شنت القوة الجوية التابعة للحرس الثوري الإيراني هجوماً مباشراً لأول مرة على إسرائيل في عملية أطلق عليها "الوعد الصادق" مستهدفة إسرائيل لأول مرة من الأراضي الإيرانية، حيث أمطرت المدن الإسرائيلية بوابل من الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية في وقت متأخر من يوم السبت 13 أبريل 2024، وسبق أن توعدت إيران بالرد على الاستهداف الإسرائيلي الذي طال قنصليتها في دمشق وأسفر عن مقتل سبعة من عناصر الحرس الثوري بينهم أثنين من أهم قيادته في الأول من أبريل، ويأتي ذلك التصعيد المحسوب في إطار دفاع إيران عن سيادتها ومصالحها القومية وتعزيز أمنها الإقليمي في المنطقة، ويركز العالم أنظاره الآن على الضربة التي وجهتها إيران لإسرائيل حجمها، ونوعيتها، وانعكاساتها على المنطقة.
ويمثل الهجوم الإيراني على الأراضي الإسرائيلية تصعيدًا جديدًا بين البلدين، حيث حول الهجوم الصراع بينهما من الظل إلى العلن، وفي هذا السياق سيعتمد الرد الإسرائيلي على ثلاثة عوامل أولها ما إذا كان وكلاء إيران، بما في ذلك الحوثيين وحزب الله، سينضمون إلى القتال؛ وثانيها ما إذا كانت هناك خسائر في صفوف إسرائيل – أو ما إذا كانت أنظمتها الدفاعية، إلى جانب الدعم الأمريكي، تمنع وقوع أضرار جسيمة؛ وثالثها الطريقة التي تختار بها إسرائيل الرد.
لذلك يسعي هذا التحليل إلى توضيح انعكاسات الهجوم وآثاره الاقتصادية على إطراف الصراع.
أثارت دعوة مفوض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي - جوزيف بوريل- حلفاء اسرائيل وعلى رأسهم واشنطن بضرورة وقف تزويد إسرائيل بالأسلحة جدلاً واسعًا في الأيام الأخيرة في ظل ارتفاع أعداد القتلى من المدنيين في قطاع غزة ، إذ جاءت الدعوة متزامنة مع قرار محكمة استئناف هولندية بحظر صادرات جميع قطع غيار مقاتلات F-35 لإسرائيل ، وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي تخطط فيه إسرائيل بدء عملية عسكرية موسعة على رفح تحمل في طياتها كارثة انسانية محتملة نظرًا لوجود ما يزيد عن 1.3 مليون نازح من القطاع نزحوا إلى رفح مع بدء العملية العسكرية في قطاع غزة.
وتقدم الولايات المتحدة لإسرائيل مساعدات عسكرية سنوية بقيمة 3.8 مليار دولار، والتي تعتبر من أكبر المساعدات العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة لأي دولة في العالم، ويأتي ذلك في الوقت الذي أكد فيه المسؤولون الأمريكيون وعلى رأسهم الرئيس بايدن في عام 2013 حينما شغل منصب نائب الرئيس باراك أوباما آنذاك " أن الالتزام الأمريكي تجاه إسرائيل "ليس مجرد التزام أخلاقي طويل الأمد بل التزام استراتيجي" مضيفاً خلال زيارته إلى تل أبيب على خلفية أحداث السابع من أكتوبر “إن وجود إسرائيل مستقلة وآمنة في حدودها ومعترف بها من قبل العالم هو في المصلحة الاستراتيجية العملية للولايات المتحدة الأمريكية"، وأضاف: "كنت أقول… لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان علينا أن نخترع واحدة" . والدليل أيضا على عمق العلاقات واستمرار الدعم يتمثل في موافقة الكونجرس على تقديم مساعدة عسكرية إضافية لإسرائيل بقيمة 14.1 مليار دولار لدعم قدراتها في حربها ضد حركه حماس وبهدف توفير الدعم الدفاعي الجوي والصاروخي، وتجديد المخزون العسكري الأمريكي الممنوح لإسرائيل، على غرار الدعم الأمريكي لإسرائيل أثناء حرب أكتوبر 1973 مع الجيش المصري.
ويطرح هذا الدعم الأمريكي السخي والغير مشروط لإسرائيل العديد من التساؤلات في ضوء فشل الولايات المتحدة في الضغط على إسرائيل لوقف حربها في غزة، وفقدان سيطرتها على الحكومة اليمينية فيما يتعلق بتوسيع دائرة الحرب لتشمل مدينة رفح مما ينذر بصراع وشيك مع مصر، لذا يسعي هذا التحليل إلى الإجابة على تساؤلا موداه هل ستغير هذه التطورات الموقف الأمريكي تجاه نتنياهو وحكومته اليمينية للتراجع عن فكرة العملية الموسعة في رفح؟ وهل تستطيع الولايات المتحدة وقف إمداداتها العسكرية لحليفها الاستراتيجي في الشرق الأوسط؟
يُعَدُّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي واحدًا من أكثر القضايا إلحاحًا وتعقيدًا في العالم اليوم، حيث خلفت النزاعات الطويلة والمستمرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين عواقب كارثية قد تؤدي إلى نشوب حرب إقليمية في المستقبل. ففي عام 1993، اعتمد ياسر عرفات، زعيم منظمة التحرير الفلسطينية، حل الدولتين، وبالمثل فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين، وتم توقيع اتفاقيات أوسلو، وتضمنت فكرة هذه الاتفاقيات إنشاء دولتين، واحدة للفلسطينيين والأخرى للإسرائيليين، كخطوة نحو حل نهائي الصراع الطويل والمكلف. ومع ذلك، لم يتم تنفيذ هذه الاتفاقيات كما هو مُقرر لها، ففشلت الجهود، وانقسم المجتمع الفلسطيني بين فتح في الضفة الغربية وحماس في قطاع غزة. وبدلاً من بناء الثقة، زادت المواقف الإسرائيلية تشددًا تجاه الفلسطينيين، وقامت الحكومات الإسرائيلية ببناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، حيث يقيم حوالي 700 ألف إسرائيلي على الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية، بما أدى لتراجع الاهتمام الإقليمي والعالمي بالقضية.
عادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العالمي مع اندلاع أحداث السابع من أكتوبر، بعد حالة من الجمود استمرت ثلاث عقود، وتراجعها إلى خلفية المشهد خصوصًا بسبب موجات الربيع العربي وما تلاها من أزمات على المُستويين الإقليمي والعالمي. إذ تسببت الحرب بين حماس وإسرائيل في استنفار المجتمع الدولي مخافة تحول الحرب إلى صراع إقليمي، وتفاقم المخاوف من احتمال تعطل مسار السلام في الشرق الأوسط، ولا سيما مسار "حل الدولتين". وفي الآونة الأخيرة، أعلن مسؤولون إسرائيليون أن هذا الخيار لم يعد قائمًا، على الرغم من المعارضة والتحذيرات من بعض أقرب حلفاء تل أبيب، وعلى رأسهم واشنطن.
تؤكد هذه المؤشرات أن ثمة استقرارًا في الشرق الأوسط لا يمكن الوصول إليه دونما حل للقضية الفلسطينية يلبي التطلعات الوطنية للشعب الفلسطيني. لذا، عاد الحديث عن حل الدولتين مرة أخرى كأفضل مُقترح لإنهاء الصراع وكبديل عن سياسة التوسع والاستيطان اليميني على الضفة الغربية، والتي من شأنها أن تجعل إسرائيل أكثر عزلة وأقل أمنًا، و تستنزف مواردها العسكرية والمالية إلى حد كبير. لذا يسعي هذا التحليل إلى الإجابة على تساؤلاً مؤداه هل لا يزال حل الدولتين خياراً ممكنًا في ظل الظروف الراهنة؟
نُشرت هذه المقالة على موقع الأهرام أونلاين بتاريخ 31 يناير 2024
يُعد الهجوم على كنيسة سانتا ماريا في إسطنبول أول هجوم ضد تركيا يتبناه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) منذ عام 2017. وبحسب بيان التنظيم، جاء هذا الهجوم استجابةً لتوجيهات أحد قادته بالهجوم على "اليهود والمسيحيين"، ومع ذلك، لا يزال الهدف النهائي لهذا الهجوم غير واضح، وهو ما يثير تساؤلات حول صحة ادعاء داعش وهل هو بالفعل المنفذ للعملية، فبالنظر إلى العمليات الإرهابية التي شهدها العالم خلال العقد الماضي، نجد أنها شهدت ارتفاعا حاداً، إلا إن نسبة كبيرة منها تم تبنيها بصورة زائفة، فلم تكن الجماعات التي أعلنت عن مسؤوليتها عن العديد من تلك الهجمات هي التي قامت بها بالفعل، وإنما بادرت إلى هذا الإعلان سعيا منها لإثبات أهميتها وتأثيرها على السياسة الدولية، على سبيل المثال: في الفترة بين عامي 1998 و 2016، بلغت نسبة الهجمات الإهابية التي تم تبنيها بشكلٍ مزيف حوالي 16% من مجمل عدد العمليات المعلن عنها.
لم تقتصر تداعيات الحرب بين إسرائيل وحماس على حدود غزة أو الشرق الأوسط فحسب، بل أخذ الاستقطاب والانقسام حول القضية الفلسطينية طابعًا جديدًا، ولا سيما في العالم الغربي، حيث نادراً ما كانت تبدو مثل هذه الانقسامات عميقة إلى هذا الحد. ويمكن أن تعزى التصدعات داخل الحكومات والمجتمعات إلى التغيرات التى تحدث فى المنظومة القيمية، والتعرض المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل التغييرات الديموغرافية. وفي ظل وجود مثل هذا الانقسام غير المسبوق حول تعاطى الحكومات الغربية مع الانتهاكات الإسرائيلية في غزة، يواجه الغرب مأزقًا أخلاقيًا يضعه فى حالة انكشاف تدحض جميع دعاوى تفوقه الاخلاقى المزعوم.