كتب بواسطة

يُعَدُّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي واحدًا من أكثر القضايا إلحاحًا وتعقيدًا في العالم اليوم، حيث خلفت النزاعات الطويلة والمستمرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين عواقب كارثية قد تؤدي إلى نشوب حرب إقليمية في المستقبل. ففي عام 1993، اعتمد ياسر عرفات، زعيم منظمة التحرير الفلسطينية، حل الدولتين، وبالمثل فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين، وتم توقيع اتفاقيات أوسلو، وتضمنت فكرة هذه الاتفاقيات إنشاء دولتين، واحدة للفلسطينيين والأخرى للإسرائيليين، كخطوة نحو حل نهائي الصراع الطويل والمكلف. ومع ذلك، لم يتم تنفيذ هذه الاتفاقيات كما هو مُقرر لها، ففشلت الجهود، وانقسم المجتمع الفلسطيني بين فتح في الضفة الغربية وحماس في قطاع غزة. وبدلاً من بناء الثقة، زادت المواقف الإسرائيلية تشددًا تجاه الفلسطينيين، وقامت الحكومات الإسرائيلية ببناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، حيث يقيم حوالي 700 ألف إسرائيلي على الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية، بما أدى لتراجع الاهتمام الإقليمي والعالمي بالقضية.

 

عادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العالمي مع اندلاع أحداث السابع من أكتوبر، بعد حالة من الجمود استمرت ثلاث عقود، وتراجعها إلى خلفية المشهد خصوصًا بسبب موجات الربيع العربي وما تلاها من أزمات على المُستويين الإقليمي والعالمي. إذ تسببت الحرب بين حماس وإسرائيل في استنفار المجتمع الدولي مخافة تحول الحرب إلى صراع إقليمي، وتفاقم المخاوف من احتمال تعطل مسار السلام في الشرق الأوسط، ولا سيما مسار "حل الدولتين". وفي الآونة الأخيرة، أعلن مسؤولون إسرائيليون أن هذا الخيار لم يعد قائمًا، على الرغم من المعارضة والتحذيرات من بعض أقرب حلفاء تل أبيب، وعلى رأسهم واشنطن.

 

تؤكد هذه المؤشرات أن ثمة استقرارًا في الشرق الأوسط لا يمكن الوصول إليه دونما حل للقضية الفلسطينية يلبي التطلعات الوطنية للشعب الفلسطيني. لذا، عاد الحديث عن حل الدولتين مرة أخرى كأفضل مُقترح لإنهاء الصراع وكبديل عن سياسة التوسع والاستيطان اليميني على الضفة الغربية، والتي من شأنها أن تجعل إسرائيل أكثر عزلة وأقل أمنًا، و تستنزف مواردها العسكرية والمالية إلى حد كبير. لذا يسعي هذا التحليل إلى الإجابة على تساؤلاً مؤداه هل لا يزال حل الدولتين خياراً ممكنًا في ظل الظروف الراهنة؟

قراءة أولية

تتسم السياسة الإسرائيلية تجاه السلطة الفلسطينية بالتقلّب، فهي تتأرجّح بين دعم السلطة الفلسطينية لأسباب برجماتية أو معاقبتها لأسباب سياسية. فالنسبة لإسرائيل يُعتبر وجود السلطة ركيزة أساسية للحكم الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، حيث تدير السلطة المراكز السكانية الفلسطينية بالنيابة عن إسرائيل. مما خفّف عن إسرائيل الكثير من الأعباء المالية والإدارية الناجمة عن التعامل مع عدد كبير من الفلسطينيين.

 

والدليل على هذا التقلب، ما أعلنته حكومة نتنياهو المُشكلة في 29 ديسمبر 2022 من أن تواجد الشعب اليهودي على جميع الأراضي الإسرائيلية هو “حق حصري غير قابل للانتزاع”. وأعلنت الحكومة أنها ستعمل على تعزيز وتطوير الاستيطان في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك الضفة الغربية، الجليل، النقب، والجولان. على الرغم من عدم وضوح الخطط الرسمية لضم الضفة الغربية، فإن إدارة نتنياهو السابقة اتخذت خطوات غير مسبوقة تتجه نحو هذا الهدف.

 

واتخذت الحكومة اليمينة الحالية العديد من الإجراءات الهادفة إلى تقويض عمل السلطة الفلسطينية وزيادة الضغط عليها قبل أحداث السابع من أكتوبر وبعدها.

 

أهم الإجراءات التي اتخذتها حكومة نتنياهو قبل السابع من أكتوبر، على رأسها:

 

    • فرض قيود على سفر كبار المسؤولين الفلسطينيين كما حدث مع وزير الخارجية الفلسطيني بالتزامن مع التحركات الفلسطينية لدفع محكمة العدل الدولية للنظر في قضية الاحتلال الإسرائيلي المستمرّ منذ عقود.
    • فرض مزيدًا من الضغوط المالية على السلطة كإعادة توزيع الإيرادات التي تجمعها نيابة عن السلطة الفلسطينية على العائلات اليهودية الإسرائيلية التي قتل لها أفراد على يد الفلسطينيين.
    • حظر جميع أعمال البناء على السلطة الفلسطينية في 60 % من أراضي الضفة تم نقل معظم سلطة إدارة الضفة الغربية من قبل الجيش الإسرائيلي إلى مدنيين في وزارة الدفاع، وهو تحرك استراتيجي يعني ضمنيًا توسيع سيطرة إسرائيل المدنية على الأراضي المحتلة. وتم إعادة تنظيم وزارات أخرى، مثل وزارة الدفاع والأمن القومي، لتمكين شخصيات محددة مثل سموتريش وبن غفير من أداء دور أكبر في إدارة ومراقبة الفلسطينيين والمستوطنين اليهود في الأراضي المحتلة.

 

بعد السابع من أكتوبر:

 

    • تعتزم إسرائيل استقدام 100 ألف عامل من الهند وبعض الدول الأسيوية ليحلوا محل العمالة الفلسطينية التي ألغيت إسرائيل تصاريح عملها بعد اندلاع الحرب في غزة، وسبق وان وقعت إسرائيل مع الهند اتفاق إطاري في مايو 2023 لتسهيل جلب عمالة هندية مؤقتة للعمل في قطاعات مختلفة على رأسها البناء والخدمات الطبية.
    • تجميد أموال المقاصة الفلسطينية التي تقوم إسرائيل بجمعها نيابة عن السلطة الفلسطينية مقابل الضرائب على واردات الفلسطينيين على السلع المستوردة، وتحول الأموال إليها بمتوسط 190 مليون دولار شهريًا.
    • دعوة العديد من المسئولين الإسرائيليين الرئيس الأمريكي عن الامتناع عن الحديث عن مسار حل الدولتين علنًا، حيث يري العديد من المسئولين الإسرائيليين أن حل الدولتين سيكون مكافأة لحماس.

 

سعي إسرائيل لوقف عمل الوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بشتى الطرق عبر سلسلة من المراحل الممنهجة لوقف عمل الوكالة في القطاع وتصفية قضية اللاجئين، ويتم ذلك على ثلاث مراحل:

 

المرحلة الأولي أتهام إسرائيل بتورط موظفي الوكالة في الهجمات التي قادتها حماس في السابع من أكتوبر، المرحلة الثانية عبر تقليص عملياتها في القطاع والبحث عن منظمات بديلة تحل محلها، المرحلة الثالثة عبر نقل كافة مهام الوكالة إلى الهيئة التي ستضطلع بالحكم في غزة.

تحديات حل الدولتين

لا يزال حل الدولتين مطروحًا وبشدة في الأوساط السياسية والدبلوماسية، بشكلٍ أو بأخر، إذ تبنت الأمم المتحدة القرار رقم 181 نوفمبر 1947 الذي يقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، والذي بمُقتضاه كان يُقترح تأسيس دولة عربية تشمل 43% من أراضي فلسطين، ودولة يهودية تشمل 56% من الأراضي، في حين ستكون القدس وما يحيط بها منطقة دولية تدار بالوصاية الدولية. إلا أن هذا القرار لم يتحقق حتى الآن.

 

وبعد عقود من الصراع، عاد الجميع إلى طاولة المفاوضات في مؤتمر السلام في مدريد في عام 1991. ثم جاءت اتفاقيات أوسلو في عام 1993، والتي حددت موعداً نهائياً مدته خمس سنوات لإنشاء دولة فلسطينية وفي هذه الأثناء أنشأت السلطة الفلسطينية حكومة وإن كانت ذات صلاحيات وولاية قضائية محدودة على جزء فقط من الأراضي المحتلة، وتلا ذلك سلسلة من الإخفاقات مثل مؤتمرات القمة في كامب ديفيد وطابا، و”خارطة الطريق للسلام” التي وضعتها إدارة بوش، ودبلوماسية أوباما، والمحادثات التي توسط فيها جون كيري، وزير الخارجية الأميركي آنذاك، في عام 2014، ومع انتشار المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بات هناك شبه إجماع على أن حل الدولتين في سبيله إلى الاندثار.

 

وترجع تحديات حل الدولتين إلى تحديات داخلية وأخري خارجية.

 
ويمكن حصر التحديات الداخلية فيما يلي:
 

ضعفُ السلطة الفلسطينية: لا يعني عجزهم عن تولي الحكم الذاتي، بل هو بشكلٍ أساسي نتيجةً لفشل عملية السلام. تم إقامة سلطة فلسطينية كخطوةٍ نحو تأسيس دولة فلسطينية، ولكن عقودًا من الفشل في التقدم نحو هذا الهدف أدت إلى تقليص سلطاتها وتشويه شرعيتها. كما تعبّر السلطة الفلسطينية عن قلقٍ إزاء تضمين حماس في عملية السلام، خاصةً بعد دورها كعامل معوقٍ للعملية على مدى ثلاثة عقود. بدأت حماس حملةً من الهجمات الانتحارية لعرقلة اتفاقيات أوسلو، وأثارت استياء الإسرائيليين بسبب استمرار الهجمات خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

 

التغيرات المادية والديموغرافية: عندما غادرت إسرائيل قطاع غزة في عام 2005، واقتلعت نحو 8000 مستوطن يهودي من الأراضي التي كانت تسيطر عليها منذ عام 1967، لم يكن أحد يعرف على وجه اليقين ما الذي يمكن أن يتخذه من هذا القرار. وأعرب البعض عن أمله في أن يكون استعداد إسرائيل للتنازل عن الأراضي المحتلة بمثابة اتجاه، وخطوة نحو التوصل إلى تسوية نهائية مع الفلسطينيين. ورأى آخرون حيلة ماكرة فالتخلي عن السيطرة على غزة قد يساعد إسرائيل على ترسيخ سيطرتها على الضفة الغربية. وتبين أن الرأي الأخير هو الصحيح. واستغلت إسرائيل التغيرات الديمغرافية في الضفة الغربية لتعقيد تنفيذ حل الدولتين، فقبل الصراع الحالي، كان بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية يعد أحد أكبر العوائق التي تواجه عملية السلام بالنسبة للفلسطينيين. فلم تتضمن اتفاقيات أوسلو أي تفاهمات لوقف بناء المستوطنات، والتي زادت بشكل كبير خلال العقود الماضية. ومع نهاية عام 2021، بلغ عدد المستوطنين الإسرائيليين الذين يعيشون في الضفة الغربية 465,400، مقارنة بـ 116,300 عند توقيع اتفاقيات أوسلو في عام 1993. ويعيش معظم هؤلاء المستوطنين في المناطق التي من المحتمل أن تتم التنازل عنها للفلسطينيين في أي اتفاق سلام مستقبلي، ولكن نفوذهم السياسي يتزايد مع تزايد أعدادهم.

 

المزاج العدائي في الداخل الإسرائيلي: يسود في إسرائيل مزاج عدائي ضد الفلسطينيين يظهر جليًا في تصريحات الساسة الإسرائيليين علناً عن رفضهم خيار حل الدولتين ورغبتهم في القضاء على حماس، بالإضافة إلى استطلاعات الرأي الأخيرة التي تناولت المزاج العام للشعب الإسرائيلي وأراءهم حيال التعامل مع الصراع الدائر والحرب مع حماس.

 

    • فقد أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي في الفترة من 25-28 ديسمبر 2023 أن 66% من الإسرائيليين يعتقدون أن إسرائيل يجب أن تتجاهل الضغوط المتزايدة من الولايات المتحدة لإنهاء الحرب في غزة، ويعارض 75% من اليهود الإسرائيليين تلبية المطالب الأمريكية، مقارنة بـ 21% فقط من العرب الإسرائيليين.
    • ويتوقع معظم اليهود الإسرائيليين أن تستمر الحرب لعدة أشهر، ففي استطلاع للرأي أخر أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي 24 يناير 2024 أجمع غالبية اليهود الذين شملهم الاستطلاع أنهم لا يؤيدون التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن مقابل إطلاق سراح جميع السجناء الفلسطينيين ووقف القتال في غزة. وفي الوقت نفسه، يقول أكثر من 60% من الإسرائيليين أن حياتهم الشخصية عادت إلى طبيعتها.

 

فكلما تعرضت إسرائيل لصدمة عنيفة كبيرة، يستفيد منها الأحزاب اليمينية والسياسيون. ومع ذلك، إذا أجريت الانتخابات قريبًا، فلن يفيد ذلك بالضرورة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه أو حزبه الليكود. فمعظم الإسرائيليين يلومون نتنياهو على الكارثة الأمنية، ويستشيطون غضباً، ويريدون رحيله – سواء عاجلاً أم آجلاً. لكن من غير المرجح أن يتزحزح الاتجاه الأساسي للتوجه السياسي معه أو بدونه. ومن الصعب قياس مدى تأثر نتنياهو، الذي تولى منصبه طوال هذه الفترة، على هذه الانخفاضات. ولكن بالنظر إلى المستوى الحالي من الكراهية وانعدام الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فمن الصعب تصور أي بديل محتمل لنتنياهو الذي يتخذ موقفاً مختلفاً بشأن الدولة الفلسطينية.

التحديات الخارجية أمام حل الدولتين

لا يزال فشل قمة كامب ديفيد في عام 2000 يُستشهد به بشكل روتيني كدليل على عدم إمكانية التوصل إلى اتفاق. لكن ما حدث بالفعل لا يزال غير واضح. وفي كلتا الحالتين، في السنوات التي تلت ذلك، أضاف المفاوضون تفاصيل هائلة إلى الأفكار الأولية التي طرحت لأول مرة في كامب ديفيد. ولم يعد تعقيد القضايا هو المشكلة الرئيسية، بل أصبح من الصعب العثور على المؤمنين من الطرفين بحل الدولتين هذه الأيام. فبالنسبة للإسرائيليين يريدون كل الأرض. وبالنسبة للفلسطينيين يرون أن القضايا الأساسية – القدس واللاجئين والأرض والأمن – غير قابلة للتجزئة، كما لعبت إسرائيل على تغيير الحقائق على الأرض، وخاصة توسيع المستوطنات، جعل التسوية الإقليمية بعيدة المنال، مع اظهار أن الفلسطينيين غير قادرين على تحمل مسؤوليات إقامة الدولة. وقد أدى صعود المتشددين على كلا الجانبين إلى جعل التسوية أصعب من أي وقت مضى.

 

تشكيل تحالف دولي لحل القضية

 

تجد الحكومات في مختلف أنحاء العالم نفسها منشغلة بهذه القضية لأن شعوبها مفعمة بالحيوية والاستقطاب، ولأن الاستقرار والأمن الإقليميين مهددان، ويجبر ذلك الصراع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والقوى الإقليمية على إعادة تقييم نهجهم وافتراض أنهم يستطيعون تجاهل الصراع بأمان. وبمجرد انتهاء جولة القتال في غزة، فمن الممكن أن تحدث تغييرات سياسية جوهرية. وسواء تم القضاء على حماس أم لا، فإن كثيرين في إسرائيل سوف يعتقدون أنه ليس لديهم خيار سوى تمكين السلطة الفلسطينية، لأنه بدون كيان فلسطيني فعال وواثق من نفسه، لن يكون هناك بديل للتطرف. وستكون هذه خطوة أولى نحو إحياء حل الدولتين.

 

لم يعد بإمكان العالم أن يتوقع من واشنطن أن تحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بمفردها نظرًا لما يشهده الوضع السياسي الداخلي الأمريكي يقوض دورها في هذا الصدد لأنه ممارسة الضغوط الجدية على إسرائيل بمثابة تكلفة سياسية مكلفة للغاية. وفي كل الأحوال فإن السياسة الداخلية المضطربة في أميركا من شأنها أن تجعل من الصعب على البيت الأبيض أن يحافظ على نهج متماسك في التعامل مع هذه القضية، وخاصة في ظل سعيه إلى إعادة التوازن بعيداً عن الشرق الأوسط.

 

وعلى الرغم من أن الصين وروسيا قد قامتا بمواءمة خطابهما مع الجنوب العالمي ورغم أنهما تطمحان إلى الاضطلاع بدور في عملية صنع السلام في الشرق الأوسط، إلا أن أياً منهما لا تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ أو المصداقية التي تمكنها من الاضطلاع بهذا الدور، ولا يلعب دوراً كبيراً على أي جانب من الصراع، على الرغم من عودة المنافسة بين القوى العظمى واضحة في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط، ولكنها غائبة بشكل ملحوظ عن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. كما يمكن للاتحاد الأوروبي أن يضع نفسه كوسيط نزيه، لكن هذا الأمر لا يؤخذ على محمل الجد.

هل من حل يلوح في الأفق؟

مع تصاعد التوترات في المنطقة وتعقيد القضية، أصبح حل الدولتين يواجه تحديات كبيرة. من عدة جهات، هناك عوامل داخلية تؤثر في إمكانية تحقيق الحل، مثل التصعيد المستمر للعنف والتوترات بين الجانبين، وصعوبة تحقيق التوافق على القضايا الرئيسية. ومن جهة أخرى، هناك تحديات خارجية تؤثر في العملية، مثل تغير الموازين السياسية والجيوسياسية في الشرق الأوسط وتأثير القوى الإقليمية والدولية، وعند النظر إلى حل الدولتين في الممارسة العملية، نجد أن الحل أنقضي منذ فترة طويلة، أما من الناحية النظرية في هو وارد اعتمادًا على عدة مؤشرات :

 

أولاً، تحتاج الولايات المتحدة إلى إبداء القدرة والرغبة في قيادة مبادرة سلام حقيقية، ليست عملية مفتوحة النهاية لم يعد أي من الأطراف يؤمن بها، بل عبر عملية تحدد فيها الأسس والمبادئ النهائية بشكل مسبق ببساطة نهاية الاحتلال. نظرًا لأن أحد الأسباب الرئيسية وراء كون نظرية الدولتين التي ينتهجها بايدن جوفاء وعندما حاول باراك أوباما ممارسة ضغوط حقيقية تجاه حل الدولتين، تم تقويضه في الكونجرس. كما أن الكثير من السياسيين المؤيدين لإسرائيل في كلا الحزبين يؤيدون مثل هذا الحل اسميًا على الأقل.

 

ثانيًا، تحتاج إسرائيل إلى حكومة مختلفة، ليس فقط لتحل محل الائتلاف المتطرف الحالي، بل حكومة مستعدة لقبول الانسحاب على طول حدود عام 1967، وتفكيك المستوطنات البالغ عدد قاطنيها اليوم أكثر من 700 ألف مستوطن، مع معارضة الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل بشدة فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعرقلة نتنياهو التقدم في هذه القضية لسنوات عديدة. ويتوقع قليلون أن يظل رئيساً للوزراء بمجرد انتهاء الحرب، ولكن لا يوجد بديل واضح مؤيد للسلام في الانتظار.

 

ثالثًا، يحتاج الفلسطينيون إلى قيادة جديدة توافقية تأتي عبر الانتخابات في مختلف أنحاء الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة، والتي يمكنها التوقيع بشكل شرعي على صفقة نيابة عن الفلسطينيين.

 

ختاماً، إحياء المفاوضات مرة أخري سيكون محكوماً عليه بالفشل منذ البداية دون إجراء تغييرات أساسية تشمل القيادة الفلسطينية، حيث إن الأحزاب السياسية على جانبي الحرب الحالية في غزة هي نفس الأحزاب التي عملت جاهدة على إفساد عملية السلام الوليدة قبل 30 عاماً، وبذل جهود دولية لجعل المفاوضات بين الجانبين ذات مصداقية، حيث أصبحت الشكوك متزايدة لدى الجانبين بشأن صدق كل طرف وأخيرًا، يحتاج كلا الجانبين إلى حوافز للتوصل إلى اتفاق.

 

وحتى لو كان الفلسطينيون والإسرائيليون والولايات المتحدة والدول العربية عازمة على المضي قدماً في عملية سلام جديدة، فإن التحديات الرئيسية التي تواجه أي اتفاق متعلق بالحدود والمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ومستقبل القدس، وحق العودة” للاجئين الفلسطينيين وأحفادهم، والأمن، والسلطة في قطاع غزة لا تزال مطروحة على الطاولة. لذا ينبغي تشكيل تحالف دولي من الدول ذات الثقل الدولي تشارك في صياغة خارطة طريق وتتفق على معايير حل الدولتين بقدر أكبر من التفاصيل عما كان الوضع عليه من قبل عشرة أو عشرين عاماً. كما إن التطبيق المنسق لهذا الثقل يمكن أن يغير حسابات صناع من الإسرائيليين والفلسطينيين، بل وربما يساعد في ظهور قيادة جديدة.

المراجع

Dempsey, Judy, and MURIEL ASSEBURG. “Judy Asks: Is the Two-State Solution Feasible? – Carnegie Europe …” Carnegie Europe, Carnegie Endowment for International Peace, 3 Nov. 2023, carnegieeurope.eu/strategiceurope/90961

 

Rahman, Omar  H. “Could Israel’s New Government Spell the End of the Palestinian Authority? .” Middle East Council on Global Affairs, 12 Jan. 2023, mecouncil.org/blog_posts/%D9%87%D9%84-%D8%AA%D9%86%D8%B0%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D8%A9-

 

“إسرائيل تعتزم استقدام عمالة من الهند لسد الحاجة بعد ما الغت تصاريح العمال الفلسطينيين إثر الحرب ضد غزة”. مونت كارلو الدولية، 14 نوفمبر 2023.

 

“وزير المالية الإسرائيلي يوجه بتجميد أموال المقاصة الفلسطينية”. وكالة الأناضول، 31 أكتوبر 2023.

 

Magid, Jacob. “Israel Urging Us Not to Talk Publicly about Two-State Solution .” The Times of Israel, The Times of Israel, 15 Dec. 2023, www.timesofisrael.com/israel-urging-us-not-to-talk-publicly-about-two-state-solution-officials/

 

TOI Staff. “Israel Urging Us Not to Talk Publicly about Two-State Solution .” The Times of Israel, The Times of Israel, 29 Dec. 2023, www.timesofisrael.com/israel-hoping-to-push-unrwa-out-of-gaza-post-war-report/

 

Dettmer, Jamie. “The Two-State Solution Is Dead. Why Pretend Anymore?” POLITICO, POLITICO, 19 Jan. 2024, www.politico.eu/article/why-pretend-anymore-two-state-solution-dead-israel-gaza-palestine-war/

 

“Despite the War in Gaza, talk of a Two-State Solution Persists.” The Economist, The Economist Newspaper, 7 Dec. 2023, www.economist.com/briefing/2023/12/07/despite-the-war-in-gaza-talk-of-a-two-state-solution-persists

 

Hermann, Tamar, and Or Anabi. “Most Israelis Oppose Meeting Us Demands to Shift to New Phase of War.” The Israel Democracy Institute, The Israel Democracy Institute, 2 Jan. 2024, en.idi.org.il/articles/52085

 

Hermann, Tamar, and Or Anabi. “Most Israelis Oppose a Hostage Deal in Exchange for a Halt in Fighting and Releasing All Palestinian Prisoners.” The Israel Democracy Institute, 24 Jan. 2024, en.idi.org.il/articles/52496

 

Alterman, Jon B. “A Different Two-State Solution.” Center for Strategic and International Studies (CSIS), Center for Strategic and International Studies (CSIS), 10 Jan. 2024, www.csis.org/analysis/different-two-state-solution

 

Dettmer, Jamie. “The Two-State Solution Is Dead. Why Pretend Anymore?” POLITICO, POLITICO, 19 Jan. 2024, www.politico.eu/article/why-pretend-anymore-two-state-solution-dead-israel-gaza-palestine-war/

 

Scott, Ben. “Israel-Palestine: It’s Not Too Late for the Two-State Solution.” The Interpreter, LOWY INSTITUTE, 10 Nov. 2023, www.lowyinstitute.org/the-interpreter/israel-palestine-it-s-not-too-late-two-state-solution

 

Sherwood, Harriet. “Israel-Palestine: Is the Two-State Solution the Answer to the Crisis?” The Guardian , The Guardian , 4 Nov. 2023, www.theguardian.com/world/2023/nov/04/israel-palestine-is-the-two-state-solution-the-answer-to-the-crisis

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *