تشهد الساحة الاقتصادية العالمية تصاعداً غير مسبوق في التوترات التجارية، واضطرابات في سلاسل الإمداد، وارتفاعاً حاداً في التكاليف، وذلك في أعقاب السياسات الجمركية العدوانية التي تنتهجها إدارة الرئيس دونالد ترامب خلال ولايته الثانية. ولا تقتصر آثار هذه السياسات على كونها مجرد افتراضات نظرية، بل باتت التوقعات الراهنة تشير إلى آثار أشد وطأة قد تجرّ خلفها تداعيات أكثر حدة. فوفقًا للتقديرات، من المرجّح أن يبلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي 2.2% فقط في عام 2025، وهو معدل يقترب من عتبة الركود الاقتصادي الذي حذّرت منه منظمة الأونكتاد، معتبرة أن أي تراجع في النمو دون 2.5% قد يدفع العالم إلى أزمة ركود. كما خفّض صندوق النقد الدولي من توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي إلى 2.8%، وقلّص بشكل لافت توقعاته لنمو الاقتصاد الأميركي في عام 2025، من 2.7% في يناير إلى 1.8% في أبريل. وفي سياق متصل، أصدرت منظمة التجارة العالمية تحذيراً بشأن تدهور حاد في توقعات التجارة العالمية، إذ من المتوقع أن تنخفض تجارة السلع على مستوى العالم بنسبة 0.2% خلال عام 2025، أي أقل بنحو ثلاث نقاط مئوية من التوقعات السابقة.
تتجاوز الاضطرابات الراهنة الجانب الاقتصادي؛ فهي تمتد لتؤثر على تحالفات الولايات المتحدة الدولية، وتلقي أعباء إضافية على كاهل الأسر، التي بات العديد منها يؤجل اتخاذ قرارات حياتية محورية. وفي ظل تصاعد المخاوف من الركود، يبرز سؤال ملحّ: ما مدى الآثار المحتملة على الصعيد العالمي في حال انهيار الاقتصاد الأمريكي؟ ونظرًا إلى الدور المحوري الذي تضطلع به الولايات المتحدة بوصفها أكبر اقتصاد عالمي، والمُصدر الرئيسي للعملة الاحتياطية الدولية، فإن أي تدهور اقتصادي كبير فيها سيؤدي حتمًا إلى كارثة مالية غير مسبوقة. ويمكن القول، إن سقوط الاقتصاد الأميركي سيجرّ خلفه الاقتصاد العالمي بأسره، ما ينذر بأزمة عالمية شاملة ستطال الأسواق والمؤسسات المالية والنقدية.
تخيّل أن تستيقظ بعد بضع سنوات، تفتح هاتفك المحمول، فتقرأ العنوان التالي: «الاقتصاد الأمريكي ينهار: الأسواق تتهاوى بين عشية وضحاها». في البداية، يبدو الأمر كقصة بعيدة، تحدث في مكان آخر. ولكنك تخرج لشراء قهوتك، وتجد أن سعرها قد تضاعف ثلاث مرات، وتفتح تطبيق استثماراتك لتكتشف أن مدخرات حياتك قد تبخرت. وفي الخارج، تتوقف مصانع كانت تعتمد على المستهلك الأميركي، وتترك قرى كاملة بلا عمل. الدولار الأميركي، الذي كان يوماً حجر الزاوية في النظام المصرفي العالمي، انهار، ما أشعل حروب عملات عالمية بينما تحاول الحكومات حماية اقتصاداتها. فجأة، لم يعد ذلك الحدث البعيد كذلك، بل صار واقعًا يمتص ما في جيبك، ويرفع تكلفة معيشتك، ويهدد وجودك الأساسي. لم يعد الأمر مجرد عنوان صحفي؛ بل هو شتاء اقتصادي عالمي قاتم، يفرض قبضته الباردة على كل منزل، وفي كل قارة، ولأجيال قادمة. فهل نحن مستعدون حقاً لمثل هذا الزلزال الاقتصادي؟
في الخامس من أغسطس 2024، شهدت أسواق المال هبوطًا حادًا في أعقاب فترةٍ من التقلبات الشديدة، حيث شكَّلَ اضطراب المؤشرات الاقتصادية في الولايات المتحدة ورفع بنك اليابان أسعار الفائدة بشكل غير متوقع أبرز العوامل الرئيسية لهذا الانهيار. وكانت المؤشرات العالمية الرئيسية قد شهدت انخفاضًا حادًا، غير أنها تعافت في غضون 24 ساعة فقط، وعلى الرغم من أن هذا التعافي حدث سريعًا، إلا أن حدوث هذا التراجع قد يكون بمثابة إشارة إلى أن الاقتصاد العالمي على وشك التباطؤ مرةً أخرى.
على الرغم من كونها صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تواجه الصين تحديات ضخمة يأتي على رأسها تعثر القطاع العقاري، وتراجع الاستهلاك المحلي، وارتفاع مستويات الديون. ومن أجل التغلب على هذه التحديات، تبنت الحكومة سياسات تهدف إلى تشجيع الإنفاق المحلي، وتخفيف حدة الانكماش في القطاع العقاري، وتعزيز الابتكار لضمان التنمية المستدامة، ومن شأن هذه التدابير ألا تؤثر على المسار الاقتصادي للصين فحسب، بل تمتد آثارها أيضاً إلى الاقتصاد العالمي بأسره.
يمر الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي بنقطة تحول فارقة تتسم باتجاهٍ جديد يغاير تمامًا اتجاه التكامل الذي شهدناه في العقود الأخيرة من القرن العشرين. وظهرت الشكوك المتزايدة بشأن مزايا العولمة، وخاصة في الدول المتقدمة، جنبًا إلى جنب مع التعافي البطيء في أعقاب الأزمة المالية العالمية. وقد أدت حالة عدم اليقين هذه إلى التعجيل بحدوث تحول متعمد في السياسات يبتعد عن التكامل، وهو ما يعرف بالتشتت الجغرافي الاقتصادي، ويشمل مرفق البيئة العالمية مجموعة واسعة من السياسات التي تؤثر على تدفقات رأس المال، وتنقل العمالة، والتجارة. وتختلف الدوافع وراء سياسات مرفق البيئة العالمية، بما في ذلك تصحيح الفوارق الاقتصادية المحلية، والتنافس الاقتصادي، وضرورات الأمن القومي. ويؤكد الانخفاض الأخير في الاستثمار الأجنبي المباشر، الملحوظ بشكل خاص في الاقتصادات الناشئة، تأثير الاتجاه نحو التشتت الجغرافي الاقتصادي على الاستثمار الأجنبي المباشر، ويؤكد أيضًا ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة لعكس هذا الاتجاه.
باتت الأتمتة أمرًا شائعًا في العديد من المجالات في مختلف أنحاء العالم مدفوعةً بالطفرات الأخيرة التي حدثت في التقنيات الحديثة بالإضافة إلى التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها العالم، ولم تكن الأتمتة بعيدةً عن قطاع الرعاية الصحية إذ شهد سوق الروبوتات الطبية نموًا هائلًا في السنوات الأخيرة، خاصةً بعد جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)، ومن المرجح أن يتواصل نمو ذلك السوق في السنوات المقبلة، حيث تساعد الروبوتات الطبية في إجراء العمليات الجراحية وتسهل الخدمات اللوجستية الطبية كما تمنح الأطباء والممرضات مزيدًا من الوقت للتركيز على رعاية المرضى، ونظرًا للأهمية المتزايدة التي باتت تتمتع بها الروبوتات الطبية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل يمكن أن تحل الروبوتات الطبية محل الأطباء أم أنها ستساعدهم فقط في الحفاظ على سلامة المرضى وأداء وظائفهم بشكلٍ أفضل؟
أطلقت شركة أوبن إيه آي برنامج الذكاء الاصطناعي "روبوت الدردشة" الخاص بها في نوفمبر 2022، ويتميز برنامج "شات جي بي تي" بقدرته الفائقة على توليد النصوص والإجابة على الأسئلة وتلخيص المعلومات وكتابة الرموز، وقد اجتاح "روبوت الدردشة المحاكي للإنسان" العالم على نحوٍ مخيف، مسجلاً رقمًا قياسيًا كأسرع التطبيقات انتشارًا على مدى التاريخ، وكان تطبيق "إنستجرام" قد استغرق عامين ونصف للوصول إلى 100 مليون مستخدم نشطًا شهريًا، بينما استغرق تطبيق "تيك توك" تسعة أشهر للوصول إلى هذا العدد، بينما جذب برنامج "شات جي بي تي" مليون مستخدم نشطًا شهريًا في أقل من ثلاثة أشهر.
مثلت قدرة البشرية على إنشاء هياكل دائمة جزءًا أساسيًا من الحضارة على مدى آلاف السنين، كما كانت ضرورية للإسهام في تحويلنا من جماعات بدائية إلى شعوب مستقرة. وعندما استقرت مجموعات من الناس في مكان واحد، كان علينا تطوير أساليب وتقنيات الإنشاءات لتعزيز تنمية مجتمعاتنا، وقد أدت قدرتنا على تطوير أساليب الإنشاءات إلى تصميم هياكل تلهم البشرية وتستمر في تجاوز حدود ما نعتقد أنه ممكن.
مع ذلك، كان قطاع البناء في الآونة الأخيرة بطيئًا في تبني الابتكارات الجديدة التي ساعدت على إحداث ثورة في القطاعات الأخرى، في الوقت الذي من المتوقع فيه أن هناك حاجة إلى بناء 300 مليون منزلاً جديدًا بحلول عام 2030؛ وحقيقة أن الأنشطة المتعلقة بالبناء أسهمت بنسبة 37% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية في عام 2021، لذا فمن الأهمية بمكان اعتماد تقنيات جديدة من شأنها زيادة الكفاءة وتقليل الانبعاثات؛ ومن ثم جاء الترويج للطباعة ثلاثية الأبعاد كحل لمجابهة المشاكل التي تعتري قطاع الإنشاءات.
ثمة رهان كبير على نجاح جهود مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ القادم (COP28)، والذي ستستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة في نوفمبر 2023. ويحذر تقرير التقييم السادس وهو أحدث منشور صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) عن حالة المناخ في العالم من أن دول العالم ما زالت بعيدة عن المسار الصحيح للحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية لتجنب آثار تغير المناخ الأسوأ على الإطلاق. ويُظهر العلمُ بوضوح أن الأمر لم يعد يتعلق بما "إذا" كانت الأنشطة البشرية تمثل السبب الرئيسي لاضطراب الطبيعة - لأنها كذلك بالتأكيد - لكن هناك أيضًا دليل واضح على أن لدينا حلول ميسورة التكلفة وفعالة تتطلب اتخاذ إجراءات فورية والتزام جاد بتغيير نظام الطاقة. وعلى الرغم من المحاولات التي اتخذتها قمم مؤتمرات تغير المناخ السابقة في التوصل إلى وفاق واتفاقيات دولية ملزمة بشأن استراتيجيات وأهداف خفض الانبعاثات، إلا أن تقارير سابقة صادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ذكرت مرارًا وتكرارًا أن خطط المناخ بحاجة إلى التحلي بمزيدٍ من الطموح. ومع ذلك، لا تزال كثير من الدول متخلفة عن الركب حتى فيما يتعلق بالأهداف التي تعتبر غير كافية. وفي ظل ذلك، من المتوقع أن يكون عدد من القضايا الملحة في طليعة مناقشات مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ بدبي.
شهد التقاضي المناخي زيادة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة، نظرًا لتزايد الدعاوى القضائية عالميًا خلال عام 2022. وفي عام 2023، تسببت موجة جديدة من الدعاوى القضائية المتعلقة بالمناخ في إثارة المخاوف بين الشركات الصناعية الكبرى وأصحاب المصلحة من الشركات والحكومات، ما دفع الشركات إلى زيادة الاهتمام بالإبلاغ الدقيق والمحاسبة فيما يتعلق بالانبعاثات. ونظرًا لأن المزيد من الجهات التنظيمية على مستوى العالم تعمل على سن وتحديث القوانين التي تُلزم الشركات الكبرى بالإفصاح عن المخاطر المتعلقة بالمناخ، بدأت المزيد من الشركات في الامتثال للمتطلبات ودمج الأنظمة والقوانين الجديدة في خططها، ما يدل على الطابع الحيوي لهذا التحول. وفي الوقت الذي يشتد فيه السباق للحد من الاحتباس الحراري، يتزايد تسليط الضوء على الجهات الفاعلة المتسببة في تفاقم أزمة المناخ الناجمة عن الوقود الأحفوري. في الوقت نفسه، لا تزال الفجوة كبيرة بين الإجراءات الملموسة التي يتعين على الشركات والحكومات اتخاذها والوضع الراهن الخاص بها؛ ما يجعل التقاضي المناخي بمثابة أداة أكثر جاذبية للنشطاء والمواطنين المحبطين المدافعين عن البيئة. ما هو تأثير التقاضي المناخي المتزايد على الشركات والحكومات؟ وما الذي قد يحدث في حال أسفرت المسارات القانونية عن نتائج غير مرضية؟
بينما يكافح العالم لمواجهة التحديات الاجتماعية والبيئية الآخذة في التعقيد، بدأت بعض النظم والمفاهيم الاجتماعية والاقتصادية البديلة مثل تراجع النمو تستعيد زخمها. ويُعرف الحد من النمو Degrowth بأنه "نظرية اقتصادية وحركة اجتماعية تهدف إلى الحد من التدهور البيئي وعدم المساواة الاجتماعية من خلال تقليل الاستهلاك والإنتاج وخفض معدلات النمو السكاني". وعلى الرغم من أن هذه الحركة تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، إلا أنها وجدت صعوبةً منذ ذلك الحين في أ ن تحظى بالمقبولية على الصعيد السياسي ذلك على الرغم من التنامي المستمر للإنتقادات الموجهة لمستويات النمو الاقتصادي، ومع ذلك، يصر مؤيدو الحركة على حججهم ويواصلون التحذير من مخاطر النمو الاقتصادي غير المحدود. لذا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل ستشهد حركة تراجع النمو رواجًا في المستقبل أم أنها ستظل حركة مهمشة؟ وإذا كانت ستشهد رواجًا، فلماذا يصعب إثبات جدواها؟ وهل يمكن النظر إلى مقترحاتها بوصفها قابلة للتطبيق أم لا؟ وأخيرًا، ما هي الآثار المترتبة على رفضها تمامًا؟
تغير المناخ هو واقع عالمي يزداد إلحاحًا كل دقيقة، خاصة بالنسبة للبلدان النامية التي أظهرت الأبحاث أنها الأكثر تضررًا ومن المتوقع أن تظل الأكثر تضررًا من تغير المناخي. وعلى الصعيد العالمي، كانت السنوات الثمانية الماضية هي الأكثر حرارةً على الإطلاق، حيث شهدت أجزاء من العالم درجات حرارة غير مسبوقة في الصيف وموجات حر مطولة. ومع اقتراب نهاية عام 2022، أصدر تحالف من المنظمات الدولية بيانًا حول شدة أطول موجة جفاف في تاريخ القرن الأفريقي والتي تسببت في تدهور سريع لأزمة الأمن الغذائي في الصومال وكينيا وإثيوبيا . كما يشهد العالم تواترًا أكبر للكوارث الطبيعية مثل هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات التي كان لها تأثير مدمر على بلدان مثل باكستان حيث نزح 33 مليون شخص. ويتعين على باكستان الآن، المسؤولة عن أقل من 1٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، إنفاق ما يقدر بنحو 16 مليار دولار على إعادة الإعمار، وتعهدت جهات مانحة أجنبية بتقديم نصف ذلك المبلغ .