اليورانيوم الإيراني المفقود: محفز محتمل لتجدد الصراع في الشرق الأوسط
البرامج البحثية

اليورانيوم الإيراني المفقود: محفز محتمل لتجدد الصراع في الشرق الأوسط

شهدت العمليات العسكرية الأخيرة ضد المنشآت النووية الإيرانية تصاعدًا ملموسًا في المخاوف الدولية حيال طموحات طهران النووية. في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، تجسد الصراع العسكري المباشر بين إيران وإسرائيل الذي استمر 12 يومًا، حيث نفذت الولايات المتحدة ضربات جوية استهدفت منشآت نووية رئيسية في نطنز وفوردو وأصفهان، أعقبها رد إيراني على قاعدة العديد في قطر. ورغم إعلان الولايات المتحدة عن "تدمير كامل" للبنية التحتية النووية الإيرانية، تشير الأدلة إلى أن الضربات لم تحقق أهدافها الاستراتيجية بشكل كامل، إذ بقيت منشأة فوردو وأجهزة الطرد المركزي الأساسية سليمة جزئيًا، مما أبقى جزءًا كبيرًا من القدرات النووية الإيرانية قائمة.   تزداد حالة الغموض حول مصير اليورانيوم عالي التخصيب الإيراني، خصوصًا بعد إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية فقدان أثر نحو 400 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي كمية تكفي نظريًا لصناعة عدة رؤوس نووية. وأقرّت السلطات الإيرانية بنقل هذه المواد إلى "أماكن آمنة" قبل الضربات الأمريكية، في حين تشير تقديرات استخباراتية غربية إلى صعوبة تحديد مواقعها واستهدافها عسكريًا، مما يعزز المخاطر المرتبطة بالانتشار النووي ويمنح إيران ورقة ضغط استراتيجية في أي مفاوضات مستقبلية، مع إبقاء احتمالات التصعيد العسكري قائمة.   في ضوء هذه التطورات، يبدو أن البرنامج النووي الإيراني تعرض لانتكاسة مؤقتة فقط، ولا تزال طهران تحتفظ بمعظم قدراتها التقنية والبشرية لإعادة بناء منشآتها واستئناف التخصيب في المستقبل القريب. لذلك، يصبح مصير اليورانيوم المخصب المحتجز في مواقع غير معلومة عاملًا حاسمًا في تحديد مسار الصراع الإقليمي، إذ قد يشكل الشرارة لأي تصعيد جديد بين إيران وإسرائيل، لا سيما إذا قررت طهران استئناف أنشطتها النووية أو سعت الأطراف الأخرى لاستهداف هذه المخزونات مجددًا.   يهدف هذا التحليل إلى دراسة التناقض بين الخطاب السياسي الذي يعلن "تدمير" القدرات النووية الإيرانية والواقع الميداني الذي يشير إلى استمرار التهديد النووي، مع التركيز على المخاطر الاستراتيجية الناجمة عن استمرار وجود اليورانيوم المخصب خارج الرقابة الدولية، وانعكاسات ذلك على الاستقرار الإقليمي ومستقبل الصراع في الشرق الأوسط.
إيران وإسرائيل: الحرب التي ستُعيد رسم خريطة الشرق الأوسط
البرامج البحثية
24 يونيو 2025

إيران وإسرائيل: الحرب التي ستُعيد رسم خريطة الشرق الأوسط

تُعدّ الحرب بين إيران وإسرائيل – بكل المقاييس – حرب بقاء بالنسبة للنظام الإيراني. فقد باتت مهاجمة إيران خطوة منطقية بالنسبة لإسرائيل، خاصة بعد أن نجحت إلى حد كبير في تحجيم أذرع طهران من الميليشيات والوكلاء في الإقليم. ويستند النظام الإيراني إلى ثلاثة ركائز رئيسية: (1) ترسانة الصواريخ التقليدية، (2) شبكة موسعة من القوات التابعة للوكلاء في المنطقة، و(3) برنامجه النووي. إلا أن هذا النظام يواجه اليوم حرب استنزاف قد تقود في نهاية المطاف إلى زواله الكامل. فالسقوط المحتمل للنظام الإيراني لا يُعد مجرد تغيير في القيادة، بل يُمثّل انهيارًا للدولة ذاتها.   وسيؤدي انهيار الدولة الإيرانية إلى عواقب كارثية في عموم المنطقة. ومع ذلك، فإن بقاء النظام يُعدّ أيضًا سيناريو قائمًا بحد ذاته. فرغم أن انهيار إيران سيُحدث أزمة إقليمية كبرى، فإن استمرار بقاء النظام، لا سيما مع سعي طهران لفرض نفسها كقوة إقليمية عظمى، قد يكون أكثر زعزعة للاستقرار بالنسبة لإسرائيل وحلفائها. وفي الحالتين، فإن النتائج تحمل آثارًا إقليمية ودولية عميقة، وتُشير إلى تحوّل جذري في الواقع الجيوسياسي للشرق الأوسط. والسؤال الجوهري لم يعد: "هل سيتغير الشرق الأوسط؟" بل "كيف سيبدو هذا الشرق الأوسط الجديد؟"
هل تستخدم الولايات المتحدة قنبلة نووية تكتيكية ضد إيران؟
البرامج البحثية
22 يونيو 2025

هل تستخدم الولايات المتحدة قنبلة نووية تكتيكية ضد إيران؟

في 22 يونيو، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة شنت هجومًا على منشأة “فوردو” النووية الإيرانية باستخدام قنبلتها الخارقة للتحصينات المعروفة بـ”Bunker Buster”. وعلى الرغم من وصف ترامب الضربة بأنها ناجحة، لم يتم تأكيد التدمير الكامل للمنشأة، مما يطرح سؤالًا محوريًا: هل سيفكر ترامب في استخدام سلاح نووي تكتيكي لضمان القضاء التام على المنشأة؟   على عكس الأسلحة النووية الاستراتيجية، تتميز الأسلحة النووية التكتيكية بأنها أقل من حيث القدرة التدميرية، ومصممة للاستخدام المحدود في ساحة المعركة، وليس لإحداث دمار شامل. ورغم محدودية أثرها، فإن استخدامها سيحمل تداعيات إقليمية وعالمية جسيمة.
نقاط الاشتعال والتداعيات: تقييم التهديدات النووية في المنطقة
الإصدارات
22 يونيو 2025

نقاط الاشتعال والتداعيات: تقييم التهديدات النووية في المنطقة

عاد شبح التهديد النووي، الذي بدا في السابق وكأنه قد تراجع مع نهاية الحرب الباردة، ليطلّ برأسه مجددًا بشكل حاد ومثير للقلق. فالعالم اليوم يشهد سباق تسلح نووي متجددًا وتآكلًا خطيرًا في الأعراف والمعاهدات التي ساهمت، على مدار عقود، في الحيلولة دون وقوع ما لا يمكن تصوره. فمنذ فبراير 2022، شكّلت الحرب الروسية على أوكرانيا، وما رافقها من خطاب صريح ومبطّن بشأن استخدام الأسلحة النووية، خرقًا واضحًا للمحرّمات التي سادت في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. وقد أدّى تموضع الأسلحة النووية الروسية في بيلاروسيا إلى تصعيد التوترات بشكل أكبر، وأسهمت في تطبيع الخطاب المرتبط بالحرب النووية. ولم تتوقف التداعيات عند حدود أوروبا الشرقية، بل امتدت لتشمل العالم بأسره، حيث أبدت دول مثل كوريا الجنوبية وألمانيا وبولندا اهتمامًا متزايدًا باستراتيجيات الردع النووي، سواء عبر تطوير برامجها الخاصة أو من خلال استضافة الأسلحة النووية الأمريكية على أراضيها. ويُعد تفكير بولندا في الانضمام إلى بلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتركيا كمضيف محتمل لهذه الأسلحة مؤشرًا مقلقًا على هذا التوجّه المتصاعد. وفي الوقت نفسه، يواصل النظام الكوري الشمالي تطوير ترسانته النووية دون رادع، فيما تستمر النزعة العدائية النووية بين الهند وباكستان، مما يشكل دليلًا إضافيًا على استمرار التهديد النووي على مستوى العالم.   لقد ازدادت حدة الظلال النووية التي تخيّم على الشرق الأوسط في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر، والتي أعادت تصعيد التوترات الإقليمية بشكل حاد وكشفت هشاشة المنظومة الأمنية القائمة. وفي ظل اتساع نطاق العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة واحتمال تطورها إلى مواجهة إقليمية أوسع، تصاعدت المخاوف بشأن إمكانية استخدام الأسلحة النووية أو زيادة انتشارها في المنطقة. وقد حذّر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤخرًا من أن تفاقم الأعمال العدائية في المنطقة قد يكتسب "أبعادًا نووية"، مشددًا على الحاجة الملحّة لتطبيق ضمانات شاملة وتجديد المسار الدبلوماسي لمنع المزيد من التصعيد. وفي هذا السياق المتسم بتقلبات متزايدة، يظل الملف النووي متشابكًا بعمق مع الديناميات السياسية والأمنية الأوسع، مما يثير مخاوف حقيقية من بلوغ نقطة تحول خطيرة في مسار الانتشار النووي الإقليمي. ومع تجدّد المواجهة بين إسرائيل وإيران، عاد الحديث مجددًا عن الأهداف النووية وتداعياتها المحتملة على مستقبل المنطقة.   في هذا السياق، يتناول هذا البحث أشكال التهديدات النووية المختلفة ويقيّم مدى هشاشة عدد من الدول المختارة كدراسات حالة في مواجهة هذه التهديدات. وقد تم اختيار هذه الحالات — وهي مصر، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والأردن — بناءً على قابليتها للتعرّض لكوارث نووية، وذلك بالدرجة الأولى استنادًا إلى وجود منشآت نووية قد تشكّل مصادر محتملة للخطر. كما أُخذت الأهمية الجيوسياسية بعين الاعتبار كعامل أساسي في عملية الاختيار.   وقد تم تصنيف التهديدات إلى فئتين رئيسيتين: الأولى تتعلق بالمخاطر الناجمة عن الحروب النووية، والثانية تركّز على التهديدات المرتبطة بالتسرّب النووي أو الإشعاعي. ويُقسَّم كل سيناريو إلى سيناريوهات فرعية تُحلّل الآثار المتوقعة على الدول محل الدراسة، بما في ذلك تقديرات الخسائر في الأرواح والإصابات البشرية. ويُعد فقدان الأرواح هو المعيار الرئيسي الذي وجّه اختيار الحالات وتحليلها، حيث تم اختيار مدن معيّنة بناءً على كثافتها السكانية، ومن ثمّ تقييم العواقب المحتملة وفقًا لذلك.   من خلال تقييم الآثار المتوقعة—بما في ذلك الخسائر البشرية وتعطّل البُنى التحتية الحيوية—يهدف هذا البحث إلى تقديم تقييم شامل لمستوى الهشاشة النووية في هذه الدول المحورية. ويُبرز في هذا الإطار كيف أن المشهد النووي المتغيّر في منطقة الشرق الأوسط يتشكّل ليس فقط بفعل العوامل التكنولوجية والاستراتيجية، بل أيضًا من خلال تفاعل الطموحات الداخلية والضغوط الخارجية. وتؤكد النتائج على الحاجة الملحّة إلى توفير ضمانات قوية، وتعزيز التعاون الإقليمي، والانخراط الدولي النشط من أجل الحد من تصاعد المخاطر المرتبطة بالأسلحة والتقنيات النووية في بيئة دولية تتسم باضطراب متزايد.
السيناريو المحظور: ماذا لو تم ضرب مفاعل ديمونة؟
البرامج البحثية
22 يونيو 2025

السيناريو المحظور: ماذا لو تم ضرب مفاعل ديمونة؟

في ظل تزايد وتيرة التصعيد بين إيران وإسرائيل خلال عام 2025، وتحوّل الهجمات المتبادلة إلى استهداف مباشر للمنشآت الحيوية والبنى التحتية السيادية، يبرز سيناريو استهداف مفاعل ديمونة النووي بوصفه أحد أكثر الاحتمالات خطورة من حيث النتائج السياسية والبيئية والأمنية. ورغم ما يُفترض من صعوبة تنفيذ مثل هذا الهجوم بفعل قوة المنظومة الدفاعية الإسرائيلية، إلا أن أي اختراق جزئي أو إصابة مباشرة لمنشآت المفاعل قد يُنتج حالة غير مسبوقة في تاريخ الصراعات الإقليمية، تتجاوز في آثارها الحدود السياسية والجغرافية للدول المنخرطة مباشرة في المواجهة.   تهدف هذه الورقة إلى تقديم تقدير موقف استشرافي من نوع "ماذا لو"، يُحلل الانعكاسات الإقليمية المحتملة في حال تعرّض منشأة ديمونة النووية لهجوم صاروخي فعّال يؤدي إلى تسرّب إشعاعي واسع النطاق. ويركّز التقدير على أربعة محاور جغرافية رئيسية: أولًا، التأثيرات المباشرة على إسرائيل، سواء من حيث الإصابات البشرية أو تدمير القطاعات الحيوية (الزراعة، المياه، السياحة) في النقب ومحيط القدس وتل أبيب؛ ثانيًا، الانعكاسات على الأردن، خاصة في منطقة الأغوار الشرقية، بما في ذلك خطر النزوح، وتلويث مصادر الغذاء والمياه؛ ثالثًا، التداعيات على مصر، تحديدًا في شمال سيناء وشريط قناة السويس، حيث تتهدّد حركة الملاحة الدولية والسياحة الساحلية؛ رابعًا، الأثر المحتمل على شمال السعودية، بما في ذلك مناطق مشروع نيوم، وخطوط النفط والبنية السكانية الحساسة.   في ضوء ذلك، لا تطرح هذه الورقة سيناريو تكتيكيًا معزولًا، بل تدقّ ناقوس الخطر حيال إمكانية دخول المنطقة في طور ما بعد الردع التقليدي، حيث لا تعود الحسابات العسكرية مقتصرة على نطاق الاشتباك بين دولتين، بل تمتد آثارها إلى إعادة تشكيل الخريطة السكانية والاقتصادية لدول بأكملها، وسط فراغ شبه كامل في آليات التنسيق الإقليمي لمواجهة الكوارث النووية غير التقليدية.
تحذير استراتيجي: هل تعلن واشنطن الحرب على إيران؟
البرامج البحثية
19 يونيو 2025

تحذير استراتيجي: هل تعلن واشنطن الحرب على إيران؟

في 13 يونيو 2025، شنت إسرائيل هجومًا مفاجئًا على إيران، استهدفت خلاله منشآت نووية وقواعد صواريخ ودفاعات جوية، بالإضافة إلى قادة عسكريين وعلماء نوويين. وردًا على ذلك، أطلقت إيران في مساء اليوم نفسه أكثر من 150 صاروخًا باليستيًا و100 طائرة مسيّرة باتجاه تل أبيب وحيفا.   تستمر المواجهات بين إسرائيل وإيران دون مؤشرات واضحة على التهدئة. ويظل شبح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حاضرًا، إذ تحوّل موقفه في غضون أسبوع من التفاوض مع إيران بشأن الاتفاق النووي إلى الدعوة إلى “استسلام غير مشروط”، في الوقت الذي تعيد فيه الولايات المتحدة نشر قواتها في المنطقة استعدادًا لاحتمال توجيه ضربة لإيران.
ماذا لو: أقدمت إيران على إغلاق مضيق هرمز؟
البرامج البحثية
19 يونيو 2025

ماذا لو: أقدمت إيران على إغلاق مضيق هرمز؟

يشكّل مضيق هرمز، ذلك الممر البحري الضيق والحيوي، نقطة عبور استراتيجية لا غنى عنها، حيث يمر عبره نحو خمس النفط العالمي وثلث الغاز الطبيعي المسال. ورغم اعتباره ركيزة أساسية لاستقرار أسواق الطاقة الدولية، فإن هذا المضيق يواجه اليوم تحديات جيوسياسية حادة، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية واتساع نطاق الصراع بين إيران وإسرائيل، بالإضافة إلى مؤشرات متزايدة على تورط مباشر للولايات المتحدة. في هذا السياق المتقلب، تتزايد احتمالات تحول التهديد الإيراني بإغلاق أو تعطيل الملاحة في المضيق إلى واقع ملموس. وعلى الرغم من التداعيات الكارثية المحتملة لهذا السيناريو على الاقتصاد العالمي وأمن الطاقة، لم يعد تناول هذه الأبعاد خيارًا نظريًا فحسب، بل أصبح ضرورة استراتيجية ملحة. لذا يسعى هذا التحليل إلى استكشاف الدوافع المحتملة التي قد تدفع طهران إلى فرض حصار على هذا الممر الحيوي، وكشف التداعيات الأمنية والجيوسياسية الكبيرة المترتبة على ذلك، فضلاً عن تسليط الضوء على الصدمة الاقتصادية العميقة التي قد تتجاوز حدود المنطقة لتطال الاقتصاد العالمي بأسره.
الردع الإيراني وتحوّل ساحات الاشتباك
البرامج البحثية

الردع الإيراني وتحوّل ساحات الاشتباك

خلال يومي الثالث والرابع عشر من يونيو عام 2025، أقدمت إسرائيل على تنفيذ واحدة من أكثر عملياتها العسكرية جرأة وتعقيدًا في التاريخ الحديث، وذلك من خلال ضربة جوية مركّبة استهدفت العمق الإيراني بصورة مباشرة وغير مسبوقة. شملت الضربة منشآت نووية حساسة على غرار منشأتي نطنز وفوردو، إلى جانب مواقع أخرى في محيط مدينة أصفهان، فضلاً عن استهداف مطارات عسكرية مركزية في البنية التحتية للدفاع الجوي الإيراني، مثل "مطار همدان" و"مطار تبريز". كما استهدفت إسرائيل في ذات العملية قيادات عسكرية بارزة في الصف الأول من الحرس الثوري الإيراني والجيش النظامي، وتوافرت لاحقًا مؤشرات تؤكد وقوع إصابات أو تصفيات مباشرة لعدد منهم¹. جاء الرد الإيراني سريعًا ومُحمّلاً بطابع الارتجال، في مسعى من طهران لإثبات تماسكها وردع خصومها. فأطلقت الجمهورية الإسلامية في اليوم نفسه أكثر من مائة طائرة مسيّرة هجومية، غالبيتها من طراز "شاهد 136" و"شاهد 131"، قاطعةً مسافة تُقدّر بحوالي 2000 كيلومتر عبر المجالين الجويين العراقي والسوري. إلا أنّ هذه الضربة لم تُحقق أهدافها، إذ تمكّنت أنظمة الدفاع الجوي الأردنية والسعودية والإسرائيلية، مدعومة بتكنولوجيا الرصد الأميركية، من اعتراض الجزء الأكبر من الطائرات المسيّرة قبل أن تصل إلى أجواء إسرائيل، حيث تم إسقاط العديد منها فوق محافظة الأنبار وصحراء الأردن، فيما سقط بعضها شمال الأراضي السعودية².   وفي الرابع عشر من يونيو، أطلقت إيران هجومها الصاروخي الرئيسي، والذي اتسم بالتنسيق الواسع والنطاق العملياتي المتعدد. وقد استخدمت في هذا الهجوم أكثر من 150 صاروخًا باليستيًا، من أبرزها "قدر-110" (بمدى يصل إلى 3000 كم)، و"خرمشهر"، و"سجيل-2"، وهي من أخطر الصواريخ الإيرانية متوسطة المدى³. استهدفت هذه الصواريخ مواقع متفرقة في عمق الأراضي الإسرائيلية، كان من أبرزها محيط مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية في مجمّع "الكرياه" وسط تل أبيب، حيث أصيب المبنى بصاروخ واحد أسفر عن أضرار مادية وإصابات محدودة، من دون تسجيل خسائر مباشرة في صفوف الجيش. كما سُجلت أضرار في مبانٍ سكنية في مناطق رامات غان، وتل أبيب، وريشون لتسيون، إضافة إلى وقوع إصابات لعدد من المدنيين، بينهم حالة واحدة حرجة، بينما وصفت بقية الإصابات بالطفيفة أو المتوسطة⁴.   رغم الزخم النيراني، جاءت نتائج الهجوم دون سقف التوقعات الإيرانية، وهو ما دفع طهران إلى إعلان نيتها توسيع نطاق عملياتها لتشمل الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، وليس إسرائيل فقط. وقد تضمّن التهديد الإيراني إشارات مباشرة إلى قواعد أميركية حيوية، على غرار "قاعدة العُديد" في قطر، و"قاعدة الظفرة" في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك قواعد عسكرية أميركية في العراق كـ"عين الأسد" و"كامب فيكتوري" ببغداد، بالإضافة إلى منشآت بحرية في البحرين⁵.   ترى إيران أن أي مساهمة أميركية في دعم الدفاعات الجوية الإسرائيلية تُعدّ مشاركة مباشرة في الحرب، وبالتالي تمنحها شرعية استراتيجية لاستهداف الوجود العسكري الأميركي في الخليج. وهو ما يُمثّل تحولًا جذريًا في معادلة الردع الإقليمي، لا سيما أن هذه هي المرة الأولى منذ عام 2020 التي يظهر فيها خطر حقيقي بتحول منطقة الخليج إلى ساحة اشتباك عسكري مفتوح بين قوى إقليمية ودولية⁶.   يهدف هذا التحليل إلى تقديم قراءة معمقة للدوافع الاستراتيجية الكامنة خلف تهديدات إيران باستهداف القواعد العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج، وذلك عن طريق الربط بين المعطى الميداني (أنماط استخدام الصواريخ والطائرات المسيّرة) والمعطى البنيوي (توازن القوى الإقليمي والدولي)، لفهم السياقات التي تجعل من القواعد الأمريكية في الخليج أهدافًا ذات أولوية استراتيجية في الحسابات الإيرانية.
لماذا فشلت إيران في صد عملية الأسد الصاعد؟
البرامج البحثية

لماذا فشلت إيران في صد عملية الأسد الصاعد؟

مثّلت عملية الأسد الصاعد، التي نفذتها إسرائيل في 13 يونيو 2025، ضربة خاطفة استهدفت شلّ جوهر البنية التحتية النووية والعسكرية لإيران. وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه العملية الاستباقية بأنها إجراء ضروري لـ"دحر التهديد الإيراني لبقاء إسرائيل ذاته"، مستندًا إلى مبدأ بيغن الذي سبق تطبيقه في ضربات مماثلة ضد العراق في 1981 وسوريا في 2007. اتسمت أهداف العملية بالتعدد والتنوع الاستراتيجي، حيث شملت استهداف منشآت نووية متعددة، بالإضافة إلى كبار القادة العسكريين الإيرانيين والعلماء النوويين، في محاولة لإلحاق أقصى ضرر بقدرات إيران العسكرية والنووية. لم تقتصر نية إسرائيل على تعطيل البرنامج النووي فحسب، بل امتدت إلى تقويض قدرة إيران على شن هجمات انتقامية والدفاع عن نفسها ضد موجات مستقبلية من الهجمات الإسرائيلية.   جاء توقيت العملية الإسرائيلي بعد تقييم دقيق للقيادة الإسرائيلية التي خلصت إلى أن إيران على وشك تحقيق اختراق خطير في مساعيها لامتلاك أسلحة نووية، مما استدعى استغلال نافذة زمنية ضيقة قبل أن تصبح المنشآت النووية الإيرانية متطورة أو محمية بشكل متين. في هذا السياق، يهدف هذا التحليل إلى استكشاف الأسس المنطقية التي قامت عليها العملية، وتفسير أسباب الفشل الواضح لطهران في صد الهجوم بفعالية، وتأثير الهجوم على الداخل الإيراني. بالإضافة إلى دراسة المسارات المحتملة التي قد تتبعها إيران لاستعادة قدرتها على الردع.
اللعبة الكبرى: إيران و إسرائيل و الولايات المتحدة
الإصدارات
12 يونيو 2025

اللعبة الكبرى: إيران و إسرائيل و الولايات المتحدة

يقول جورج أورويل في روايته الكلاسيكية "1984": ظل عالمه متماسكاً من خلال حرب لا تنتهي، فقد كان يتم بث رسائل كراهية ومسببات للخوف بشكل يومي لتشجيع الجماهير الخائفة والخانعة للوقوف بوجه عدو وهمي بدلا من قادتهم الفعليين. يعرَفُ عن خبراء الجغرافيا الاستراتيجية في الولايات المتحدة وبريطانيا كونهم سادة التلاعب في إعادة رسم خريطة العالم لتتناسب مع المصالح الاقتصادية، الجغرافية، السياسية والعسكرية للغرب.. وينطبق ذلك بشكل خاص على منطقة الشرق الأوسط.، إذ يمتلك المنتقدون قناعة بأن الهدف الأكبر لهؤلاء يتمثل في تحقيق الهيمنة الغربية على المنطقة عبر عملائهم وشركائهم مثل إسرائيل وإيران (عبر الأبواب الخلفية) للاحتفاظ بالسيطرة على الموارد الطبيعية والممرات المائية مع ضمان عدم وقوع تلك الموارد في أيدي المنافسين مثل الصين وروسيا. وفي غضون ذلك هناك مدرسة فكرية تقول أنهم يصنعون الصراعات الطائفية انطلاقاً من مبدأ "فرق تسد"، وهي صراعات توفر ذريعة لإقامة القواعد العسكرية وتغذية الصناعات العسكرية من خلال مبيعات الطائرات والصواريخ والأسلحة.   ويقول بحث أجري في عام 2008 بعنوان "استراتيجيات فرق تسد الأمريكية في الشرق الأوسط" كتبه مهدي داريوس نازيمرويا، تناول فيه نوايا الولايات المتحدة لخلق شرق أوسط جديد، ما يلي: "في إطار الأعمال التحضيرية للولايات المتحدة الأمريكية لخلق’ شرق أوسط جديد’ كانت هناك محاولات حققت نجاحاً جزئياً لخلق حالة من الانقسامات بين سكان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى من خلال الاختلافات العرقية، الثقافية، الدينية، المذهبية، القومية والسياسية.. فإلى جانب تأجيج التوترات العرقية، مثل تلك التي بين الأكراد والعرب في العراق، يجري تغذية الانقسام الطائفي عمداً بين المسلمين في الشرق الأوسط. كما يجري تعزيز الانقسام بين المسلمين الشيعة والسنة". ويعتقد فريد ريد، الخبير والكاتب في شؤون الشرق الأوسط أنه: "يتعين عدم لوم من يظن أن التوجه الحالي للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وعبر العالم الإسلامي يتمثل في تعزيز الانقسامات بين السنة والشيعة". وبدوره، كتب كون هالينان، كاتب عمود "السياسة الخارجية تحت المجهر"، قائلاً: "يمثل النفط أحد أهم عوامل القلق الرئيسية للولايات المتحدة الأمريكية.. فبحلول عام 2020، ستستورد الولايات المتحدة ثلثي احتياجاتها من النفط، وبما أن 65% من احتياطي النفط المتبقي في العالم موجود في الشرق الأوسط، لا يحتاج المرء لتبني نظرية المؤامرة لاستنتاج أن استراتيجية فرق تسد تستهدف الحفاظ على السيطرة الاستراتيجية على تلك الموارد النفطية". ويضيف هالينان: "يعتبر الحفاظ على تفاقم التوترات في الشرق الأوسط أمراً مربحاً للغاية أيضاً لشركات الأسلحة الأمركية"، مشيراُ في هذا المجال إلى إنفاق الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية، الكويت وسلطنة عمان ما يتجاوز 150 مليار دولار على شراء الأسلحة.
مواجهة داعش: ماوراء التحالف الإقليمي الجديد؟
البرامج البحثية

مواجهة داعش: ماوراء التحالف الإقليمي الجديد؟

في مارس 2025، اتفقت كلٌ من تركيا وسوريا والأردن ولبنان والعراق على تشكيل لجنة مشتركة لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش). وبينما تعكس هذه اللجنة رغبة الدول الإقليمية في تولي زمام المبادرة لردع التهديدات الأمنية في المنطقة، فإنها تُشجّع في الوقت ذاته الولايات المتحدة على سحب قواتها من سوريا، مما يتيح مساحة أوسع للجنة الوليدة للتصدي لتنظيم داعش. علاوة على ذلك، قد تشكّل هذه اللجنة الجديدة بديلًا للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، الذي أُسس في سبتمبر 2014 لمواجهة تنظيم داعش والحد من انتشاره في سوريا والعراق.   ورغم أن التحالف الدولي كان له دور حاسم في إضعاف التنظيم، لا سيما من خلال تنفيذ الغارات الجوية ودعم الفصائل الكردية المسلحة على الأرض، يبدو أن الفاعلين الإقليميين باتوا اليوم يستعدون لتولي زمام المرحلة التالية من جهود مكافحة الإرهاب بأنفسهم.
رفع العقوبات الأميركية عن سوريا: المغزى والانعكاسات!
الإصدارات

رفع العقوبات الأميركية عن سوريا: المغزى والانعكاسات!

بدأت الولايات المتحدة بفرض العقوبات على سوريا منذ عام 1979، عندما أُدرجت سوريا على قائمة الدول الراعية للإرهاب. وجاء هذا التصنيف في البداية في سياق الدور السوري العسكري في لبنان، والدعم المقدم لجماعات مثل "حزب الله"، التي كانت تتلقى تمويلًا مباشرًا من الحكومة السورية. وقد عكست هذه السياسة المبكّرة موقفًا متشددًا ومهددًا من نظام اعتُبر آنذاك معاديًا للمصالح الأميركية، وداعمًا لفاعلين من غير الدول يُصنّفون كتهديد مباشر للمصالح الأمريكية.   ومع اندلاع الصراع السوري عام 2011، قامت الولايات المتحدة بتوسيع نطاق عقوباتها بشكل كبير ضد حكومة الرئيس بشار الأسد. وكان الهدف من هذا التصعيد هو ردع النظام السوري عن الاستمرار في ممارسة العنف ضد شعبه، ودفعه نحو إصلاحات سياسية من شأنها معالجة جذور الأزمة. وقد مثّل ذلك تحولًا في السياسة الأميركية من التركيز الحصري على مكافحة الإرهاب، إلى اعتماد أجندة أوسع تشمل حقوق الإنسان وتغيير سلوك النظام، في إطار ما يمكن وصفه بالدبلوماسية القسرية.   ومع نهاية حكم بشار الأسد في أوائل ديسمبر 2024، شهدت الساحة السياسية السورية تحولًا جذريًا. إذ أفضى هذا الحدث إلى إعادة صياغة الهدف الأساسي للعقوبات الأميركية طويلة الأمد، التي كانت موجهة بشكل مباشر ضد الحكومة التي أُطيح بها.   في مايو 2025، وخلال زيارة له إلى المملكة العربية السعودية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارًا بالغ الأهمية تمثل في رفع العقوبات المفروضة على سوريا. وصرّح بأن هذا القرار سيمنح السوريين "فرصة للوصول إلى العظمة". وقد اعتبر كثيرون هذا الإعلان بمثابة "تطور تاريخي" يحمل "إمكانات هائلة لتحسين ظروف المعيشة" و"دعم عملية الانتقال السياسي في سوريا". ويكمن الهدف من هذا القرار في تحقيق مزيد من الاستقرار في المنطقة، وتعزيز آفاق الاقتصاد السوري بعد سنوات طويلة من القيود التي فرضتها العقوبات الدولية القاسية. وتتناول هذه الورقة البحثية العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا بشكل معمق، واضعةً التحوّل الأخير في السياسات ضمن سياقه التاريخي والقانوني. وهي تُقسم هذه العقوبات إلى مجموعتين: عقوبات قطاعية وأخرى مستهدِفة، وتشرح طبيعة كل منهما وآلية عملها وتأثيرها. كما تبيّن كيف سيؤثر رفع هذه العقوبات على الاقتصاد السوري.