ثمة جدل دائر بين العديد من المحللين مفاده أن واشنطن قد تفقد مكانتها باعتبارها القوة الوحيدة المهيمنة في العالم بفضل صعود قوى عظمى أخرى على الساحة الدولية. ولذا، فإن الأفول النسبي للقوة العظمى الأمريكية قد يمهد الطريق لنهاية حقبة استثنائية لنظام أحادي القطب وظهور نظام جديد ثنائي القطب أو متعدد الأقطاب. ويدور الجدل دائمًا حول الصعود المحتمل لروسيا والصين كمنافسين رئيسيين للولايات المتحدة. ومع ذلك، في هذا التحليل، يفترض أنه من الأفضل ألا يدخل الجانب الروسي في مثل هذه المنافسة لتورطه في حرب محمومة تتطلب انتصارًا ساحقًا لموسكو من أجل تعويض الخسائر الاقتصادية الفادحة. ومن ناحية أخرى، تكتسب الصين المزيد من الزخم على الصعيد الدبلوماسي، وبدرجة أقل، على الصعيد الأمني. وعلي الرغم من أن واشنطن لا تزال تحافظ على تفوقها في مجالات عديدة مثل سوق مبيعات الأسلحة الرئيسية، فقد أثبتت منطقة الشرق الأوسط أنها ذات أهمية قصوى في المنافسة المستمرة بين القوى العظمى. ومع تنافس بكين وواشنطن وحتى موسكو على تحقيق نوع من النفوذ، بدأت دول المنطقة في تغيير سياساتها الخارجية لتكون أكثر استقلالية من أجل تعظيم الفوائد من النظام العالمي الحديث. وكجزء من هذا التحول، تمارس العديد من الدول في المنطقة لعبة إعادة التوازن التي تسعى من خلالها إلى تحقيق التوازن في علاقاتها مع القوى الكبرى، لا سيما بين الولايات المتحدة والصين.

نظام عالمى جديد

كان مفهوم تنافس القوى العظمى موضوع نقاش مستمر لبعض الوقت حتى الوقت المعاصر، ومع تنامي تأثير الصين وروسيا، بدأ المحللون في التحدث عن انتقال محتمل إلى نظام متعدد الأقطاب تكون فيه الولايات المتحدة مجرد قوة واحدة من عدة قوى عالمية تتنافس على القيادة في العالم. ولقد أثبت المفهوم الاستراتيجي لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي صدر في عام 2022 تغير موقف المنظمة بشكل واضح كى تتوافق مع النظام الدولي الجديد الذي يعترف بوجود أكثر من قوة عالمية في المنطقة. في واقع الأمر، إن التصريح بأن المنطقة لا تتمتع بالسلام ووصف روسيا والصين على أنهما تهديدين رئيسيين يمثل إعلانًا صارخًا لبداية حقبة جديدة. وبالرغم من ذلك، فإن هذا التنافس بين القوى العظمى ليس بالشئ الجديد، لكن حدته اشتدت فقط كنتيجة للحرب في أوكرانيا. وفي هذا التحليل، يدور الجدل بأن النظام الدولي الناشئ سوف يتمركز حول الولايات المتحدة والصين بينما ستبقى روسيا قابعة في مستوى أدنى في التسلسل الهرمي للقوى العالمية.

 

وإذا لم يحقق الروس نصرًا ساحقًا في أوكرانيا، فسيتم تهميشهم وذلك لخوضهم صراع محموم قد أثر بشكل أساسي على اقتصاد روسيا وحول انتباه البلاد بعيدًا عن المهام الدبلوماسية والأمنية اللازمة للحفاظ على كونها قوة عظمى. وعلى الرغم من أن بيانات التقييم الاقتصادي التقليدية لصندوق النقد الدولي تشير إلى أن أداء الناتج المحلي الإجمالي لروسيا أفضل من المتوقع، إلا أن دراسة أجراها “مركز بحوث السياسات الاقتصادية” في لندن CEPR قد نتج عنها أداة “تتبع الطلب المحلي” المنوط بها قياس نشاط القطاع الخاص. وخلصت الدراسة إلى أنه في عام 2022 انخفض استهلاك الأفراد بنسبة 4% وليس بنسبة 1.8 % كما ذكرت الدراسات الرسمية. وعندما يتعلق الأمر بالإجراءات الرسمية، يتم إعطاء دليل على الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الروسي وخاصة المناطق غير العسكرية. وانخفض إجمالي واردات السلع بنحو 20% على أساس سنوي، كما تراجع إنتاج السيارات بنسبة 67%، فيما انخفضت واردات التكنولوجيا بنسبة 30%، وانخفض إنتاج أجهزة استقبال التلفزيون أيضًا بنسبة 36 فى المائة. ويشير التحليل إلى أن الظروف الاقتصادية المتردية في روسيا سوف تجعلها خارج المنافسة مع القوي العظمى، ما يترك المجال للصين للتنافس مع الولايات المتحدة على دور الهيمنة.

 

ومنذ البداية، أدرك الصينيون أن الشرق الأوسط ليس على هامش التنافس بين القوى العظمى، بل ساحة مهمة للتنافس فيما بينها. وفي الآونة الأخيرة، بات من الواضح أن بكين تتجه نحو مزيد من الانخراط من الناحية الأمنية والسياسية في المنطقة بالتوازى مع الاستراتيجية القديمة التي اعتمدت على الترابط الاقتصادي. ولقد اتخذت بكين بعض المبادرات الأخيرة التى تعززمن انخراطها في المشاركة السياسية مثل المقترح المكون من أربع نقاط الذي قدمه وزير الخارجية الصينى وانج يي فى مايو من العام 2021 بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلى، واتفاقية الوساطة الصينية بين المملكة العربية السعودية وإيران، وهو اتفاق كان له تداعيات إقليمية واسعة أثرت على الحرب في اليمن والموقع الجيوسياسي لسوريا. ومن الناحية الأمنية، اتخذت الصين خطوات مماثلة لمزيد من المشاركة فى تنافس القوى العظمى من خلال المساهمة بأكثر من 1800 جندي في بعثة الأمم المتحدة الإقليمية لحفظ السلام في عام 2020.

 

في مقال نشرته مجلة Foreign Policyفي يونيو من العام 2022، جاء فيه أنه على الرغم من كل المبادرات والجهود التي تبذلها بكين للانخراط في المشاركة السياسية والأمنية فى دول الشرق الأوسط، إلا أن القوة الآسيوية لن تتمكن أبدًا من القيام بدوررئيسي في الشرق الأوسط لسبب بسيط وهو حقيقة أن الأولوية المهيمنة لجميع القوى الإقليمية هي احتواء إيران. وبعبارة أخرى، أضحى الصينيون بحاجة إلى الولايات المتحدة لأسباب تتعلق بالأمن مما جعلهم مقيدي الأيدي وغير قادرين على الذهاب صوب آسيا بعيدًا عن الولايات المتحدة. وبعد أشهر، أثبت القادة الصينيون أنهم ماهرون بما يكفي لإنهاء اللعبة في الاتجاه المعاكس (لصالحهم). وتتمحور استراتيجية الصين حول استغلال نقاط الضعف الإيرانية بسبب الوضع الداخلي المتوتر وذلك لإنهاء حالة العداء بين إيران وجيرانها، فيما ترك هذا الأمر مجالًا أضيق للمناورة من جانب الولايات المتحدة. وأثبتت الاستراتيجية التي تتبناها بكين أنه في حين أنها قد لا تكون على استعداد لتوفير مظلة أمنية للقوى الإقليمية، إلا أنها يمكن أن تقدم مقاربة بديلة. ومن خلال القيام بذلك، تمكنت الصين من تحديد موقعها في المنطقة.

 

وعلى الرغم من وجود دلائل متضاربة من جانب الإدارات الأمريكية الثلاث الأخيرة بالتمحور إلى مناطق أخرى من العالم، إلا أن هذا لا يعني أن الأمريكيين فقدوا مكانتهم وهيمنتهم بالكامل. فلا تزال القوة العظمى تحافظ على مكتسباتها وميزتها فيما يتعلق بالحصول على حقوق الوصول والتمركز والتحليق في المنطقة نظرًا لوجود أكثر من 34000 فردًا في الشرق الأوسط. وتتميز القواعد الصناعية العسكرية في الولايات المتحدة أيضًا بمنتجاتها المبتكرة التي تحافظ على تفوقها العالمي عندما يتعلق الأمر بحصتها من صادرات الأسلحة الكبرى كما هو موضح في الرسم البياني. وقد أوضح التحليل أنه لا يزال الشرق الأوسط يلعب دورا مهمًا في المعادلة، حيث استحوذت منطقة الشرق الأوسط على 41% من إجمالي مبيعات الأسلحة الأمريكية، حيث استحوذت السعودية على نسبة 19% وقطر 6.7% والكويت 4.8% والإمارات.

 

 

تدرك كل من الولايات المتحدة والصين الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط في التنافس والتنافس العالمي بينهما. وعلى الرغم من أن الأمريكيين بدا لديهم ما هو أهم في آسيا ومنطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ لبعض الوقت، إلا أنهم سارعوا في اتخاذ خطوات تهدف إلى توجيه رسالة فحواها أن الولايات المتحدة لا تزال لها الهيمنة في المنطقة وأنها لن تترك مجالا للمناورة من جانب المنافسين. في زيارته إلى جدة في يونيو 2022، أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن هذه الفكرة بقوله “إننا لن نغادر ونترك فراغًا تملأه الصين أو روسيا أو إيران”. وأضاف “سنسعى جاهدين للبناء على هذه الجهود التي بذلناها تحت قيادة أمريكية نشطة وذات مبادئ محددة.” فبينما تتخذ الصين خطوات نحو اعتلاء مكانة كبيرة في المنطقة، إلا أن الأمريكيين لن يسمحوا بالتفريط في مكانتهم وهيمنتهم على المنطقة. أدركت دول المنطقة هذا الواقع، ولذا تتبع استراتيجية تهدف إلى تحقيق التوازن في علاقاتها مع كل من الولايات المتحدة والصين، من أجل تعزيز مصالحها الخاصة، وبينما يحافظون على علاقاتهم مع الدولة المهيمنة القديمة، إلا أنهم يبنون أيضًا علاقات قوية مع بكين. في السطور التالية، سنناقش كيف تعمل دول الشرق الأوسط على الاستفادة من النظام العالمي الجديد مع تحويل سياستها الخارجية نحو مزيد من التوازن.

تحول جذرى؟

تشير بعض الأحداث الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط إلى تحول في السياسة الخارجية العربية. ووفقًا لبعض المحللين، فإن دول الشرق الأوسط قد بدأت تنجذب إلى المدار الصيني بينما تغادر المدار الأمريكي مما يعني أن دول المنطقة تعيد توجيه بوصلة سياساتها الخارجية لتتماشى مع النظام العالمي متعدد الأقطاب الذي تم إنشاؤه حديثًا. فمنذ أن أصبح محمد بن سلمان ولي العهد للمملكة العربية السعودية في عام 2017، أظهر حكمة وواقعية في حكم البلاد وعمل على إعادة ضبط السياسة الخارجية للمملكة التي كانت مرتبطة ارتباطا وثيقا بواشنطن، وظهر ذلك جليا في اتفاقية منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بقيادة السعودية واتفاق حلفائها على خفض إنتاج النفط في أكتوبر 2022 ضد رغبات الولايات المتحدة، ما دفع واشنطن إلى اتهام الرياض بالانحياز والتعاون مع موسكو. ولم تكن المملكة العربية السعودية هي وحدها من سلكت نهجًا جديدًا لإعادة التوازن في العلاقات مع القوى الكبرى، بل اتبعت دول أخرى في المنطقة ذات المسار الذي اتبعته السعودية استجابة للتحولات التي تحدث في المشهد الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط. وآثرت كثير من دول المنطقة المشاركة فى أنظمة متعددة الأطراف بقيادة بكين وواشنطن بدلًا من الانضمام إلى قوة عظمى واحدة. وتبنت دول الشرق الأوسط سياسة الانخراط والمشاركة في بعض المبادرات الصينية مثل القمة الصينية العربية التى عقدت فى السعودية والقمة الصينية الخليجية في المملكة العربية السعودية أيضا، ومبادرة الحزام والطريق. وتقدمت بعض الدول العربية بطلب للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون كعضو في الحوار مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت، وهي منظمة دولية تأسست في مدينة شنغهاي الصينية في 15 يونيو عام 2001. من ناحية أخرى، جذب تكتل دول البريكس أيضًا اهتمام العديد من دول الشرق الأوسط، وأبدت المملكة العربية السعودية وإيران والإمارات العربية المتحدة والجزائر وتركيا ومصر والبحرين استعدادها للانضمام إلى المجموعة التي تضم روسيا والصين والبرازيل وجنوب أفريقيا والهند. وتأسس التكتل عام 2006، في قمة استضافتها مدينة يكاترينبورج الروسية وتحول اسمها من “بريك” إلى بريكس في 2011، بعد انضمام جنوب أفريقيا إليها. وتهدف هذه المجموعة الدولية إلى زيادة العلاقات الاقتصادية فيما بينها بالعملات المحلية، مما يقلل الاعتماد على الدولار، وعلى الرغم من أنها ليست كتلة تجارة حرة رسمية، إلا أن أعضاء البريكس يتعاونون في كثير من الأحيان بشأن القضايا التجارية وقروض البنية التحتية. وهكذا يتضح أن دول الشرق الأوسط لم تعد راضية بالنظام القديم الذي كان يتسم بالهيمنة الأمريكية على المنطقة، وهذا لا يعني أن الدور الأمريكي في المنطقة آخذ في التقلص بالكامل، لكنه يعني فقط أن دول المنطقة تعمل على الاستفادة من القوة المتسارعة للصين من أجل تنويع سياساتها الخارجية.

 

ومن أوضح الأمثلة على هذا التنوع المذكور في السياسة الخارجية العربية، ذلك الاتفاق التي تم التوصل إليه بين إيران والسعودية بوساطة صينية. وبالرغم من أن بعض المحللين أشاروا إلى ذلك التنوع في السياسة الخارجية العربية على أنه علامة على تضاؤل قوة الولايات المتحدة في المنطقة لتحل محلها الصين، إلا أنه لا يمكن تقليص قوتها لمثل هذا التفسير. ومما لا شك فيه أن الاتفاق الإيراني السعودي الذي يهدف إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منح بكين انتصارًا دبلوماسيًا كبيرًا في منطقة الشرق الأوسط. وعلى الرغم أنه كان من الممكن أن تختار الرياض وطهران إما عمان أو العراق كمقصد نهائي لعقد اتفاقهما، نظرا إلى حقيقة أن المحادثات الثنائية تجري في هذين البلدين، إلا أنهما اختارا الصين بدلاً من ذلك بعد فترة وجيزة من زيارة الرئيس الصينى شي جين بينج إلى الرياض في ديسمبر 2022. ولقد وجد السعوديون فرصة جديدة فى التعاون مع الصين التي تعتبر قوة متسارعة في المنطقة والتي بدأت مؤخرًا في طرح مبادرات دبلوماسية فى منطقة الشرق الأوسط. يقول المحللون إن الرياض بحاجة إلى نهج جديد عند التعامل مع الخطر المتزايد القادم من الجانب الإيراني، خاصة بعد هجمات الطائرات المسيرة عام 2019 على منشأتين نفطيتين رئيسيتين من جانب المتمردين الحوثيين في اليمن المدعومين من إيران، حيث أثبتت الولايات المتحدة مؤخرا أنها ضامن أمني “غير فعال” خاصة بعد تشتيت قوتها في أوكرانيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ. واكتشف السعوديون أن الدبلوماسية الصينية يمكن أن تقدم حلاً يتماشى مع الضمانات الأمنية الأمريكية، حتى لا يتخلوا عن تحالفهم مع الولايات المتحدة. وبعبارة أخرى، يتجه قادة الدولة الخليجية إلى اتباع نهج جديد للاستفادة من كلتا القوتين. تعد مشاركة الصين في الاتفاق الذي أبرم بين السعودية وإيران بمثابة إشارة إلى أن المملكة العربية السعودية قررت أن تنوع سياستها الخارجية مع الحفاظ على تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، مع حقيقة أن الصين تمنح السعودية نفوذاً إضافيًا مع إيران، ولكن يُنظر إلى هذا على أنه مكمل وليس بديلاً عن الضمانات الأمنية الأمريكية.

 

وفي مايو من العام الحالى 2023، اتخذ القادة العرب قرارًا يشير إلى خطوة أخرى نحو التنويع والاستقلال في سياستهم الخارجية، فبعد تعليق عضويتها لأكثر من عشر سنوات اتخذت جامعة الدول العربية قرارًا باستعادة سوريا لمقعدها بالجامعة في خطوة تعرضت لانتقادات شديدة من جانب واشنطن. فمن جانبها، شككت الإدارة الأمريكية في رغبة الرئيس السوري بشار الأسد في حل الأزمة الناجمة عن الحرب الأهلية في بلاده. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن بلاده “متشككة في استعداد الأسد لاتخاذ الخطوات اللازمة لحل الأزمة السورية”. وذكرت وكالة بلومبرج أن العرب أعادوا قبول سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية “في تحد واضح للولايات المتحدة”. من ناحية أخرى، أعربت وزارة الخارجية الصينية عن تهنئتها بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية مرحبة بالتضامن العربي كما أعربت الصين عن مدى رضائها عن الخطوات الجديدة التي اتخذتها دول المنطقة تجاه جارتها سوريا. وبغض النظر عن الدوافع الأمريكية والصينية وراء مواقفهما، والتي ليست محورًا رئيسيًا في هذا التحليل، فإن قرار إعادة سوريا إلى الكتلة العربية يمكن اعتباره إحدى تلك الخطوات التي تحدد الواقع الجيوسياسي الجديد في الشرق الأوسط. وقد يبدو للوهلة الأولى أن هذه الخطوة تعني فقط انفصال عربي متزايد عن نفوذ واشنطن، وعلى الرغم من أن هذا يمثل بعض الأهمية، إلا أن القادة العرب اغتنموا هذا الحدث كفرصة للتأكيد على تبني السياسة الخارجية المتبعة حديثًا والنهج الجيوسياسي الجديد في منطقة الشرق الأوسط. وخلال القمة العربية التي عقدت فى جدة بالمملكة السعودية في نفس الشهر الذي استعادت فيه سوريا مقعدها بجامعة الدول العربية، وُجهت دعوة إلى الرئيس السورى بشار الأسد وأتيحت له الفرصة لإلقاء كلمة خلال القمة وصف فيها الوضع الحالي بأنه “فرصة تاريخية” للقادة العرب لإعادة ترتيب المنطقة بعيدًا عن التدخل الأجنبي في الشؤون العربية قدر الإمكان. ولم يكن الأسد هو الضيف الوحيد خلال القمة العربية التي انعقدت فى السعودية، فقد وُجهت دعوة أيضًا للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، غير أن دعوة زيلينسكي هي مجرد دعوة رمزية تهدف إلى إرسال رسالة حيادية (فحواها أن العرب على الحياد من الأزمة الروسية الأوكرانية). وبالرغم من أن الدول العربية على إدراك تام بأن هذا القرار لن يرضي واشنطن، حرص الحكام العرب على إظهار دعمهم للقضية الأوكرانية في خطوة تشير إلى توازن بين أهداف القوى العظمى والمزيد من الاستقلال في السياسة الخارجية الإقليمية.

 

اعتبر المعلقون خطأً الخطوات التي اتخذها القادة العرب على أنها رفض كامل لنفوذ واشنطن. ومع ذلك، تكشف الملاحظة الدقيقة أنه في حين أن الولايات المتحدة قد لا تتمتع بنفس المستوى من النفوذ الذي كانت تتمتع به من قبل، إلا أنها ستظل تلعب دورًا هامًا في المنطقة، وفي الوقت نفسه، تزيد الصين تدريجياً من وجودها ونفوذها في الشرق الأوسط.

 

ولطالما تعتمد واشنطن على سياسة قائمة على الأمن في المنطقة في حين يُنظر إليها على أنها حكم تدخلي وغير عادل. من جانبها، استطاعت الصين، التي انتهجت مؤخرًا دبلوماسية جديدة قائمة على سياسات عدم التدخل في شئون الآخرين، ملء الفراغ الذي تركه الأمريكيون. وقد أدى ذلك إلى خلق توازن قوى في المنطقة يسمح لدول المنطقة باتباع سياسات خارجية أكثر استقلالية. وفي الوقت الحالي، لدي الدول العربية أكثر من بديل يمهد الطريق لسياسة خارجية أكثر استقلالية. ومع ذلك، لا تهيمن أي من القوتين الأمريكية والصينية حاليًا على المشهد الإقليمي، ولا يمكن يتم تهميش أي منهما أو سيطرة أيا منهما على الأخرى … فالقوة المهيمنة منقسمة حاليًا بينهما.

المراجع

Baykar, Hamdullah. “China-U.S. Rivalry Enters a New Phase in the Middle East.” Carnegie Endowment for International Peace, 2023. https://carnegieendowment.org/sada/89789

 

Pletka, Danielle, and Dan Blumenthal. “China Won’t Replace the U.S. in the Middle East.” Foreign Policy, July 20, 2022. https://foreignpolicy.com/2022/07/20/china-us-middle-east-relations-hegemon-saudi-iran

 

Olsen, Nathan P. “Preserving U.S. Military Advantages in the Middle East.” The Washington Institute, 2023. https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/preserving-us-military-advantages-middle-east

 

Rumley, Grant. “China’s Security Presence in the Middle East: Redlines and Guidelines for the United States.” The Washington Institute, 2022. https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/chinas-security-presence-middle-east-redlines-and-guidelines-united-states

 

Dalay, Galip. “Great Power Competition in the Middle East: A Visionless Contest?” Middle East Council on Global Affairs, March 6, 2023. https://mecouncil.org/publication/great-power-competition-in-the-middle-east-a-visionless-contest

 

NATO. “NATO 2022 – Strategic Concept.” NATO 2022 – Strategic concept, 2022. https://www.nato.int/strategic-concept

 

Inman, Philip. “Is the Ukraine War Boosting or Damaging the Russian Economy?” The Guardian, April 10, 2023. https://www.theguardian.com/world/2023/apr/10/is-the-ukraine-war-boosting-or-damaging-the-russian-economy

 

Schmith, Adrian, and Hanna Sakhno. “The Recession in Russia Deepens: Evidence from an Alternative Tracker of Domestic Economic Activity.” CEPR, February 14, 2023. https://cepr.org/voxeu/columns/recession-russia-deepens-evidence-alternative-tracker-domestic-economic-activity

 

Wezeman, Pieter, Justine Gadon, and Siemon Wezeman. “TRENDS IN INTERNATIONAL ARMS TRANSFERS, 2022.” SIPRI, 2022. https://www.sipri.org/sites/default/files/2023-03/2303_at_fact_sheet_2022_v2.pdf

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *