في يوم 28 يوليو 2025، وخلال مؤتمر صحفي مشترك في اسكتلندا بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، أعلن ترامب بشكل مفاجئ أنه يمنح روسيا مهلة جديدة لا تتجاوز عشرة إلى اثني عشر يومًا (حتى 8 أغسطس 2025 تقريبًا) لإحراز تقدم نحو إنهاء الحرب في أوكرانيا، مهددًا بأنه في حال عدم الاستجابة سيواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حزمة عقوبات اقتصادية وقيود تجارية مشددة. وجاء هذا التصعيد بعد فترة من المحاولات الدبلوماسية غير المثمرة والتعبير المتكرر من ترامب عن استيائه من بوتين لاستمراره في العمليات العسكرية.
لاحقًا، وفي 31 يوليو 2025، رد نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، ديمتري ميدفيديف (الرئيس الروسي السابق)، بتصريحات حادة عبر قناته على تليغرام، مذكِّرًا ترامب بما أسماه "خطر اليد الميتة"، أي نظام الردع النووي الروسي شبه الآلي المصمم لضمان توجيه ضربة انتقامية نووية حتى في حال القضاء التام على القيادة الروسية. وقد أثار هذا الرد قلق الإدارة الأميركية، ورد ترامب بتحريك غواصتين نوويتين أميركيتين إلى مناطق استراتيجية تحسبًا لأي تصعيد محتمل، مؤكدًا أن التهديدات النووية "خطيرة للغاية" ويجب التحسب لها بقوة.
الرد الأميركي لم يتأخر. ففي الأول من أغسطس، نشر ترامب تدوينة جديدة على منصة "تروث سوشيال"، أكد فيها أنه وجّه أوامر مباشرة بنشر غواصتين نوويتين أميركيتين قرب المياه الإقليمية الروسية. ولم يُفصح الرئيس الأميركي ما إذا كانت الغواصات مزودة برؤوس نووية أم لا، تاركًا الباب مفتوحًا أمام أكثر السيناريوهات غموضًا، في خطوة محسوبة ضمن منطق الردع النووي الاستباقي.
لكن اللافت أن هذا التصعيد لم يبقَ محصورًا في المجال الروسي–الأميركي فقط، بل اتسعت دائرته لتطال الهند، التي وُضعت فجأة في قلب العاصفة. ففي 31 يوليو، أعلن ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 25٪ على كل الصادرات الهندية إلى الولايات المتحدة، وهدد بعقوبات إضافية تطال الشركات التي تواصل استيراد النفط أو بيع الأسلحة مع موسكو. جاءت هذه الخطوة بسبب اعتماد نيودلهي المتزايد على الخام الروسي، والذي بات يُشكل بين 35 و40٪ من احتياجاتها النفطية.
ومع أن الحكومة الهندية لم تُعلن رسميًا التراجع عن التعاقدات الروسية، فإن تعليمات غير مكتوبة صدرت إلى شركات التكرير الوطنية بالبحث الفوري عن بدائل في السوق العالمية، وبدأت فعلاً بوادر التحوّل تظهر، من دون أن تصل إلى حدّ القطيعة الكاملة مع روسيا، في محاولة لإرضاء الطرفين دون خسارة أيٍّ منهما.
غير أن التوتر هنا لا ينحصر فقط في لعبة التهديدات والمواقف. فالأزمة الناشئة بدأت ترسم موجات ارتدادية هائلة تتجاوز السيادة والردع، وتصل إلى قلب الأسواق العالمية. من الطاقة إلى الغذاء، ومن السلاح إلى سلاسل الإمداد، يشهد العالم اختلالًا متسارعًا في التوازنات، سيصُبّ لصالح بعض دول الشرق الأوسط التي ستستفيد من ارتفاع الطلب، بينما ستتضرر أخرى بشدة، سواء بفعل الأسعار أو بفعل خنق ممرات التجارة أو تقلبات التمويل.
يتتبّع هذا المقال بدقة أثر هذا التصعيد الجيوسياسي على أسواق الطاقة العالمية، مع التركيز على السيناريوهات المحتملة في حال استمر الضغط الأميركي وواصلت الهند تقليص اعتمادها على النفط الروسي. إذ تُعدّ الهند، بحجم استهلاكها وقدرتها على المناورة بين الموردين، فاعلًا مرجِّحًا في معادلة العرض والطلب، وتحوّلها المفاجئ نحو أسواق الخليج أو أميركا اللاتينية لا يُعيد فقط تشكيل الجغرافيا التجارية للنفط، بل يُحدث موجة مضاعفة من التأثيرات تمتد إلى الاقتصادات العربية ذات العلاقة العضوية بأسواق الطاقة. في هذا السياق، يرصد المقال الفرص والتحديات التي تواجه دول الخليج بوصفها بديلًا استراتيجيًا للمصدر الروسي.
تتصدّر الهند مشهد التوترات الجيوسياسية الراهنة بوصفها فاعلًا محوريًا يقع في قلب صراع الكبار، إذ تجد نيودلهي نفسها مُطالبة بموازنة غير مسبوقة بين شراكتها التاريخية مع موسكو وتحالفها الآخذ في التوسع مع واشنطن. هذه الثنائية لم تعد ترفًا استراتيجيًا كما كانت لعقود، بل تحوّلت إلى اختبار حاد لمفهوم “الاستقلال الاستراتيجي” الذي لطالما تبنّته السياسة الخارجية الهندية. وقد تمحور جوهر هذا المأزق حول اعتماد الهند المتنامي على واردات النفط الروسي، والذي بلغ ذروته خلال السنة المالية 2025، حين استوردت الهند 87.4 مليون طن من الخام الروسي، بقيمة تجاوزت 50 مليار دولار، ما مثّل حوالي 36٪ من إجمالي وارداتها النفطية البالغة 244 مليون طن.
تُشير البيانات إلى أن روسيا تفوقت في بعض الشهور على كبار موردي النفط للهند، إذ وصلت حصة الخام الروسي في يونيو 2025 إلى 43.2٪ من إجمالي الواردات، بمعدل 2.08 مليون برميل يوميًا، متجاوزة بذلك إجمالي واردات الهند من العراق والسعودية والإمارات مجتمعة. وقد جاءت هذه القفزة نتيجة التسهيلات السعرية الروسية في أعقاب العقوبات الغربية، ما أتاح لنيودلهي الحصول على خصومات هائلة خففت من وطأة التضخم الداخلي ودعمت استقرار الميزان التجاري.
كانت مُحصلة ذلك أن قفز حجم التبادل التجاري الثنائي إلى 68.7 مليار دولار في العام المالي 2025، بعدما كان قبل الجائحة دون 12 مليار دولار، وشكّلت واردات النفط الروسي العامل الحاسم في هذا النمو. ارتفعت حصة روسيا من واردات النفط الهندية من 0.2% فقط قبل الحرب إلى ما بين 35% و40%، وقد تجسدت هذه الشراكة في اتفاق ضخم وقّعته شركة “ريلاينس إندستريز” في ديسمبر 2023، ينص على استيراد 500 ألف برميل يوميًا من النفط الروسي لمدة عشر سنوات، بقيمة تُقدَّر بنحو 13 مليار دولار سنويًا.
إلا أن هذا الانخراط العميق في السوق الروسي أثار امتعاضًا أميركيًا متصاعدًا، تُرجم في 1 أغسطس 2025 إلى رسوم جمركية بنسبة 25٪ على جميع الصادرات الهندية إلى الولايات المتحدة، مصحوبة بتهديدات بعقوبات ثانوية تطال الشركات الهندية المتعاملة مع موسكو في مجالي الطاقة والدفاع. وقد اعتبرت واشنطن أن استمرار نيودلهي في دعم الاقتصاد الروسي في ظل الحرب يُقوّض منطق العزل الغربي لموسكو ويُضعف مسار الردع الجماعي.
لم تُعلن الحكومة الهندية عن أي تغيير رسمي في سياستها، لكنها حرّكت خيوطها الخلفية. فقد صدرت تعليمات غير معلنة إلى الشركات الوطنية مثل Indian Oil وBharat Petroleum وHPCL بضرورة خفض الاعتماد على الخام الروسي في السوق الفوري. وقد انعكس ذلك فعليًا في تراجع الواردات الروسية في يوليو بنسبة 22–27٪ لتبلغ حوالي 1.5 مليون برميل يوميًا، وهو أدنى مستوى منذ فبراير 2025. بالمقابل، ارتفعت واردات الهند من النفط الأميركي بنسبة 23٪ في نفس الشهر، واستعادت دول الخليج تدريجيًا جزءًا من حصصها السوقية.
رغم ذلك، احتفظت شركات التكرير الخاصة مثل Reliance Industries وNayara Energy—المملوكة جزئيًا لشركة Rosneft الروسية—بعقودها طويلة الأجل، مما مكّن نيودلهي من إرسال إشارات مزدوجة: استجابة ظاهرية للضغط الأميركي من جهة، وعدم قطع شعرة معاوية مع موسكو من جهة أخرى. يُعبّر هذا الانقسام المقصود بين الشركات الحكومية والخاصة عن سياسة متأنية، تهدف إلى تقليص المخاطر دون المجازفة بخسارة أحد المحورين.
ما يتكشّف من خلال هذا السياق هو أن السياسة النفطية الهندية لم تعد مجرد خيار اقتصادي، بل أضحت معادلة أمن قومي. فالاعتماد المكثّف على مصدر وحيد أثبت في لحظة الأزمة أنه ليس فقط عرضة للعقوبات، بل قابل للتحوّل إلى أداة ابتزاز استراتيجي. وهكذا، تُدفع الهند، بحجمها ودورها، نحو لحظة حسم قد تعيد تشكيل موقعها داخل النظام العالمي الذي يُعاد ترتيبه في ضوء المواجهة المفتوحة بين واشنطن وموسكو.
تكشف ديناميكيات قطاع النفط الهندي خلال منتصف عام 2025 عن تحولات بنيوية دقيقة، يتقاطع فيها القرار الاقتصادي مع ضرورات التموضع الجيوسياسي. وبينما تُصرّ الحكومة الهندية علنًا على تمسّكها بمبدأ “الاستقلال في اتخاذ القرار الطاقي”، تُظهِر بيانات السوق وسلوك الشركات أن الضغط الأميركي قد بدأ يُحدث أثرًا ملموسًا، خصوصًا في أنماط الشراء المعتمدة لدى كبرى شركات التكرير المملوكة للدولة.
تُبيّن الأرقام أن واردات الهند من النفط الروسي بلغت ذروتها في يونيو 2025، حين استوردت نيودلهي 2.08 مليون برميل يوميًا من الخام الروسي، أي ما يعادل 43.2٪ من إجمالي وارداتها الشهرية، متجاوزة بذلك كل من العراق والسعودية والإمارات مجتمعين. وقد شكّل هذا المستوى من الاعتماد سابقة غير معهودة، خصوصًا إذا قيس بمستوى ما قبل الحرب الأوكرانية حين لم تتجاوز حصة روسيا من سوق النفط الهندي 2٪. بلغ إجمالي ما استوردته الهند من النفط الروسي في السنة المالية 2025 نحو 87.4 مليون طن، بقيمة تخطت 50 مليار دولار، ضمن إجمالي واردات نفطية بلغ 244 مليون طن.
مع اشتداد التصعيد بين واشنطن وموسكو، بدأت تظهر إشارات انفصال تدريجي بين الموقف الرسمي المعلن للهند، القائم على خطاب التحدي ورفض الإملاءات الغربية، وبين ممارسات السوق التي تكشف خضوعًا جزئيًا لمعادلات الضغط الخارجي. فعلى الرغم من أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية، راندهير جايسوال، نفى صدور أي تعليمات حكومية لوقف شراء النفط الروسي، إلا أن تقارير موثوقة من السوق أشارت إلى أن أربع من كبرى شركات التكرير التابعة للدولة—Indian Oil Corporation (IOCL)، وBharat Petroleum Corporation (BPCL)، وHindustan Petroleum Corporation (HPCL)، وMangalore Refinery and Petrochemicals Ltd (MRPL)—أوقفت فعليًا مشترياتها من الخام الروسي في السوق الفوري مع نهاية يوليو.
هذا التراجع لم يأتِ من فراغ، بل جاء في أعقاب إعلان ترامب في الأول من أغسطس عن ربط العقوبات التجارية الأميركية المباشرة على الهند باستمرار التبادلات النفطية مع موسكو. وقد أدى هذا التغيير إلى انخفاض واردات النفط الروسي في يوليو بنسبة تتراوح بين 22٪ و27٪، لتتراجع إلى متوسط 1.5 مليون برميل يوميًا، وهو أدنى مستوى منذ فبراير من العام نفسه. في المقابل، ارتفعت واردات النفط الأميركي إلى 8٪ من السوق الهندي، مسجّلة زيادة شهرية نسبتها 23٪.
مع ذلك، بقيت شركات القطاع الخاص خارج هذا الانكماش النسبي. حافظت كل من Reliance Industries وNayara Energy—والأخيرة تملك شركة Rosneft الروسية حصة مؤثرة فيها—على التزاماتها التعاقدية الطويلة الأجل مع موسكو، مما أتاح للهند هامشًا للمناورة عبر تبني سياسة ذات مستويين: أولها امتصاص الضغوط الغربية عبر الحدّ من الصفقات السريعة التي تتم في السوق الفوري، وثانيها الحفاظ على البنية التحتية طويلة الأجل للتعاون مع روسيا من دون انهيار.
هذا التمايز المُتعمّد بين أذرع الدولة والقطاع الخاص لا يمكن قراءته إلا بوصفه آلية تكتيكية لصياغة استجابة مزدوجة: واحدة تستجيب للضغوط الأميركية بقدر محسوب، وأخرى تُبقي على الخيوط الاستراتيجية مع موسكو ممدودة. وبذلك، تُكرّس الهند نموذجًا لما يمكن تسميته بـ”الاستجابة البينية” التي تقطع الطريق أمام المواجهة المفتوحة، دون أن تدخل في دائرة التبعية التامة لأيٍّ من القوتين.
جدول 1- التحول في مصادر استيراد النفط الخام إلى الهند بين عام 2022 و2025، مع رصد ذروة الاعتماد على النفط الروسي وتراجع الحصة بعد الضغوط الأميركية
دولة التوريد | السنة المالية 2022 (ما قبل الحرب) | السنة المالية 2025 (ذروة الاعتماد على روسيا) | يونيو 2025 (الذروة الشهرية) | يوليو 2025 (ما بعد الضغط الأميركي) |
روسيا | أقل من 2٪ | 36٪ (87.4 مليون طن / ≈ 50 مليار دولار) | 43.2٪ (2.08 مليون برميل/يوم) | ≈ 33٪ (حوالي 1.5 مليون برميل/يوم) |
العراق | المورّد الأول | تراجع في الترتيب لصالح روسيا | ضمن أقل من 40٪ مع السعودية والإمارات | زيادة بنسبة 10٪ مقارنة بيونيو |
السعودية | المورّد الأول | تراجع في الترتيب لصالح روسيا | ضمن أقل من 40٪ مع العراق والإمارات | غير متوفرة |
الولايات المتحدة | حصة منخفضة | ارتفاع تدريجي في الحصة | غير محددة | 8٪ من السوق (زيادة بنسبة 23٪) |
الشرق الأوسط (إجماليًا) | الحصة المهيمنة | تراجع في الحصة لصالح روسيا | حوالي 40٪ (2.0 مليون برميل/يوم) | حصة آخذة في الارتفاع |
ما يتكشف في هذا السياق ليس فقط تحوّلًا في نمط الاستيراد، بل إعادة ترسيم لحدود القرار الطاقي نفسه. لقد أصبحت مصفاة النفط، كما المنصة الدبلوماسية، ساحة لتسجيل المواقف وتعديل التوازنات. وبينما تُظهِر الهند مرونة محكومة، فإن هذه المرحلة الانتقالية لن تطول كثيرًا، وستُجبر نيودلهي في نهاية المطاف على صوغ تموضع أكثر حسمًا، في عالم لا يترك هامشًا طويلًا للمناورات الرمادية.
يُنتج التصعيد الثلاثي بين الولايات المتحدة وروسيا والهند ارتدادات عنيفة في بنية أسواق الطاقة العالمية، إذ لم تعد المسألة محصورة في تدفقات النفط الخام أو تسعير العقود الآجلة، بل باتت تمس جوهر التوازن بين العرض والطلب العالميين، وتعيد ترتيب أدوار الدول الكبرى والمستوردة على حد سواء. حيث أن مجرد ازدياد المخاطر الجيوسياسية المرتبطة بالصراع كفيل بدفع سعر خام برنت في المدى القصير إلى مستوى 80 دولارًا للبرميل، حتى دون تغيّر فعلي في كميات المعروض.
لكن السيناريو الأخطر لا يكمن في هذا الارتفاع التكتيكي، بل في إمكانية حدوث اضطراب هيكلي إذا نجحت الضغوط الأميركية في إخراج كميات كبيرة من النفط الروسي من منظومة التجارة العالمية. تُصدّر روسيا نحو 5 ملايين برميل يوميًا من الخام، ما يجعلها أحد أعمدة السوق البحرية العالمية. وإذا تم تقييد هذه الكميات أو إزاحتها قسرًا، فإن النماذج التنبؤية ترجّح ارتفاعًا محتملًا في أسعار النفط إلى 100 أو حتى 120 دولارًا للبرميل. يُحذّر وزير النفط الهندي، هارديب سينغ بوري، من أن تجاوز هذا العتبة قد يقود إلى مستويات تتراوح بين 130 و140 دولارًا للبرميل، إذا لم يُعالَج النقص ببدائل حقيقية.
تدعم هذه الرؤى قراءات كمية صادرة عن مؤسسات بحثية مرموقة، منها معهد بروكنغز، الذي أظهر أن مجرد تقليص صادرات روسيا بنسبة 10٪ يؤدي إلى زيادة تُقدَّر بـ 6 دولارات في سعر برنت، بينما يرفع تقليص بنسبة 20٪ السعر بنحو 11 دولارًا. لا يقتصر أثر ذلك على قطاع الطاقة، بل يمتد إلى موجات تضخمية عالمية ترفع كلفة الإنتاج والتوريد، وتزيد من احتمال دخول الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في حالة ركود اقتصادي بفعل ما يُعرف بتأثير “الارتداد الانكماشي” للعقوبات.
من جانب آخر، تُظهر البيانات أن الهند لعبت، منذ العام 2022، دورًا حاسمًا في امتصاص فائض النفط الروسي الذي عُزل من أسواق الغرب. بفضل استيرادها ما يتراوح بين 1.5 و2 مليون برميل يوميًا، جنّبت الهند العالم أزمة توريد حادة. وقد أشار الوزير بوري إلى أن غياب هذا الدور كان سيقود إلى انهيار حاد في استقرار السوق العالمي.
لكن إذا انسحبت الهند اليوم، ولو جزئيًا، من هذا الدور كـ” ملاذ أخير للنفط الروسي”، فإن ملايين البراميل اليومية ستُعاد ضاغطة على السوق، وستُجبر روسيا إما على إيجاد مشترين جدد بشروط خاسرة، أو على خفض الإنتاج بما يُهدد بنية السوق ذاتها. في هذه الحالة، تتحوّل الهند من “صمام استقرار” إلى “عامل اختلال”، وتُصبح قراراتها الطاقية ذات أثر يُعادل قرارات الإنتاج في دولة أوبك متوسطة الحجم.
في المقابل، يبقى الأمل في قدرة “أوبك+” على ملء الفراغ الناتج عن هذا التراجع الروسي، غير أن ذلك محفوف بعقبات. أولها أن الطاقة الاحتياطية داخل المنظمة محدودة، وتكاد تتركز في السعودية والإمارات، حيث تتراوح التقديرات بين 2 إلى 3 ملايين برميل يوميًا كحد أقصى. ثانيًا، يُعاني التحالف من اختلالات مزمنة في الالتزام بالحصص، حيث دأبت دول مثل العراق وكازاخستان وروسيا نفسها على تجاوز حدودها الإنتاجية المقرّرة. هذا التراخي يجعل من الصعب تنسيق استجابة سريعة وفعّالة لصدمة كبيرة في الإمدادات.
حتى في حال قررت الرياض وأبوظبي ضخ كميات إضافية بشكل أحادي، فإن عملية الوصول إلى السوق ستتطلب وقتًا، ما يخلق فجوة زمنية خطرة تُعرّض السوق لمزيد من التقلبات. الأخطر من ذلك أن ضخ هذه الكميات سيستنزف الفائض العالمي المتبقي، ويترك السوق هشًا أمام أي اضطراب لاحق—سواء كان ناتجًا عن أزمة جيوسياسية أو فنية.
تشهد منظومة الطاقة العالمية اليوم إعادة تموضع جذرية، تتسارع بفعل التصعيد الثلاثي بين واشنطن وموسكو ونيودلهي. وفي قلب هذه التحولات، يجد الشرق الأوسط نفسه أمام مفترق بالغ الحساسية، حيث تتقاطع مكاسب محتملة للدول المنتجة مع مخاطر بنيوية على استقرار السوق، وتتعزز المنافسة داخل آسيا مع تصاعد الديناميات التحولية في النظام النقدي للطاقة.
سيؤدي توقف شركات التكرير الوطنية الهندية عن شراء النفط الروسي في السوق الفوري إلى خلق فجوة فورية في سوق ضخم ومستقر. وبما أن روسيا كانت قد استحوذت على ما يقرب من 40% من الواردات الهندية بحلول منتصف 2025، فإن انسحابها النسبي ترك فرصة نادرة للدول المنتجة في الخليج لاستعادة جزء من حصتها التاريخية.
إذ تتمتّع السعودية والإمارات والعراق بعدة مزايا تنافسية تجعلها الأوفر حظًا في استغلال هذا الفراغ: أولًا، ترتبط هذه الدول بعلاقات طويلة الأمد مع شركات التكرير الهندية، وتشغّل سلاسل إمداد عالية الكفاءة تتوافق مع المواصفات التقنية للمصافي الهندية. ثانيًا، ركّزت هذه الدول استراتيجياتها التصديرية أساسًا على السوق الآسيوي، حيث تذهب 70% من صادرات السعودية من النفط الخام إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتُعدّ الهند من أبرز مستورديها. ثالثًا، سجّلت التجارة بين الإمارات والهند نموًا بنسبة 33% بعد دخول اتفاق الشراكة الاقتصادية الشاملة (CEPA) حيز التنفيذ.
لا تقتصر هذه الفرصة على المكاسب التجارية المباشرة، بل تمتد إلى الفضاء الاستراتيجي بعيد المدى. فالدول الخليجية، في حال أظهرت قدرة على تلبية احتياجات الهند الطاقية بموثوقية أعلى من روسيا، قد تتمكن من ترسيخ نفسها كمورد استراتيجي دائم، وهو ما يُترجَم لاحقًا في شكل عقود توريد طويلة الأجل، واستثمارات مشتركة في التكرير والبتروكيماويات، وربما في مشاريع الطاقة المتجددة.
رغم أن عودة الطلب الهندي على نفط الشرق الأوسط تمثّل مكسبًا فوريًا، إلا أن تداعياته في حال اقترن بارتفاع حاد في الأسعار قد تُهدد التوازنات الكلية للسوق. فإذا ارتفع سعر برميل النفط فوق 100 دولار نتيجة انسحاب روسيا الجزئي أو الكامل من السوق الهندية، فإن الدول المنتجة في الخليج ستحقق مكاسب مالية ضخمة تُسهم في دعم موازناتها وبرامجها التنموية، وعلى رأسها “رؤية السعودية 2030”.
لكن تلك العائدات الإضافية قد تتحوّل سريعًا إلى عامل تهديد إذا تجاوزت الأسعار المستويات التي تستطيع الأسواق استيعابها. ارتفاع أسعار النفط بشكل مفاجئ ومستدام يُعرّض الدول المستوردة، لا سيما في جنوب آسيا وأفريقيا، إلى ضغوط تضخمية خانقة. كما يدفع الدول الصناعية الكبرى لتسريع تحوّلها نحو مصادر طاقة بديلة، ما قد يؤدي إلى تآكل الطلب طويل الأجل على النفط. ومن ثمّ، فإن “الوفرة النفطية” قد تتحوّل من فرصة إلى فخ إذا لم تُدار ضمن منطق استقرار السوق، وهو ما يُعيد إلى الذاكرة دروس 2008 و2014.
يُضاف إلى ذلك أن تقلب الأسعار يُعقّد من تخطيط الموازنات الخليجية ويُضعف قدرتها على توظيف الفوائض في مشاريع بعيدة المدى. فبينما تسعى السعودية والإمارات إلى تنويع اقتصادي فعّال، يظل الاعتماد على عائدات النفط عاليًا، ما يجعل هذه الدول رهينة لتقلبات هيكلية في سوق طاقة لم تعد خاضعة لتوازنات العرض والطلب وحدها، بل للقرارات الجيوسياسية المُعسكرة.
تتجه أزمة الطاقة الراهنة إلى إعادة تشكيل خرائط التحالفات والتنافس في السوق الآسيوي، الذي يُعد المحور الاستراتيجي الأهم في مستقبل الطلب على النفط. ومع انسحاب تدريجي للهند من السوق الروسي، واشتداد التنافس بين الدول الخليجية على الحصة الهندية، تزداد حدة السباق داخل آسيا.
في المقابل، ستضطر روسيا إلى تقديم خصومات أعمق لإغراء مشترين جدد—في مقدمتهم الصين—بما يفتح المجال لصراع تسعيري مستدام يُضعف العائدات العامة ويخلق حالة من “تطييف السوق”. في الوقت نفسه، ستُسارع الهند وغيرها من الاقتصادات الآسيوية إلى تنويع مصادرها عبر أميركا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، في محاولة لتقليص الاعتماد على أي شريك واحد.
وعلى مستوى أعمق، تُسرّع هذه الأزمة تحوّلًا بنيويًا في النظام النقدي للطاقة. فمع تزايد استخدام روسيا للعملات البديلة والرقمية في تعاملاتها النفطية مع الصين والهند، وتزايد حديث دول الخليج عن اعتماد عملات محلية أو آسيوية في التسوية التجارية، تُطرح علامات استفهام كبرى حول مستقبل هيمنة الدولار في تجارة الطاقة. فبينما تسعى الولايات المتحدة إلى فرض هيمنتها عبر الأدوات المالية، تُنتج هذه المحاولات ردود فعل معاكسة تُعجّل بولادة نظام طاقة متعدد العملات، ومن ثمّ أكثر تعددية وأقل استقرارًا.
خلاصة القول إذن أن الشرق الأوسط، وفي القلب منه الدول الخليجية المنتجة للطاقة، لم يعد مجرد طرف يتأثر بمآلات المواجهة بين القوى الكبرى، بل أصبح عنصرًا فاعلًا ومُعادِلاً ضمن معادلة طاقة عالمية يعاد تشكيلها تحت وطأة التصعيد بين واشنطن وموسكو، وإعادة تموضع قوى صاعدة كالهند. هذه المكانة الجديدة ليست منحة ظرفية، بل امتحان لمدى قدرة هذه الدول على تحويل الوفرة المؤقتة إلى نفوذ مستدام، وتحويل التقلبات البنيوية إلى فرص.
ذلك أن مكاسب اللحظة، مهما بلغت من ضخامة مالية، تبقى رهينة إدارة ذكية للهشاشة السوقية التي يفرضها الاعتماد المفرط على تسعير متقلب، وعلى مستوردين تخضع تحركاتهم لضغوط خارجية. فأسواق النفط لم تعد تتحرك بمنطق الاقتصاد وحده، بل تخضع لتموجات التحالفات السياسية، والتسويات البنكية، والصراعات على النفوذ النقدي. ومن ثمّ، فإن مستقبل الخليج لا يُقاس فقط بحصته من السوق، بل بقدرته على فهم هذا التداخل، والمناورة داخله دون أن يتحوّل إلى رهينة له.
Trump Russia nuclear submarine tension escalation: World War III …, accessed August 2, 2025, https://m.economictimes.com/news/international/us/world-war-iii-fears-grow-as-trump-sends-nuclear-submarines-toward-russia-fires-back-at-putin-cronys-bold-threat/articleshow/123048674.cms
Trump says US deploying nuclear submarines in response to …, accessed August 2, 2025, https://economictimes.indiatimes.com/news/international/global-trends/trump-says-us-deploying-nuclear-submarines-in-response-to-provocative-russian-comments/articleshow/123048264.cms
Trump orders US nuclear subs repositioned over statements from ex-Russian leader Medvedev, accessed August 2, 2025, https://apnews.com/article/trump-nuclear-submarines-repositioned-medvedev-f8e9b870fa107f6b6209e7a22f8ada43
‘Highly provocative’: US deploys two nuclear subs; Trump warns ex …, accessed August 2, 2025, https://timesofindia.indiatimes.com/world/us/highly-provocative-us-deploys-two-nuclear-subs-trump-warns-ex-russian-president-medvedev-of-unintended-consequences/articleshow/123048083.cms
Medvedev’s Nuclear Threat Sparks U.S. Military Alert | Trump Responds With Sub Deployment | N18G – YouTube, accessed August 2, 2025, https://www.youtube.com/watch?v=QldMB0DVIDo
Trump Says He Ordered the Moving of Nuclear Submarines After Medvedev Threat | APT, accessed August 2, 2025, https://www.youtube.com/watch?v=UQ4JAJ4jeoE
Trump orders nuclear submarines to reposition amid war of words with Russia – Al Jazeera, accessed August 2, 2025, https://www.aljazeera.com/news/2025/8/1/trump-orders-nuclear-submarines-closer-to-russia-in-escalating-war-of-words
Trump warns Medvedev to ‘watch his words’ after former Russian president ‘threatens’ war, accessed August 2, 2025, https://www.aa.com.tr/en/world/trump-warns-medvedev-to-watch-his-words-after-former-russian-president-threatens-war/3647152
Country Report: Russia (May 2025) – The Asan Forum, accessed August 2, 2025, https://theasanforum.org/country-report-russia-may-2025/
Trump and Medvedev’s War of Words Escalates to Nuclear Threats Amid Ukraine Conflict, accessed August 2, 2025, https://time.com/7306697/trump-medvedev-russia-ukraine-nuclear-war-putin/
Russia in Review, July 25-Aug. 1, 2025, accessed August 2, 2025, https://www.russiamatters.org/news/russia-review/russia-review-july-25-aug-1-2025
India’s $68 billion question: How to trade with Russia without making America unhappy, accessed August 2, 2025, https://economictimes.indiatimes.com/news/economy/foreign-trade/us-trump-25-percent-tariffs-on-india-modi-putin-russia-oil-arms-deals/articleshow/123019507.cms
US-Russia-India tensions could spark crude oil prices to touch $80 …, accessed August 2, 2025, https://m.economictimes.com/industry/energy/oil-gas/us-russia-india-tensions-could-spark-crude-oil-prices-to-touch-80-per-barrel/articleshow/123056430.cms
Toward a Settlement of the Russia-Ukraine War | Council on Foreign …, accessed August 2, 2025, https://www.cfr.org/article/toward-settlement-russia-ukraine-war
تعليقات