بالنظر إلى حالة عدم الاستقرار وانعدام اليقين التي يمر بها العالم في المرحلة الراهنة، يقوم برنامج الإنذار المبكر برصد وتحليل الاتجاهات والتحولات المستقبلية، كما يهدف إلى تحليل المخاطر وتقييمها والتنبؤ بها.
تتسم العلاقة بين الصين وتايوان بالتعقيد والتشابك التاريخي. فتايوان كانت في السابق جزءًا من الصين، لكن عقب انتهاء الحرب الأهلية الصينية في عام 1949، انسحبت حكومة جمهورية الصين إلى تايوان، في حين أُعلن عن قيام جمهورية الصين الشعبية في البر الرئيسي. وعلى مدار عقود، اعترفت العديد من الدول بتايوان باعتبارها الحكومة الشرعية للصين، بل وكانت تمثل الصين في مقعدها بالأمم المتحدة حتى عام 1971، حين تم استبدالها بجمهورية الصين الشعبية.
ورغم التغيرات في موازين الاعتراف الدولي، ما تزال الصين تتعهد بإعادة توحيد تايوان تحت سيادتها، حتى وإن اقتضى الأمر استخدام القوة. في المقابل، تعتمد تايوان بشكل كبير على الدعم العسكري والدبلوماسي الأمريكي لردع أي غزو صيني محتمل. في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة على الساحة الدولية، وبخاصة انشغال الغرب في الصراع الروسي-الأوكراني، تبرز احتمالية أن تستغل الصين هذا الانشغال لغزو تايوان.
شهد وقف إطلاق النار الأخير، الذي توسطت فيه الولايات المتحدة بين الهند وباكستان، بعد أربعة أيام عصيبة من تبادل التصعيدات العسكرية، لحظة من الانفراج بعيدًا عن حافة صراع شامل كان الكثيرون يخشون اندلاعه بين الجارتين المسلحتين نوويًا. فقد عبرت الصواريخ والطائرات المسيّرة الحدود، وبلغت حدة التوترات مستويات غير مسبوقة، وتزايدت نبرة الخطاب العدائي الصادر عن العاصمتين. وقد جاء الإعلان المفاجئ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الهدنة، رغم الترحيب به، ليبرز هشاشة الوضع. وبينما كانت الاحتفالات تعم الهند وباكستان، وسط موجة من التهاني الذاتية في واشنطن، كانت كشمير تعيش ليلة أخرى من العنف، مع تبادل الطرفين الاتهامات بانتهاك الهدنة. ويأتي هذا الهدوء المؤقت في سياق من المظالم التاريخية العميقة، والنزاعات الإقليمية التي لم تجد سبيلها إلى الحل، والعقائد النووية المتغيرة، والتشابك المعقد بين الضغوط الداخلية والخارجية. والسؤال الجوهري الآن لم يعد يدور حول كيفية تحقيق وقف إطلاق النار، بل حول مدى قدرته على الصمود، وما هي العواقب المحتملة إذا ما انهارت هذه الهدنة الهشة.
من المتوقع خلال الأشهر القليلة المقبلة أن تدفع إدارة ترامب كلًّا من رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية (الكونغو) نحو توقيع اتفاق سلام، يُفترض أن يعقبه اتفاق ثنائي بين الولايات المتحدة والكونغو بشأن المعادن. ويمنح هذا الاتفاق بعض الأطراف مكاسب سياسية واقتصادية كبيرة، بينما يترك أطرافًا أخرى في وضع أقل حظًا. من المنتظر أن تحقق الولايات المتحدة مكاسب اقتصادية وسياسية من هذا الاتفاق، خصوصًا في إطار منافستها المتصاعدة مع الصين. أما جمهورية الكونغو الديمقراطية، فستستفيد على المدى القصير عبر توظيف رواية "المعادن في مناطق النزاع"، لكن العواقب بعيدة المدى قد لا تصب في مصلحتها.
في المقابل، يجد الاتحاد الأوروبي نفسه في موقف لا يُحسد عليه، إذ سيكون مضطرًا إما إلى تعديل سياساته تجاه معادن الكونغو أو مواجهة احتمالية التصادم مع إدارة ترامب. ورغم أن المواجهة العسكرية المباشرة بين الطرفين لا تزال غير مرجحة، فإن اندلاع حرب بالوكالة يُعد احتمالًا قائمًا، وقد تكون حركة 23 مارس "إم 23" المسلحة هي الطرف الأبرز فيها. ومع تزايد الأهمية الجيواقتصادية للمعادن، تضع إدارة ترامب نصب أعينها عددًا من الدول، منها أوكرانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، كأهداف محتملة في استراتيجيتها المقبلة.
يشهد المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط بوادر تحوُّل كبير محتمل، عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن استئناف المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، اعتبارًا من الثاني عشر من أبريل 2025. يأتي هذا الإعلان عقب فترة اتسمت بتصاعد التوترات الثنائية وانهيار فعلي للاتفاق النووي المعروف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة"، ما جعل من هذا الانفراج الدبلوماسي موضع ترقب واسع داخل إيران وعلى مستوى المنطقة بأسرها. وقد انعكست هذه التوقعات الأولية، وإن كانت مؤقتة على الأرجح، في ردود فعل إيجابية في الأسواق المالية بطهران، تجلّت في تحركات أسواق الأسهم وأسعار الذهب، الأمر الذي يعكس بوضوح حجم التأثير الاقتصادي المحتمل لتلك المفاوضات على الشارع الإيراني. وإلى جانب الأبعاد الاقتصادية، فإن لهذه المحادثات المرتقبة انعكاسات محتملة على استقرار المنطقة بأسرها، ما يجعلها محل اهتمام بالغ لدى دول الخليج العربي كذلك. ورغم أن طبيعة هذه المشاركة الدبلوماسية— سواء أكانت ستأخذ شكل مفاوضات مباشرة كما ألمحت الإدارة الأمريكية، أم ستتم عبر قنوات غير مباشرة من خلال وسطاء— لا تزال غير محسومة، إلا أن مجرد بدء الحوار يُمثّل تحولًا لافتًا عن المسار التصعيدي الذي ساد العلاقات الأمريكية–الإيرانية في السنوات الأخيرة. وعليه، يسعى هذا التحليل إلى استكشاف مجموعة من السيناريوهات الممكنة التي قد تتشكّل مع انطلاق الوفدين الأمريكي والإيراني إلى طاولة المفاوضات في 12 أبريل، مع الأخذ بعين الاعتبار الديناميات السياسية الداخلية في كلا البلدين، والضغوط الإقليمية والدولية السائدة، والعوامل السياقية التي أفضت إلى هذا الانفتاح الحذر والمتجدد.
شهدت الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في أعمال العنف، إذ يرتبط توقيت هذا التصعيد ارتباطًا وثيقًا باتفاق وقف إطلاق النار في غزة. فبينما ترفض العناصر اليمينية اتفاق الهدنة، يُقال إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مضطر لإرضاء تلك العناصر داخل ائتلافه الحاكم. ونتنياهو، الذي يُعتقد أنه تعرض لضغوط لقبول الاتفاق، لا يجد بديلًا لإرضاء اليمين المتطرف سوى تحويل مسار الحرب إلى الضفة الغربية. وعلى الرغم من أن هذا التفسير ليس خاطئًا تمامًا، إلا أن هناك تحليلًا آخر يشير إلى أن ما يحدث في الضفة الغربية هو جزء من خطة إسرائيل التوسعية التي تهدف إلى فرض السيادة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية. وتسعى إسرائيل، من خلال المناورات القانونية والسياسية، إلى تحويل الضفة الغربية إلى "غزة جديدة"، مما قد يؤدي إلى تداعيات إقليمية أوسع.
أثارت القرارات الأخيرة التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الإجراءات الرامية إلى تفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ردود فعل عنيفة على مستوى العالم. وعلى الرغم من أن خطوة خفض المساعدات الأمريكية تعود بآثارٍ ضخمة للغاية على المدى القريب، إلا أنه لا يمكن التغاضي عن آثارها بعيدة المدى لأنها تعكس تحولًا أعمق في استراتيجية السياسة الخارجية لإدارة ترامب؛ ولكن ما هي التداعيات المترتبة على مثل هذه القرارات بالنسبة للولايات المتحدة وخصومها؟
قطع الرئيس المنتخب دونالد ترامب عهدًا على نفسه بإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، لكنه لم يكشف بعد عما سيفعله للوفاء بهذا العهد. ويبدو أن التوصل إلى تسويةٍ عن طريق المفاوضات هو السبيل الوحيد الممكن لتحقيق هذه الغاية لأنه من غير المرجح أن يحقق أي من الجانبين نصرًا عسكريًا حاسمًا. وتواجه معظم الدول الغربية، وخاصةً الأوربية منها، العديد من التحديات الداخلية التي تُضعف موقفها ونفوذها على طاولة المفاوضات. وفي الوقت نفسه، تجد روسيا نفسها أيضًا في وضعٍ لا تُحسد عليه، ما يخلق فرصة سانحة لترامب لتشجيع الطرفين على التوصل إلى حلٍ للصراع الدائر بينهما، ولكن يلزم تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا حتى يؤدي أي اتفاق إلى سلامٍ دائم، ومن المرجح أن تكون تلك الضمانات بمنزلة المقايضة الرئيسية لأي تنازلات من المتوقع أن تقدمها أوروبا.
بعد مرور أكثر من عقد من الزمان على اندلاع الحرب الأهلية السورية، صدم السقوط غير المتوقّع لنظام الأسد العديد من المعلّقين وقادة العالم الذين اعتقدوا أن الرئيس بشار الأسد قد عزّز سلطته وأن حكمه لا يتزعزع. ويؤكد هذا التطور المحوري على الأهمية الاستراتيجية الدائمة لسوريا، ليس فقط كساحة معركة ولكن كمحور رئيسي في الجغرافيا السياسية الإقليمية والدولية فقد أتاح الصراع المطول للجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية بترسيخ نفسها داخل النسيج الاجتماعي والسياسي في سوريا، مما أدى إلى تضخيم تداعيات سقوط النظام إلى ما هو أبعد من حدود سوريا. وفي أعقاب ذلك، أعيد رسم رقعة الشطرنج الجيوسياسية، مع ظهور المستفيدين والخسائر الواضحة. فاستفادت تركيا وإسرائيل من الفراغ الذي أعقب ذلك، وعززتا نفوذهما الإقليمي، في حين وجدت روسيا وإيران نفسيهما، على الرغم من مصالحهما الخاصة، على الجانب الخاسر من هذه المعايرة الجيوسياسية. وفي الوقت ذاته، استفادت بعض الدول الأوروبية من الوضع بشكل خفي دون المجاهرة علنًا بمكاسبها.
لا يعد حلم "إسرائيل الكبرى" ضربًا من ضروب الخيال، بل هو مشروع حقيقي طوره تيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، ويشمل هذا المشروع ضم أراضٍ تمتد من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في العراق، متضمناً أراضٍ من مصر وسوريا والعراق والكويت والمملكة العربية السعودية وكل الأراضي الأردنية وفلسطين التاريخية.
في عام 2017، أصدرت الأمم المتحدة تقريرًا يشير إلى أن إسرائيل تواصل تنفيذ خططها لضم أراضي الضفة الغربية مع الإبقاء على الفلسطينيين في ظروف قاسية يعانون فيها العزل والحرمان. ليس ذلك فحسب، بل ارتدى جنود الجيش الإسرائيلي مؤخرًا شارات تحمل رمز "إسرائيل الكبرى" أثناء العمليات العسكرية في غزة، ويثير هذا الرمز لمخاوف بشأن الطموحات الإقليمية المحتملة، مما يشير إلى أن استراتيجيات إسرائيل العسكرية قد تتوسع أكثر في الشرق الأوسط بعد انتهاء عملياتها العسكرية في غزة ولبنان.
حدثت لحظة محورية في هذا المسار في نوفمبر 2024، عندما تقدمت القوات الإسرائيلية إلى المنطقة منزوعة السلاح التي تفصل مرتفعات الجولان المحتلة عن سوريا حيث شرعت إسرائيل في تنفيذ مشاريع بنية تحتية، بما في ذلك تعبيد طريق على طول الحدود السورية مع الجولان. وتشير هذه الأعمال إلى خطوة استراتيجية لترسيخ السيطرة على الأراضي المتنازع عليها، مما يثير تساؤلات حاسمة حول التداعيات الأوسع على استقرار المنطقة.
يرى بعض المحللين أن مشروع البناء الإسرائيلي في سوريا قد يمثل خطوة أولية نحو إنشاء ممر استراتيجي يربط إسرائيل بنهر الفرات. وهذا التطور، إذا تحقق، قد يعزز بشكل كبير طموح إسرائيل القديم في تحقيق مفهوم "إسرائيل الكبرى". والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هي العواقب المحتملة إذا نجحت إسرائيل في إنشاء هذا الممر؟
تواجه فرنسا أزمة سياسية غير مسبوقة تتخذ مسارًا معقدًا يهدد استقرار النظام السياسي برمّته. فمنذ يونيو الماضي، أدت دعوة الرئيس إيمانويل ماكرون لإجراء انتخابات مبكرة إلى زعزعة المشهد السياسي في البلاد، ما أوقع فرنسا في حالة اضطراب سياسي حاد. وتصاعدت الأحداث سريعًا، ما أدى في نهاية المطاف إلى استقالة ميشيل بارنييه، الذي بات صاحب أقصر فترة ولاية لرئيس وزراء في التاريخ الحديث، حيث لم تدم حكومته أكثر من ثلاثة أشهر. ولم تقتصر تداعيات هذه الأزمة على فرنسا فقط؛ بل امتدت تداعياتها لتشمل القارة الأوروبية بأكملها. ومع تصاعد الانتقادات الموجهة لماكرون باعتباره المسؤول الرئيسي عن هذه الأزمة، يبقى السؤال الأبرز: هل سيجبر قريبًا على مغادرة منصبه؟
تُعد استراتيجية الأمن القومي الأمريكية (NSS) وثيقة شاملة أصدرها مجلس الأمن القومي بالاشتراك مع الفرع التنفيذي للحكومة الأمريكية للكونجرس، ووقع عليها الرئيس. وتُحدد الوثيقة بشكل رئيسي القضايا الكبرى المتعلقة بالأمن القومي الأمريكي وآليات تعامل الإدارة معها باستخدام كافة أدوات القوة الوطنية. في هذا السياق، ستشكل استراتيجية الأمن القومي (2024-2028) إحدى أهم أولويات الرئيس المنتخب، دونالد ترامب.
لا يكمن التحدي الأساسي في التنبؤ بتداعيات هذه الاستراتيجية، بل يتمثل في تحديد أي منطقة ستحتل الأولوية في استراتيجية الأمن القومي (2024-2028)، في ظل واقع جيوسياسي واقتصادي غير مستقر تتخلله النزاعات في المحيطين الهندي والهادئ وأوروبا والشرق الأوسط.
تشير الأولويات المتوقعة للأمن القومي خلال فترة ترامب الثانية إلى أنها ستكون متأثرة بسياسات ولايته الأولى وخطاب حملته الانتخابية الأخيرة، مما يقدم لمحة عن نهجه المتوقع، على الرغم من تناقضاته الظاهرة، ويبدو أن مؤلف كتاب "فن الصفقة" سيتبنى نهجاً انتقائياً من الناحية الاقتصادية في ملفات السياسة الخارجية.
تتسم رؤية ترامب للعالم بطابع تجاري بحت، وهو ما تجلى في استراتيجية الأمن القومي لعام 2017 ومبدأ "أمريكا أولاً". كما يعكس برنامج الحزب الجمهوري توجهاته المقبلة تحت شعار "استعادة السلام في أوروبا والشرق الأوسط"، في إشارة إلى نهج تاريخي مثل "السلام بالقوة" المعتمد من قبل جورج واشنطن ورونالد ريجان. ولكن تعتمد نسخة ترامب، المسماة "السلام من خلال القوة"، على أساليب أكثر إكراهاً، مثل التهديدات والعقوبات الاقتصادية، مع التركيز على استخدام النفوذ الاقتصادي والتدابير الصارمة لحماية الاقتصاد الأمريكي من خلال الحفاظ على السلام. من المتوقع أن تكون الأولويات الرئيسية موجهة نحو الصين، مع تحول ملحوظ في التركيز نحو الشرق الأوسط، ربما على حساب أوروبا وحلف شمال الأطلسي، ويُنظر إلى الأخير على أنه أقل جدوى من الناحية الاقتصادية.
أطلق الجيش الإسرائيلي حملة تجنيد تعرض على طالبي اللجوء الإقامة في إسرائيل مقابل الخدمة في الجيش الإسرائيلي، حيث تعاني الحكومة الإسرائيلية بالفعل من نقص في القوى البشرية اللازمة لحربها على مختلف الجبهات وتحديدًا غزة وعلى طول الحدود اللبنانية. وفي حين أن هذه السياسة ليست فريدة من نوعها بالنسبة لإسرائيل، إلا أنها تثير قضايا قانونية وإنسانية كبيرة وتزيد من حالة عدم اليقين بالنسبة للاجئين وطالبي اللجوء في أوروبا. ومع الضغوط الناجمة عن حرب روسيا وأوكرانيا ومعضلات التجنيد الإجباري، هناك مخاوف من أن أوروبا قد تتبنى استراتيجيات مماثلة، مما يضيف المزيد من عدم الاستقرار إلى السكان المعرضين للخطر.