كتب بواسطة

لم تعد النهضة الصينية في مجال الروبوتات مجرّد مسعى لتحسين كفاءة الإنتاج، بل تحوّلت إلى ثورةٍ صناعيةٍ شاملة تُعيد رسم ملامح الاقتصاد العالمي. فمع نشر مئات الآلاف من الروبوتات الذكية سنويًا، ترسّخ الصين مكانتها في صدارة المشهد الصناعي العالمي وتُعيد توزيع الأدوار في سلاسل التوريد العالمية وتُبدّل موازين القوة التكنولوجية بين الدول.

 

أما في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن هذا التحوّل يطرح أسئلةً مصيريةً لا تحتمل التأجيل. فالأتمتة لم تَعُد تفصيلاً هامشيًا في العملية الاقتصادية، بل باتت المحرّك الأساسي للاستراتيجيات التنموية، فيما تُواجه الدول التي تتباطأ في بناء قدراتها الذاتية خطر الارتهان لأنظمةٍ صناعيةٍ وتقنيةٍ تُصمَّم وتُدار من الخارج، بما يُقوّض استقلال قرارها الاقتصادي والتكنولوجي.

 

ومن ثمّ، فإنّ مستقبل الروبوتات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا يتعلّق بمن يُسارع إلى تركيب الآلات أو توسيع نطاق استخدامها فحسب، بل بمن يمتلك القدرة على وضع المعايير الناظمة، والتحكّم في تدفّقات البيانات، ورسم قواعد المنافسة الصناعية في العقود المقبلة. فإمّا أن تتحوّل المنطقة إلى مُنتِجةٍ ومبتكِرةً للتقنيات التي سترسم ملامح هذا القرن، وإمّا أن تظلّ مستهلكةً لها، تُساق في ركبٍ تكنولوجيٍّ يُقرَّر مساره خارج حدودها.

فجوة الأتمتة

على مدى العقد الماضي، تحرّكت الصين بسرعةٍ استثنائية لتأمين تفوّقٍ كاسحٍ في مجال الروبوتات الصناعية، سواء من حيث الإنتاج أو التركيب، على نحوٍ لم تُضاهِه أيّ قوةٍ اقتصاديةٍ أخرى في العالم. ووفقًا لبيانات الاتحاد الدولي للروبوتات، كان يعمل في المصانع الصينية عام 2024 أكثر من مليوني روبوتٍ صناعي، في حين جرى تركيب نحو 300 ألف وحدةٍ جديدة خلال عامٍ واحد، وهو رقمٌ يفوق ما ركّبته بقية دول العالم مجتمعة.

 

ولا يعكس هذا التقدّم المذهل مجرّد حماسةٍ تكنولوجيةٍ عابرة، بل يُجسّد استراتيجيةً وطنيةً بعيدة المدى وضعت فيها الصينُ الروبوتات إلى جانب الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات ضمن الإطار الأوسع لخطة “صُنع في الصين 2025” الصناعية. وقد سخّرت الدولة لهذه الغاية رؤوس أموالٍ ضخمة، ووفّرت إعاناتٍ سخية، ودفعت بحوافز سياساتيّةٍ مدروسة لتعزيز قطاع الأتمتة المتقدّمة وبناء قاعدةٍ صناعيةٍ محليةٍ متكاملة.

 

ونتيجةً لذلك، لم تعد المصانع الصينية تستهلك الروبوتات بوتيرةٍ متسارعةٍ فحسب، بل أصبحت أيضًا تُنتجها داخليًا على نطاقٍ متزايد؛ إذ يُصنَّع اليوم ما يقرب من ثلاثة أخماس الروبوتات الجديدة التي تُركَّب في الصين داخل أراضيها نفسها، وهو ما يعكس انتقال البلاد من مرحلة التبنّي إلى مرحلة الريادة والإنتاج الذاتي للتكنولوجيا الصناعية المتقدّمة.

