تشير التطورات الأخيرة في الإقليم إلى بروز ملامح ما يُسمّى بـ"الشرق الأوسط الجديد"، مدفوعة بجملة من العوامل المتسارعة. فمن جهة، أسهمت العمليات العسكرية الإسرائيلية في المنطقة، وتراجع النفوذ الإيراني وشبكات وكلائه بعد حرب يونيو 2025، وانهيار النظام السوري، في إعادة رسم توازنات القوة. كما أوجدت مشاريع التطبيع والتعاون الاقتصادي، مثل مشروع "الممر الاقتصادي" الرابط بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، ديناميات تكاملية جديدة تعزز من مكانة إسرائيل كلاعب مركزي في المعادلات الإقليمية. هذه المعطيات تطرح تصوراً لنظام إقليمي أكثر اندماجاً، يقوم على الشراكات الاقتصادية والانفتاح السياسي.

في المقابل، لا تزال عقبات جوهرية تُلقي بظلالها على احتمالات تشكّل هذا النظام الجديد. إذ يواصل الرأي العام العربي إبداء رفض واسع لأي تطبيع غير مشروط بتأسيس دولة فلسطينية ذات سيادة، بينما يحظى هذا المطلب بدعم متنامٍ في المحافل الدولية. يُضاف إلى ذلك تنامي الدور الإقليمي لتركيا، واستمرار المرونة المؤسسية لإيران بما يسمح لها بإعادة التموضع رغم الضغوط، فضلاً عن إصرار القوى العربية الرئيسية مثل مصر ودول الخليج على ضمان الحقوق الفلسطينية كمدخل لأي ترتيبات مستقبلية.

 

وعليه، فإن معادلة “الشرق الأوسط الجديد” عالقة بين مسارين: الأول يدفع نحو بلورة منظومة إقليمية جديدة تستند إلى المصالح الاقتصادية والتطبيع كمدخل للتعاون، والثاني يشدد على أولوية الشرعية السياسية والشعبية التي لا يمكن تجاوزها من دون معالجة الملف الفلسطيني. لذا، فإن مستقبل هذه الرؤية سيعتمد على قدرة الأطراف الإقليمية والدولية على إيجاد توازن دقيق بين متطلبات الاستقرار الاستراتيجي وبين ضرورات العدالة السياسية، وهو توازن لم يُحسم بعد.

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *