الحرب الباردة لأشباه الموصلات: الولايات المتحدة في مواجهة روسيا والصين والهند
البرامج البحثية
23 سبتمبر 2025

الحرب الباردة لأشباه الموصلات: الولايات المتحدة في مواجهة روسيا والصين والهند

أضحى التنافس العالمي حول أشباه الموصلات والتقنيات العسكرية المرتبطة بها المحور المركزي في صراع القوى الكبرى. ولا تزال الولايات المتحدة تحافظ على موقعها الريادي في صناعة أشباه الموصلات عالميًا، حيث تستحوذ الشركات الأميركية على نحو نصف السوق العالمية. غير أن هذه الهيمنة تواجه تحديًا متناميًا من الصين، التي شكّلت مبيعاتها نحو 20% من السوق العالمية لأشباه الموصلات في عام 2024. وتمضي بكين بخطى ثابتة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال، على الرغم من استمرار التوترات التجارية والقيود المفروضة من واشنطن على حقوق الملكية الفكرية في إطار ما يُعرف بـ"الحرب التكنولوجية". وتطمح الصين إلى بلوغ مستوى 50% من الاكتفاء الذاتي في إنتاج أشباه الموصلات مع نهاية العام، مدعومةً باستثمارات ضخمة في مجال البحث والتطوير والتوسع السوقي لشركاتها الوطنية.   وفي المقابل، فإن موقع روسيا في الصناعات العسكرية المعتمدة على أشباه الموصلات بات يواجه قيودًا متزايدة. فعلى الرغم من احتفاظ موسكو بخبرة واسعة في مجال تصميم الأسلحة، إلا أنّ اعتمادها على المواد المستوردة ومعدات تصنيع الرقائق المتقدمة من الدول الغربية يكشف عن ثغرات حرجة في بنيتها التكنولوجية. وقد أدّت العقوبات الغربية المفروضة ردًّا على العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا إلى تقليص حاد في قدرة موسكو على الوصول إلى هذه المدخلات الأساسية. وفي مواجهة ذلك، سعت روسيا إلى إيجاد مصادر بديلة، لتبرز الصين كمزوّد رئيسي لمواد أشباه الموصلات. وتشكل هذه الديناميات جزءًا من الإطار الثلاثي الأوسع الذي يجمع روسيا والهند والصين (RIC)، والذي يرسّخ التحوّل الاستراتيجي لموسكو نحو شراكاتها الشرقية.   وفي الوقت ذاته، تشهد الهند تطورًا متسارعًا يجعلها لاعبًا بارزًا في قطاع أشباه الموصلات. وقد شكّل إعلانها في سبتمبر عن شريحة محلية الصنع تحمل اسم "فيكرام 32 - Vikram 32" محطة مفصلية في مساعي نيودلهي لتحقيق الاكتفاء الذاتي التكنولوجي، كما يعكس مؤشّرًا على احتمال بروزها كمنافس للهيمنة الأميركية في هذا القطاع الحيوي. ويعكس تزايد انخراط الهند مع روسيا والصين حالة من الاصطفاف البراجماتي القائم على المصالح المتبادلة، لا سيّما في ظل تصاعد التوترات السياسية مع واشنطن. وتجدر الإشارة إلى أنّ الرسوم الجمركية الأميركية المفروضة على تجارة الهند في النفط الروسي قد شكّلت حافزًا إضافيًا لتعزيز هذا التعاون الثلاثي.   وعلى نحوٍ جماعي، تمثّل "الترويكا" المكوّنة من الصين وروسيا والهند ائتلافًا قائمًا على المصالح المشتركة أكثر من كونها تحالفًا أيديولوجيًا متكاملًا. وإذا ما تعزّزت هذه الشراكة، فقد يسهم ذلك في دعم قدراتها التصنيعية في مجال أشباه الموصلات بشكلٍ ملحوظ، ويمثل تحديًا جسيمًا للصناعة الأميركية. ومع ذلك، تبقى الخلافات العالقة — مثل النزاعات الحدودية غير المحسومة، وتباين الأولويات الاقتصادية، والفجوات التكنولوجية، فضلًا عن تأثير العقوبات — عائقًا أمام تحقيق اندماج تقني سلس. ولا تزال الولايات المتحدة تمتلك نفوذًا معتبرًا على الهند، من خلال فرص جذبها عبر زيادة الاستثمارات، وخفض الرسوم الجمركية، والتعاون في مجال التكنولوجيا المتقدمة. وفي نهاية المطاف، فإن مسار الشراكة الثلاثية في قطاع أشباه الموصلات يحمل انعكاسات عميقة على النظام الدولي. إذ إن نجاح دمج هذه "الترويكا" لصناعتها في مجال الرقائق مع تقنياتها العسكرية قد يفضي إلى تسريع بروز نظام متعدد الأقطاب، ويحدث ثورة في قدرات المراقبة والدفاع الجوي والطائرات المسيّرة، إلى جانب القاعدة الصناعية الدفاعية الأوسع، الأمر الذي من شأنه إعادة تشكيل ديناميات القوة على الصعيد الدولي.
هل يستطيع الجيش اللبناني التصدي لحزب الله؟
الإصدارات

هل يستطيع الجيش اللبناني التصدي لحزب الله؟

يواجه لبنان اليوم مفترق طرق حاسم يهدد سيادته الوطنية بشكل مباشر، ويتجلى هذا التحدي في قضية حصر سلاح حزب الله. ففي الخامس من أغسطس 2025، أصدرت الحكومة اللبنانية قرارًا مهمًا يكلف القوات المسلحة بوضع خطة لإرساء احتكار الدولة للأسلحة، بحيث يقصر حمل السلاح على مؤسسات الدولة فقط، تنفيذًا لاتفاق وقف الأعمال العدائية مع إسرائيل، مع الالتزام بتنفيذ الخطة قبل نهاية العام الجاري. ويُعتبر هذا القرار نقطة تحول استراتيجية تضع حزب الله أمام خيارات معقدة، ما بين نزع السلاح الطوعي، أو التوجه نحو التحول السياسي، أو مواجهة عسكرية مباشرة مع الجيش اللبناني.   أما حزب الله، فيرفض هذا القرار بوصفه خطيئة كبرى، مهددًا بتجاهله، واعتبار نزع السلاح تهديدًا مباشرًا لمقاومة لبنان في مواجهة العدوان الخارجي. ويواجه القرار تحديات جمة نظرًا للدعم الشعبي والسياسي الكبير الذي يحظى به الحزب، بالإضافة إلى المناورات السياسية الرامية إلى عرقلة تنفيذ أي إجراءات تستهدف سلاحه. وفي ظل هشاشة النظام السياسي والطائفي في لبنان، تبرز مخاطر كبيرة من اندلاع مواجهة تؤدي إلى تصاعد الاحتقان الداخلي وزعزعة الاستقرار الأمني، مما يجعل أي صدام عسكري مباشر بين الجيش وحزب الله محفوفًا بالمخاطر، مع احتمال تفاقم الانقسامات الطائفية واتساع دائرة العنف. فهل سيتمكن الجيش اللبناني من مواجهة حزب الله؟
تأثير الدومينو: هل تتجه المزيد من الدول للاعتراف بفلسطين؟
البرامج البحثية

تأثير الدومينو: هل تتجه المزيد من الدول للاعتراف بفلسطين؟

أثارت التصريحات الأخيرة الصادرة عن فرنسا والمملكة المتحدة وكندا، والتي تبعتها دول أوروبية أخرى، بشأن نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية في سبتمبر المُقبل تحولًا بارزًا في سياسات القوى الغربية الكبرى تجاه القضية الفلسطينية. جاء هذا التحول في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، التي تجلت في مجاعة واسعة النطاق وارتفاع حصيلة القتلى إلى أكثر من 60 ألف شخص، مما زاد من وتيرة الدعوات الدولية لحل سياسي عاجل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي المستمر منذ عقود.   تمثل إعلانات باريس ولندن وأوتاوا، خصوصًا التعهد غير المشروط من فرنسا والنهج المشروط من المملكة المتحدة وكندا، خروجًا واضحًا عن الاعراف الدبلوماسية التقليدية التي كانت ترتبط بالاعتراف بدولة فلسطينية موكولًا إلى التوصل لاتفاق سلام تفاوضي شامل. يعكس هذا التحول حالة من الإحباط المتزايد تجاه تعثر مسار السلام، بالإضافة إلى تبلور قناعة بأن المسارات التقليدية لم تعد تجدي نفعًا، إذ صار الاعتراف بدولة فلسطين يُنظر إليه ليس فقط كنتيجة للسلام، بل كوسيلة تحفيزية لدفع العملية السياسية قدمًا، ما يعيد صياغة الأدوات الدبلوماسية المتاحة لمعالجة الصراع ويؤسس لسابقة قد تستفيد منها دول أخرى في تعزيز ضغوطها الدولية.   على الصعيد الدولي، تعترف ما بين 140 إلى 147 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة بفلسطين كدولة ذات سيادة، وهو إجماع واسع يشكل الإطار المرجعي لفهم القرارات الأخيرة التي اتخذتها فرنسا والمملكة المتحدة وكندا. ومن اللافت أن هذه الدول الثلاث أعضاء في مجموعة السبع، التي لم تتخذ قبل إعلان فرنسا أي منها خطوة مماثلة، مما يجعل فرنسا، بوصفها أكبر دولة أوروبية سكانًا، تبرز كفاعل بارز في هذا التحول، بينما تستعد فرنسا وكندا لتكونا أول دولتين من المجموعة تعترفان بفلسطين.   في المقابل، تظل الولايات المتحدة العضو الدائم الوحيد في مجلس الأمن الدولي التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين، ما يضفي على هذا التغيير بعدًا رمزيًا يؤسس لإعادة توازن الضغوط الدبلوماسية على كل من إسرائيل والولايات المتحدة، وقد يحفز دولًا غربية أخرى مترددة على السير في ذات الاتجاه. كما يبرز اختلاف المواقف داخل القوى الأطلسية تأثير الضغوط الداخلية والأزمة الإنسانية الملحة في بلورة مواقف أكثر تشدّدًا. بناءً على ذلك، يتناول هذا التحليل دوافع هذا التحول وآثاره على الصعيدين الأمني والسياسي للدول المعنية، إلى جانب ردود الفعل المتوقعة من إسرائيل والولايات المتحدة.
من العزلة إلى التدخل: الانعطافة الكبرى لترامب في الشرق الأوسط
البرامج البحثية

من العزلة إلى التدخل: الانعطافة الكبرى لترامب في الشرق الأوسط

جرت مراسم تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة للمرة الثانية في 20 يناير 2025، ليصبح الرئيس السابع والأربعين للبلاد. وقد عرض ترامب، خلال خطابه الافتتاحي، أجندة واسعة النطاق تمزج بين الأسس التقليدية للمحافظين وبعض ملامح الشعبوية الصاعدة. ومن اللافت للنظر، أنه وقّع في يوم تنصيبه على 26 أمرًا تنفيذيًا، وهو أعلى عدد يوقعه أي رئيس أمريكي في اليوم الأول من ولايته.  تتمحور أجندة ترامب في ولايته الثانية حول شعارات "أميركا أولًا"، "الانتقام، و"فرض القانون والنظام"، حيث يسعى إلى إعادة تشكيل الحكومة الفيدرالية بوجه أكثر صرامة، واستعادة السياسات المتشددة التي انتهجها خلال فترته الأولى، فضلًا عن إعادة صياغة الدور الأميركي عالميًا من خلال نهج حمائي وتقليص انخراط الولايات المتحدة على المستوى الدولي.   لطالما شدد ترامب على تجنب الحروب الخارجية وتبني سياسة خارجية لا تقوم على التدخل، مع التركيز بدلًا من ذلك على أمن الحدود والنمو الاقتصادي. وقد عارض ما سمّاه "الحروب التي لا تنتهي"، ودعا إلى تقليص التواجد العسكري الأمريكي في الخارج. وأكد مرارًا أن الولايات المتحدة يجب ألا تنخرط في حروب باهظة الكلفة في الشرق الأوسط لا تخدم مصالحها بشكل مباشر، مستخدمًا شعارات من قبيل "لسنا شرطيّ العالم" و"أنهِوا الحروب التي لا تنتهي". كما وجّه انتقادات حادة للإدارات السابقة بسبب انخراطها الطويل في النزاعات العسكرية في العراق وأفغانستان وليبيا وسوريا. غير أن أفعال ترامب، منذ دخوله المكتب البيضاوي في ولايته الثانية، أظهرت انحرافًا ملحوظًا عن نهجه المُعلن القائم على عدم التدخل.
هل تنجح دبلوماسية الرياضة في تخفيف حدة التوترات السياسية العالمية؟
البرامج البحثية

هل تنجح دبلوماسية الرياضة في تخفيف حدة التوترات السياسية العالمية؟

لم تكن دبلوماسية الرياضة وليدة اللحظة، بل تضرب بجذورها في أعماق التاريخ؛ إذ تعود بداياتها إلى العصور القديمة، حين اعتادت المدن-الدول اليونانية تعليق نزاعاتها المسلحة للمشاركة في الألعاب الأولمبية، التي كانت تُقام في أجواء يسودها السلام والاحترام المتبادل. وقد استندت الحركة الأولمبية الحديثة، التي أُعيد إطلاقها عام 1896، إلى المبادئ ذاتها، مناديةً بوحدة البشرية من خلال التنافس الرياضي الشريف.   ومع ذلك، لم تكن الرياضة بمنأى عن التوظيف السياسي، إذ استُغلت أحيانًا كأداة دعائية أو وسيلة لتعزيز النفوذ الدولي. ولعل أبرز مثال على ذلك أولمبياد برلين عام 1936، حين سخّرت ألمانيا النازية الألعاب الأولمبية لترويج أفكارها القومية. وفي المقابل، أثبتت الرياضة في مناسبات أخرى قدرتها على لعب دور إيجابي في تهدئة النزاعات السياسية وبناء جسور التواصل. فعلى سبيل المثال، ساهمت ما عُرف بـ"دبلوماسية كرة الطاولة" بين الولايات المتحدة والصين في مطلع السبعينيات من القرن الماضي في تهيئة الأجواء لزيارة الرئيس ريتشارد نيكسون التاريخية إلى بكين عام 1972، والتي شكّلت منعطفًا مهمًا في مسار العلاقات بين البلدين. تسعى هذه الدراسة إلى تحليل مدى فاعلية دبلوماسية الرياضة كأداة من أدوات القوة الناعمة في تخفيف حدة التوترات بين الدول، واستكشاف إمكاناتها في تشكيل بيئات أكثر تعاونًا في عالم يزداد استقطابًا.
منعطف حاسم: من يرسم ملامح مستقبل الحزب الديمقراطي
البرامج البحثية
10 يوليو 2025

منعطف حاسم: من يرسم ملامح مستقبل الحزب الديمقراطي

بعد خسارته للانتخابات الرئاسية ومجلسي الشيوخ والنواب، كان من الطبيعي أن يبادر الحزب الديمقراطي إلى مراجعة عميقة لأسباب هذا الرفض الشعبي، وأن يعيد النظر في سياساته وخطابه ومرشحيه، تمهيدًا لإعادة بناء صفوفه استعدادًا لمواجهة إدارة ترامب الثانية، التي تبدو أكثر جرأةً واندفاعًا نحو تفكيك أبرز ما أنجزه الحزب من مكتسبات خلال العقود الماضية. لكن ما حدث كان عكس المتوقع. فقد بدا الحزب غارقًا في حالة من التيه السياسي والصراع الداخلي المحتدم، تتنازعه رؤى متباينة حول هويته الحقيقية ومساره المستقبلي، وسط عجز واضح عن التوصل إلى تعريف جامع لمعنى أن يكون المرء ديمقراطيًا في زمن ترامب.   وتُجسّد هذه الانقسامات اختلافًا جذريًا في الرؤية حول جوهر المشروع الديمقراطي: هل المطلوب هو السير في مسار الإصلاح التدريجي أم الدفع باتجاه تغيير جذري في بنية النظام؟ هل السبيل هو اعتماد منطق التسويات السياسية أم تبني نهج المواجهة الصريحة؟ وهل يجب أن تكون القابلية للانتخاب هي الأولوية، أم أن الالتزام بالمبادئ يجب أن يتقدّم على اعتبارات الربح السياسي؟ وبغياب سردية جامعة، وقيادة تمتلك القدرة على تجاوز هذه التصدّعات، يجد الحزب الديمقراطي نفسه مهددًا بالشلل، في لحظة مفصلية من التاريخ الأمريكي، تتطلب وضوحًا في الرؤية وحسمًا في الاتجاه.
معضلة التخصيب الإيراني: بين السيادة النووية وهواجس الانتشار العالمي
الإصدارات

معضلة التخصيب الإيراني: بين السيادة النووية وهواجس الانتشار العالمي

تُشكّل أزمة تخصيب اليورانيوم في إيران المحور الجوهري للصراع النووي القائم، حيث تتقاطع الاعتبارات التقنية مع محددات السيادة الوطنية، ويتداخل القانون الدولي مع منطق الردع الاستراتيجي. فمن منظور الجمهورية الإسلامية، يُعدّ امتلاك دورة الوقود النووي الكاملة، بما في ذلك التخصيب على أراضيها، حقًا أصيلًا ومكفولًا بموجب المادة الرابعة من معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT). غير أن هذا "الحق" يتجاوز في الوعي السياسي الإيراني كونه خيارًا تكنولوجيًا، ليتحوّل إلى رمز سيادي وركيزة في سردية الاستقلال الوطني والتحدي لهيمنة القوى الغربية.   في المقابل، تنظر الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى التقنية ذاتها بوصفها البوابة المباشرة نحو إنتاج سلاح نووي. فالمعمار الفني القائم على أجهزة الطرد المركزي يتيح – مع توافر القرار السياسي – الانتقال من التخصيب المنخفض إلى إنتاج مادة انشطارية قابلة للتفجير خلال أسابيع معدودة. وقد تعاظمت هذه المخاوف بصورة غير مسبوقة عقب تأكيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مايو 2025 أن إيران راكمت ما يزيد عن 400 كيلوغرام من اليورانيوم المُخصب بنسبة 60%، وهو ما يكفي نظريًا لإنتاج ثلاث إلى خمس قنابل نووية بمجرد رفع النقاء إلى 90%، دون حاجة لإضافة بنية تحتية جديدة.   الخبرة التاريخية الإيرانية – من حرمانها من حصتها في مشروع Eurodif عام 1979 إلى انهيار مبادرة مفاعل طهران البحثي عام 2009 – عززت قناعة راسخة لدى النخبة الحاكمة بأن الاعتماد على الخارج في تأمين الوقود النووي ليس خيارًا موثوقًا. ومن ثمّ، فإن أي صيغة تفاوضية تتطلب التخلي عن التخصيب المحلي تُعدّ، من المنظور الإيراني، مساسًا جوهريًا بالكرامة السيادية والأمن الاستراتيجي للدولة.   وعليه، فإن جوهر الأزمة لا يكمن في مستويات التخصيب أو أعداد أجهزة الطرد، بل في البنية السياسية العميقة لانعدام الثقة المتبادل. ولن يكون ممكنًا بلوغ تسوية مستدامة إلا ضمن إطار أمني أشمل يُعيد تعريف العلاقة بين إيران والنظام الإقليمي والدولي على أسس جديدة.   لذلك ينطلق هذا التحليل من مقاربة متعددة المستويات تُعالج أزمة التخصيب الإيراني بوصفها مسألة تتجاوز الطابع التقني، لتلامس جوهر الصراع بين السيادة الوطنية وهواجس الانتشار النووي. ويتناول التحليل أربعة محاور رئيسية: الخصائص التقنية للتخصيب، الدوافع السياسية والاستراتيجية الإيرانية، الحسابات الأمنية الغربية، وأطر الحلول المقترحة، مع التأكيد على أن أي تسوية دائمة تقتضي إعادة تعريف العلاقة بين إيران والنظام الدولي.
اليورانيوم الإيراني المفقود: محفز محتمل لتجدد الصراع في الشرق الأوسط
البرامج البحثية

اليورانيوم الإيراني المفقود: محفز محتمل لتجدد الصراع في الشرق الأوسط

شهدت العمليات العسكرية الأخيرة ضد المنشآت النووية الإيرانية تصاعدًا ملموسًا في المخاوف الدولية حيال طموحات طهران النووية. في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، تجسد الصراع العسكري المباشر بين إيران وإسرائيل الذي استمر 12 يومًا، حيث نفذت الولايات المتحدة ضربات جوية استهدفت منشآت نووية رئيسية في نطنز وفوردو وأصفهان، أعقبها رد إيراني على قاعدة العديد في قطر. ورغم إعلان الولايات المتحدة عن "تدمير كامل" للبنية التحتية النووية الإيرانية، تشير الأدلة إلى أن الضربات لم تحقق أهدافها الاستراتيجية بشكل كامل، إذ بقيت منشأة فوردو وأجهزة الطرد المركزي الأساسية سليمة جزئيًا، مما أبقى جزءًا كبيرًا من القدرات النووية الإيرانية قائمة.   تزداد حالة الغموض حول مصير اليورانيوم عالي التخصيب الإيراني، خصوصًا بعد إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية فقدان أثر نحو 400 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي كمية تكفي نظريًا لصناعة عدة رؤوس نووية. وأقرّت السلطات الإيرانية بنقل هذه المواد إلى "أماكن آمنة" قبل الضربات الأمريكية، في حين تشير تقديرات استخباراتية غربية إلى صعوبة تحديد مواقعها واستهدافها عسكريًا، مما يعزز المخاطر المرتبطة بالانتشار النووي ويمنح إيران ورقة ضغط استراتيجية في أي مفاوضات مستقبلية، مع إبقاء احتمالات التصعيد العسكري قائمة.   في ضوء هذه التطورات، يبدو أن البرنامج النووي الإيراني تعرض لانتكاسة مؤقتة فقط، ولا تزال طهران تحتفظ بمعظم قدراتها التقنية والبشرية لإعادة بناء منشآتها واستئناف التخصيب في المستقبل القريب. لذلك، يصبح مصير اليورانيوم المخصب المحتجز في مواقع غير معلومة عاملًا حاسمًا في تحديد مسار الصراع الإقليمي، إذ قد يشكل الشرارة لأي تصعيد جديد بين إيران وإسرائيل، لا سيما إذا قررت طهران استئناف أنشطتها النووية أو سعت الأطراف الأخرى لاستهداف هذه المخزونات مجددًا.   يهدف هذا التحليل إلى دراسة التناقض بين الخطاب السياسي الذي يعلن "تدمير" القدرات النووية الإيرانية والواقع الميداني الذي يشير إلى استمرار التهديد النووي، مع التركيز على المخاطر الاستراتيجية الناجمة عن استمرار وجود اليورانيوم المخصب خارج الرقابة الدولية، وانعكاسات ذلك على الاستقرار الإقليمي ومستقبل الصراع في الشرق الأوسط.
إيران وإسرائيل: الحرب التي ستُعيد رسم خريطة الشرق الأوسط
البرامج البحثية
24 يونيو 2025

إيران وإسرائيل: الحرب التي ستُعيد رسم خريطة الشرق الأوسط

تُعدّ الحرب بين إيران وإسرائيل – بكل المقاييس – حرب بقاء بالنسبة للنظام الإيراني. فقد باتت مهاجمة إيران خطوة منطقية بالنسبة لإسرائيل، خاصة بعد أن نجحت إلى حد كبير في تحجيم أذرع طهران من الميليشيات والوكلاء في الإقليم. ويستند النظام الإيراني إلى ثلاثة ركائز رئيسية: (1) ترسانة الصواريخ التقليدية، (2) شبكة موسعة من القوات التابعة للوكلاء في المنطقة، و(3) برنامجه النووي. إلا أن هذا النظام يواجه اليوم حرب استنزاف قد تقود في نهاية المطاف إلى زواله الكامل. فالسقوط المحتمل للنظام الإيراني لا يُعد مجرد تغيير في القيادة، بل يُمثّل انهيارًا للدولة ذاتها.   وسيؤدي انهيار الدولة الإيرانية إلى عواقب كارثية في عموم المنطقة. ومع ذلك، فإن بقاء النظام يُعدّ أيضًا سيناريو قائمًا بحد ذاته. فرغم أن انهيار إيران سيُحدث أزمة إقليمية كبرى، فإن استمرار بقاء النظام، لا سيما مع سعي طهران لفرض نفسها كقوة إقليمية عظمى، قد يكون أكثر زعزعة للاستقرار بالنسبة لإسرائيل وحلفائها. وفي الحالتين، فإن النتائج تحمل آثارًا إقليمية ودولية عميقة، وتُشير إلى تحوّل جذري في الواقع الجيوسياسي للشرق الأوسط. والسؤال الجوهري لم يعد: "هل سيتغير الشرق الأوسط؟" بل "كيف سيبدو هذا الشرق الأوسط الجديد؟"
تحذير استراتيجي: هل تستخدم الولايات المتحدة قنبلة نووية تكتيكية ضد إيران؟
البرامج البحثية
22 يونيو 2025

تحذير استراتيجي: هل تستخدم الولايات المتحدة قنبلة نووية تكتيكية ضد إيران؟

في 22 يونيو، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة شنت هجومًا على منشأة “فوردو” النووية الإيرانية باستخدام قنبلتها الخارقة للتحصينات المعروفة بـ”Bunker Buster”. وعلى الرغم من وصف ترامب الضربة بأنها ناجحة، لم يتم تأكيد التدمير الكامل للمنشأة، مما يطرح سؤالًا محوريًا: هل سيفكر ترامب في استخدام سلاح نووي تكتيكي لضمان القضاء التام على المنشأة؟   على عكس الأسلحة النووية الاستراتيجية، تتميز الأسلحة النووية التكتيكية بأنها أقل من حيث القدرة التدميرية، ومصممة للاستخدام المحدود في ساحة المعركة، وليس لإحداث دمار شامل. ورغم محدودية أثرها، فإن استخدامها سيحمل تداعيات إقليمية وعالمية جسيمة.
تحذير استراتيجي: هل تعلن واشنطن الحرب على إيران؟
البرامج البحثية
19 يونيو 2025

تحذير استراتيجي: هل تعلن واشنطن الحرب على إيران؟

في 13 يونيو 2025، شنت إسرائيل هجومًا مفاجئًا على إيران، استهدفت خلاله منشآت نووية وقواعد صواريخ ودفاعات جوية، بالإضافة إلى قادة عسكريين وعلماء نوويين. وردًا على ذلك، أطلقت إيران في مساء اليوم نفسه أكثر من 150 صاروخًا باليستيًا و100 طائرة مسيّرة باتجاه تل أبيب وحيفا.   تستمر المواجهات بين إسرائيل وإيران دون مؤشرات واضحة على التهدئة. ويظل شبح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حاضرًا، إذ تحوّل موقفه في غضون أسبوع من التفاوض مع إيران بشأن الاتفاق النووي إلى الدعوة إلى “استسلام غير مشروط”، في الوقت الذي تعيد فيه الولايات المتحدة نشر قواتها في المنطقة استعدادًا لاحتمال توجيه ضربة لإيران.
لماذا فشلت إيران في صد عملية الأسد الصاعد؟
البرامج البحثية

لماذا فشلت إيران في صد عملية الأسد الصاعد؟

مثّلت عملية الأسد الصاعد، التي نفذتها إسرائيل في 13 يونيو 2025، ضربة خاطفة استهدفت شلّ جوهر البنية التحتية النووية والعسكرية لإيران. وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه العملية الاستباقية بأنها إجراء ضروري لـ"دحر التهديد الإيراني لبقاء إسرائيل ذاته"، مستندًا إلى مبدأ بيغن الذي سبق تطبيقه في ضربات مماثلة ضد العراق في 1981 وسوريا في 2007. اتسمت أهداف العملية بالتعدد والتنوع الاستراتيجي، حيث شملت استهداف منشآت نووية متعددة، بالإضافة إلى كبار القادة العسكريين الإيرانيين والعلماء النوويين، في محاولة لإلحاق أقصى ضرر بقدرات إيران العسكرية والنووية. لم تقتصر نية إسرائيل على تعطيل البرنامج النووي فحسب، بل امتدت إلى تقويض قدرة إيران على شن هجمات انتقامية والدفاع عن نفسها ضد موجات مستقبلية من الهجمات الإسرائيلية.   جاء توقيت العملية الإسرائيلي بعد تقييم دقيق للقيادة الإسرائيلية التي خلصت إلى أن إيران على وشك تحقيق اختراق خطير في مساعيها لامتلاك أسلحة نووية، مما استدعى استغلال نافذة زمنية ضيقة قبل أن تصبح المنشآت النووية الإيرانية متطورة أو محمية بشكل متين. في هذا السياق، يهدف هذا التحليل إلى استكشاف الأسس المنطقية التي قامت عليها العملية، وتفسير أسباب الفشل الواضح لطهران في صد الهجوم بفعالية، وتأثير الهجوم على الداخل الإيراني. بالإضافة إلى دراسة المسارات المحتملة التي قد تتبعها إيران لاستعادة قدرتها على الردع.