الأحدث

ماذا يعني انسحاب طهران من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية؟
البرامج البحثية
10 أكتوبر 2025

ماذا يعني انسحاب طهران من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية؟

يشهد الملف النووي الإيراني تصعيدًا متسارعًا، يبرز في خضمه القرار المٌحتمل بانسحاب طهران من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وهو ما قد يعيد تعريف منظومة الحوكمة النووية الدولية. ويطرح هذا التوجه - إن تحقق- سابقة هي الأولى من نوعها منذ أن انسحبت كوريا الشمالية من المعاهدة ذاتها عام ٢٠٠٣، ليتحول من مجرد موقف تفاوضي إلى نقطة تحول استراتيجية عميقة تؤثر في سياسات الشرق الأوسط والعالم بآسره.   ولم تظهر هذه التهديدات الإيرانية، التي بدأت تتصاعد منذ يونيو ٢٠٢٥ من فراغ، بل جاءت كرد فعل مباشر على تطورات استراتيجية متعاقبة، فقد دفعت الضربات العسكرية الأمريكية-الإسرائيلية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية في يونيو ٢٠٢٥ الموقف نحو التعقيد، ثم زادت حدة الأزمة حين أعلنت الترويكا الأوروبية (E3) في سبتمبر ٢٠٢٥ تفعيل "آلية الزناد" التي أعادت فرض العقوبات الأممية على طهران. وقد دفعت هذه الإجراءات مجتمعة إيران إلى اعتبار أن الجدوى الاقتصادية والسياسية من استمرار التزامها بالمعاهدات الدولية قد تلاشت.   وتتجاوز خطورة الموقف أبعاده السياسية لتشمل جوانب فنية وقانونية بالغة الدقة. فعلى الصعيد الفني، تمتلك إيران مخزونًا يتراوح بين ٤٠٠ و٤٥٠ كيلوجرامًا من اليورانيوم المٌخصب المفقود بنسبة ٦٠٪، وهي كمية تضعها على بعد أسابيع قليلة فقط من إنتاج المادة الانشطارية اللازمة لصنع سلاح نووي بتخصيب يصل إلى ٩٠٪. أما على الصعيد القانوني، فسيؤدي لجوء إيران إلى تفعيل المادة العاشرة من المعاهدة إلى إنهاء فوري للرقابة الدولية التي تمارسها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما سيُخرج اتفاقية الضمانات الشاملة من المعادلة، مما يفتح الباب أمام عزل دبلوماسي شبه تام. وبذلك، تتخطى التداعيات المترتبة على الانسحاب حدود البرنامج النووي الإيراني لتؤسس لمعضلة أمنية إقليمية واسعة النطاق.
على حافة الهاوية: مآلات تصاعد الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة
البرامج البحثية
7 أكتوبر 2025

على حافة الهاوية: مآلات تصاعد الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة

يعكس حادث إطلاق النار على الناشط اليميني المحافظ تشارلي كيرك في 10 سبتمبر بجامعة وادي يوتا في مدينة أورِم – يوتا، أثناء مناظرة مخصّصة لأسئلة وأجوبة، حجم الانقسامات العميقة في المجتمع الأميركي ومشهدَه السياسي المضطرب. كما يجسّد هذا الحادث إحدى التداعيات الخطيرة لحالة الاستقطاب الحادّ التي تعصف بالولايات المتحدة، وما ترتّب عليها من تصاعد العنف السياسي.   ترسّخ الاستقطاب الأيديولوجي في الولايات المتحدة بعمق داخل المجتمع، فيما أفرزت السنوات الأخيرة مشهدًا سياسيًا أكثر انقسامًا حول توجهات السياسات الداخلية والخارجية للحكومة، بما في ذلك قضايا الضرائب والهجرة والمساعدات لأوكرانيا وحرب إسرائيل في غزة. فمنذ اندلاع الحرب في غزة، دأبت الحكومة الأميركية على تقديم دعم عسكري ومالي ودبلوماسي واسع لإسرائيل، كما استخدمت حق النقض (الفيتو) مرارًا لإجهاض قرارات مجلس الأمن الداعية إلى وقف إطلاق النار، وهو ما عمّق الفجوة بين توجهات السلطة الرسمية ومواقف الشارع، لا سيما بين صفوف الأجيال الشابة. وقد شهدت الجامعات الأميركية موجات واسعة من الاحتجاجات المناهضة للحرب الإسرائيلية في غزة والداعمة لفلسطين، قوبلت بعنف من قوات الشرطة واعتقالات وتهديدات بترحيل الطلاب الأجانب. وفي السياق ذاته، يُعدّ تشارلي كيرك من أبرز المؤيدين لإسرائيل وسياساتها في غزة، غير أنّه أثار شكوكًا حول الخروقات الأمنية الإسرائيلية وكيف تمكنت حركة حماس من اختراق منظومة الدفاع الإسرائيلية.   يشكّل تشارلي كيرك نموذجًا حيًّا لحالة الاستقطاب المتجذّرة في الولايات المتحدة، إذ مثّلت آراؤه المحافظة نقطة جذب لشرائح واسعة من المؤيدين، لكنها في الوقت نفسه كانت مصدرَ صدامٍ متكرر مع توجهات الحزب الديمقراطي. وقد أعاد حادث إطلاق النار عليه طرح تساؤلات حول ما إذا كان هذا العنف تعبيرًا عن الانقسام العميق الذي يعصف بالمجتمع الأميركي، وحول مدى ارتباط القضايا الجدلية مثل قضايا النوع الاجتماعي والهجرة وحرب غزة بتغذية موجات العنف السياسي المتزايد الناتج عن الاستقطاب الحاد داخل البلاد.   مع اقتراب الانتخابات البلدية وانتخابات التجديد النصفي للكونجرس، تثار تساؤلات حول ما إذا كان الحزب الجمهوري سيسعى إلى توظيف موجة العنف السياسي الناتجة عن الاستقطاب الحاد لتحقيق مكاسب انتخابية، في مقابل قدرة الحزب الديمقراطي على تجاوز انقساماته الداخلية واستثمار المخاوف العامة من النهج المتشدد الذي اتبعته إدارة ترامب في التعامل مع حادث اغتيال تشارلي كيرك.
الإغلاق الحكومي الأمريكي 2025: أزمة تمويل أم تحول مؤسسي؟
البرامج البحثية
6 أكتوبر 2025

الإغلاق الحكومي الأمريكي 2025: أزمة تمويل أم تحول مؤسسي؟

تدخل الولايات المتحدة، منذ فجر الأول من أكتوبر 2025، في أزمة سياسية ومؤسسية حادة، بعد أن توقفت الحكومة الفيدرالية عن أداء وظائفها غير الأساسية، نتيجة إخفاق الكونجرس في تمرير قوانين الإنفاق المطلوبة لبدء السنة المالية الجديدة. هذا الإغلاق، الذي يُعد الأول من نوعه منذ سبع سنوات، لا يقتصر على كونه فشلاً تشريعيًا في التوافق على الموازنة، بل يُجسّد صدامًا أعمق حول شكل الدولة الأمريكية ومستقبلها الإداري والاجتماعي. إذ يتمسك الحزب الديمقراطي بمطالب تشريعية جوهرية في مجال الرعاية الصحية، بينما يرفض الحزب الجمهوري الحاكم—المُمسك بمفاصل الكونغرس والبيت الأبيض—تسييس عملية التمويل، ويصر على تمرير قانون مؤقت خالٍ من أي تعديلات.   في هذه الأثناء، تُعيد إدارة الرئيس ترامب تعريف مفهوم الإغلاق نفسه، إذ تُحوّله من أداة ضغط تشريعي إلى وسيلة تنفيذية لإعادة هيكلة الجهاز الحكومي. حيث تُصدر الإدارة توجيهات صريحة للوكالات بالاستعداد لتسريحات دائمة (Reduction in Force)، مستهدفة البرامج والموظفين الذين لا يتماهون مع أجندتها السياسية، وهو ما يُحدث تحولًا جذريًا في علاقة السلطة التنفيذية بالجهاز الإداري الفيدرالي.   يتناول هذا الملف تحليلًا شاملًا للأزمة من زواياها كافة: يبدأ بتفكيك الجذور التشريعية والسياسية التي قادت إلى الانسداد الراهن، ثم يستعرض التداعيات الفورية على المؤسسات الفيدرالية والموظفين، ويتتبع الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة. كما يُجري مقارنة دقيقة بين هذا الإغلاق وحالات سابقة، ويُحلل خريطة المواقف الحزبية المتضاربة، واتجاهات الرأي العام، واحتمالات الحلحلة أو التصعيد. ويُقدّم في النهاية قراءة استراتيجية لما يُمكن أن تمثله هذه اللحظة من سابقة دستورية تُهدد التوازن التاريخي بين السلطات داخل النظام الأمريكي.
الأقمار الصناعية الورقية كنظام احتكار مُقنّن للمدارات الأرضية
البرامج البحثية
3 أكتوبر 2025

الأقمار الصناعية الورقية كنظام احتكار مُقنّن للمدارات الأرضية

شهد النظام الدولي تحوّلًا جذريًّا في النظرة إلى الفضاء الخارجي، حيث لم يعد يُمثّل مجرد امتداد تقني للاستكشاف العلمي، بل أصبح يُجسّد موردًا استراتيجيًّا بالغ الأهمية. ساهمت الثورة الرقمية والاعتماد المتزايد على الأقمار الصناعية في تعظيم القيمة الجيوسياسية للمدارات، ودفع هذا التحوّل مؤسسات التنظيم الدولية، وفي مقدمتها الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)، إلى توسيع دورها في إدارة ما يُعرف بالموارد المدارية الطيفية (orbit-spectrum resources). رغم ذلك، حافظت هذه المؤسسات على آليات تنظيمية تعود جذورها إلى حقبة الستينيات، في وقت تضاعفت فيه أعداد الفاعلين وأهداف الاستخدام.   اعتمدت منظومة الـITU على مبدأ "الأسبقية في التقديم" (First Come, First Served – FCFS)، فسمحت للأطراف القادرة على تقديم ملفاتها مبكرًا بالحصول على أولوية قانونية في الوصول إلى المدارات والترددات، دون أن تربط ذلك بمدى الجاهزية التقنية أو الالتزام الفعلي بالتشغيل. هذا الإطار التنظيمي، الذي استجاب في حينه لمتطلبات فنية محدودة ولعدد قليل من الدول، لم يواكب التغيرات اللاحقة، فساهم في تكريس تفاوتات هيكلية بين من امتلك قدرات مبكرة ومن بقي على هامش النظام الفضائي العالمي.   دفع هذا الخلل النظامي الدول القادرة على بناء وتشغيل منظومات فضائية معقدة إلى استغلال قواعد الـFCFS، فاستحوذت على المواقع المدارية ذات القيمة الاستراتيجية. وتشير بيانات عام 2025 إلى وجود أكثر من 12,000 قمر صناعي نشط حول الأرض، تُشغّل الولايات المتحدة وحدها نحو 70% منها، بينما لا تتجاوز حصة الغالبية الساحقة من الدول النامية نسبًا هامشية. ارتبط هذا التوزيع غير المتكافئ بطفرة الكوكبات الضخمة (mega-constellations) في المدار الأرضي المنخفض (LEO)، حيث أطلقت شركات مثل SpaceX آلاف الأقمار ضمن شبكات مستقلة تُهيمن على البنية التحتية للاتصال العالمي.   لم تقتصر الإشكاليات على التوزيع غير العادل، بل امتدت لتشمل تحديات تتعلق بالاستدامة البيئية والأمن التقني. أسهمت الوتيرة المرتفعة لإطلاق الأقمار الصناعية في ازدحام طبقات المدار، ورفعت احتمالات التصادم، وعمّقت أزمة الحطام الفضائي. ومع أنّ النظام الحالي يُركّز على منع التداخل الترددي، إلا أنه لا يمتلك أدوات تنظيم حقيقية لإدارة الكثافة المدارية أو لتقليل مخاطر الاصطدام. ونتيجة لذلك، نشأت فجوة بين أهداف التنظيم التقني ومقتضيات الإدارة البيئية والأمنية.   في ضوء هذه التحولات، يهدف هذا التحليل إلى دراسة المنظومة القانونية والإجرائية القائمة، وتفكيك منطق عمل مبدأ FCFS، من خلال دراسة بيانات الامتلاك المداري، ورصد أنماط التمركز الاستراتيجي، وتتبع تداعياتها البيئية والجيوسياسية والاقتصادية.

الإنذار المبكر

اتجاهات الرأي العام: اللغة العربية ومستقبل الأمن العربى
البرامج البحثية
1 أكتوبر 2025

اتجاهات الرأي العام: اللغة العربية ومستقبل الأمن العربى

يستعرض استطلاع "اتجاهات الرأي العام"، الذي أُجري في أغسطس 2025، تصوّرات الجمهور حيال اللغة العربية ودورها في تشكيل الهوية الإقليمية، والأمن، والتماسك الاجتماعي. وتُبرز نتائجه أنّ تراجع العربية يُنظر إليه كتهديد محتمل، لا للوحدة الثقافية والاجتماعية فحسب، بل أيضاً للاستقرار الاقتصادي والأمن القومي. ومن خلال تناول المخاوف الآنية وتلك الممتدة على المدى البعيد، يقدّم الاستطلاع رؤى بالغة الأهمية حول كيفية إدراك اللغة بوصفها ركناً من أركان الصمود في العالم العربي.
المدن العائمة: حين تختبئ الهيمنة خلف رايات الابتكار
البرامج البحثية
30 سبتمبر 2025

المدن العائمة: حين تختبئ الهيمنة خلف رايات الابتكار

ظلت فكرة تشييد مدن عائمة فوق سطح البحر تراوح بين أجواء الخيال العلمي وطموحات وادي السيليكون، إلى أن تحولت في أواخر العقد الأول من الألفية إلى مشروع واقعي عُرف باسم (المدن العائمة- (Seasteading. وقد رُوِّج لهذا المشروع بوصفه تجربة راديكالية ذات نزعة تحررية، تعد بالخلاص من عبء الضرائب والأنظمة والسلطات، وتتيح لمموليها الأثرياء فرصة تأسيس مجتمعات جديدة خارج نطاق سيادة الدول. في منظور أنصاره، لم يكن الأمر محاولةً لترميم النظم المتهالكة، بل مسعى لإعادة التأسيس من نقطة الصفر في أعالي البحار، حيث تُكتب القواعد من جديد باسم الحرية والابتكار وإمكانات غير محدودة.   غير أنّ اقتراب هذه الفكرة من عتبة الواقع يجعل الأسئلة التي تثيرها أكثر إلحاحًا: فلمن ستُقام هذه المجتمعات الجديدة حقًّا؟ ومن هم الذين سيجدون أنفسهم مستبعدين بالضرورة؟ ففي عالم يتسم أصلًا باتساع فجوات اللامساواة وتسارع وتيرة الأزمة المناخية، قد لا تبدو المدن العائمة صورًا لمستقبل واعد بقدر ما تبدو نُذرًا محذِّرة من حاضر مأزوم.
من مسار الدبلوماسية إلى دروب التوسع: حرب نتنياهو غير المتوقعة
البرامج البحثية
26 سبتمبر 2025

من مسار الدبلوماسية إلى دروب التوسع: حرب نتنياهو غير المتوقعة

لم تعد طموحات نتنياهو محصورة في الدبلوماسية أو في السعي وراء اتفاقات التطبيع. اتفاقات أبراهام، التي عُدّت في وقتٍ من الأوقات الهدف الأسمى لاستراتيجيته الإقليمية المعاصرة، تبدو اليوم بلا قيمة، وقد أُزيحت جانبًا لصالح رؤية أشدّ عدوانية. فما نشهده اليوم ليس سياسة السلام، بل سياسة التوسع، حيث لا يمكن لأي دولة عربية أن تفترض أنها بمنأى عن الخطر. السؤال المتعلق بأي دولة ستكون الهدف المقبل بات عصيًا على التنبؤ، لأن أفعال نتنياهو لا تحكمها حسابات عقلانية بقدر ما تستند إلى الثقة التي يمدّه بها الدعم الأميركي غير المشروط. قلّة هم من كانوا يتخيلون أن الدوحة، بما تحويه من قاعدة عسكرية أميركية وبما تمثله من حليف وثيق لواشنطن، قد تتعرض لغارة جوية، إلا أن ذلك حدث ذلك بالفعل. تكشف حالة عدم القدرة على التنبؤ واقعًا بالغ الخطورة وهو أن نطاق الحرب مرشح للتوسع، وأن أي دولة في المنطقة قد تجد نفسها الهدف القادم لإسرائيل.
نظام تحديد المواقع العالمي (GPS): ساحة الحرب الخفية في الشرق الأوسط
البرامج البحثية
22 سبتمبر 2025

نظام تحديد المواقع العالمي (GPS): ساحة الحرب الخفية في الشرق الأوسط

لم تعد الحروب تقتصر على الصواريخ والطائرات المسيّرة أو الجنود في ساحات القتال؛ فقد انتقل الصراع الحاسم تدريجيًا إلى فضاء الإشارات غير المرئية التي تُوجّه الطائرات بهدوء عبر السماء، والسفن عبر المضائق الضيقة، بل وتضبط إيقاع الأسواق المالية. وفي قلب هذا التنافس الجديد يقف النظام العالمي لتحديد المواقع (GPS)، الذي عُدّ يومًا إنجازًا علميًا مبهرًا ومُنِح للعالم كمنفعة عامة مجانية، لكنه يتحول تدريجيًا إلى سلاح يسهل تعطيله بتكلفة زهيدة، ويصعب تتبّعه، وقادر على إحداث تداعيات تتجاوز ميدان القتال لتطال ساحات أشد اتساعًا.   لقد شكّل التشويش الأخير على طائرة رئيسة المفوضية الأوروبية "أورسولا فون دير لاين" تذكيرًا صارخًا بأن مستويات القيادة العليا ليست بمنأى عن هذه الظاهرة. غير أن ما قد يبدو حوادث متفرقة في أوروبا إنما يندرج في الواقع ضمن نمط أوسع وأكثر تجذّرًا في الشرق الأوسط. ففي منطقة تتقاطع فيها أهم الممرات الاستراتيجية للطاقة عالميًا، لم يعد التدخل في أنظمة الملاحة حدثًا نادرًا أو استثنائيًا، بل بات سمة متكررة من سمات الصراع، بما يحمله من انعكاسات تمتد من الجاهزية العسكرية إلى الاستقرار الاقتصادي، وصولًا إلى الحياة اليومية لملايين البشر.

الاقتصاد و الطاقة

الأقمار الصناعية الورقية كنظام احتكار مُقنّن للمدارات الأرضية
البرامج البحثية
3 أكتوبر 2025

الأقمار الصناعية الورقية كنظام احتكار مُقنّن للمدارات الأرضية

شهد النظام الدولي تحوّلًا جذريًّا في النظرة إلى الفضاء الخارجي، حيث لم يعد يُمثّل مجرد امتداد تقني للاستكشاف العلمي، بل أصبح يُجسّد موردًا استراتيجيًّا بالغ الأهمية. ساهمت الثورة الرقمية والاعتماد المتزايد على الأقمار الصناعية في تعظيم القيمة الجيوسياسية للمدارات، ودفع هذا التحوّل مؤسسات التنظيم الدولية، وفي مقدمتها الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)، إلى توسيع دورها في إدارة ما يُعرف بالموارد المدارية الطيفية (orbit-spectrum resources). رغم ذلك، حافظت هذه المؤسسات على آليات تنظيمية تعود جذورها إلى حقبة الستينيات، في وقت تضاعفت فيه أعداد الفاعلين وأهداف الاستخدام.   اعتمدت منظومة الـITU على مبدأ "الأسبقية في التقديم" (First Come, First Served – FCFS)، فسمحت للأطراف القادرة على تقديم ملفاتها مبكرًا بالحصول على أولوية قانونية في الوصول إلى المدارات والترددات، دون أن تربط ذلك بمدى الجاهزية التقنية أو الالتزام الفعلي بالتشغيل. هذا الإطار التنظيمي، الذي استجاب في حينه لمتطلبات فنية محدودة ولعدد قليل من الدول، لم يواكب التغيرات اللاحقة، فساهم في تكريس تفاوتات هيكلية بين من امتلك قدرات مبكرة ومن بقي على هامش النظام الفضائي العالمي.   دفع هذا الخلل النظامي الدول القادرة على بناء وتشغيل منظومات فضائية معقدة إلى استغلال قواعد الـFCFS، فاستحوذت على المواقع المدارية ذات القيمة الاستراتيجية. وتشير بيانات عام 2025 إلى وجود أكثر من 12,000 قمر صناعي نشط حول الأرض، تُشغّل الولايات المتحدة وحدها نحو 70% منها، بينما لا تتجاوز حصة الغالبية الساحقة من الدول النامية نسبًا هامشية. ارتبط هذا التوزيع غير المتكافئ بطفرة الكوكبات الضخمة (mega-constellations) في المدار الأرضي المنخفض (LEO)، حيث أطلقت شركات مثل SpaceX آلاف الأقمار ضمن شبكات مستقلة تُهيمن على البنية التحتية للاتصال العالمي.   لم تقتصر الإشكاليات على التوزيع غير العادل، بل امتدت لتشمل تحديات تتعلق بالاستدامة البيئية والأمن التقني. أسهمت الوتيرة المرتفعة لإطلاق الأقمار الصناعية في ازدحام طبقات المدار، ورفعت احتمالات التصادم، وعمّقت أزمة الحطام الفضائي. ومع أنّ النظام الحالي يُركّز على منع التداخل الترددي، إلا أنه لا يمتلك أدوات تنظيم حقيقية لإدارة الكثافة المدارية أو لتقليل مخاطر الاصطدام. ونتيجة لذلك، نشأت فجوة بين أهداف التنظيم التقني ومقتضيات الإدارة البيئية والأمنية.   في ضوء هذه التحولات، يهدف هذا التحليل إلى دراسة المنظومة القانونية والإجرائية القائمة، وتفكيك منطق عمل مبدأ FCFS، من خلال دراسة بيانات الامتلاك المداري، ورصد أنماط التمركز الاستراتيجي، وتتبع تداعياتها البيئية والجيوسياسية والاقتصادية.
تكلفة غير متكافئة: كيف يعمّق الحطام الفضائي إقصاء الدول النامية من اقتصادات المُستقبل
البرامج البحثية
29 سبتمبر 2025

تكلفة غير متكافئة: كيف يعمّق الحطام الفضائي إقصاء الدول النامية من اقتصادات المُستقبل

شهد المدار القريب من الأرض Low Earth Orbit (LEO) منذ إطلاق القمر الصناعي الأول عام 1957 تحوّلًا جوهريًا من فضاء شبه فارغ إلى بيئة ملوّثة ومزدحمة بمخلّفات النشاط الفضائي. فقد تراكمت الأقمار الصناعية غير الوظيفية Dead Satellites، ومراحل الصواريخ المستهلكة Spent Rocket Stages، والقطع المُتفككة الناتجة عن الانفجارات والاصطدامات Fragmentation Debris، حتى تجاوزت الكتلة الاصطناعية في المدار 14,700 طن، كما وأسهمت أحداث محددة في تضخيم هذه الأزمة، أبرزها التجربة الصينية المضادة للأقمار الصناعية Anti-Satellite Test (ASAT) عام 2007، والاصطدام بين القمر الأميركي Iridium-33 والقمر الروسي Kosmos-2251 عام 2009، واللذان ولّدا معًا ما يقارب ثلث الحطام المرصود في المدار الأرضي المنخفض.   تتوزع هذه المخلفات عبر نطاقات مدارية مختلفة، لكنها تتركز بكثافة في الحزام الممتد بين 750 و1000 كيلومتر، وهو أكثر المدارات استخدامًا لأغراض الرصد الأرضي Earth Observation والاتصالات. وفي هذه الارتفاعات قد تبقى الأجسام قرونًا قبل أن تدخل الغلاف الجوي، فيما يكتسب المدار الثابت Geostationary Orbit (GEO) خطورته من استدامة وجود أي حطام يتولد فيه، نظرًا لندرة عودة الأجسام المتواجدة فيه إلى الأرض. الأمر الذي حول المدار من مجرد ساحة مفتوحة إلى موردًا محدودًا ملوّثًا يستدعي إدارة جماعية رشيدة.   يتناول هذا الملف بالدراسة والتحليل الأبعاد الاقتصادية والسياسية لظاهرة الحطام الفضائي Space Debris. ويركّز على قياس الكلفة المباشرة التي تتحملها الشركات والوكالات في إدارة مخاطرها، ثم ينتقل إلى تفكيك الانعكاسات غير المباشرة لهذه الظاهرة على البنية التحتية الأرضية مثل أنظمة الملاحة العالمية Global Navigation Satellite Systems (GNSS) والأرصاد الجوية Weather Forecasting. كما يخصص مساحة لتوضيح العقبات التي تواجه الدول النامية، من نقص التمويل إلى ضعف القدرات التقنية والتنظيمية، في ظل بيئة مدارية صاغتها أفعال القوى الفضائية الكبرى. وينتهي إلى بحث الاستجابات الممكنة، من إجراءات التخفيف Mitigation إلى الإزالة النشطة لهذه الأجسام Active Debris Removal (ADR).
الكتلة التجارية الجديدة للإمارات: بين الطموح العالمي واستحقاقات التحدي
البرامج البحثية
29 سبتمبر 2025

الكتلة التجارية الجديدة للإمارات: بين الطموح العالمي واستحقاقات التحدي

تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة إلى إنشاء كتلة تجارية جديدة تمثل مبادرة استراتيجية مترابطة الأبعاد، ترمي إلى تحقيق جملة من الأهداف على الصعيدين الوطني والدولي. ولا يجوز النظر إلى هذه الكتلة التجارية بمعزل عن سياقها الأشمل، بل ينبغي فهمها في إطار الاستراتيجية الاقتصادية والجيوبوليتيكية الأوسع التي تنتهجها الإمارات، والتي تعكس بدورها التحوّلات البنيوية والتطورات المتسارعة في مشهد التجارة العالمية.   في عصر العولمة المجزّأة، حيث تتزايد بصورة ملحوظة محاولات التنافس والتكامل بين الشبكات التجارية الإقليمية والنظم متعددة الأطراف، تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة إلى ترسيخ مكانتها والحفاظ على حضورها الفاعل عبر تموضعها في طليعة المشهد العالمي. وتتيح هذه المقاربة للإمارات تحقيق مكاسب على مستويات متعددة، من خلال دفع أولوياتها الداخلية قُدماً، وفي الوقت نفسه تعزيز قدرتها على التأثير في موازين القوة الاقتصادية العالمية المتحوّلة. ومع ذلك، فإن نجاح هذا التكتل ليس مضموناً بصورة مطلقة، إذ سيتعيّن عليه تجاوز عقبات تنظيمية وبنيوية وسياسية كبرى من أجل تحويل إمكاناته النظرية إلى نتائج عملية ملموسة.
الآثار الاقتصادية العالمية لانقطاع خدمات ستارلينك: من الهشاشة التشغيلية إلى مسارات الصمود
البرامج البحثية
25 سبتمبر 2025

الآثار الاقتصادية العالمية لانقطاع خدمات ستارلينك: من الهشاشة التشغيلية إلى مسارات الصمود

شهدت السنوات الأخيرة بروز شبكة الأقمار الصناعية العاملة في المدار الأرضي المنخفض (Low Earth Orbit – LEO) كأحد التحوّلات الجذرية في بنية الاتصال العالمي، بعدما انتقلت من كونها حلًّا تقنيًّا لتوسيع نطاق التغطية في المناطق النائية إلى مكوّن أساسي في البنية التحتية الرقمية العالمية. وتُعد شبكة "ستارلينك" (Starlink)، التابعة لشركة SpaceX، أبرز الأمثلة على هذا التحول، إذ تجاوز عدد مستخدميها سبعة ملايين بحلول منتصف عام 2025، مع تغطية تشمل أكثر من 150 دولة، ومعدلات نمو غير مسبوقة في قطاعات الطيران، الملاحة البحرية، الأسواق المالية، والخدمات الحكومية والعسكرية.   هذا التوسّع التقني والجغرافي السريع وضع "ستارلينك" في موقع بنيوي بالغ الحساسية، إذ باتت تمثّل نقطة التقاء بين البنية التحتية الرقمية والوظائف السيادية للدول، في ظل غياب تنظيم دولي واضح يُقنن هذا الاعتماد أو يضمن استقراره. وقد كشفت حوادث الانقطاع الواسعة التي وقعت في شهري يوليو وسبتمبر 2025 عن هشاشة كامنة في المعمار البرمجي للشبكة، وعن قابلية هذا النظام العالمي الجديد للتعطل بفعل أخطاء داخلية أو اضطرابات بيئية فضائية.   يتناول هذا التحليل تلك الإشكالية من زاويتين مترابطتين: الأولى تقنية–اقتصادية، ترصد أنماط الفشل المحتملة لشبكات LEO من خلال دراسة حالتي الانقطاع المذكورتين وتفكيك البنية التشغيلية لشبكة ستارلينك، والثانية استراتيجية–استشرافية، تُقيّم الآثار المتوقعة لانقطاع عالمي واسع النطاق في المستقبل القريب، من خلال نمذجة الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة، واقتراح مسارات للحد من المخاطر النظامية، سواء عبر التنظيم التقني أو السياسات العامة على المستويين الوطني والدولي.

الدراسات السياسية

ماذا يعني انسحاب طهران من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية؟
البرامج البحثية
10 أكتوبر 2025

ماذا يعني انسحاب طهران من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية؟

يشهد الملف النووي الإيراني تصعيدًا متسارعًا، يبرز في خضمه القرار المٌحتمل بانسحاب طهران من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وهو ما قد يعيد تعريف منظومة الحوكمة النووية الدولية. ويطرح هذا التوجه - إن تحقق- سابقة هي الأولى من نوعها منذ أن انسحبت كوريا الشمالية من المعاهدة ذاتها عام ٢٠٠٣، ليتحول من مجرد موقف تفاوضي إلى نقطة تحول استراتيجية عميقة تؤثر في سياسات الشرق الأوسط والعالم بآسره.   ولم تظهر هذه التهديدات الإيرانية، التي بدأت تتصاعد منذ يونيو ٢٠٢٥ من فراغ، بل جاءت كرد فعل مباشر على تطورات استراتيجية متعاقبة، فقد دفعت الضربات العسكرية الأمريكية-الإسرائيلية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية في يونيو ٢٠٢٥ الموقف نحو التعقيد، ثم زادت حدة الأزمة حين أعلنت الترويكا الأوروبية (E3) في سبتمبر ٢٠٢٥ تفعيل "آلية الزناد" التي أعادت فرض العقوبات الأممية على طهران. وقد دفعت هذه الإجراءات مجتمعة إيران إلى اعتبار أن الجدوى الاقتصادية والسياسية من استمرار التزامها بالمعاهدات الدولية قد تلاشت.   وتتجاوز خطورة الموقف أبعاده السياسية لتشمل جوانب فنية وقانونية بالغة الدقة. فعلى الصعيد الفني، تمتلك إيران مخزونًا يتراوح بين ٤٠٠ و٤٥٠ كيلوجرامًا من اليورانيوم المٌخصب المفقود بنسبة ٦٠٪، وهي كمية تضعها على بعد أسابيع قليلة فقط من إنتاج المادة الانشطارية اللازمة لصنع سلاح نووي بتخصيب يصل إلى ٩٠٪. أما على الصعيد القانوني، فسيؤدي لجوء إيران إلى تفعيل المادة العاشرة من المعاهدة إلى إنهاء فوري للرقابة الدولية التي تمارسها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما سيُخرج اتفاقية الضمانات الشاملة من المعادلة، مما يفتح الباب أمام عزل دبلوماسي شبه تام. وبذلك، تتخطى التداعيات المترتبة على الانسحاب حدود البرنامج النووي الإيراني لتؤسس لمعضلة أمنية إقليمية واسعة النطاق.
على حافة الهاوية: مآلات تصاعد الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة
البرامج البحثية
7 أكتوبر 2025

على حافة الهاوية: مآلات تصاعد الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة

يعكس حادث إطلاق النار على الناشط اليميني المحافظ تشارلي كيرك في 10 سبتمبر بجامعة وادي يوتا في مدينة أورِم – يوتا، أثناء مناظرة مخصّصة لأسئلة وأجوبة، حجم الانقسامات العميقة في المجتمع الأميركي ومشهدَه السياسي المضطرب. كما يجسّد هذا الحادث إحدى التداعيات الخطيرة لحالة الاستقطاب الحادّ التي تعصف بالولايات المتحدة، وما ترتّب عليها من تصاعد العنف السياسي.   ترسّخ الاستقطاب الأيديولوجي في الولايات المتحدة بعمق داخل المجتمع، فيما أفرزت السنوات الأخيرة مشهدًا سياسيًا أكثر انقسامًا حول توجهات السياسات الداخلية والخارجية للحكومة، بما في ذلك قضايا الضرائب والهجرة والمساعدات لأوكرانيا وحرب إسرائيل في غزة. فمنذ اندلاع الحرب في غزة، دأبت الحكومة الأميركية على تقديم دعم عسكري ومالي ودبلوماسي واسع لإسرائيل، كما استخدمت حق النقض (الفيتو) مرارًا لإجهاض قرارات مجلس الأمن الداعية إلى وقف إطلاق النار، وهو ما عمّق الفجوة بين توجهات السلطة الرسمية ومواقف الشارع، لا سيما بين صفوف الأجيال الشابة. وقد شهدت الجامعات الأميركية موجات واسعة من الاحتجاجات المناهضة للحرب الإسرائيلية في غزة والداعمة لفلسطين، قوبلت بعنف من قوات الشرطة واعتقالات وتهديدات بترحيل الطلاب الأجانب. وفي السياق ذاته، يُعدّ تشارلي كيرك من أبرز المؤيدين لإسرائيل وسياساتها في غزة، غير أنّه أثار شكوكًا حول الخروقات الأمنية الإسرائيلية وكيف تمكنت حركة حماس من اختراق منظومة الدفاع الإسرائيلية.   يشكّل تشارلي كيرك نموذجًا حيًّا لحالة الاستقطاب المتجذّرة في الولايات المتحدة، إذ مثّلت آراؤه المحافظة نقطة جذب لشرائح واسعة من المؤيدين، لكنها في الوقت نفسه كانت مصدرَ صدامٍ متكرر مع توجهات الحزب الديمقراطي. وقد أعاد حادث إطلاق النار عليه طرح تساؤلات حول ما إذا كان هذا العنف تعبيرًا عن الانقسام العميق الذي يعصف بالمجتمع الأميركي، وحول مدى ارتباط القضايا الجدلية مثل قضايا النوع الاجتماعي والهجرة وحرب غزة بتغذية موجات العنف السياسي المتزايد الناتج عن الاستقطاب الحاد داخل البلاد.   مع اقتراب الانتخابات البلدية وانتخابات التجديد النصفي للكونجرس، تثار تساؤلات حول ما إذا كان الحزب الجمهوري سيسعى إلى توظيف موجة العنف السياسي الناتجة عن الاستقطاب الحاد لتحقيق مكاسب انتخابية، في مقابل قدرة الحزب الديمقراطي على تجاوز انقساماته الداخلية واستثمار المخاوف العامة من النهج المتشدد الذي اتبعته إدارة ترامب في التعامل مع حادث اغتيال تشارلي كيرك.
الإغلاق الحكومي الأمريكي 2025: أزمة تمويل أم تحول مؤسسي؟
البرامج البحثية
6 أكتوبر 2025

الإغلاق الحكومي الأمريكي 2025: أزمة تمويل أم تحول مؤسسي؟

تدخل الولايات المتحدة، منذ فجر الأول من أكتوبر 2025، في أزمة سياسية ومؤسسية حادة، بعد أن توقفت الحكومة الفيدرالية عن أداء وظائفها غير الأساسية، نتيجة إخفاق الكونجرس في تمرير قوانين الإنفاق المطلوبة لبدء السنة المالية الجديدة. هذا الإغلاق، الذي يُعد الأول من نوعه منذ سبع سنوات، لا يقتصر على كونه فشلاً تشريعيًا في التوافق على الموازنة، بل يُجسّد صدامًا أعمق حول شكل الدولة الأمريكية ومستقبلها الإداري والاجتماعي. إذ يتمسك الحزب الديمقراطي بمطالب تشريعية جوهرية في مجال الرعاية الصحية، بينما يرفض الحزب الجمهوري الحاكم—المُمسك بمفاصل الكونغرس والبيت الأبيض—تسييس عملية التمويل، ويصر على تمرير قانون مؤقت خالٍ من أي تعديلات.   في هذه الأثناء، تُعيد إدارة الرئيس ترامب تعريف مفهوم الإغلاق نفسه، إذ تُحوّله من أداة ضغط تشريعي إلى وسيلة تنفيذية لإعادة هيكلة الجهاز الحكومي. حيث تُصدر الإدارة توجيهات صريحة للوكالات بالاستعداد لتسريحات دائمة (Reduction in Force)، مستهدفة البرامج والموظفين الذين لا يتماهون مع أجندتها السياسية، وهو ما يُحدث تحولًا جذريًا في علاقة السلطة التنفيذية بالجهاز الإداري الفيدرالي.   يتناول هذا الملف تحليلًا شاملًا للأزمة من زواياها كافة: يبدأ بتفكيك الجذور التشريعية والسياسية التي قادت إلى الانسداد الراهن، ثم يستعرض التداعيات الفورية على المؤسسات الفيدرالية والموظفين، ويتتبع الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة. كما يُجري مقارنة دقيقة بين هذا الإغلاق وحالات سابقة، ويُحلل خريطة المواقف الحزبية المتضاربة، واتجاهات الرأي العام، واحتمالات الحلحلة أو التصعيد. ويُقدّم في النهاية قراءة استراتيجية لما يُمكن أن تمثله هذه اللحظة من سابقة دستورية تُهدد التوازن التاريخي بين السلطات داخل النظام الأمريكي.
خوارزميات الإبادة: من وادي السيليكون إلى قطاع غزة
البرامج البحثية
2 أكتوبر 2025

خوارزميات الإبادة: من وادي السيليكون إلى قطاع غزة

لم تعد أدوات النزاعات العسكرية خلال القرن الحادي والعشرين تقتصر على الأسلحة التقليدية مثل الصواريخ والدبابات والطائرات، بل اتسعت لتشمل منصات الحوسبة السحابية وأنظمة الذكاء الاصطناعي وقدرات معالجة البيانات التي تطورها وتديرها شركات تكنولوجيا عملاقة مقرها الولايات المتحدة، مثل مايكروسوفت وجوجل وأمازون. لقد أضحت هذه الشركات ركائز أساسية في دعم الحروب الرقمية الحديثة، فصارت قراراتها وسياساتها تمتد إلى مستويات عميقة من التأثير الجيوسياسي، لتشكل جزءاً محورياً من منظومة القوة الحديثة على الساحة الدولية.    في هذا السياق، شهدت العلاقة بين شركات التكنولوجيا التجارية والجيش الإسرائيلي تطوراً جذرياً، تجاوز نمط التعاون التقليدي في توريد الأجهزة والبرمجيات ليحول البنية الرقمية إلى محور أساسي لإدارة الصراع الحديث، خصوصاً خلال الحرب على غزة. حيث برز نمط جديد من التداخل بين القطاعات العسكرية والخاصة، إذ أضحت البنية الرقمية التجارية جزءاً لا يتجزأ من القدرات العسكرية، ما ساهم في تشويش الحدود بين الخدمات التجارية والمنظومات الأمنية الرسمية. ولم تعد إدارة الرواية العالمية حول الكوارث الإنسانية، مثل أزمة المجاعة المؤكدة والتقارير المستمرة عن جرائم الإبادة، منفصلة عن سياسات المحتوى التي تديرها منصات كبرى تخضع لسيطرة شركات التكنولوجيا، حيث تساهم هذه المنصات في تضخيم الرواية الرسمية وتهميش أو إنكار خطورة المجاعة والصراع، وتتيح في الوقت نفسه إمكانيات مراقبة عميقة تقمع الإعلام المستقل داخل مناطق النزاع.   وسلط الصراع في غزة الضوء على الدور المزدوج والمتزايد التعقيد لشركات التكنولوجيا الكبرى، وتحديدًا جوجل (ألفابت) - Google Alphabet Inc- ومايكروسوفت ( Microsoft Corporation)، في الحروب الحديثة والتحكم العالمي في المعلومات. حيث انخرطت هذه الشركات منخرطة في ديناميكية تآزريه توفر البنية التحتية الأساسية والمخصصة للحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، والتي تُسهّل عمليات عسكرية فتكية غير مسبوقة ومراقبة جماعية داخل قطاع غزة والأراضي المحتلة، بينما تستخدم في الوقت نفسه آليات متطورة للتحكم في المعلومات - بما في ذلك الرقابة الداخلية، والتحيز الخوارزمي، وقمع البيانات - لإعادة تشكيل السرد العام وتخفيف مساءلة الشركات. لذا يسعي هذا التحليل التركيز على دور شركات التكنولوجيا في ديناميات وتداعيات الصراع في غزة، وكيف تسهم في هندسة المجال المعلوماتي والسياسي والإنساني ضمن بيئة النزاع المعاصر وهو ما يحول هذه الشركات من مقدمي خدمات محايدين إلى مشاركين فاعلين في البنية التحتية في الصراع.