كتب بواسطة

أثار الإعلان الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة -أنطونيو غوتيريش- بتاريخ 17 يناير 2023 بشأن حرمان لبنان وثمان دول أخري من حقها في التصويت بالأمم المتحدة عدة تساؤلات بشأن المعايير التي بني على أساسها هذا القرار، وبالنظر إلى القائمة التي تم حرمانها من حق التصويت نجد أن هناك روابط مشتركة تربط هذه الدول ببعضها البعض، ويأتي على رأسها أن هذه الدول تعاني من أزمات اقتصادية وسياسية مثل لبنان وجنوب السودان والصومال، والبعض الأخر يعاني من عقوبات اقتصادية عصفت باقتصاد البلاد مثل فنزويلا، ويثير قرار الحرمان إلى أهمية الربط بين العدالة والديمقراطية مما يطرح تساؤل هل حقوق الدول رهن بالإمكانيات المالية لها؟ وهل لا يجوز للدول الفقيرة والمتعثرة التعبير عن آرائها في المحافل الدولية؟ على الرغم من أن هناك العديد من الدول التي قامت وتقوم بانتهاكات للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة ولم يتم حرمانها من حق التصويت، أضف إلى ما سبق أن الأمم المتحدة هي المنتدى العالمي الرئيسي الذي تهدف الدول من خلاله إلى تسوية نزاعاتها دون اللجوء إلى الصراع، حيث تحتاج الدول إلى أن تكون جزءًا من هذا الكيان من أجل إيصال أصواتها إلى المجتمع الدولي، فإذا ما تم استبعادها سيقع على عاتقها منفردة بناء تحالفات فعالة والبحث عن مصادر بديلة للتواصل مع باقي المجتمع الدولي، ويهدف التحليل الراهن إلى تقييم النصوص والإجراءات التي على أساسها تم حرمان الدول التسع من حقها في التصويت للوقوف على الأسباب الرئيسية وراء القرار، وكيفية استعادة الدول المحرومة حقها في التصويت مرة أخري.

متي يتم إيقاف عضوية الدول أو حرمانها من التصويت؟

أولاً: وفقاً لأحكام القانون الدولي العام

تنتهي عضوية الدولة من المنظمة الدولية بالانسحاب من المنظمة أو باستبعادها من المنظمة، أو بانقضاء الشخصية الاعتبارية للدولة أو بانقضاء المنظمة الدولية ذاتها.

ثانياً: وفقاً لميثاق الأمم المتحدة

ينص ميثاق الأمم المتحدة في الفصلين الثاني والرابع على بعض النصوص التي تؤدي إلى إيقاف عضوية الدول الأعضاء وحرمانها من التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

1. أحكام الفصل الثاني من الميثاق

 

ينص ميثاق الأمم المتحدة في المادة الخامسة والسادسة على إيقاف عضوية الدول وفقاً لما يأتي:

 

أ- اتخاذ مجلس الأمن قِبَله عملاً من أعمال المنع أو القمع، عن مباشرة حقوق العضوية ومزاياها، ويكون ذلك بناءً على توصية ‏مجلس الأمن، ولمجلس الأمن أن يرد لهذا العضو مباشرة تلك الحقوق والمزايا.

 

ب- إذا أمعن عضو من الأعضاء في انتهاك مبادئ الميثاق جاز للجمعية العامة أن تفصله من الهيئة بناءً على توصية مجلس الأمن

 

2. أحكام الفصل الرابع من الميثاق

ينص ميثاق الأمم المتحدة في فصله الرابع المادة التسعة عشر على الآتي: ” لا يكون لعضو الأمم المتحدة الذي يتأخر عن تسديد اشتراكاته المالية في الهيئة حق التصويت في الجمعية العامة إذا كان المتأخر عليه مساوياً لقيمة الاشتراكات المستحقة عليه في السنتين الكاملتين السابقتين أو زائداً عنها، وللجمعية العامة مع ذلك أن تسمح لهذا العضو بالتصويت إذا اقتنعت بأن عدم الدفع ناشئ عن أسباب لا قبل للعضو بها” ، ويعنى ذلك إذا كانت متأخرات العضو تساوي أو تزيد عن المبلغ الذي كان يجب دفعه خلال العامين السابقين كاملين (2021-2022)، يفقد العضو حقوق التصويت الخاصة به. واعتبارا من 25 يناير 2023، خضعت ثمان دول أعضاء لأحكام المادة التسعة عشر من الميثاق نظراً لتخلفها عن سداد الاشتراكات المقررة عليها وهي :

1. جزر القمر
2. جنوب السودان
3. سان تومي وبرينسيبي
4. الصومال
5. غابون
6. فنزويلا (جمهورية – البوليفارية)
7. لبنان
8. غنيا الاستوائية

استعادة الدول حق التصويت مرة أخري في الأمم المتحدة

الحالة الأولي: سداد الحد الأدنى من قيمة الاشتراكات المتأخرة على كل دولة

وفقاً لرسالة الأمين العام للأمم المتحدة 17 يناير 2023 والتي أشارت إلى خضوع تسع دول أعضاء لأحكام المادة (19) من ميثاق الأمم المتحدة “ولا تستعيد الدول حق التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلا بعد تسديد المبلغ المطلوب لحفظ حقوق البلد في الأمم المتحدة”، قامت كلاً من دومينيكا وغينيا الاستوائية بسدد المتأخرات الخاصة بالعضوية بتاريخ 25 يناير 2023، 3 فبراير 2022 بالترتيب وفقاً للجدول المرفق.

الحالة الثانية: ما يُعد "ظروف استثنائية

الحالة الثانية  تكون الدولة غير قادرة على سداد الدين المستحق لظروف خارجة عن إرادتها، وفي هذه الحالة يمكن لأي بلد أن يستمر في التصويت، مثلما سمحت الجمعية العامة للأمم المتحدة استثنائياً (في قرارها الصادر بتاريخ 07 أكتوبر 2022) لكل من جزر القمر وساو تومي وبرينسيبي والصومال للمرة الثانية بالتصويت في الجمعية العامة حتى نهاية الدورة 77 تحت بند “بسبب ظروف خارجة عن إرادة العضو”،  وعلى الرغم من تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في لبنان وجنوب السودان لم يتم استثنائها، مما يشير إلى الازدواجية في المعايير والقرارات لدي الأمم المتحدة.

 

 

ختاماَ؛ لا أحد يُنكر دور الأمم المتحدة وأهمية التصويت في ساحاتها وخاصة في القضايا العالمية التي تخص الدول التي تمر بأزمات سياسية واقتصادية، وما قد ينتج عنه حرمان هذه الدول من التصويت في أروقة الأمم المتحدة على قرارات مصيرية تخصها، وتشترك الدول التسع في أزمات سياسية واقتصادية تحد من قدرتها على سداد متأخراتها، على الرغم من حرصها على السداد، ووجود قضايا تمسها بشكل أو بآخر قد تحتاج إلى التصويت عليها، وهو ما يضعف من موقفها في الساحة الدولية، هذا هو ما جعل قرار حرمان بعض الدول من حق التصويت نتيجة العجز عن سداد المستحقات غير عادل ودليل علي ازدواجية المعايير، مع العلم أن هناك العديد من الدول التي تنتهك ميثاق الأمم المتحدة – وفقاً للمادة الخامسة والسادسة من الفصل الثاني للميثاق والذي يشير إلى أنه “إذا أمعن عضو من أعضاء الأمم المتحدة في انتهاك مبادئ الميثاق؛ جاز للجمعية العامة أن تفصله من الهيئة بناءً على توصية مجلس الأمن” – ولم يتم معاقبتها أو حتي حرمانها من التصويت كما هو الحال مع التسع دول.

المراجع

الأمم المتحدة. (17 يناير 2023 (. جدول الأنصبة المقررة لقسمة نفقات الأمم المتحدة. الأمم المتحدة. تم الاطلاع بتاريخ 5 فبراير 2023، متاح على الرابط الاتي:  https://www.un.org/en/delegate/page/un-official-documents

 

الأمم المتحدة.  ميثاق الأمم المتحدة (النص الكامل) | الأمم المتحدة، تاريخ الاطلاع 5 فبراير 2023، متاح على الرابط الاتي: https://www.un.org/ar/about-us/un-charter/full-text

 

الأمم المتحدة. الدول الأعضاء المتأخرة عن سداد اشتراكاتها – الجمعية العامة للأمم المتحدة. تم الاطلاع 5 فبراير 2023، متاح على الرابط الاتي:  https://www.un.org/ar/ga/about/art19.shtml

 

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *