نُشرت هذه المقالة على موقع الأهرام أونلاين بتاريخ 31 يناير 2024  

يُعد الهجوم على كنيسة سانتا ماريا في إسطنبول أول هجوم ضد تركيا يتبناه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) منذ عام 2017. وبحسب بيان التنظيم، جاء هذا الهجوم استجابةً لتوجيهات أحد قادته بالهجوم على "اليهود والمسيحيين"، ومع ذلك، لا يزال الهدف النهائي لهذا الهجوم غير واضح، وهو ما يثير تساؤلات حول صحة ادعاء داعش وهل هو بالفعل المنفذ للعملية، فبالنظر إلى العمليات الإرهابية التي شهدها العالم خلال العقد الماضي، نجد أنها شهدت ارتفاعا حاداً، إلا إن نسبة كبيرة منها تم تبنيها بصورة زائفة، فلم تكن الجماعات التي أعلنت عن مسؤوليتها عن العديد من تلك الهجمات هي التي قامت بها بالفعل، وإنما بادرت إلى هذا الإعلان سعيا منها لإثبات أهميتها وتأثيرها على السياسة الدولية، على سبيل المثال: في الفترة بين عامي 1998 و 2016، بلغت نسبة الهجمات الإهابية التي تم تبنيها بشكلٍ مزيف حوالي 16% من مجمل عدد العمليات المعلن عنها.

دوافع غامضة

لا تقتصر دوافع الهجمات الإرهابية التي يتم شنها على دوافع الإضطهاد الديني أو العرقي أو المظلوميات التقليدية، فقد يتم شن تلك الهجمات لتحقيق أهداف سياسية. لذا، تستهدف هذه التنظيمات الأقليات باعتبارها أهدافًا سهلة، كما إن صدى الهجوم عليها في الغالب سيكون مدويا، لذلك، تقع الأقليات ضحايا للعبة السلطة السياسية التي تهدف إلى وضع القادة في مواقف حرجة أمام مؤيديهم، ومع أنه غالبًا ما يُفترض أن الجهات الفاعلة التي تتبنى هجمات إرهابية أو تعلن مسؤوليتها عنها هي في الواقع من ارتكبتها أو نظمتها، إلا إن هذا ليس هو الحال دائمًا، ومن أبرز الأمثلة على ذلك هجوم يوم الباستيل في نيس بفرنسا عام 2016 والذي من المحتمل أن يكون مستندًا إلى توجيهات تنظيم داعش ولكن لم يتم تنفيذه بالتنسيق المباشر مع التنظيم، وهنالك أيضا مثال آخر وهو حادث إطلاق النار في لاس فيجاس عام 2017 والذي لا يبدو أنه تأثر بتوجيهات داعش بأي شكلٍ ملحوظ، على الرغم من أن هذا الهجوم جاء في أعقاب موافقة تركيا على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي خطوة من غير المرجح أن تلقى استحسانًا من قبل التنظيمات المتطرفة، فإن حجم الهجوم وأهدافه المحددة لا يزال من الصعب تفسيرها. وكانت الحكومة التركية قد كشفت في ديسمبر 2023 أنها اعتقلت أكثر من 300 شخصا للاشتباه بصلتهم بتنظيم الدولة الإسلامية، مما يشير إلى أنه ربما قد تم إحباط المزيد من الهجمات الإرهابية التي كان مخطط لها خلال تلك الفترة.

الإرهاب في تركيا

الدولة الإسلامية وأنشطة الجماعات الكردية السورية مثل وحدات حماية الشعب (YPG) على طول الحدود الجنوبية لتركيا إلى خلق تحديات أمنية عديدة. وقد أعربت تركيا عن مخاوفها بشأن العلاقة بين وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني، وهو جماعة كردية مسلحة دخلت في صراعٍ طويل الأمد ضد الحكومة التركية. وقبل عام 2015، شهدت تركيا هجمات نُسبت في المقام الأول إلى حزب العمال الكردستاني الذي أعلن مسؤوليته عن العديد من التفجيرات والاغتيالات وأحداث العنف الأخرى. ومع ذلك، فإن التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية كان مؤثرًا بشكلٍ خاص، حيث نفذ التنظيم هجمات كبيرة على الأراضي التركية شملت تفجيرات أنقرة عام 2015 وهجوم مطار إسطنبول عام 2016، علاوة على ذلك، أدى الصراع السوري إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى تركيا، مما خلق تحديات اجتماعية واقتصادية وأمنية واسعة النطاق.

تداعيات الهجوم

تشكل آثار الهجوم تحديًا جسيمًا لأردوغان الذي قد يواجه انتقادات واتهامات متزايدة بدعم التنظيمات الإسلامية بشكلٍ غير مباشر، وهو ما قد يؤثر على مكانة تركيا في المجتمع الدولي. كما يحمل الهجوم أيضًا آثارًا كبيرة على الديناميكيات الإقليمية، خاصةً فيما يتعلق بإسرائيل والصراع القائم في قطاع غزة لأن إعلان تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن الهجوم يغذي الروايات الإسرائيلية حول تزايد التهديد الإسلامي في المنطقة والذي كثيرًا ما يستشهد به رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ويستغله لتسليط الضوء على الدوافع المشتركة التي تدفع التعاون مع شركاء إسرائيل الدوليين، وخاصةً الحلفاء الأوروبيين. وقال نتنياهو في بيانٍ صدر عقب الهجوم الإرهابي في باريس عام 2015 “إن الإرهاب الإسلامي المتشدد يهاجم مجتمعاتنا لأنه يريد تدمير حضارتنا وقيمنا”. وقد تستخدم إسرائيل هذا الهجوم استراتيجيًا للتأكيد على المخاطر المتصورة التي تشكلها الجماعات الإسلامية مثل حماس وتبرير عملياتها العسكرية في غزة كردٍ على هذا التهديد الأمني الإقليمي الأوسع وتعزيز موقفها على الساحة العالمية.

 

وفي الوقت نفسه، فإن تجدد التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية قد يجبر تركيا وربما دولًا أخرى في المنطقة على إعادة توجيه اهتمامها نحو قضايا الأمن القومي وإبعاد أنظارها عما تفعله إسرائيل في قطاع غزة والاهتمام بالتهديدات الإقليمية الأخرى، حيث يشير أيضا الهجوم على قاعدةٍ عسكرية أمريكية على الحدود بين سوريا والأردن والعواقب المترتبة عليه إلى هذا التحول المحتمل في الصراع.

المراجع

Kearns, Erin M. “When to Take Credit for Terrorism? A Cross-National Examination of Claims and Attributions.” Terrorism and Political Violence 33, no. 1 (January 29, 2019): 164–93. https://doi.org/10.1080/09546553.2018.1540982

 

“More than 300 People Arrested in Turkey for Alleged ISIS Links.” Euronews, December 22, 2023. https://www.euronews.com/2023/12/22/more-than-300-people-arrested-in-turkey-for-alleged-links-to-isis

 

“PM Netanyahu’s Statement after the Terrorist Attacks in Paris.” Government of Israel, November 14, 2015. https://www.gov.il/en/departments/news/statement-by-pm-netanyahu-7-oct-2023

 

“Turkey Arrests 47 Alleged Is Members over Istanbul Church Attack.” Euronews, January 29, 2024. https://www.euronews.com/2024/01/29/turkey-arrests-47-alleged-is-members-over-istanbul-church-attack

الكلمات الدالة

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *