استقلالية وتنوعًا، مع الانخراط المتزايد في نقاشات جادة حول شراكات دفاعية بديلة.
أفضت الغارة الإسرائيلية التي استهدفت مسؤولين من حركة حماس في الدوحة، لتصيب في الوقت ذاته الطرف المفاوض والدولة الوسيطة، إلى إحداث إرباك عميق وتأجيل ملموس في مسار مفاوضات وقف إطلاق النار. فمن خلال استهداف شخصيات منخرطة مباشرة في العملية التفاوضية، قلّصت إسرائيل بدرجة كبيرة احتمالات التوصل إلى اتفاق كان من شأنه أن يفضي إلى إطلاق سراح الرهائن العشرين الباقين على قيد الحياة. ولم يقتصر الأثر على المباحثات الجارية فحسب، بل امتد ليشمل السياق الأوسع. ففي حين كانت الولايات المتحدة منخرطة مع شركاء إقليميين في بحث ترتيبات “الوصاية ما بعد الحرب” على غزة، أظهرت مخرجات قمة الدوحة إصرار الدول العربية والإسلامية على أن أي إطار لما بعد الصراع يجب أن يستند إلى احترام السيادة الفلسطينية، وأن يشكّل خطوة جوهرية نحو إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967.
لا تمثل هذه الحادثة أزمة منفصلة، وإنما تكشف عن مظهر من مظاهر الضعف الاستراتيجي الأعمق الكامن في صلب النظام الإقليمي بقيادة واشنطن. فقد أدّت الضربات الإسرائيلية المتكررة على أراضي شركاء واشنطن الإقليميين، سواء جرت بموافقتها الضمنية أو بعجزها عن كبحها، إلى تقويض الثقة بالولايات المتحدة كضامن أمني. ويتجاوز الأمر مسألة القوة المادية ليجسّد انهيار ما يمكن تسميته بـ”السلطة النفسية” للولايات المتحدة وإسرائيل. وبات الفاعلون العقلانيون، بمن فيهم دول الخليج التي طالما ارتبطت بالمظلة الأمنية الأميركية، يعيدون النظر علنًا في خياراتهم، ويسعون إلى ما يصفونه بـ”شركاء بدلاء” في ظل نظام عالمي يتّسم بتعدد الأقطاب. ومن هذا المنظور، لم تكن قمة الدوحة مجرد رد فعل على هجوم منفرد، بل تعبيرًا جماعيًا عن إدراك واقع إقليمي متدهور وفوضوي.
لقد عزّز توقيت انعقاد القمة هذا الانطباع بصورة واضحة. ففي اليوم ذاته الذي اجتمع فيه القادة في الدوحة، شنّت إسرائيل موجة واسعة من الغارات الجوية على مدينة غزة، بالتوازي مع هجمات في جنوب لبنان، بينما أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إقرار بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية، وجدّد خطط الضم الكامل، واستبعد بشكل صريح قيام دولة فلسطينية. وقد خلقت هذه التصعيدات العسكرية والاستفزازات السياسية المتزامنة بيئة شديدة الخطورة، زادت من إلحاح الحاجة إلى رد حاسم من القمة.
يتعيّن بالتالي تفسير مخرجات قمة الدوحة باعتبارها ذات بعدين: استجابة آنية للعدوان المباشر، وإعلانًا عن تحوّل استراتيجي أوسع. فبينما أعاد البيان الختامي التأكيد على الالتزام الخطابي بحل الدولتين – مُبرزًا على سبيل المثال تأييده لـ”إعلان نيويورك” – فقد عبّر في الوقت ذاته عن استعداد واضح لتوظيف أدوات قانونية ودبلوماسية عقابية ضد إسرائيل.
يعكس هذا النهج المزدوج ما قد يكون محاولة أخيرة للإبقاء على مسار المفاوضات قائمًا، في وقت بات فيه العديد من قادة الدول العربية والإسلامية يخلصون على نحو متزايد إلى أن نافذة التسوية السلمية التفاوضية قد أُغلقت بالفعل أو توشك على الانغلاق سريعًا. كما أن الانفتاح على تبنّي أدوات أكثر تصادمية – قانونية ومؤسسية واقتصادية – يوحي بأن عملية السلام بصيغتها التقليدية آخذة في الانحسار، لتحل محلها مرحلة جديدة من دبلوماسية المواجهة وبناء جبهة منظمة لمقارعة السياسات الإسرائيلية.
ختامًا، تمثّل قمة الدوحة في سبتمبر 2025 لحظة فاصلة في مسار الدبلوماسية الشرق أوسطية المعاصرة. والأهم من ذلك أنها شكّلت مؤشرًا على ترسيخ توافق عربي-إسلامي غير مسبوق، توافقٌ صاغ الممارسات الإسرائيلية بوصفها عدوانًا تحظى بدعم أميركي، سواء كان ضمنيًا أم معلنًا.
لقد رسم البيان الختامي للقمة، مدعومًا بقرارات مجلس التعاون الخليجي، مسارًا نحو إجراءات جماعية تحمل في جوهرها طابعًا عقابيًا. وإن كانت مصداقية هذه الالتزامات ستُقاس في النهاية بمدى تنفيذها، فإن الرمزية السياسية الكامنة في إعلانها قد أحدثت بالفعل تحولًا في المشهد الاستراتيجي. أما بالنسبة لواشنطن، فقد أكدت القمة حجم التآكل العميق في مصداقيتها كضامن لأمن الخليج، الأمر الذي سرّع من وتيرة إعادة التقييم بعيدة المدى لخيارات الاصطفاف، ودفع بالدول الإقليمية أكثر فأكثر نحو نظام أمني متعدد الأقطاب يضم الصين وتركيا، وربما قوى خارجية أخرى.
بالنسبة لإسرائيل، تفتح مخرجات القمة آفاق مواجهة معارضة أكثر تماسكًا ومنسقة قانونيًا على امتداد الدول العربية والإسلامية. فبعد أن تجاوزت الإدانة حدود الخطاب، بات الاحتمال قائمًا لعزلة دبلوماسية مستمرة وتكاليف اقتصادية متصاعدة، ولا سيما إذا جرى تفعيل الأدوات القانونية – كالمحاكم الدولية أو أطر العقوبات – ضمن الاستراتيجية الجديدة المعلنة للضغط الجماعي. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فلم تمثل القمة مجرد إنذار بشأن تراجع نفوذها، بل جاءت بمثابة إدانة صريحة لقصور نموذجها الأمني لما بعد الحرب الباردة، الذي لم يعد يُنظر إليه كضمان كافٍ حتى من أقرب حلفائها.
إن تفعيل آليات الدفاع في مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب بحث شراكات خارجية جديدة، يمثّل منعطفًا حاسمًا نحو الاعتماد الذاتي على الأمن بين الدول العربية والإسلامية. ويتزامن هذا التحوّل مع الانكماش الحاد في فرص التوصل إلى حل الدولتين عبر التفاوض. وبدلًا من دفع مسار التسوية السلمية قدمًا، يبدو أن اتجاه الدبلوماسية الإقليمية قد بات مرتكزًا على أشكال قانونية ودبلوماسية واقتصادية من المواجهة مع إسرائيل، في إطار إعادة هيكلة أوسع للنظام الإقليمي.
لذلك، لا يمكن قراءة قمة الدوحة كواقعة منفردة، بل ينبغي فهمها بوصفها مؤشرًا على الدخول في مرحلة جديدة من الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط – مرحلة تتسم بإعادة تشكيل التحالفات، وتبنّي أدوات عقابية ذات طابع قانوني ومؤسسي، وإجراء مراجعة عميقة لترتيبات الأمن الإقليمي. وتشكل هذه التطورات في مجموعها قطيعة مع عقود من الاعتماد على الولايات المتحدة، وتجسيدًا لاستعادة الدول العربية والإسلامية زمام المبادرة في رسم ملامح مستقبلها الأمني والدبلوماسي.
HH The Amir Inaugurates Emergency Arab-Islamic Summit, accessed September 16, 2025, https://www.diwan.gov.qa/en/briefing-room/news/activities-and-occasions/2025/september/15/hh-the-amir-inaugurates-emergency-arab-islamic-summit
Qatar hosts Arab-Islamic emergency summit: Who said what? – Al Jazeera, accessed September 16, 2025, https://www.aljazeera.com/news/2025/9/16/qatar-hosts-arab-islamic-emergency-summit-who-said-what
What to know about the Israeli strike aimed at Hamas leaders in Qatar, accessed September 16, 2025, https://apnews.com/article/israel-palestinians-hamas-war-qatar-strike-what-to-know-cdef05446fdc7767cf6656baedb4c154
Gulf leaders call on Trump to rein in Israel after Qatar emergency summit – The Guardian, accessed September 16, 2025, https://www.theguardian.com/world/2025/sep/15/gulf-leaders-call-on-trump-to-rein-in-israel-after-qatar-emergency-summit
Monday briefing: Israel’s bombing of Qatar threatens the fabric of Gulf security, accessed September 16, 2025, https://www.theguardian.com/world/2025/sep/15/monday-briefing-israels-bombing-of-qatar-threatens-the-fabric-of-gulf-security
Striking a US Ally: Israel’s Attack on Qatar and the Erosion of Regional Stability, accessed September 16, 2025, https://arabcenterdc.org/resource/israel-attack-on-qatar-and-the-erosion-of-regional-stability/
Trump response to Israel’s Qatar attack undermines US credibility: Analysts – Al Jazeera, accessed September 16, 2025, https://www.aljazeera.com/news/2025/9/11/trump-response-to-israels-qatar-attack-undermines-us-credibility-analysts
Saudi Crown Prince Hails Outcomes of Gulf, Arab-Islamic Summits in Doha, accessed September 16, 2025, https://english.aawsat.com/gulf/5186397-saudi-crown-prince-hails-outcomes-gulf-arab-islamic-summits-doha
Extraordinary Doha Summit Tackles Response to Israeli Attack – Asharq Al-Awsat, accessed September 16, 2025, https://english.aawsat.com/gulf/5186291-extraordinary-doha-summit-tackles-response-israeli-attack
Ahram Online. “Israel Crossed All Red Lines: El-Sisi to Doha Summit,” September 15, 2025. https://english.ahram.org.eg/NewsContent/1/1234/553079/Egypt/Foreign-Affairs/UPDATED–Israel-crossed-all-red-lines-ElSisi-at-Ar.aspx.
Inbar, Matthias, and Ariel Oseran. “IDF Partially Launches Op. On Outskirts and Entrance to Gaza City | LIVE BLOG.” i24NEWS, September 15, 2025. https://www.i24news.tv/en/news/israel-at-war/artc-emergency-summit-statement-draft-accuses-israel-s-attack-threatens-peace-live-blog.
Ministry of Foreign Affairs, Malaysia. “Emergency Arab Islamic Summit to Discuss the Israeli Attack on the State of Qatar Doha.” Press release, September 13, 2025. Accessed September 16, 2025. https://www.kln.gov.my/web/guest/-/emergency-arab-islamic-summit-to-discuss-the-israeli-attack-on-the-state-of-qatar-doha-qatar-15-september-2025.
Magid, Jacob. “Arab, Muslim Leaders Urge Review of Israel Ties After Attack on Hamas Leaders in Doha.” Times of Israel, September 16, 2025. https://www.timesofisrael.com/arab-muslim-leaders-urge-review-of-israel-ties-after-attack-on-hamas-leaders-in-doha/.
Qatar News Agency. “Final Communique Issued by Arab-Islamic Emergency Summit in Doha,” September 15, 2025. https://qna.org.qa/en/News-Area/News/2025-9/15/final-communique-issued-by-arab-islamic-emergency-summit-in-doha.
Mohamed. “Arab-Islamic Summit Calls for Legal Measures and Diplomatic Review of Relations With Israel.” Ahram Online, September 15, 2025. https://english.ahram.org.eg/NewsContent/2/8/553090/World/Region/ArabIslamic-summit-calls-for-legal-measures-and-di.aspx.
DEARBORN NEWS. “Final Statement of the Doha Summit: Review of Diplomatic Relations With Israel After the Aggression Against Qatar and a Call for Imposing International Sanctions on It.,” September 15, 2025. Accessed September 16, 2025. https://dearborn.org/preview/final-statement-of-the-doha-summit-review-of-diplomatic-relations-with-israel-after-the-aggression-against-qatar-and-a-call-for-imposing-international-sanctions-on-it-71394.
Hatem, Mohamed. “Arab-Islamic Summit Calls for Legal Measures and Diplomatic Review of Relations with Israel.” Ahram Online, September 15, 2025. https://english.ahram.org.eg/News/553090.aspx.
Gambrell, Jon. “Qatar Summit in Response to Israeli Strike on Hamas in Doha Leads to Little Action.” PBS News, September 15, 2025. Accessed September 16, 2025. https://www.pbs.org/newshour/world/qatar-hosts-summit-in-response-to-israeli-strike-on-hamas-in-doha-seeking-to-restrain-such-attacks.
تعليقات