تتسم العلاقة بين الصين وتايوان بالتعقيد والتشابك التاريخي. فتايوان كانت في السابق جزءًا من الصين، لكن عقب انتهاء الحرب الأهلية الصينية في عام 1949، انسحبت حكومة جمهورية الصين إلى تايوان، في حين أُعلن عن قيام جمهورية الصين الشعبية في البر الرئيسي. وعلى مدار عقود، اعترفت العديد من الدول بتايوان باعتبارها الحكومة الشرعية للصين، بل وكانت تمثل الصين في مقعدها بالأمم المتحدة حتى عام 1971، حين تم استبدالها بجمهورية الصين الشعبية.
ورغم التغيرات في موازين الاعتراف الدولي، ما تزال الصين تتعهد بإعادة توحيد تايوان تحت سيادتها، حتى وإن اقتضى الأمر استخدام القوة. في المقابل، تعتمد تايوان بشكل كبير على الدعم العسكري والدبلوماسي الأمريكي لردع أي غزو صيني محتمل. في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة على الساحة الدولية، وبخاصة انشغال الغرب في الصراع الروسي-الأوكراني، تبرز احتمالية أن تستغل الصين هذا الانشغال لغزو تايوان.
تستمر حالة التوتر بين الصين وتايوان دون حل منذ عام 1949. وتوجد ثلاثة أسباب رئيسية قد تدفع الصين إلى غزو تايوان، في محاولة لفرض السيطرة عليها بالقوة قبل ضمها رسميًا. أولًا، ترى الصين أن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها، ويجب إعادة توحيدها مع البر الرئيسي. وتعتبر القيادة الصينية، ممثلة بالحزب الشيوعي الصيني، أن استمرار انفصال تايوان يُعد تهديدًا مباشراً لشرعية الحزب، وترى أن ضم الجزيرة سيُعزز من سلطته ويقلل من المطالبات بالإصلاح السياسي داخليًا. كما أن بقاء تايوان خارج نطاق السيطرة المباشرة لبكين يُضعف من صورة الحزب ويُعرضه لاتهامات بالعجز، ما ينعكس سلبًا على قدرته في الحفاظ على السلطة سواء على المستوى المحلي أو في المشهد الدولي.
ثانيًا، يعزز التحديث السريع للقدرات العسكرية الصينية من إمكانية تنفيذ غزو محتمل. فقد شهدت السنوات الأخيرة توسعًا كبيرًا في القدرات البحرية للصين، إلى جانب تطوير تقنيات عسكرية متقدمة، مثل حاملات الطائرات، والصواريخ الفرط صوتية، وقدرات الحرب السيبرانية المتطورة. وأصبحت القوات المسلحة الصينية تُظهر جاهزية متزايدة لشن عملية عسكرية محتملة ضد تايوان، عبر تنظيم مناورات عسكرية متكررة بالقرب من الجزيرة.
فعلى سبيل المثال، في أغسطس 2022، وبعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي آنذاك نانسي بيلوسي إلى تايوان، أطلقت الصين مناورات عسكرية واسعة النطاق حول الجزيرة، شملت إطلاق صواريخ باليستية فوق تايوان، ونشر سفن حربية ومقاتلات في مضيق تايوان. وقد اعتُبرت هذه التدريبات من أكثر التحركات العسكرية الصينية عدوانية قرب تايوان منذ عقود، وشكلت رسالة تحذيرية مباشرة لكل من تايوان والولايات المتحدة.
علاوة على ذلك، أبرزت الاشتباكات التي اندلعت بين باكستان والهند في مايو 2025 مدى فعالية الأسلحة الصينية، حيث استخدمت القوات الباكستانية مقاتلة J-10C الصينية الصنع لإسقاط مقاتلات رافال الفرنسية، إضافة إلى طائرات سوخوي-30 وميغ-29 الروسية. وتشير هذه الحوادث إلى أن الصين قد تمتلك القدرة العسكرية الكافية لفرض سيطرتها على تايوان عبر القوة المسلحة.
ثالثًا، يُمكن أن يشجّع التحوّل في النظام العالمي — الذي يتجه تدريجيًا بعيدًا عن الأحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة — الصين على اتخاذ إجراء عسكري ضد تايوان. فالأهمية الاستراتيجية لتايوان لا تقتصر على بعدها الجغرافي، بل تمتد إلى بعدها الاقتصادي، خصوصًا في قطاع أشباه الموصلات، حيث تنتج تايوان نحو 60% من إجمالي إنتاج العالم من الرقائق الإلكترونية، و90% من الرقائق المتقدمة ذات التقنية العالية. في هذا السياق، فإن التحرك الصيني نحو تايوان لا يُعد فقط مسألة تتعلق بوحدة الأراضي، بل هو أيضًا مشروع اقتصادي كبير، حيث إن بسط الصين سيطرتها على قطاع أشباه الموصلات العالمي سيُعزز نفوذها السياسي والاقتصادي بشكل غير مسبوق. وتجدر الإشارة إلى أن مساهمة الصين الحالية في إنتاج الرقائق الإلكترونية لا تتجاوز 8% من الإنتاج العالمي.
سيمثل استيلاء الصين على تايوان بالقوة نقطة تحوّل فارقة في توازنات القوة العالمية، حيث سيُعزز من القدرات العسكرية الصينية ويدعم نفوذها المتنامي في بحر الصين الجنوبي. كما أن ضم تايوان سيُضعف الدور الأميركي في السياسة العالمية، بالنظر إلى فشل واشنطن في حماية أحد أبرز حلفائها في آسيا. هذا الفشل قد يدفع دولًا أخرى مثل كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا إلى إعادة النظر في مدى اعتمادها على المظلة العسكرية الأميركية.
وعلى الصعيد العالمي، فإن مكانة الولايات المتحدة ستتراجع، وستتقلص قدرتها على ممارسة نفوذها والحفاظ على زعامتها في مناطق استراتيجية رئيسية مثل أوروبا والشرق الأوسط. وستُشكل سيطرة الصين على تايوان — باعتبارها نقطة محورية في سلاسل الإمداد العالمية — مؤشرًا على انتقال العالم إلى نظام متعدد الأقطاب. ومع سعي الصين لفرض هيمنتها على عقدة محورية في سلاسل الإمداد العالمية، وتوسيع نفوذها العسكري والاقتصادي في شرق آسيا، تتلاشى لحظة التفوق الأحادي للولايات المتحدة، لتُفسح المجال أمام مشهد دولي أكثر تنافسية، تتحدى فيه قوى متعددة زعامة الغرب، وتسعى إلى إعادة صياغة قواعد اللعبة في النظام السياسي العالمي.
ستمنح سيطرة الصين على تايوان وبحر الصين الجنوبي مكانة أقوى في طرق التجارة العالمية، مما يعرّض المصالح الاقتصادية والاستراتيجية الغربية للخطر. ويُعدّ بحر الصين الجنوبي نقطة محورية رئيسية في حركة التجارة العالمية، حيث يمر عبره ما قيمته نحو 3.4 تريليون دولار من السلع سنوياً، أي ما يعادل نحو ثلث حركة الشحن العالمية. كما يستوعب هذا الممر البحري 60% من التجارة البحرية لآسيا، بما في ذلك 64% من تجارة الصين البحرية و42% من تجارة اليابان البحرية. وإلى جانب ذلك، تشير التقديرات إلى أن بحر الصين الجنوبي يحتوي على نحو 11 مليار برميل من النفط و190 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. وتعد هذه الموارد حيوية لتلبية احتياجات الطاقة للدول المعنية، وتحمل أهمية اقتصادية كبرى، حيث إن إحكام الصين سيطرتها على هذا البحر سيمكنها من تأمين احتياجاتها من الطاقة وتعزيز قدرتها على تصديرها كذلك.
من شأن سيطرة الصين المحتملة على تايوان أن تُحدث اضطراباً بالغاً في صناعة أشباه الموصلات العالمية، نظراً لأن تايوان تُعد موطناً لأكبر شركة لتصنيع أشباه الموصلات في العالم، وهي شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات (TSMC)، التي تنتج أكثر من 60% من الإمدادات العالمية لهذه المكونات الأساسية. وتستحوذ TSMC وحدها على نحو 50% من سوق المصانع العالمية، وتوفر رقائق حيوية تُستخدم في قطاعات رئيسية مثل الإلكترونيات، وصناعة السيارات، والتكنولوجيا العسكرية.
وسيشكّل فقدان تايوان المحتمل ضربة قاصمة لإمدادات أشباه الموصلات المتقدمة، مما سيُفاقم النقص العالمي القائم بالفعل في الرقائق الإلكترونية. تُعد الرقائق التايوانية مكوّناً أساسياً في تصنيع منتجات حيوية مثل الهواتف الذكية، وأنظمة الذكاء الاصطناعي، والمركبات، حيث تنتج تايوان ما بين 70 إلى 80% من أكثر أشباه الموصلات تطوراً على مستوى العالم. وسيؤدي استحواذ الصين على تايوان إلى اضطرابات كبيرة في سلاسل الإنتاج، مما سينتج عنه نقص حاد في الإمدادات، وارتفاع ملحوظ في أسعار الإلكترونيات، إلى جانب زيادة معدلات التضخم في الاقتصادات المعتمدة على التكنولوجيا.
السيطرة الصينية المحتملة على تايوان من شأنها أيضاً أن تعزز نفوذ بكين في سوق أشباه الموصلات، حيث تسيطر حالياً على نحو 8% فقط من الإنتاج العالمي، بينما تتخلف عن تايوان وكوريا الجنوبية في تصنيع الرقائق المتقدمة. يمثل الاستحواذ على تايوان فرصة حاسمة لتسريع مساعي بكين نحو الهيمنة التكنولوجية، لا سيما من خلال تعزيز قدرات شركاتها الوطنية الرائدة مثل هواوي، وتوسيع نفوذها في سلسلة الإمداد العالمية للرقائق الدقيقة. هذا التحول سيُعيد تشكيل مشهد أشباه الموصلات عالمياً، مع ما يحمله من تداعيات استراتيجية على الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، التي ستجد نفسها في موقع ضعيف أمام هيمنة بكين على مركز تصنيع الرقائق الأكثر تقدماً في العالم. ورغم الجهود الأميركية الرامية لتقليص هذا الاعتماد من خلال حزمة استثمارات ضخمة في التصنيع المحلي لأشباه الموصلات عبر قانون الرقائق “CHIPS”، فإن تحقيق قدرة تنافسية تماثل القدرات التايوانية المتطورة سيستغرق سنوات عديدة. لذا، فإن إحكام الصين قبضتها على تايوان لن يكون مجرد تحول جيوسياسي، بل سيُفضي إلى اضطرابات هيكلية في سلاسل التوريد التكنولوجية على المستوى العالمي، مما سيُعمّق حالة عدم اليقين، ويُضاعف من المخاطر التي تواجه الصناعات المعتمدة على التكنولوجيا المتقدمة في شتى أنحاء العالم.
وباختصار، فإن غزو الصين لتايوان يُعد احتمالاً قائماً، مدفوعاً بتصاعد النزعة القومية الصينية، وجاهزيتها العسكرية المتنامية، والتحولات في هيكل النظام العالمي. فالصين ترى في إعادة التوحيد مع تايوان مسألة محورية لشرعيتها السياسية وهويتها القومية، مما يجعل الجزيرة هدفاً استراتيجياً ورمزياً في آن واحد. كما أن تحديث الجيش الصيني يخلق نافذة مغرية للتحرك العسكري. وإذا نجح الغزو، فإنه سيعزز الهيمنة الإقليمية للصين، ويؤدي إلى اضطرابات عميقة في سلاسل التوريد العالمية، لاسيما في قطاع أشباه الموصلات. وستُمثل هذه التحولات بداية نهاية النظام أحادي القطب، وبزوغ نظام دولي متعدد الأقطاب.
ChinaPower Project. (2016) How much trade transits the South China Sea? [online] Center for Strategic and International Studies. https://chinapower.csis.org/much-trade-transits-south-china-sea/
Expert Network Calls. (2024). Future of China Semiconductor Industry 2030: Market Predictions. https://expertnetworkcalls.com/66/future-of-china-semiconductor-industry-2030-market-predictions
Global Taiwan Institute. (2025). Taiwan’s Shortage of Chipmakers: A Major Threat to the Industry’s Long-term Growth. https://globaltaiwan.org/2025/03/taiwans-shortage-of-chipmakers-a-major-threat-to-the-industrys-long-term-growth/
IndexBox. (2025). China Crude Oil Imports – 2024. https://www.indexbox.io/blog/china-crude-oil-imports-2024/
Reuters. (2025). Pakistan’s Chinese-made jet brought down two Indian fighter aircraft – US officials. https://www.reuters.com/world/pakistans-chinese-made-jet-brought-down-two-indian-fighter-aircraft-us-officials-2025-05-08/
Reuters. (2024). China’s crude oil imports fall in 2024 for first time in two decades outside COVID. https://www.reuters.com/markets/commodities/chinas-crude-oil-imports-fall-2024-first-time-two-decades-outside-covid-2025-01-13/
Reuters. (2022). China extends military drills around Taiwan after Pelosi visit.https://www.reuters.com/world/asia-pacific/china-extends-military-drills-around-taiwan-after-pelosi-visit
تعليقات