 

يحمل هذا التحوّل تداعياتٍ بعيدة المدى على الاقتصاد العالمي، إذ لم تعد الروبوتات والذكاء الاصطناعي مجرد أدواتٍ مساعدةٍ لتحسين كفاءة المصانع، بل غدتا العمود الفقري للتصنيع المتقدّم والبنية التحتية الحيوية لسلاسل الإمداد الحديثة. فهذه التقنيات تُعيد صياغة آليات عمل الصناعات برمّتها، من خطوط إنتاج السيارات، إلى مصانع تجميع الإلكترونيات، وصولًا إلى مراكز تجهيز الأغذية. وحين تبلغ الأتمتة هذا المستوى من الاتساع والاختراق، فإنها تُغيّر موازين التنافسية العالمية وتُعيد رسم خريطة سلاسل الإمداد الدولية تدريجيًا. أمّا بالنسبة للدول الواقعة خارج الصين، ولا سيّما تلك التي لا تزال في طور بناء قاعدتها التصنيعية، فيكمن التحدّي في ما إذا كانت قادرةً على تبنّي تقنيات الروبوتات بالسرعة الكافية للحفاظ على تنافسيتها، أم أنّها ستجد نفسها مرتهنةً للتكنولوجيا الصينية لضمان استدامة طموحاتها الصناعية في المستقبل.

 

تقف منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اليوم عند مفترقٍ حاسم في هذا المسار، إذ يُسهم قطاعها الصناعي بنحو 9% من الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي، ويوفّر ملايين فرص العمل في مجالاتٍ متنوعة تشمل المنسوجات والسيارات والكيماويات ومعالجة الأغذية. وقد شكّل التصنيع، في عددٍ من اقتصادات شمال إفريقيا، ركيزةً محوريةً لاستراتيجيات التنويع الاقتصادي على مدى عقود. فعلى سبيل المثال، يُعدّ قطاع السيارات في المغرب الأكبر في القارة الإفريقية. وفي المقابل، تعمل دول الخليج العربي على ربط التصنيع برؤاها الوطنية الطموحة الهادفة إلى تحويل اقتصاداتها الريعية المعتمدة على الموارد إلى مراكز تكنولوجية متقدّمة، بما يعزّز قدرتها على المنافسة في الاقتصاد العالمي القائم على المعرفة والتقنيات العالية.

 

نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة في ترسيخ مكانتها كقوةٍ إقليميةٍ رائدةٍ في مجال الأتمتة الصناعية، من خلال إطلاق برنامج “الصناعة 4.0” الهادف إلى دعم التحوّل نحو المصانع الذكية وتعزيز تبنّي التقنيات المتقدّمة في مختلف مراحل الإنتاج. كما أعلنت الدولة عن خططٍ طموحة لدمج نحو200,000  روبوت في القطاعات الاقتصادية المتنوّعة بحلول عام 2030، في خطوةٍ تعكس رؤيتها لبناء اقتصادٍ معرفي قائمٍ على التكنولوجيا والابتكار. وفي السياق ذاته، ربطت المملكة العربية السعودية تطوير قطاع الروبوتات بتحقيق أهداف رؤية 2030، إذ ضخّ صندوق الاستثمارات العامة (PIF) استثماراتٍ استراتيجية في مشروعات وشركاتٍ ناشئة متخصّصة في الروبوتات، بالتوازي مع توسيع تطبيق الأتمتة تدريجيًا في قطاعاتٍ حيويةٍ تمتد من الخدمات اللوجستية إلى الرعاية الصحية، في إطار مسارٍ شاملٍ لتحديث البنية الإنتاجية الوطنية.

 

ومع ذلك، لا يزال اعتماد تقنيات الروبوتات في المنطقة غير متكافئٍ ومتجزّئًا إلى حدٍّ كبير. ففي حين تمضي دول الخليج، بفضل فوائضها المالية ورؤاها الاستراتيجية طويلة المدى، في تجارب متقدّمة لتوظيف الروبوتات في التصنيع والقطاع الصحي وحتّى الخدمات البلدية، فإنّ دولًا مثل مصر وتونس والمغرب ما تزال تُدرِج الأتمتة تدريجيًا، وبالأساس ضمن القطاعات الموجّهة للتصدير مثل صناعة السيارات والمنسوجات.

 

ولا تزال المراكز الصناعية في شمال إفريقيا تعتمد بدرجةٍ كبيرةٍ على نماذج إنتاجٍ كثيفة العمالة تقوم على المنافسة من خلال الكلفة لا من خلال التكنولوجيا، وهو ما يجعلها عرضةً للاهتزاز إذا ما أدّت الطفرات في الإنتاجية الناتجة عن الروبوتات في مناطق أخرى إلى قلب موازين السوق. وحتى في الحالات التي تُطبَّق فيها الأتمتة، فإنّ معظم المكوّنات الصلبة والبرمجية تأتي من خارج المنطقة، فيما تواصل الصين تعزيز هيمنتها المتنامية على سلاسل توريد هذه التقنيات.

 

يتّضح التباين البنيوي بين المسارين الصيني والعربي عند النظر في النهج الذي سلكه كلٌّ منهما في مجال الأتمتة. فمن جهة، نجحت الصين في بناء منظومة تكاملية متكاملة تتفاعل فيها صناعة الروبوتات والذكاء الاصطناعي والعمالة الماهرة ضمن دورة ذاتية الاستدامة، حيث يُغذّي كلّ عنصرٍ الآخر في إطار استراتيجيةٍ وطنيةٍ شاملة.

 

ومن جهةٍ أخرى، لا تزال دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المراحل الأولى من تبنّي هذه التقنيات، وغالبًا عبر عمليات استيرادٍ أو مشروعاتٍ تجريبيةٍ محدودة النطاق لم تصل بعد إلى مرحلة الانتشار الصناعي الواسع. ومن ثمّ، فإنّ الفجوة بين المنطقتين لا تقتصر على الجانب الكمي فحسب، بل تمتد لتشمل البعدَين الاستراتيجي والبنيوي؛ إذ أدمجت الصين الروبوتات في تخطيطها الصناعي الوطني طويل الأمد، بينما لا تزال المنطقة العربية تعتمد على نماذج متفرّقة وسلاسل توريدٍ خارجية لتلبية احتياجاتها التقنية.

 

ونتيجةً لذلك، تواجه المنطقة خطر الانتقال إلى مستقبلٍ تستخدم فيه الروبوتات على نطاقٍ واسعٍ دون أن تمتلك مفاتيح تصميمها أو إنتاجها أو صيانتها، بما يجعل قطاعاتها الحيوية رهينةً لقراراتٍ تُتّخذ خارج حدودها الجغرافية والسيادية.

مستقبل الروبوتات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مع تحوّل الروبوتات إلى الركيزة الجوهرية للنمو الصناعي في القرن الحادي والعشرين، لا يتمثّل التحدّي الحقيقي أمام منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مسألة تبنّي الأتمتة من عدمه، بل في الطريقة التي يتم بها هذا التبنّي، أي ما إذا كان سيُعزّز الاستقلال الصناعي والتكنولوجي للمنطقة، أم سيقودها إلى دائرة تبعيةٍ مستمرةٍ للمورّدين الخارجيين. فعند النظرة الأولى، قد يبدو استيراد الروبوتات من الصين خيارًا عمليًا ومجدياً اقتصاديًا، إذ تُقدّم الشركات الصينية معداتٍ بأسعارٍ أدنى بكثير من نظيراتها في أوروبا أو الولايات المتحدة. ويُغري هذا المسار الحكومات والشركات الساعية إلى تحديث مصانعها بسرعة والانخراط في موجة التحوّل الصناعي العالمية. غير أنّ هذا الخيار، رغم وجاهته الظاهرية، ينطوي على مخاطر أعمق تتجاوز حدود الكلفة والكفاءة، إذ يطرح تساؤلاتٍ حول الاعتماد التقني والتحكّم في سلاسل القيمة الصناعية في المستقبل.

 

لا تقتصر التبعية في مجال الروبوتات الصناعية على مجرّد شراء الآلات، إذ تتطلّب هذه الأنظمة صيانةً مستمرةً، وتحديثاتٍ برمجيةً دوريةً، واستبدالًا منتظمًا للمكوّنات، فضلًا عن تكاملٍ متزايدٍ مع منظوماتٍ رقميةٍ أوسع مدعومةٍ بتقنيات الذكاء الاصطناعي. وإذا كانت هذه المنظومات صينية المنشأ في الأساس، فإنّ ذلك يعني أنّ تدفّقات البيانات الناتجة عن الصناعات في المنطقة قد تُعالَج عبر منصّاتٍ صينية، وأنّ الشركات الصينية قد تفرض هيمنتها على وضع المعايير التقنية ومواصفات الأداء، في حين قد تخضع إمدادات القطع والمكوّنات الحسّاسة لاعتبارات السياسة الصناعية الصينية وقراراتها السيادية. ومع مرور الوقت، يُمكن أن يؤدّي هذا النمط من الاعتماد إلى إضعاف قدرة حكومات المنطقة على صياغة استراتيجياتٍ صناعيةٍ مستقلة، إذ ستغدو قطاعاتها الإنتاجية واللوجستية مرتبطةً على نحوٍ بنيويٍ بخياراتٍ تكنولوجيةٍ تمليها جهةٌ واحدة، بما يحدّ من قدرتها على توجيه مسارها الصناعي وفقًا لأولوياتها الوطنية.

 

تتزايد مخاطر الاعتماد التكنولوجي كلّما اتّسع نطاق القطاعات التي بدأت الأتمتة تتغلغل فيها بوتيرةٍ متسارعة. ففي المراكز اللوجستية الكبرى مثل ميناء جبل علي في دولة الإمارات والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس في مصر، تُستخدم الروبوتات على نحوٍ متزايد في عمليات التحميل والتفريغ والتخزين والتتبّع بين الحاويات، في مشهدٍ يعكس التحوّل العميق الذي تشهده منظومات النقل والخدمات اللوجستية في المنطقة.

 

وفي القطاع الصحي، شرعت دول مجلس التعاون الخليجي في تجاربٍ رائدة لتطبيق أنظمة الجراحة الروبوتية والتشخيص الآلي، في خطوةٍ تعكس اندماج التكنولوجيا المتقدّمة في الخدمات الطبية. وتُقدَّر قيمة سوق الروبوتات الجراحية في دول المجلس بنحو 119 مليون دولار في عام 2024، مع توقّعاتٍ بتجاوزها418  مليون دولار بحلول عام 2033، بمعدل نموٍّ سنوي يُقارب 15%، ما يُبرز التحوّل المتسارع نحو طبٍّ مؤتمتٍ قائمٍ على الدقّة والتقنيات الذكية.

 

وفي قطاعات الطاقة والموارد الطبيعية، تتّجه الشركات على نحوٍ متزايد إلى اعتماد أنظمة الحفر الآلي والطائرات المسيّرة لأعمال الفحص والروبوتات المتخصّصة في الصيانة، في حين يشهد القطاع الدفاعي توسّعًا متسارعًا في استخدام الروبوتات والطائرات بدون طيار ضمن مهام المراقبة والعمليات الميدانية. غير أنّ ارتكاز هذه القطاعات الحيوية على منظوماتٍ روبوتيةٍ وبرمجياتٍ صينية الصنع يُحوّل الاعتماد التكنولوجي من مسألة اقتصادية أو تشغيلية إلى قضيةٍ تتّصل جوهريًا بالسيادة الوطنية وبقدرة الدول على التحكّم في مقوّمات أمنها الصناعي والاستراتيجي.

 

ومن ثمّ، فإنّ التحكّم في منظومات الروبوتات يُعادل في جوهره التحكّم في تدفّقات البيانات ومستويات الإنتاجية والسياسات العمالية، ذلك أنّ الأتمتة هي التي تُحدّد عدد الوظائف التي ستظل قائمة، ونوعية المهارات المطلوبة لإدارة اقتصاد المستقبل وصياغة ملامح سوق العمل في عصرٍ تكنولوجيٍّ متسارع التحوّل.

 

تُبرز الأنماط التكنولوجية الصينية بوضوح كيف يمكن توظيف الهيمنة على إنتاج العتاد الصناعي كأداةٍ لفرض المعايير التقنية والتحكّم في سلاسل الإمداد العالمية. فعلى سبيل المثال، بلغت كثافة الروبوتات في الصين نحو470  وحدة لكل 10,000 عامل في قطاع التصنيع، بعدما كانت تقارب 402 وحدة فقط قبل عامٍ واحد. وفي المقابل، ارتفع المتوسط العالمي لكثافة الروبوتات في المصانع إلى نحو 162 وحدة لكل 10,000 موظف في عام 2023، أي أكثر من ضعف المعدّل المسجّل قبل سبع سنوات.

 

ويعكس هذا الارتفاع السريع ليس فقط تسارع التقدّم الصيني، بل أيضًا اتساع الفجوة التقنية التي تواجهها المناطق الأخرى. أمّا بالنسبة إلى دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإنّ الخطر الحقيقي يتمثّل في أنّه، بحلول الوقت الذي تنتشر فيه الأتمتة على نطاقٍ واسعٍ داخل قطاعاتها الصناعية، ستكون سلاسل الإمداد وبروتوكولات البرمجيات والمعايير التقنية للنظم قد تجذّرت بعمق في التكنولوجيا الصينية، مما سيترك هامشًا محدودًا للغاية أمام المنطقة لتطوير منظوماتٍ بديلةٍ ومستقلة تحفظ سيادتها التقنية وصناعتها المستقبلية.

 

ولا يعني ذلك أنّ المنطقة تفتقر تمامًا إلى أدوات الفعل والمبادرة، إذ بدأت بعض حكومات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا باتّخاذ خطواتٍ عمليةٍ لمواجهة مخاطر التبعية التكنولوجية، وإنْ كانت هذه الجهود لا تزال محدودةً نسبيًا قياسًا بحجم التحدّي القائم.

 

ففي المملكة العربية السعودية، ارتفع عدد الشركات المسجّلة في مجال الروبوتات بنسبة 52%، ليصل إلى 2,344  شركة خلال الربع الثاني من عام 2023 مقارنةً بـ 1,537 شركة في الفترة نفسها من العام السابق. وفي الوقت ذاته، ضخّت شركاتٌ سعوديةٌ مثل “بروسبيريتي 7” التابعة لـ صندوق الاستثمارات العامة استثماراتٍ كبيرة في شركاتٍ ناشئةٍ ضمن قطاع الروبوتات، بما في ذلك شراكاتٌ مع شركاتٍ أجنبية متخصّصة في هذا المجال.

 

أمّا في دولة الإمارات العربية المتحدة، فيشهد سوق الروبوتات والأتمتة نموًا مطّردًا مع تركيزٍ خاص على الروبوتات الخدمية. فقد سجّل قطاع الروبوتات المهنية الخدمية أكثر من 150 مليون دولار في عام 2024، ومن المتوقّع أن يتضاعف تقريبًا بحلول عام 2030. كما حقّقت أنظمة الروبوتات المتنقّلة الذاتية وحدها نحو33.8  مليون دولار في عام 2024، مع توقّعاتٍ ببلوغها84.5 مليون دولار بحلول عام 2030، بمعدّل نموٍّ سنويٍّ يُقارب16% ، وهو ما يعكس تحوّلًا تدريجيًا نحو ترسيخ قاعدةٍ صناعيةٍ محليةٍ في مجال الأتمتة الذكية.

 

تحرز دولٌ أخرى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تقدّمًا ملموسًا في هذا المجال، وإنْ كان ذلك بسرعاتٍ وأحجامٍ متفاوتة. ففي المغرب، على سبيل المثال، تمّ إدخال التدريب على تقنيات الروبوتات ضمن قطاع السيارات، الذي يُنتج اليوم أكثر من700  ألف سيارة سنويًا، ما يعزّز موقعه كأكبر قاعدةٍ صناعيةٍ للسيارات في إفريقيا.

 

وفي مصر، يجري توسيع تطبيق الأتمتة القائمة على الروبوتات في مجالاتٍ تشمل الخدمات اللوجستية وتصنيع الأغذية والقطاع الدوائي، بدعمٍ من مستثمرين دوليين يسعون إلى تحديث البنية الصناعية ورفع الكفاءة الإنتاجية.

 

أمّا في العراق، فمن المتوقّع أن يحقّق سوق الروبوتات الصناعية إيراداتٍ تقدّر بنحو878  ألف دولار بحلول عام 2025، رغم أنّ وتيرة النموّ اللاحقة يُرجّح أن تكون بطيئةً نسبيًا. وفي لبنان، لا يزال قطاع الروبوتات في مراحله الأولى، مع إيراداتٍ متوقعةٍ تُقدَّر بنحو623  ألف دولار بحلول نهاية عام 2025، بينما يشهد سوق الروبوتات الخدمية نموًا تدريجيًا دون تسارعٍ يُذكر.

 

وفي سلطنة عُمان، يُتوقّع أن ينمو سوق الروبوتات بمعدلٍ سنوي يبلغ نحو8.9%  خلال الفترة ما بين 2025 و2031، ولا سيّما في قطاعات التصنيع ومعالجة الأغذية والنقل، حيث تُسهم الأتمتة في تبسيط المهام المتكرّرة ورفع دقّة الأداء.

 

وفي الجزائر، تعتزم الحكومة إطلاق صندوقٍ استثماريٍّ بقيمة 1.5 مليار دينار جزائري( ما يعادل نحو10  ملايين دولار) لدعم الشركات الناشئة في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والروبوتات، في خطوةٍ تهدف إلى تحفيز الابتكار وتعزيز التحوّل الرقمي الوطني.

 

تُجسّد هذه الجهود، في مجموعها، تنامي الاهتمام بتقنيات الروبوتات في مختلف أنحاء المنطقة، غير أنّ غياب التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد وضعف الاستثمارات المنتظمة والمستدامة يجعلان من الصعب مجاراة مستوى التنسيق والتكامل الذي يميّز المنظومة الصينية المتقدّمة في مجال الروبوتات.

 

يكمن الخطر الجوهري في أن تُكرّر المنطقة النمط التاريخي ذاته الذي ساد خلال القرن العشرين، حين اكتفت باستهلاك التكنولوجيا دون إنتاجها. فقد استوردت دولها آنذاك الآلات الصناعية وأنظمة الاتصالات والمنصّات الرقمية من الخارج، من غير أن تطوّر قدراتٍ محليةً لتصنيعها أو التحكم في مفاتيحها التقنية، ما أفضى إلى عقودٍ من التبعية للمورّدين الأجانب، وأضعف مرونة الاقتصادات الوطنية وجعلها رهينةً للصدمات الخارجية.

 

أما في القرن الحادي والعشرين، فإنّ تكرار هذا السيناريو سيكون أشدّ خطورةً وأعمق أثرًا؛ إذ لم تعد الأتمتة مجرّد أداةٍ إنتاجيةٍ مساندة، بل غدت البنية التحتية المحورية التي ستقوم عليها الاقتصادات الحديثة برمّتها. فإذا باتت المصانع والموانئ والمستشفيات وأنظمة الطاقة تعمل جميعها عبر روبوتاتٍ أجنبية الصنع، فإنّ السيادة الوطنية في رسم السياسات وتحديد الاستراتيجيات ستتقلّص بالضرورة، لتغدو مرتبطةً بقراراتٍ خارجية تتحكّم في مسار التنمية والابتكار في المنطقة.

 

باختصار، تُجسّد الطفرة العالمية في مجال الروبوتات، التي تضطلع فيها الصين بدورٍ محوريٍ وحاسم، مرحلةً أكثر تقدّمًا من الثورة الصناعية الجديدة، حيث تتكامل الآلات والذكاء الاصطناعي في نسيج كلّ قطاعٍ من قطاعات الاقتصاد الحديث. وبالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإنّ السؤال الجوهري لا يدور حول ما إذا كانت ستنخرط في هذه الموجة التحوّلية، بل حول الكيفية التي يمكنها من خلالها المشاركة دون الوقوع في فخّ التبعية طويلة الأمد. فبفضل ضخامة الإنتاج الصيني، وتفوقه في الكلفة، واستراتيجيته الممنهجة المدعومة من الدولة، ستظلّ الصين لسنواتٍ قادمة المورّد المهيمن للروبوتات الصناعية على مستوى العالم. غير أنّ الخطر الحقيقي الذي يواجه دول المنطقة يتمثّل في تبنّي هذه التقنيات دون بناء قدراتها الذاتية على إنتاجها وتكييفها وصيانتها — وهو ما قد يجعلها مستهلكًا دائمًا للتكنولوجيا بدلًا من أن تكون شريكًا فاعلًا في صناعتها وصوغ مستقبلها.

المراجع

6Wresearch. 2025. “Oman Industrial Automation Market (2025-2031) | Share & Outlook Growth.” 6wresearch.com. April 2025. https://www.6wresearch.com/industry-report/oman-industrial-automation-market

 

Bhat, Divsha . 2024. “Saudi Arabia ‘Leads GCC’ in Adoption of Robotics.” AGBI. March 14, 2024. https://www.agbi.com/analysis/tech/2024/03/saudi-arabia-leads-gcc-adoption-robotics/

 

“Egypt Taps Agility to Modernize Suez Canal Economic Zone Customs, Operations.” 2022. Ajot.com. October 3, 2022. https://www.ajot.com/news/egypt-taps-agility-to-modernize-suez-canal-economic-zone-customs-operations

 

“Enterprise News.” 2021. Enterprise. February 15, 2021. https://enterprise.news/egypt/en/news/story/e24e8a3a-b8c2-4d6c-bf61-b8e4ddd551db/are-egypt%25e2%2580%2599s-manufacturing-industries-embracing-the-shift-to-industrial-automation%3F

 

Garcia, Anthon. 2023. “The Rise of the Machines: How Robotics Is Transforming the Middle East.” Economy Middle East. October 11, 2023. https://economymiddleeast.com/news/the-rise-of-the-machines-how-robotics-is-transforming-the-middle-east/

 

“GCC Surgical Robots Market Size, Share and Price Trends 2033.” 2024. Imarcgroup.com. 2024. https://www.imarcgroup.com/gcc-surgical-robots-market

 

“Industrial Robotics – Iraq | Statista Market Forecast.” 2025. Statista. 2025. https://www.statista.com/outlook/tmo/robotics/industrial-robotics/iraq

 

“Industrial Robotics – Lebanon | Statista Market Forecast.” 2025. Statista. 2025. https://www.statista.com/outlook/tmo/robotics/industrial-robotics/lebanon

 

Malin, Carrington. 2025. “Algérie Télécom Creates $11 Million AI Startup Fund.” Middleeastainews.com. Middle East AI News. February 19, 2025. https://www.middleeastainews.com/p/algerie-telecom-11-million-startup-fund

 

“Middle East & Africa Industrial Robotics Market Size & Outlook, 2030.” 2025. Grandviewresearch.com. 2025. https://www.grandviewresearch.com/horizon/outlook/industrial-robotics-market/mea

 

“Morocco Industrial Robotics Services Market (2025-2031) | Trends, Outlook & Forecast.” 2025. 6wresearch.com. September 2025. https://www.6wresearch.com/industry-report/morocco-industrial-robotics-services-market

 

“Robotics Registrations in Saudi Arabia Surge 52% to Hit over 2k in Q2.” 2023. Arab News. Arabnews. July 16, 2023. https://www.arabnews.com/node/2338681/business-economy

 

Tobin, Meaghan, and Keith Bradsher. 2025. “There Are More Robots Working in China than the Rest of the World Combined.” The New York Times, September 25, 2025. https://www.nytimes.com/2025/09/25/business/china-factory-robots.html

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *