كتب بواسطة

تتزايد وتيرة العمليات العسكرية في قطاع غزة، ما دفع إيران لإقحام مزيدًا من وكلائها الإقليمين للصراع تنفيذًا لسيناريو وحدة الساحات التي طالما هددت به، ومنهم: حزب الله في لبنان، مليشيات الحشد الشعبي العراقي، والأهم من بينهم جماعة الحوثي في اليمن، الذين باتوا يشكلون تحدي بالغ لإسرائيل عبر أداتي الصواريخ والمُسيرات، بالإضافة إلى إعاقة الملاحة المُتجهة للموانئ الإسرائيلية، أو السُفن المملوكة لرجال أعمال إسرائيليين، لدى عبورها باب المندب في اتجاهها لقناة السويس.

هذا وقد شكلت إعاقة الملاحة المُتجهة لقناة السويس تحديًا بالغًا للاقتصاد العالمي، حيث تُعتبر الممر الرئيسي للنقل البحري بين الشرق والغرب، خصوصًا مع تباطئ النقل عبر قناة بنما بسبب التغيرات المُناخية التي رتبت انخفاض منسوب المياه فيها، ما رفع مُعدلات العبور عبر قناة السويس لأعلى من متوسطاتها عبر التاريخ، ورفع الاعتماد العالمي عليها، الأمر الذي أدى لاستنفار القوى الدولية مع توالي الاستهدافات الحوثية لحركة الملاحة في باب المندب، يتناول التقدير فيما يلي أهم جوانب ونواتج هذه الاستهدافات على المديين القريب والبعيد:

 

1.التطور الزمني لعمليات الاستهداف، ونواتجه المُباشرة:

 

تصاعدت الاستهدافات الحوثية مُنذ أكتوبر ٢٠٢٣، ليبلغ عدد المُستهدفة ٩ كاملة يوضحها الجدول التالي:

التاريخ اسم السفينة الجنسية النوع الإصابات الحالة الحالية
12 أكتوبر 2023 أم أس سي ألانيا ليبيريا سفينة شحن 4 أفرج عنها
16 نوفمبر 2023 أم أس سي بالاتيوم 3 ليبيريا سفينة شحن 2 أفرج عنها
3 ديسمبر 2023 أم أس سي ألانيا ليبيريا سفينة شحن 1 أفرج عنها
3 ديسمبر 2023 أم أس سي بالاتيوم 3 ليبيريا سفينة شحن 1 أفرج عنها
نوفمبر 2023 سنترال بارك غير معلوم ناقلة نفط غير معلوم غير معلوم
نوفمبر 2023 سفينة بضائع غير مسماة غير معلوم سفينة بضائع سائبة غير معلوم غير معلوم
ديسمبر 2023 ناقلة نفط ترفع علم جزر مارشال جزر مارشال ناقلة نفط 0 عاملة
ديسمبر 2023 أم أس سي كلارا غير معلوم سفينة شحن غير معلوم غير معلوم
ديسمبر 2023 سوان أتلانتيك النرويج سفينة شحن 0 غير معلوم

مع تصاعد وتيرة الاستهدافات توالت إعلانات تعليق الملاحة في البحر المتوسط من جانب شركات الملاحة الدولية، خوفًا من تعرض ناقلاتها للاعتراض، وتورطها في مبالغ تأمين للشاحنين، وإظهارًا للتعاطف مع إسرائيل التي يستهدفها الحصار في الأساس، وفيما يلي جدول بالشركات التي علقت الملاحة في القناة حتى وقت كتابة التقدير:

 

شركة الشحن حصة السوق العالمية (%) عدد رحلات السفن بالبحر الأحمر سنويًا (تقريبي) الحالة الحالية
مايرسك 14.80% 4,500 قيد المراجعة اليومية
MSC 13.90% 4,200 قيد المراجعة اليومية
CMA CGM 7.20% 2,500 استئناف بعض الخدمات تدريجيًا
هاباج لويد 4.60% 1,700 قيد المراجعة اليومية
AP مولر-مايرسك 14.8% (تشمل مايرسك) 9,700 (مجتمعة) قيد المراجعة اليومية
بي بي (نقل النفط) غير متوفرة قيد المراجعة اليومية

كذلك بدأت الدول الغربية تحركات لوقف التهديدات الحوثية، تمثل أهمها فيما يلي:

  • الحشد العسكري الذي اتخذ شكلان رئيسيين:

 

  • تشكيل تحالف العمليات: دشنت الولايات المُتحدة في ديسمبر ٢٠٢٣، “عملية حارس الازدهار” “Operation Prosperity Guardian”، عبر تحالف بحري متعدد الجنسيات يهدف إلى حماية السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، ويضم التحالف حاليًا المملكة المتحدة والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا، والنرويج، وسيشل، وإسبانيا.

 

  • زيادة الوجود البحري: قامت الدول المشاركة بنشر السفن الحربية وطائرات المراقبة لتسيير دوريات في النقاط الاستراتيجية قرب المضايق، بهدف ردع الهجمات والاستجابة للحالات الطارئة، بما أدي لنجاح نسبي تمثل في اعتراض مدمرات البحرية الأمريكية خصوصًا يو إس إس ماسون بعض الهجمات وتحيّدها.

 

  • الضغط السياسي والدبلوماسي:

 

  • إدانة هجمات الحوثيين: أدانت الدول الغربية هجمات الحوثيين، مشددة على أنها تهدد الأمن البحري والتجارة العالمية. لقد حثوا الحوثيين على وقف جميع الهجمات والانخراط في حوار سلمي.

 

  • دعم الحكومة اليمنية: تواصل الدول الغربية تقديم الدعم الدبلوماسي والمالي للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، بهدف تعزيز استقرارها وتعزيز حل سلمي للنزاع.

2.التداعيات المُحتملة للهجوم:

تأتي الآثار الاقتصادية من إعاقة المرور في باب المندب من أهميته كمدخل لقناة السويس التي تربط الشرق بالغرب، ولهذا فإن التداعيات تبدأ من قناة السويس، ويُمكن تلخيصها فيما يلي:

 

  • ارتفاع تكلفة النقل:

حيث تتخذ الرحلة عبر قناة السويس تقريبًا رُبع المُدة التي تتخذها السُفن للمرور عبر رأس الرجاء الصالح، وهو ما يرفع التكلفة بشدة لسببين أولهما أن الجزء الأكبر من التكلفة التشغيلية للسفن تكمن في الوقود، وبالتالي فإن التكلفة تتضاعف مع استهلاك الوقود، ثانيًا أن تكلفة التأمين ترتفع مع المرور في رأس الرجاء الصالح بسبب العبور في البحار المفتوحة التي تتضاعف فيها شدة التيارات البحرية بالإضافة إلى زيادة المخاطر، يقارن الجدول التالي بين المرور في الطريقين:

 

الميزة قناة السويس رأس الرجاء الصالح
المسافة 5100 ميل بحري (9445 كيلومتر) 11100 ميل بحري (20560 كيلومتر)
متوسط زمن الرحلة يومًا12-14 يومًا35-42
استهلاك الوقود أقل أعلى
تكلفة الحاوية 20 قدمًا دولار أمريكي 3000-4000 دولار أمريكي 4500-5500
  • انخفاض المعروض السلعي الغربي:

تربط قناة السويس بين أهم الموردين والمُستهلكين في العالم، خصوصًا بين أوروبا والصين، ومع ارتفاع الزمن المُستغرق في النقل، فإن ذلك حتمًا سيؤدي إلى انخفاض المعروض السلعي في أوروبا، مما يُضغط على الطلب في الأسواق الغربية ويرفع مُعدلات التضخم، حيث إنه بناءً على بيانات عام 2022، تمثل الصين والهند جزءًا كبيرًا من السلع النهائية المستوردة إلى الاتحاد الأوروبي، إذ يُمكن أن تصل حصتهما معًا إلى بين 25% و35%، وتتركز أهم السلع فيما يلي:

 

  • الأجهزة الإلكترونية: تهيمن الصين على أكثر من 80٪ من حصة السوق.
  • المنسوجات والملابس: تحتل الصين الصدارة بنسبة 70٪ تقريبًا، بينما تتبعها الهند عن كثب بحوالي 15٪.
  • الآلات والمعدات: تبرز ألمانيا كمورد رئيسي إلى جانب الصين واليابان، مع حصة أصغر للهند.
  • المستحضرات الصيدلانية: تحتل ألمانيا وسويسرا حصصًا كبيرة، بينما تلعب الصين والهند دورًا أقل بروزًا.

 

  • ارتفاع أسعار النفط، وانخفاض حدة الخلاف بين مجموعة أوبك +:

سيؤدي انخفاض كميات النفط المعروضة في السوق إلى ارتفاع الأسعار من ناحية، وما هو قد يؤدي إلي ارتفاع أسعار النفط في السوق لمُستويات نحو ٩٠ دولار للبرميل، وقد يُساعد ذلك على خفض حدة التوترات القائمة بين أعضاء مجموعة أوبك + على الحصص السوقية، ويُساعد على رفع بعض الأعضاء خارج دول الخليج لحصصها السوقية، بما يُعيد التناغم للمجموعة من جديد.

 

  • تأجيل خفض أسعار الفائدة:

مع استمرار إعاقة المرور سينخفض بذات الطريقة المروض النفطي العالمي، وسيجري تسعير هذه المخاطر بما يرفع من سعر النفط، الذي يُعتبر المُحرك الأساسي للنشاط الإنساني، وبالتالي يُساعد في رفع مُعدلات التضخم، الذي سيضر السُلطات النقدية في العالم إلى تأجيل خفض أسعار الفائدة حتى التأكد من التأثيرات التي سيحدثها عرقلة وصول النفط.

 

  • استهداف مُنشآت الطاقة الخليجية والعسكرية:

مع بداية التصعيد الغربي في باب المندب، خصوصًا مع اتخاذ إجراءات قد تطال بنية الحوثيين الاقتصادية والعسكرية، فإن الحوثين سيبدؤون في الرد إما عن طريق استهداف البوارج البحرية التي تهاجمهم في البحر، وهو أم غير مُرجح بسبب التكنولوجيا الحديثة التي يتطلبها هذا الاستهداف، وبالتالي فإن المُرجع بنسب أكبر هو استهداف المُنشآت العسكرية الأمريكية، والخليجية في الدول المُجاورة خصوصًا السعودية والإمارات، وبالإضافة لذلك فإنه يُرجح وبشدة استهداف مُنشآت انتاج الطاقة الأساسية على الخليج العربي، أو مُنشآت نقلها عبر الأراضي السعودية، وعلى وجه أخص خط بترول شرق غرب الذي ينقل ٥ مليون برميل يوميًا من الجانب الشرقي للغربي في المملكة مُتجاوزًا مضيقي هُرمز وباب المندب.

 

  • تورط إيراني مُباشر:

كل ارتفاع للضغط على الحوثيين، ومع استمرار المعارك المتوقعة لفترات طويلة على المُنشآت العسكرية الحوثية، فإن ذلك قد يستدعي تدخلًا إيرانيًا مُباشرًا، وهو ما سينقل المعركة والمخاطر المتوقعة لها لمُستوى آخر من الخطورة، حيث أن التهديد سيطال مضيق هُرمز، الذي تعبره نحو ٣٥٪ من تجارة النفط المنقولة بحرًا.

 

  • تداعيات عميقة على الاقتصاد المصري:

يُعاني الاقتصاد المصري من أزمة تضخم مُرتفع بسبب انخفاض المعروض من الدولار، وتُشكل قناة السويس المصدر الخامس لتدفقات النقد الأجنبي للبلاد بما يبلغ ٩.٢ مليار دولار أو نحو ٨٪ من إجمالي التدفقات الأجنبية، ومع غلق باب المندب وانخفاض المرور، ستتأثر هذه التدفقات بدرجة كبيرة حيث أن ما يزيد عن ٨٥٪ من إجمالي الحمولة العابرة للقناة تحتاج لاجتياز باب المندب، كما يوضح الشكل التالي الذي يُعبر عن الحمولة العابرة قناة السويس في كلا الاتجاهين:

 

يوضح الشكل أن إجمالي ٢٧٪ من إجمالي حمولة قافلة الشمال/الجنوب تصل إلى منطقة البحر الأحمر والتي تتركز أساسًا في المملكة العربية السعودية، وبدرجة أقل السودان، اريتريا، واليمن ذاتها، التي لا تحتاجان إلى المرور عبر باب المندب، كذلك فإن ١٦٪ فقط من إجمالي حمولة قافلة جنوب/ شمال حسب المصدر لا تحتاج للمرور عبر المندب، الأمر الذي سيُرتب مُحصلته ضغوطًا شديدة على الاقتصاد المصري، ويرفع مُستويات التضخم فيه، بعد انخفاض إيرادات القناة.

 

إجمالًا فإن التوتر الجاري في البحر الأحمر في طريقه لمزيد من التصعيد، وسيجُر إليه مزيدًا من دول المنطقة، وهو ما سيضغط على اقتصادات المنطقة بجُملتها، وخصوصًا الاقتصاد المصري، وقد يؤدي إلى عرقلة التسويات بين السعودية وإيران، بالإضافة إلى تأثيرات قد تتجاوز المدى الإقليمي إلى الدولي.

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *