تدخل الولايات المتحدة، منذ فجر الأول من أكتوبر 2025، في أزمة سياسية ومؤسسية حادة، بعد أن توقفت الحكومة الفيدرالية عن أداء وظائفها غير الأساسية، نتيجة إخفاق الكونجرس في تمرير قوانين الإنفاق المطلوبة لبدء السنة المالية الجديدة. هذا الإغلاق، الذي يُعد الأول من نوعه منذ سبع سنوات، لا يقتصر على كونه فشلاً تشريعيًا في التوافق على الموازنة، بل يُجسّد صدامًا أعمق حول شكل الدولة الأمريكية ومستقبلها الإداري والاجتماعي. إذ يتمسك الحزب الديمقراطي بمطالب تشريعية جوهرية في مجال الرعاية الصحية، بينما يرفض الحزب الجمهوري الحاكم—المُمسك بمفاصل الكونغرس والبيت الأبيض—تسييس عملية التمويل، ويصر على تمرير قانون مؤقت خالٍ من أي تعديلات.

 

في هذه الأثناء، تُعيد إدارة الرئيس ترامب تعريف مفهوم الإغلاق نفسه، إذ تُحوّله من أداة ضغط تشريعي إلى وسيلة تنفيذية لإعادة هيكلة الجهاز الحكومي. حيث تُصدر الإدارة توجيهات صريحة للوكالات بالاستعداد لتسريحات دائمة (Reduction in Force)، مستهدفة البرامج والموظفين الذين لا يتماهون مع أجندتها السياسية، وهو ما يُحدث تحولًا جذريًا في علاقة السلطة التنفيذية بالجهاز الإداري الفيدرالي.

 

يتناول هذا الملف تحليلًا شاملًا للأزمة من زواياها كافة: يبدأ بتفكيك الجذور التشريعية والسياسية التي قادت إلى الانسداد الراهن، ثم يستعرض التداعيات الفورية على المؤسسات الفيدرالية والموظفين، ويتتبع الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة. كما يُجري مقارنة دقيقة بين هذا الإغلاق وحالات سابقة، ويُحلل خريطة المواقف الحزبية المتضاربة، واتجاهات الرأي العام، واحتمالات الحلحلة أو التصعيد. ويُقدّم في النهاية قراءة استراتيجية لما يُمكن أن تمثله هذه اللحظة من سابقة دستورية تُهدد التوازن التاريخي بين السلطات داخل النظام الأمريكي.

تشريح أزمة أكتوبر 2025

تكشف أزمة الإغلاق الحكومي التي بدأت في الأول من أكتوبر 2025 عن اختلال جوهري في القدرة المؤسسية للنظام الأمريكي على إنتاج التوافقات الضرورية لتسيير الدولة. فبعيدًا عن التفاصيل التي جرى استعراضها في التمهيد، يظهر هذا الإغلاق كأكثر من مجرد فشل في تمرير قوانين الإنفاق؛ بل يمثّل ذروة مسار طويل من التآكل التدريجي في آليات العمل التشريعي، وانكشاف عجز المنظومة الحزبية عن الفصل بين الخلافات السياسية والوظائف السيادية للدولة.

 

إذ يعمل الكونجرس بموجب الدستور الأمريكي على إصدار 12 مشروع قانون تمويلي سنوي لتأمين الإنفاق الفيدرالي، ويُفترض أن تُقر هذه القوانين قبل 30 سبتمبر من كل عام، وهو ما لم يتحقق هذا العام. إذ لم يُمرَّر أيٌّ من مشاريع القوانين، ولم يُتفق حتى على قرار تمويل مؤقت (Continuing Resolution)، الأمر الذي أدى إلى الإغلاق الكامل للحكومة الفيدرالية. وتنبع خطورة هذا الفشل من كونه لا يُعبر عن لحظة استثنائية، بل يعكس تآكلًا مؤسسيًا ممتدًا، طالما اعتمد في السنوات الأخيرة على قرارات اللحظة الأخيرة لتفادي الانهيار.

 

في قلب الانسداد الراهن، تتصدر قضية الرعاية الصحية جدول الخلافات بوصفها المحور الأساسي للصراع بين الحزبين. حيث يُصرّ الديمقراطيون على عدم تمرير أي قانون تمويل مؤقت للحكومة ما لم يتضمّن تعديلات جوهرية على منظومة التأمين الصحي، وعلى رأسها مطلبان أساسيان: أولًا، تمديد العمل بالدعم الفيدرالي المُقدَّم لمشتري وثائق التأمين عبر سوق ( قانون الرعاية الصحية المُيسّرة Obamacare -ACA) ، وهو دعم استثنائي جرى تعزيزه مؤقتًا خلال جائحة كورونا ومن المُقرر أن ينتهي بنهاية 2025؛ وثانيًا، إلغاء عدد من الإجراءات التقشفية التي فُرضت على برنامج Medicaid ضمن “القانون الكبير الجميل” (One Big Beautiful Bill – OBBB) الذي أقرّه الجمهوريون في يوليو 2025. ويتضمن هذا القانون أكثر من 30 بندًا خفضت من تمويل Medicaid، بما في ذلك فرض شروط عمل جديدة للحصول على الدعم.

 

وفي هذا الصدد تُشير تقديرات مكتب الميزانية في الكونجرس (CBO) إلى أن تمرير المقترحات الديمقراطية سيُضيف ما يزيد عن تريليون دولار إلى العجز التراكمي خلال عشر سنوات، لكنه سيوسّع مظلة التأمين الصحي لتشمل نحو 3.8 مليون أمريكي إضافي خلال ذات الفترة. في المقابل، يتمسّك الجمهوريون بموقفهم الرافض لإدخال أي قضايا خلافية على قانون التمويل المؤقت، ويصرّون على تمرير نسخة “نظيفة” تُمدّد التمويل الحالي دون تعديل، معتبرين المطالب الديمقراطية نوعًا من الابتزاز السياسي الذي يهدد التوازن المالي والوظيفي للدولة.

 

وتُظهر التصويتات في مجلس الشيوخ مدى حدة الانقسام. فمشروع القانون الجمهوري (H.R. 5371) حصل على 55 صوتًا فقط، أي أقل من الحد الأدنى البالغ 60 صوتًا لتجاوز التعطيل، بينما لم يحصد مشروع القانون الديمقراطي (S. 2882) سوى 47 صوتًا. هذا الفشل المتبادل لا يعود فقط إلى مضمون التشريعات، بل إلى تغيّر قواعد اللعبة ذاتها، حيث لم يعُد الإغلاق وسيلة ضغط، بل بات أداة تفاوضية ثابتة ضمن الأدوات الحزبية.

 

يتزامن هذا الجمود مع سابقة خطيرة تمثلت في استخدام إدارة ترامب للأزمة كفرصة لإحداث “تطهير سياسي” داخل الجهاز البيروقراطي من خلال توجيهات رسمية بالإعداد لتسريحات دائمة (RIF). وبذلك، لم يعُد الخلاف حول حجم الدولة فقط، بل انتقل إلى صراع على هوية الدولة ووظيفتها، وهو ما يُعيد تشكيل الإغلاق من أداة تشريعية إلى رافعة تنفيذية لتغيير بنية الحكم الفيدرالي.

 

ما يضاعف تعقيد الأزمة هو غياب أي تفويض شعبي حاسم. إذ تُظهر استطلاعات PBS/Marist أن 38% من الأمريكيين يحمّلون الجمهوريين مسؤولية الإغلاق، مقابل 27% يُحمّلون الديمقراطيين، و31% يرون أن الطرفين يتحملان المسؤولية. في الوقت ذاته، تُظهر بيانات New York Times/Siena أن 65% من الناخبين يرفضون استخدام الإغلاق كأداة لفرض أجندات سياسية. هذه المواقف المتباينة تمنح كل طرف مبررًا للاستمرار، لكنها تُبقي الدولة رهينة لصراع لا يملك أحد مفاتيح حسمه حتى الآن.

الانعكاسات على وظائف الحكومة الفيدرالية ومُوظفيها

يتجاوز الإغلاق الحكومي في أكتوبر 2025 كونه أزمة تمويل أو صراعًا تشريعيًا، ليمتد أثره المباشر إلى بنية الدولة التشغيلية والوظيفية، وأوضاع مئات الآلاف من العاملين في الأجهزة الفيدرالية. إذ يفرض القانون الفيدرالي (Antideficiency Act) على الوكالات الحكومية إيقاف جميع الأنشطة غير الأساسية عند غياب التخصيصات المعتمدة من الكونغرس، ما يُجبرها على تصنيف موظفيها إلى مجموعتين: “مُستثنون” (excepted) يتوجب عليهم العمل دون أجر، و”مُجازون إجباريًا” (furloughed) يُمنعون قانونيًا من أداء أي مهام بما في ذلك استخدام البريد الإلكتروني المهني.

 

تُشير تقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس (CBO) إلى أن عدد الموظفين المُجازين يوميًا يتجاوز 750,000 موظف، في حين تُظهر بيانات البيت الأبيض أن الرقم الفعلي يُقدّر بنحو 547,000، بفعل قرارات استثنائية أبقت على عمل وكالات مثل دائرة الضرائب (IRS) بتمويل سابق من قانون مكافحة التضخم لعام 2022، وسمحت بإبقاء شريحة كبيرة من المدنيين العاملين بوزارة الدفاع على رأس عملهم. ورغم اختلاف التقديرات، يتفق الجميع على أن جميع الموظفين المتأثرين—سواء العاملين دون أجر أو المجازين—لن يتقاضوا رواتبهم لحين استئناف التمويل، ما يفرض ضغوطًا مالية مباشرة على ملايين الأسر.

 

لكن ما يُميّز هذا الإغلاق تحديدًا هو التهديد المعلن وغير المسبوق من الإدارة بإجراء عمليات تسريح دائمة (Reduction in Force – RIF). فقد أصدرت إدارة ترامب تعليمات رسمية للوكالات بالاستعداد لإلغاء وظائف بالكامل، لا فقط تعليقها مؤقتًا، مع التركيز على البرامج والموظفين الذين لا ينسجمون مع أولويات الإدارة. هذه التوجيهات مثّلت كسرًا لقاعدة تاريخية اعتمدت على الطابع المؤقت للإغلاق، وأثارت قلقًا واسعًا داخل الجهاز البيروقراطي، لا سيما في وزارات البيئة، والتعليم، والعمل، والصحة.

 

ويُظهر التفاوت في معدلات الإجازة القسرية بين الوكالات كيف تُعيد الإدارة تعريف “الوظائف الأساسية” وفق منطق سياسي لا تشغيلي. ففي حين توقفت معظم أنشطة وكالة حماية البيئة بنسبة 89%، ووزارة التعليم بنسبة 87%، استمرت وزارات الأمن الداخلي والعدل والجيش في العمل شبه الكامل، ما يعكس تفضيلات واضحة في توزيع الموارد أثناء الأزمة.

 

الشكل التالي يوضح توزيع الإجازات القسرية حسب الوكالة:

 

هذا التفاوت في الأثر التشغيلي لا يُعبّر فقط عن أولويات قانونية، بل يُجسّد نمطًا حاكمًا في إدارة الأزمة يربط بين الوظائف التي تُخدم أجندة الإدارة والموارد التي تُخصص لها. كما يُسفر عن أزمة إضافية تتمثل في ما وصفته مراكز البحث بـ “العمى المؤسسي”، إذ يؤدي توقف وكالات مثل مكتب الإحصاء ومكتب إحصاءات العمل إلى انقطاع سلاسل البيانات التي تعتمد عليها السياسة النقدية، والقرارات الاستثمارية، والتخطيط الاقتصادي على المستوى الفيدرالي والخاص على حد سواء.

 

بهذا المعنى، لا يُمكن فصل الأثر البشري عن التشغيلي، ولا اعتبار الأزمة محصورة في انقطاع الرواتب، بل هي أزمة في استمرار الدولة بوصفها كيانًا وظيفيًا منتظمًا، وهو ما يضعف الثقة المؤسسية، ويُهدد استمرارية الأداء البيروقراطي المستقل في المستقبل.

التداعيات الاقتصادية الكُلية للإغلاق

يُظهر الإغلاق الحكومي المستمر منذ الأول من أكتوبر 2025 آثارًا اقتصادية واسعة النطاق، تتجاوز توقف الأنشطة الفيدرالية إلى إحداث صدمات متتابعة في سوق العمل والقطاع الخاص ومؤشرات الثقة الاقتصادية. ويكشف تتبّع البيانات الصادرة عن مكتب الميزانية في الكونغرس (CBO) ومؤسسات التحليل المستقلة عن حجم التكلفة المباشرة وغير المباشرة التي يفرضها هذا الجمود السياسي على الاقتصاد الأمريكي. إذ تُقدَّر الخسارة اليومية الناجمة عن توقف أجور الموظفين المُجازين إجباريًا بأكثر من 400 مليون دولار يوميًا، وهو ما يعكس سحب هذا المبلغ من الدورة الاقتصادية بصورة فورية نتيجة تراجع إنفاق الأسر. وتشمل هذه الخسارة حوالي 750 ألف موظف يوميًا وفق تقديرات CBO، بينما تشير بيانات الإدارة إلى نحو 547 ألف موظف بفعل قرارات استثنائية بالإبقاء على تشغيل بعض الوكالات الحيوية.

 

تُظهر النماذج الاقتصادية الشاملة، مثل تلك التي أعدتها مؤسسة EY-Parthenon، أن التكلفة الإجمالية تتجاوز الخسارة المباشرة للأجور لتصل إلى ما يقرب من 7 مليارات دولار أسبوعيًا، عند احتساب الآثار الثانوية المترتبة على تعليق العقود الحكومية، وتأجيل القروض الفيدرالية للمشروعات الصغيرة، وتجميد إصدار التراخيص والتصاريح التنظيمية التي تعتمد عليها قطاعات حيوية كالبناء والتكنولوجيا والطاقة. ويُبرز هذا الرقم حجم التأثير التراكمي على القطاع الخاص الذي يضم ملايين العاملين في شركات متعاقدة مع الحكومة الفيدرالية، حيث لا يشملهم قانون الأجر الرجعي، ما يُعرّضهم لتسريحات فورية وخسائر غير قابلة للتعويض.

 

ويُقارن الاقتصاديون هذه الأزمة بإغلاق 2018–2019 الذي استمر 35 يومًا، حيث قدّر CBO أن الناتج المحلي الإجمالي خسر 11 مليار دولار، منها 3 مليارات لم تُسترد لاحقًا بسبب أنشطة خاصة أُلغيت أو استثمارات تأجلت بصورة دائمة. ويؤكد الخبراء أن الإغلاق الحالي أكثر شمولًا من سابقيه، حيث يشمل جميع برامج الإنفاق التقديري منذ اليوم الأول، ما يضاعف احتمالات الخسائر الدائمة على الناتج المحلي الإجمالي إذا طال أمده.

 

تُثير هذه الديناميكية ما يمكن وصفه بمفارقة سياسية واقتصادية، إذ تُستخدم الإغلاقات غالبًا بحجة ضبط العجز والإنفاق العام، بينما تُنتج في الواقع تكاليف إضافية على الموازنة الفيدرالية. فقد وجد تقرير لمجلس الشيوخ عام 2019 أن الإغلاقات بين 2013 و2019 أهدرت نحو 4 مليارات دولار في أتعاب إدارية وتعويضات عن عمل لم يُنجز. ويُضيف الإغلاق الراهن بُعدًا جديدًا لهذه المفارقة بسبب اقترانه بتهديدات تسريح دائم، ما يرفع من مستوى عدم اليقين ويُضعف ثقة الأسواق والمستهلكين معًا. في ضوء ذلك، يُصبح الإغلاق ليس فقط صراعًا تشريعيًا على بنود إنفاقية، بل عاملًا بنيويًا في زعزعة استقرار النمو الاقتصادي الأمريكي على المدى القصير والمتوسط.

المقترحات المتنافسة واتجاهات الرأي العام

تكشف تفاصيل المواجهة التشريعية بين الحزبين في أزمة أكتوبر 2025 عن عمق الانقسام داخل المؤسسة التشريعية الأمريكية، كما تُظهر كيف تحوّل الإغلاق إلى أداة تفاوضية ثابتة في بنية العمل البرلماني، لا مجرد حالة طارئة تُعالج عبر إجراءات فنية. إذ يطرح كل من الجمهوريين والديمقراطيين مشروع قانون تمويل مؤقت يعكس أولوياته السياسية، بينما تفشل المؤسستان التنفيذية والتشريعية في التوصل إلى توافق يُنهي حالة الشلل.

 

قدّم الجمهوريون مشروع قانون (H.R. 5371) يهدف إلى تمديد تمويل الحكومة حتى 21 نوفمبر 2025 دون إدخال أي تغييرات جوهرية في السياسات. ورغم وصفه بـ “النظيف”، تضمن المشروع بعض البنود الإجرائية، مثل تمديد مزايا مخصّصة لقدامى المحاربين وتعزيز حماية المسؤولين الحكوميين. وقد أُقرّ هذا المشروع في مجلس النواب، لكنه لم ينجح في تجاوز عتبة الـ 60 صوتًا في مجلس الشيوخ، حيث حصل على 55 صوتًا فقط. في المقابل، قدّم الديمقراطيون مشروعًا بديلًا (S. 2882) يمدد التمويل لفترة أقصر تنتهي في 31 أكتوبر 2025، لكنه تضمّن مطالبهم الأساسية: تمديد دعم ACA، إلغاء تخفيضات Medicaid التي أقرها قانون OBBB، وتقييد صلاحيات الرئيس في سحب الأموال المخصصة. وقد سقط هذا المشروع في التصويت بحصوله على 47 صوتًا فقط دون أي دعم جمهوري.

 

الجدول التالي يُقارن بين المقترحين:

 

يُفاقم هذا الفشل المزدوج غياب رأي عام حاسم يُمكن أن يُمارس ضغطًا على أحد الطرفين. فوفق استطلاع PBS/NPR/Marist، يُحمّل 38% من الأمريكيين المسؤولية للجمهوريين، بينما يُحمّل 27% الديمقراطيين، ويرى 31% أن الطرفين يتحملان المسؤولية بشكل متساوٍ. أما استطلاع New York Times/Siena، فقد أظهر أن 65% من الناخبين يرفضون استخدام الإغلاق كأداة لتحقيق مكاسب سياسية، حتى وإن تعاطف بعضهم مع المطالب الديمقراطية. هذه التباينات تسمح لكل طرف بالتمسّك بموقفه وادعاء تمثيل الإرادة الشعبية، لكنها تُعقّد مسار الحل، وتُبقي الدولة الفيدرالية رهينة لمعركة إرادات مفتوحة على احتمالات متعددة.

 

في هذا السياق، لا تُعدّ السجالات داخل الكونغرس مجرد خلافات إجرائية، بل تعكس صراعًا مبدئيًا على تعريف وظيفة الدولة وحدود أدوات التفاوض، وهو ما يضع النظام التشريعي أمام اختبار حقيقي حول قدرته على الفصل بين السياسة العامة وضمان استمرارية الدولة ككيان إداري متماسك.

ما بعد الإغلاق… إعادة رسم للمشهد أم تأسيس لقواعد جديدة؟

يقف النظام السياسي الأمريكي إذن عند مفترق طرق حقيقي، لا يتعلق فقط بكيفية الخروج من أزمة تمويل، بل بما إذا كانت الدولة الفيدرالية قادرة على استعادة قدرتها الذاتية على الاستمرار كجهاز منتظم، محايد، ومحصّن من الاستقطاب الحزبي. فالتهديدات غير المسبوقة بتسريح دائم للموظفين، والانقسامات التشريعية المتجذّرة، والتكلفة الاقتصادية اليومية التي باتت تُحتسب بمليارات الدولارات، تُشكّل مؤشرات على أزمة تتجاوز التوقيت الحالي، وتهدد بإعادة تشكيل مفهوم “الإغلاق الحكومي” ذاته من أداة ضغط مؤقتة إلى وسيلة دائمة لإعادة توزيع السلطة داخل الدولة.

 

لكن هذا الانسداد، يُثير سؤال بالغ الأهمية: هل سيكون هذا الإغلاق نقطة انعطاف تفرض على النخبة السياسية الأمريكية مراجعة آليات العمل الدستوري، وإعادة رسم الحدود بين الوظيفة التشريعية والتنفيذية؟ أم أنه سيمهّد لنمط جديد تُدار فيه الدولة عبر دورات متكررة من الانهيار المؤسسي والانقاذ اللحظي؟

 

إن السيناريوهات المستقبلية لا تتعلق فقط بمصير برامج الرعاية الصحية أو الموازنات الفيدرالية، بل بمستقبل شرعية الدولة نفسها في نظر مواطنيها، وبمستوى الثقة في صلاحية الآليات الديمقراطية لحماية الوظيفة العامة من التسييس. وإذا استمر الاتجاه الحالي، فإن ما كان يُعد سابقة في 2025 قد يصبح قاعدة في الأعوام القادمة.

المراجع

Aditi. “US Government Shutdown: Thousands to Lose Jobs— Full List of Furlough.” Financial Express. Financial Express, October 1, 2025. https://www.financialexpress.com/world-news/us-news/us-government-shutdown-full-list-of-federal-employees-who-will-be-furloughed/3995023/

 

Bedekovics, Greta. “The Trump Administration Plans to Retaliate for a Government Shutdown by Firing Federal Employees—but Can It?” Center for American Progress, September 30, 2025. https://www.americanprogress.org/article/the-trump-administration-plans-to-retaliate-for-a-government-shutdown-by-firing-federal-employees-but-can-it/

 

Beggin, Riley, Hannah Natanson, and Marianna Sotomayor. “Shutdown Nears as Trump Meeting Yields No Breakthrough with Congress.” The Washington Post, September 29, 2025. https://www.washingtonpost.com/business/2025/09/29/shutdown-democrats-republicans-funding/

 

Bogage, Jacob, Riley Beggin, Hannah Natanson, and Olivia George. “Trump Administration Seeks to Exert Control over Government Shutdown.” The Washington Post, October 1, 2025. https://www.washingtonpost.com/business/2025/10/01/government-shutdown-deadline-congress-funding/

Boza, Walter. “Government Shutdown 2025: What It Means for Your Finances and How to Prepare.” Finhabits, September 29, 2025. https://www.finhabits.com/government-shutdown-2025/

 

Desk, TOI Business. “US Government Shutdown: What Is Happening and Why Is It Important? Mass Layoffs Threatened.” The Times of India. The Times Of India, September 30, 2025. https://timesofindia.indiatimes.com/business/international-business/us-government-shutdown-what-is-happening-and-why-is-it-important-mass-layoffs-threatened/articleshow/124211920.cms

 

Desk, TOI World. “Deadlock Deepens: Democrats, Republicans Block Funding Plans; US Heads toward First Shutdown since 2019.” The Times of India. The Times Of India, October 1, 2025. https://timesofindia.indiatimes.com/world/us/deadlock-deepens-democrats-republicans-block-funding-plans-us-heads-toward-first-shutdown-since-2019/articleshow/124245491.cms

 

ET Online. “US Government Shutdown: Millions of Federal Employees Brace for Mass Layoffs. It Would Cost the Economy…” The Economic Times. Economic Times, September 29, 2025. https://economictimes.indiatimes.com/news/international/global-trends/us-news-us-government-shutdown-millions-of-federal-employees-brace-for-mass-layoffs-it-would-cost-the-economy-/articleshow/124217496.cms?from=mdr

 

Foran, Andrew. “U.S. Government Shutdown Risks: 2025 Edition.” TD, September 25, 2025. https://economics.td.com/us-2025-government-shutdown

 

Freking, Kevin. “The U.S. Is Heading towards a Federal Government Shutdown. What Does That Actually Mean?” PBS News, September 30, 2025. https://www.pbs.org/newshour/politics/the-u-s-is-heading-towards-a-federal-government-shutdown-what-does-that-actually-mean

Gambino, Lauren. “What Does a Government Shutdown Mean and Why Is This Year’s More Serious?” the Guardian. The Guardian, October 1, 2025. https://www.theguardian.com/us-news/2025/sep/27/government-shutdown-explainer

 

Hubbard, Kaia, and Caitlin Yilek. “Government Shutdown Begins as Lawmakers Fail to Reach Deal to Extend Funding.” Cbsnews.com, October 1, 2025. https://www.cbsnews.com/live-updates/government-shutdown-latest-trump-congress-senate-vote/

 

Nik Popli. “Shutdown Could Leave 750,000 Federal Workers Furloughed, Says Congressional Budget Office.” TIME. Time, September 30, 2025. https://time.com/7322026/shutdown-federal-workers-furloughed/

 

Power, John. “US Government Shuts down after Senate Fails to Pass Spending Bill.” Al Jazeera, October 2025. https://www.aljazeera.com/news/2025/10/1/us-govt-shuts-down-after-republicans-democrats-fail-to-pass-spending-bill

 

Press, Associated. “How a Government Shutdown May Affect Federal Agencies.” AP News, October 1, 2025. https://apnews.com/article/effects-of-government-shutdown-donald-trump-4a16fc477eb67b7cf7ac708e578146e3

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *