في يوم 28 يوليو 2025، وخلال مؤتمر صحفي مشترك في اسكتلندا بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، أعلن ترامب بشكل مفاجئ أنه يمنح روسيا مهلة جديدة لا تتجاوز عشرة إلى اثني عشر يومًا (حتى 8 أغسطس 2025 تقريبًا) لإحراز تقدم نحو إنهاء الحرب في أوكرانيا، مهددًا بأنه في حال عدم الاستجابة سيواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حزمة عقوبات اقتصادية وقيود تجارية مشددة. وجاء هذا التصعيد بعد فترة من المحاولات الدبلوماسية غير المثمرة والتعبير المتكرر من ترامب عن استيائه من بوتين لاستمراره في العمليات العسكرية.
لاحقًا، وفي 31 يوليو 2025، رد نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، ديمتري ميدفيديف (الرئيس الروسي السابق)، بتصريحات حادة عبر قناته على تليغرام، مذكِّرًا ترامب بما أسماه "خطر اليد الميتة"، أي نظام الردع النووي الروسي شبه الآلي المصمم لضمان توجيه ضربة انتقامية نووية حتى في حال القضاء التام على القيادة الروسية. وقد أثار هذا الرد قلق الإدارة الأميركية، ورد ترامب بتحريك غواصتين نوويتين أميركيتين إلى مناطق استراتيجية تحسبًا لأي تصعيد محتمل، مؤكدًا أن التهديدات النووية "خطيرة للغاية" ويجب التحسب لها بقوة.
الرد الأميركي لم يتأخر. ففي الأول من أغسطس، نشر ترامب تدوينة جديدة على منصة "تروث سوشيال"، أكد فيها أنه وجّه أوامر مباشرة بنشر غواصتين نوويتين أميركيتين قرب المياه الإقليمية الروسية. ولم يُفصح الرئيس الأميركي ما إذا كانت الغواصات مزودة برؤوس نووية أم لا، تاركًا الباب مفتوحًا أمام أكثر السيناريوهات غموضًا، في خطوة محسوبة ضمن منطق الردع النووي الاستباقي.
لكن اللافت أن هذا التصعيد لم يبقَ محصورًا في المجال الروسي–الأميركي فقط، بل اتسعت دائرته لتطال الهند، التي وُضعت فجأة في قلب العاصفة. ففي 31 يوليو، أعلن ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 25٪ على كل الصادرات الهندية إلى الولايات المتحدة، وهدد بعقوبات إضافية تطال الشركات التي تواصل استيراد النفط أو بيع الأسلحة مع موسكو. جاءت هذه الخطوة بسبب اعتماد نيودلهي المتزايد على الخام الروسي، والذي بات يُشكل بين 35 و40٪ من احتياجاتها النفطية.
ومع أن الحكومة الهندية لم تُعلن رسميًا التراجع عن التعاقدات الروسية، فإن تعليمات غير مكتوبة صدرت إلى شركات التكرير الوطنية بالبحث الفوري عن بدائل في السوق العالمية، وبدأت فعلاً بوادر التحوّل تظهر، من دون أن تصل إلى حدّ القطيعة الكاملة مع روسيا، في محاولة لإرضاء الطرفين دون خسارة أيٍّ منهما.
غير أن التوتر هنا لا ينحصر فقط في لعبة التهديدات والمواقف. فالأزمة الناشئة بدأت ترسم موجات ارتدادية هائلة تتجاوز السيادة والردع، وتصل إلى قلب الأسواق العالمية. من الطاقة إلى الغذاء، ومن السلاح إلى سلاسل الإمداد، يشهد العالم اختلالًا متسارعًا في التوازنات، سيصُبّ لصالح بعض دول الشرق الأوسط التي ستستفيد من ارتفاع الطلب، بينما ستتضرر أخرى بشدة، سواء بفعل الأسعار أو بفعل خنق ممرات التجارة أو تقلبات التمويل.
يتتبّع هذا المقال بدقة أثر هذا التصعيد الجيوسياسي على أسواق الطاقة العالمية، مع التركيز على السيناريوهات المحتملة في حال استمر الضغط الأميركي وواصلت الهند تقليص اعتمادها على النفط الروسي. إذ تُعدّ الهند، بحجم استهلاكها وقدرتها على المناورة بين الموردين، فاعلًا مرجِّحًا في معادلة العرض والطلب، وتحوّلها المفاجئ نحو أسواق الخليج أو أميركا اللاتينية لا يُعيد فقط تشكيل الجغرافيا التجارية للنفط، بل يُحدث موجة مضاعفة من التأثيرات تمتد إلى الاقتصادات العربية ذات العلاقة العضوية بأسواق الطاقة. في هذا السياق، يرصد المقال الفرص والتحديات التي تواجه دول الخليج بوصفها بديلًا استراتيجيًا للمصدر الروسي.
سيعقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اجتماعًا للمجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت) في 5 أغسطس 2025 للمصادقة على خطط توسيع السيطرة العسكرية لتشمل القطاع بالكامل، في تصعيد خطير للصراع مع حماس. على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي يسيطر حالياً على حوالى 75٪ من غزة، يضغط نتنياهو لتوسيع العمليات لتشمل المناطق المكتظة بالسكان والتي يعتقد بوجود رهائن فيها، وهو اقتراح يواجه معارضة قوية من داخل صفوف الجيش وخاصة من رئيس الأركان إيال زامير، الذي يحذر من تداعيات إنسانية ومخاطر عملياتية كبيرة واصفًا الخطة بالفخ الاستراتيجي، و تعكس هذه الخطة توجهًا لإضعاف حركة حماس نهائيًا، وتأمين تحرير الرهائن، مع العلم أن المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى قد انهارت.
وفي تطور دراماتيكي، ألغى نتنياهو زيارة مقررة لزامير إلى واشنطن بعد إطلاعه على التوجه الجديد والتحولات الاستراتيجية المتسارعة. رفض زامير الخطة المقترحة صراحةً، مهددًا بالاستقالة في حال الموافقة عليها. تركزت تحفظات الجيش على مخاوفه على حياة الرهائن، لا سيما في مناطق مثل دير البلح التي لم تُطهر بالكامل من مقاتلي حماس. علاوةً على ذلك، أعربت قيادة الجيش عن قلقها إزاء تآكل قدراته القتالية، مشيرةً إلى نقص القوى البشرية بعد قرابة عامين من الصراع المتواصل، و دعا إلى اتباع استراتيجية احتواء أكثر حذرًا من شأنها ممارسة الضغط على حماس دون الانخراط في احتلال طويل الأمد وواسع النطاق.
في عالم تسوده التحوّلات المتسارعة المدفوعة بالتقدم التكنولوجي، يُعاد رسم ملامح المشهد العالمي على وقع الصعود اللافت لتقنيات الذكاء الاصطناعي، تلك التقنية التي باتت تضطلع بدور جوهري في إحداث تحوّلات اقتصادية كبرى، وإطلاق عصر جديد من النمو في الناتج المحلي الإجمالي. وتُعدّ منطقة الشرق الأوسط من بين أكثر المناطق حيويةً في ما يتعلّق بدمج الذكاء الاصطناعي، إذ لا تكتفي بمجرد الرصد أو مواكبة حركة التطور، بل تتبنّى هذا التحوّل بشكل ثوري، حيث تسعى حكومات المنطقة إلى تسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي لإعادة تشكيل سياساتها، وتطبيق استراتيجيات وطنية طموحة، واستقطاب استثمارات أكثر ذكاءً، وإعادة بناء مستقبلها على أسس رقمية أكثر تطورًا. وقد بدأت ملامح هذا التحول تؤتي ثمارها، حيث باتت اقتصادات عدّة في المنطقة أكثر مرونةً وديناميكية، وتطورت النظم لتعمل بكفاءة وذكاء أعلى، ما أسهم في توفير خدمات أفضل وأكثر فاعلية لشعوبها.
ورغم التقدّم السريع والنمو المتسارع في مجال الذكاء الاصطناعي داخل الشرق الأوسط، لا تزال المنطقة تواجه جملة من التحديات التي تُعيق المسار التحويلي المنشود، من أبرزها النقص في الكوادر البشرية المؤهّلة بالقدر الكافي، والحاجة المستمرة إلى حلول مبتكرة وأساليب جديدة لسد هذه الفجوة. وفي المقابل، تفتقر معظم دول المنطقة إلى إطار تشريعي متكامل ينظّم استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل عادل وأخلاقي، بما يضمن اتساقه مع المبادئ الإنسانية والمعايير الدولية. كما أن الحاجة المتنامية إلى تطوير بنية تحتية رقمية مستدامة تؤكد أن الطريق لا يزال يتطلّب المزيد من الجهود والعمل المؤسسي. غير أن تجاوز هذه التحديات والعقبات كفيل بإطلاق الإمكانات الكاملة للمنطقة، وتعزيز قدرتها التنافسية، وتمكينها من لعب دور محوري في مشهد الذكاء الاصطناعي العالمي.
يستعرض استطلاع "اتجاهات الرأي العام"، الذي أُجري في يونيو 2025، تصوّرات المخاطر النووية في المنطقة، بما في ذلك احتمالية وقوع أحداث نووية، ومستويات الاستعداد، والحاجة إلى استجابة طارئة جماعية. وتقدّم نتائجه رؤى معمقة حول كيفية تأثير حالة الغموض الجيوسياسي في تشكيل مخاوف الجمهور حيال التهديدات النووية.
عند طرح سؤال حول احتمالية وقوع حدث نووي في الشرق الأوسط خلال العقد المقبل، أشار غالبية المشاركين إلى أن الاحتمال يتراوح بين مرتفع (41%) ومتوسط (41%). في المقابل، أعربت نسبة محدودة (16%) عن اعتقادها بأن هذا الحدث غير محتمل، فيما استبعده تمامًا 3.1% من المشاركين. ويعكس هذا التوزيع في الآراء تحوّلًا ملحوظًا في وعي الرأي العام؛ إذ لم يعد الحدث النووي يُنظر إليه كاحتمال بعيد، بل كخطر واقعي ومحتمل، تفرضه الديناميكيات الجيوسياسية الراهنة وحالة عدم الاستقرار الإقليمي المستمر.
ردًا على سؤال الاستطلاع المتعلّق بأكثر الأسباب احتمالًا لحدوث تداعيات نووية، اعتبر المشاركون أن الحرب النووية تُشكّل الخطر الأكثر ترجيحًا (46%)، متقدمة على احتمال وقوع خلل في مفاعل نووي (38%). وعلى الرغم من أن الوقائع التاريخية تُظهر تكرار أعطال المفاعلات، فإن المشاركين بدوا أكثر انشغالًا باحتمالية نشوب حرب نووية، وهو ما يُعزى على الأرجح إلى تصاعد حالة عدم اليقين الجيوسياسي في أعقاب النزاعات الأخيرة، وفي مقدمتها الحرب التي دارت بين إيران وإسرائيل. أما الهجمات السيبرانية، فرغم إمكانيتها من الناحية التقنية، فقد اعتُبرت أقل احتمالًا (13%)، في ظل مقارنتها بتهديدات أكثر إلحاحًا كالحرب والأعطال الفنية. وفي السياق ذاته، نالت الهجمات الإرهابية أدنى نسبة (4.2%)، ما يعزّز الانطباع بأن التهديدات الصادرة عن دول متنازعة تُعدّ أكثر خطورة من تلك التي تُنسب إلى جهات غير حكومية.
عند طرح سؤال حول مدى الحاجة إلى إنشاء نظام مشترك للطوارئ النووية في الشرق الأوسط، أعربت الغالبية الساحقة من المشاركين (91%) عن تأييدهم للتعاون الإقليمي، في دلالة واضحة على تنامي المخاوف من التوترات الراهنة، وإدراك محدودية قدرات بعض الدول على التصدي للتهديدات النووية بشكل منفرد. في المقابل، أعربت نسبة محدودة (9%) عن رفضها لفكرة النظام الجماعي الشامل، مفضّلة حصر التعاون في إطار عدد معيّن من الدول. ومن المحتمل أن تعكس هذه الرؤية اقتناعًا بوجود تفاوت في الجاهزية والمسؤولية بين دول الإقليم، أو تخوّفًا ضمنيًا من إشراك أطراف يُنظر إليها باعتبارها "مستفيدة دون التزام" ضمن منظومة الأمن الجماعي.
في ما يتعلّق بجاهزية الشرق الأوسط لمواجهة خلل نووي أو هجوم سيبراني، أفادت غالبية المشاركين (76%) بأنّ المنطقة غير مستعدة، في حين رأى 12% أنها مستعدة إلى حدّ ما، و12% آخرون أعربوا عن ثقتهم بكفاءة الاستعداد. وتعكس هذه النتائج مستوى مرتفعًا من القلق العام، وتكشف عن إدراك متزايد للفجوة القائمة في القدرات المؤسسية وآليات الاستجابة الطارئة. كما تعزز هذه المعطيات ما ورد سابقًا من دعم قوي لإنشاء نظام إقليمي مشترك للطوارئ النووية، في تأكيد على قناعة راسخة بأنّ التعاون الجماعي يمثّل الخيار الأمثل لسدّ ثغرات الاستجابة الفردية في مواجهة التهديدات النووية أو السيبرانية.
عند السؤال عن مدى استعداد المنطقة لاحتمال نشوب حرب نووية، أشار غالبية المشاركين بنسبة مرتفعة (87%) إلى أنّ الشرق الأوسط غير مؤهّل للتعامل مع هذا السيناريو. وبالمقارنة مع السؤال السابق المتعلّق بالأعطال النووية والهجمات السيبرانية، يكشف هذا التصوّر المتزايد لغياب الجاهزية عن نوع التهديدات التي تُثقل كاهل المشاركين وتشغل أذهانهم بصورة أكبر. ويُستدل من هذا التباين على أنّ الحرب النووية تُعدّ، على وجه التحديد، مصدر القلق الأكثر إلحاحًا، وهو ما يُعزى على الأرجح إلى ما ينطوي عليه هذا السيناريو من آثار كارثية، بالإضافة إلى ارتباطه الوثيق بحالة عدم الاستقرار الجيوسياسي المستمر في المنطقة.
يُعَدّ "اتجاهات الرأي العام" سلسلة تحليلية قائمة على البيانات، ترصد اتجاهات الرأي العام حيال القضايا الإقليمية والدولية الراهنة، ويُشرف على إعدادها كبار الباحثين في برنامج الإنذار المبكر التابع لمركز الحبتور للأبحاث: حبيبة ضياء الدين وأحمد السعيد.
وتستند النتائج المعروضة إلى بيانات جُمعت من خلال استطلاعات رأي عبر وسائل التواصل الاجتماعي ونماذج إلكترونية وُزّعت بالبريد الإلكتروني. وعلى الرغم من الحرص على تنويع العينة وتوسيع نطاقها، فإن هذه النتائج تعكس آراء المشاركين فحسب، ولا ينبغي اعتبارها تمثّل الرأي العام بمجمله أو تعكس مواقف مركز الحبتور للأبحاث.
تبرز محافظة السويداء السورية بوصفها ساحة شديدة التعقيد سياسيًا وهوياتيًا، في ظل التحولات الجذرية التي يشهدها المشهد السوري بعد سقوط نظام الأسد وتشكّل حكومة انتقالية مركزية جديدة، تطالب بعض أطرافها بتقرير المصير. ويهدف هذا التحليل إلى دراسة سيناريو استفتاء محتمل في السويداء، لا من منطلق الترويج له أو رفضه، بل لفهم العوامل البنيوية والتاريخية التي قد تحدد مآلاته. يعتمد التحليل على مقاربة متعددة الأبعاد تشمل الانقسام الداخلي الحاد في المجتمع الدرزي، والتنافر بين مشاريع الحكم الذاتي والمركزية الدستورية الجديدة، والانهيار الاقتصادي شبه الكامل، والتداخل الإقليمي الحاد. وذلك استنادًا إلى مصادر قانونية، تاريخية، وميدانية، بما يُبرز كيف أن غياب شروط الاستقرار السياسي والأمني، وتعدد اللاعبين المحليين والدوليين، يجعل من فكرة الاستفتاء، في هذا التوقيت، خطوة شديدة الخطورة قد تؤدي إلى تفكك داخلي وعنف مسلح.
شهدت سوريا مع سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 نقطة تحوّل سياسية محورية أدت إلى دخول البلاد مرحلة جديدة ذات تعقيدات متعددة، اتسمت بتولي أحمد الشرع رئاسة الدولة مؤقتًا. وقد تميزت هذه الفترة الانتقالية بمساعي مكثفة لتحقيق الاستقرار الأمني، وتضافر الجهود لتوحيد الفصائل المسلحة المنقسمة، فضلًا عن الاستجابة للاحتياجات الإنسانية المتزايدة على الصعيد الوطني. ضمن هذا المشهد المتغير، برزت محافظة السويداء الجنوبية ذات الغالبية الدرزية كبؤرة توتر استراتيجية، حيث اكتسبت التطورات العسكرية الأخيرة فيها أبعادًا هامة قد تؤثر بشكل مباشر على مستقبل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرق البلاد. يركز هذا التحليل على استعراض التطورات السويداء كمفتاح لفهم التوازنات السياسية والعسكرية في سوريا، إضافة إلى تقييم فرص ومسارات الحل السياسي بين دمشق وقسد.
جرت مراسم تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة للمرة الثانية في 20 يناير 2025، ليصبح الرئيس السابع والأربعين للبلاد. وقد عرض ترامب، خلال خطابه الافتتاحي، أجندة واسعة النطاق تمزج بين الأسس التقليدية للمحافظين وبعض ملامح الشعبوية الصاعدة. ومن اللافت للنظر، أنه وقّع في يوم تنصيبه على 26 أمرًا تنفيذيًا، وهو أعلى عدد يوقعه أي رئيس أمريكي في اليوم الأول من ولايته. تتمحور أجندة ترامب في ولايته الثانية حول شعارات "أميركا أولًا"، "الانتقام، و"فرض القانون والنظام"، حيث يسعى إلى إعادة تشكيل الحكومة الفيدرالية بوجه أكثر صرامة، واستعادة السياسات المتشددة التي انتهجها خلال فترته الأولى، فضلًا عن إعادة صياغة الدور الأميركي عالميًا من خلال نهج حمائي وتقليص انخراط الولايات المتحدة على المستوى الدولي.
لطالما شدد ترامب على تجنب الحروب الخارجية وتبني سياسة خارجية لا تقوم على التدخل، مع التركيز بدلًا من ذلك على أمن الحدود والنمو الاقتصادي. وقد عارض ما سمّاه "الحروب التي لا تنتهي"، ودعا إلى تقليص التواجد العسكري الأمريكي في الخارج. وأكد مرارًا أن الولايات المتحدة يجب ألا تنخرط في حروب باهظة الكلفة في الشرق الأوسط لا تخدم مصالحها بشكل مباشر، مستخدمًا شعارات من قبيل "لسنا شرطيّ العالم" و"أنهِوا الحروب التي لا تنتهي". كما وجّه انتقادات حادة للإدارات السابقة بسبب انخراطها الطويل في النزاعات العسكرية في العراق وأفغانستان وليبيا وسوريا. غير أن أفعال ترامب، منذ دخوله المكتب البيضاوي في ولايته الثانية، أظهرت انحرافًا ملحوظًا عن نهجه المُعلن القائم على عدم التدخل.
لم تكن دبلوماسية الرياضة وليدة اللحظة، بل تضرب بجذورها في أعماق التاريخ؛ إذ تعود بداياتها إلى العصور القديمة، حين اعتادت المدن-الدول اليونانية تعليق نزاعاتها المسلحة للمشاركة في الألعاب الأولمبية، التي كانت تُقام في أجواء يسودها السلام والاحترام المتبادل. وقد استندت الحركة الأولمبية الحديثة، التي أُعيد إطلاقها عام 1896، إلى المبادئ ذاتها، مناديةً بوحدة البشرية من خلال التنافس الرياضي الشريف.
ومع ذلك، لم تكن الرياضة بمنأى عن التوظيف السياسي، إذ استُغلت أحيانًا كأداة دعائية أو وسيلة لتعزيز النفوذ الدولي. ولعل أبرز مثال على ذلك أولمبياد برلين عام 1936، حين سخّرت ألمانيا النازية الألعاب الأولمبية لترويج أفكارها القومية. وفي المقابل، أثبتت الرياضة في مناسبات أخرى قدرتها على لعب دور إيجابي في تهدئة النزاعات السياسية وبناء جسور التواصل. فعلى سبيل المثال، ساهمت ما عُرف بـ"دبلوماسية كرة الطاولة" بين الولايات المتحدة والصين في مطلع السبعينيات من القرن الماضي في تهيئة الأجواء لزيارة الرئيس ريتشارد نيكسون التاريخية إلى بكين عام 1972، والتي شكّلت منعطفًا مهمًا في مسار العلاقات بين البلدين. تسعى هذه الدراسة إلى تحليل مدى فاعلية دبلوماسية الرياضة كأداة من أدوات القوة الناعمة في تخفيف حدة التوترات بين الدول، واستكشاف إمكاناتها في تشكيل بيئات أكثر تعاونًا في عالم يزداد استقطابًا.
تُشكّل أزمة تخصيب اليورانيوم في إيران المحور الجوهري للصراع النووي القائم، حيث تتقاطع الاعتبارات التقنية مع محددات السيادة الوطنية، ويتداخل القانون الدولي مع منطق الردع الاستراتيجي. فمن منظور الجمهورية الإسلامية، يُعدّ امتلاك دورة الوقود النووي الكاملة، بما في ذلك التخصيب على أراضيها، حقًا أصيلًا ومكفولًا بموجب المادة الرابعة من معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT). غير أن هذا "الحق" يتجاوز في الوعي السياسي الإيراني كونه خيارًا تكنولوجيًا، ليتحوّل إلى رمز سيادي وركيزة في سردية الاستقلال الوطني والتحدي لهيمنة القوى الغربية.
في المقابل، تنظر الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى التقنية ذاتها بوصفها البوابة المباشرة نحو إنتاج سلاح نووي. فالمعمار الفني القائم على أجهزة الطرد المركزي يتيح – مع توافر القرار السياسي – الانتقال من التخصيب المنخفض إلى إنتاج مادة انشطارية قابلة للتفجير خلال أسابيع معدودة. وقد تعاظمت هذه المخاوف بصورة غير مسبوقة عقب تأكيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مايو 2025 أن إيران راكمت ما يزيد عن 400 كيلوغرام من اليورانيوم المُخصب بنسبة 60%، وهو ما يكفي نظريًا لإنتاج ثلاث إلى خمس قنابل نووية بمجرد رفع النقاء إلى 90%، دون حاجة لإضافة بنية تحتية جديدة.
الخبرة التاريخية الإيرانية – من حرمانها من حصتها في مشروع Eurodif عام 1979 إلى انهيار مبادرة مفاعل طهران البحثي عام 2009 – عززت قناعة راسخة لدى النخبة الحاكمة بأن الاعتماد على الخارج في تأمين الوقود النووي ليس خيارًا موثوقًا. ومن ثمّ، فإن أي صيغة تفاوضية تتطلب التخلي عن التخصيب المحلي تُعدّ، من المنظور الإيراني، مساسًا جوهريًا بالكرامة السيادية والأمن الاستراتيجي للدولة.
وعليه، فإن جوهر الأزمة لا يكمن في مستويات التخصيب أو أعداد أجهزة الطرد، بل في البنية السياسية العميقة لانعدام الثقة المتبادل. ولن يكون ممكنًا بلوغ تسوية مستدامة إلا ضمن إطار أمني أشمل يُعيد تعريف العلاقة بين إيران والنظام الإقليمي والدولي على أسس جديدة.
لذلك ينطلق هذا التحليل من مقاربة متعددة المستويات تُعالج أزمة التخصيب الإيراني بوصفها مسألة تتجاوز الطابع التقني، لتلامس جوهر الصراع بين السيادة الوطنية وهواجس الانتشار النووي. ويتناول التحليل أربعة محاور رئيسية: الخصائص التقنية للتخصيب، الدوافع السياسية والاستراتيجية الإيرانية، الحسابات الأمنية الغربية، وأطر الحلول المقترحة، مع التأكيد على أن أي تسوية دائمة تقتضي إعادة تعريف العلاقة بين إيران والنظام الدولي.
شهدت العمليات العسكرية الأخيرة ضد المنشآت النووية الإيرانية تصاعدًا ملموسًا في المخاوف الدولية حيال طموحات طهران النووية. في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، تجسد الصراع العسكري المباشر بين إيران وإسرائيل الذي استمر 12 يومًا، حيث نفذت الولايات المتحدة ضربات جوية استهدفت منشآت نووية رئيسية في نطنز وفوردو وأصفهان، أعقبها رد إيراني على قاعدة العديد في قطر. ورغم إعلان الولايات المتحدة عن "تدمير كامل" للبنية التحتية النووية الإيرانية، تشير الأدلة إلى أن الضربات لم تحقق أهدافها الاستراتيجية بشكل كامل، إذ بقيت منشأة فوردو وأجهزة الطرد المركزي الأساسية سليمة جزئيًا، مما أبقى جزءًا كبيرًا من القدرات النووية الإيرانية قائمة.
تزداد حالة الغموض حول مصير اليورانيوم عالي التخصيب الإيراني، خصوصًا بعد إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية فقدان أثر نحو 400 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي كمية تكفي نظريًا لصناعة عدة رؤوس نووية. وأقرّت السلطات الإيرانية بنقل هذه المواد إلى "أماكن آمنة" قبل الضربات الأمريكية، في حين تشير تقديرات استخباراتية غربية إلى صعوبة تحديد مواقعها واستهدافها عسكريًا، مما يعزز المخاطر المرتبطة بالانتشار النووي ويمنح إيران ورقة ضغط استراتيجية في أي مفاوضات مستقبلية، مع إبقاء احتمالات التصعيد العسكري قائمة.
في ضوء هذه التطورات، يبدو أن البرنامج النووي الإيراني تعرض لانتكاسة مؤقتة فقط، ولا تزال طهران تحتفظ بمعظم قدراتها التقنية والبشرية لإعادة بناء منشآتها واستئناف التخصيب في المستقبل القريب. لذلك، يصبح مصير اليورانيوم المخصب المحتجز في مواقع غير معلومة عاملًا حاسمًا في تحديد مسار الصراع الإقليمي، إذ قد يشكل الشرارة لأي تصعيد جديد بين إيران وإسرائيل، لا سيما إذا قررت طهران استئناف أنشطتها النووية أو سعت الأطراف الأخرى لاستهداف هذه المخزونات مجددًا.
يهدف هذا التحليل إلى دراسة التناقض بين الخطاب السياسي الذي يعلن "تدمير" القدرات النووية الإيرانية والواقع الميداني الذي يشير إلى استمرار التهديد النووي، مع التركيز على المخاطر الاستراتيجية الناجمة عن استمرار وجود اليورانيوم المخصب خارج الرقابة الدولية، وانعكاسات ذلك على الاستقرار الإقليمي ومستقبل الصراع في الشرق الأوسط.
تُعدّ الحرب بين إيران وإسرائيل – بكل المقاييس – حرب بقاء بالنسبة للنظام الإيراني. فقد باتت مهاجمة إيران خطوة منطقية بالنسبة لإسرائيل، خاصة بعد أن نجحت إلى حد كبير في تحجيم أذرع طهران من الميليشيات والوكلاء في الإقليم. ويستند النظام الإيراني إلى ثلاثة ركائز رئيسية: (1) ترسانة الصواريخ التقليدية، (2) شبكة موسعة من القوات التابعة للوكلاء في المنطقة، و(3) برنامجه النووي. إلا أن هذا النظام يواجه اليوم حرب استنزاف قد تقود في نهاية المطاف إلى زواله الكامل. فالسقوط المحتمل للنظام الإيراني لا يُعد مجرد تغيير في القيادة، بل يُمثّل انهيارًا للدولة ذاتها.
وسيؤدي انهيار الدولة الإيرانية إلى عواقب كارثية في عموم المنطقة. ومع ذلك، فإن بقاء النظام يُعدّ أيضًا سيناريو قائمًا بحد ذاته. فرغم أن انهيار إيران سيُحدث أزمة إقليمية كبرى، فإن استمرار بقاء النظام، لا سيما مع سعي طهران لفرض نفسها كقوة إقليمية عظمى، قد يكون أكثر زعزعة للاستقرار بالنسبة لإسرائيل وحلفائها. وفي الحالتين، فإن النتائج تحمل آثارًا إقليمية ودولية عميقة، وتُشير إلى تحوّل جذري في الواقع الجيوسياسي للشرق الأوسط. والسؤال الجوهري لم يعد: "هل سيتغير الشرق الأوسط؟" بل "كيف سيبدو هذا الشرق الأوسط الجديد؟"
في 22 يونيو، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة شنت هجومًا على منشأة “فوردو” النووية الإيرانية باستخدام قنبلتها الخارقة للتحصينات المعروفة بـ”Bunker Buster”. وعلى الرغم من وصف ترامب الضربة بأنها ناجحة، لم يتم تأكيد التدمير الكامل للمنشأة، مما يطرح سؤالًا محوريًا: هل سيفكر ترامب في استخدام سلاح نووي تكتيكي لضمان القضاء التام على المنشأة؟
على عكس الأسلحة النووية الاستراتيجية، تتميز الأسلحة النووية التكتيكية بأنها أقل من حيث القدرة التدميرية، ومصممة للاستخدام المحدود في ساحة المعركة، وليس لإحداث دمار شامل. ورغم محدودية أثرها، فإن استخدامها سيحمل تداعيات إقليمية وعالمية جسيمة.