تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة إلى إنشاء كتلة تجارية جديدة تمثل مبادرة استراتيجية مترابطة الأبعاد، ترمي إلى تحقيق جملة من الأهداف على الصعيدين الوطني والدولي. ولا يجوز النظر إلى هذه الكتلة التجارية بمعزل عن سياقها الأشمل، بل ينبغي فهمها في إطار الاستراتيجية الاقتصادية والجيوبوليتيكية الأوسع التي تنتهجها الإمارات، والتي تعكس بدورها التحوّلات البنيوية والتطورات المتسارعة في مشهد التجارة العالمية.

 

في عصر العولمة المجزّأة، حيث تتزايد بصورة ملحوظة محاولات التنافس والتكامل بين الشبكات التجارية الإقليمية والنظم متعددة الأطراف، تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة إلى ترسيخ مكانتها والحفاظ على حضورها الفاعل عبر تموضعها في طليعة المشهد العالمي. وتتيح هذه المقاربة للإمارات تحقيق مكاسب على مستويات متعددة، من خلال دفع أولوياتها الداخلية قُدماً، وفي الوقت نفسه تعزيز قدرتها على التأثير في موازين القوة الاقتصادية العالمية المتحوّلة. ومع ذلك، فإن نجاح هذا التكتل ليس مضموناً بصورة مطلقة، إذ سيتعيّن عليه تجاوز عقبات تنظيمية وبنيوية وسياسية كبرى من أجل تحويل إمكاناته النظرية إلى نتائج عملية ملموسة.

مسار براجماتي نحو التجارة العالمية

يجري حالياً تطوير مبادرة تجارية جديدة من شأنها أن تعيد صياغة انخراط القوى المتوسطة في الاقتصاد العالمي، وذلك عبر ائتلاف يضم عدداً من الاقتصادات الصغيرة والمتوسطة، تقوده كلّ من سنغافورة والإمارات العربية المتحدة ونيوزيلندا. وقد عُرفت هذه المبادرة سابقاً باسم الشراكة من أجل مستقبل الاستثمار والتجارة  (FIT-P)، وهي تسعى إلى تعزيز التجارة القائمة على القواعد وتوسيع آفاق التعاون في الاقتصاد الرقمي سريع النمو، على أن تضم في مرحلتها الأولى عشر دول تمتد عبر قارات آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا وأوروبا. ومن المنتظر أن تشمل المبادرة دولاً أخرى يجري بحث انضمامها حالياً، من بينها ماليزيا والمغرب ورواندا والأوروجواي وكوستاريكا وبنما وباراجواي والنرويج. وعلى الرغم من أنّ معايير العضوية لا تزال قيد التفاوض، فإنّ انخراط أسواق متقدمة وناشئة وحدودية على حدّ سواء يعكس الطابع العالمي والشامل لهذه المبادرة.

 

ويهدف هذا الائتلاف إلى تقديم نموذج بديل للتعاون الاقتصادي يتسم بمرونة أكبر وبراجماتية أوضح ورؤية استشرافية أوسع، وذلك في مرحلة تشهد فيها الكتل التجارية التقليدية صعوبات متزايدة في التكيّف مع الحقائق المتغيرة والمتسارعة للمشهد الدولي.

 

من المقرّر أن تُطلَق مبادرة شراكة مستقبل الاستثمار والتجارة الجديدة رسمياً خلال اجتماع وزاري افتراضي في نوفمبر 2025، على أن يتبعه انعقاد قمة حضورية رفيعة المستوى في يوليو 2026. ويعكس الجدول الزمني المقترح الطبيعة البراجماتية للمبادرة، إذ توازن بين الحاجة إلى التقدّم بخطى سريعة تُبرز زخمها السياسي والمؤسسي، وبين إتاحة الوقت الكافي لمعالجة الجوانب التقنية وتطويرها عبر حوارات متواصلة.

 

سيتيح هذا النهج المرحلي في التنفيذ للدول الأعضاء تنسيق أولوياتها العاجلة، وتشكيل فرق عمل متخصّصة، وإرساء الآليات اللازمة للتنفيذ. وبرغم أنّ المبادرة ما تزال في طور التشكّل، فإن بنيتها القائمة على التجارة الرقمية، وتيسير الاستثمار، والتعاون العملي، تبدو مرشّحة لتوفير فوائد اقتصادية واسعة النطاق لأعضائها. ويمكن تقييم هذه الفوائد من خلال النظر في الأهداف المعلنة للمبادرة، فضلاً عن الاستفادة من الشواهد المستقاة من اتفاقات التجارة الدولية المماثلة.

 

يتيح تأطير مبادرة (شراكة مستقبل الاستثمار والتجارة) ضمن سياق التجارب السابقة في الاندماج الإقليمي والتكامل في مجال التجارة الرقمية تقييماً أدقّ لآفاقها المستقبلية. وتُعدّ اتفاقية شراكة الاقتصاد الرقمي (DEPA) – على رغم محدودية عضويتها التي تقتصر على عدد قليل من الدول، ومنها سنغافورة وتشيلي ونيوزيلندا – النموذج الأقرب والأكثر طموحاً من الناحية التقنية، إذ اضطلعت بدور ريادي في إرساء معايير للتجارة الرقمية، والتوقيعات الإلكترونية، وقابلية التشغيل البيني.

 

وبينما تستند مبادرة (شراكة مستقبل الاستثمار والتجارة) إلى الهيكلية الوحدوية والرقمية الطابع التي تميز اتفاقية (اتفاقية شراكة الاقتصاد الرقمي)، فإنها تسعى إلى تحقيق مزيد من التطوير من خلال الربط بين قواعد التجارة الرقمية وتيسير الاستثمار، فضلاً عن إطلاق مشروعات تجريبية فيما يُعرف بـ “تكنولوجيا التجارة”. غير أنّ التحدي الجوهري يكمن في بطء انتشار نموذج (اتفاقية شراكة الاقتصاد الرقمي)، وهو ما يعكس صعوبة الانتقال من مشروعات تجريبية محدودة إلى اعتماد واسع النطاق عبر اقتصادات متباينة.

 

وفي المقابل، ورغم أنّ النموذج الآسيوي-الهادئ المتمثل في “الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP)” يمتاز باتساع عضويته، إلا أنه يظلّ محدودًا من حيث الالتزامات، إذ يركّز على منح تفضيلات جمركية في حين يتجاهل المجالات التنظيمية الحسّاسة.

 

ورغم تطلّع مبادرة (شراكة مستقبل الاستثمار والتجارة) إلى إرساء معايير تقنية مُلزِمة ومتمايزة في مجال الاقتصاد الرقمي، إلا أنّها معرّضة لخطر الوقوع في الفخ ذاته المتمثل في اتساع إعلاني يخلو من عمق تنظيمي فعلي. وإذا كان التكامل القارّي يتجسّد تعبيره الأبرز في منطقة التجارة الحرّة القارّية الإفريقية، فإنّ هذه الأخيرة تكشف في الوقت ذاته عن معوقات ناجمة عن التباينات البنيوية، حيث ما تزال بروتوكولاتها الرقمية والاستثمارية بطيئة الحركة وغالباً ما تتجاوزها الاتفاقات الثنائية. وقد تواجه (شراكة مستقبل الاستثمار والتجارة) حدياً مشابهاً إذا ما سعت إلى استيعاب طيف واسع من الأنظمة المتباينة؛ غير أنّ بوسعها الحد من هذا الخطر عبر تركيز جهودها على مجموعة محدودة من المعايير الرقمية القابلة للتنفيذ بدلاً من الانخراط في أجندة شمولية واسعة.

وعند استخلاص الدروس من هذه المقارنات، يتضح أنّ مصداقية (شراكة مستقبل الاستثمار والتجارة) لن تُقاس بحجم عضويتها بقدر ما ستُقاس بقدرتها على إرساء معايير تقنية مُلزِمة وقابلة للتنفيذ.

المكاسب الاقتصادية للإمارات

يمنح الاعتراف بدولة الإمارات كعضو مؤسِّس في مبادرة (شراكة مستقبل الاستثمار والتجارة) مزايا ملموسة على عدّة جبهات استراتيجية. ففي المقام الأول، سيجري ترسيخ هوية الدولة بوصفها مركزاً محورياً للتجارة العالمية، لاسيما وأنها ضخت استثمارات ضخمة في تطوير خدمات موانئها ومطاراتها ومناطقها الحرّة ومنصّاتها اللوجستية التي تسهّل حركة التجارة الدولية وتزيد من انسيابيتها. ومن خلال تقليص الاحتكاكات التجارية، يسهم التكتّل مباشرةً في تعزيز هذه الأصول ورفع القيمة التنافسية لمراكز رئيسة مثل ميناء جبل علي، وميناء خليفة، ومنطقة جبل علي الحرّة، ومنطقة خليفة الصناعية.

 

ثانياً، وفي ما يتعلّق بتعزيز الاقتصاد الرقمي والابتكار، تنسجم مبادرة (شراكة مستقبل الاستثمار والتجارة) مع الاستراتيجيات الوطنية المختلفة. وتسعى دولة الإمارات، التي تهدف في الأساس إلى رفع مساهمة الاقتصاد الرقمي لتصل إلى 20% من ناتجها المحلي الإجمالي غير النفطي بحلول عام 2030، إلى تطوير منظومات لوجستية ذكية مع إدماج التقنيات الحديثة في أنشطتها الحكومية والخاصة على حدّ سواء. وقد بلغت صادراتها من الخدمات الرقمية في عام 2024 نحو 52 مليار دولار، محتلةً المرتبة الحادية والعشرين عالمياً، الأمر الذي يبرز قدرتها على اقتناص حصة أكبر من التجارة الرقمية العابرة للحدود.

 

ثالثاً، ستُفتح قنوات جديدة للتفاعل الاقتصادي مع مناطق مثل أميركا اللاتينية وإفريقيا وأوروبا، حيث لا يزال الحضور التجاري لدولة الإمارات متواضعاً نسبياً رغم نموّه المتسارع. ومن خلال اضطلاعها بدور ركيزي في مبادرة (شراكة مستقبل الاستثمار والتجارة)، ستعزّز الإمارات موقعها الاستراتيجي الراسخ كاقتصاد جسري يربط بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب، وبالعكس أيضاً. ويكتسب هذا التموضع بُعدين متكاملين، تجارياً ودبلوماسياً على السواء، بما يعزّز دور الإمارات وسمعتها كوسيط براجماتي في اقتصاد عالمي آخذ في التشرذم.

 

رابعًا، يمكن لمبادرة (شراكة مستقبل الاستثمار والتجارة) أن تعزّز جاذبية دولة الإمارات كمركز استثماري. فبفضل بنيتها التحتية المتطورة وبيئتها التنظيمية السليمة، غالباً ما تُستخدم الدولة كقاعدة إقليمية للاستثمار من جانب العديد من الشركات متعددة الجنسيات. من شأن اتساع الفضاء الاقتصادي لـ (شراكة مستقبل الاستثمار والتجارة) أن يرفع من مستويات التنبؤ ويعزّز عنصر الحجم، بما يرسّخ مكانة كلٍّ من دبي وأبوظبي كمواقع مفضلة للمقارّ الإقليمية، وللأنشطة الصناعية الخفيفة، ولعمليات المعالجة ذات القيمة المضافة. كما أن المشاريع المشتركة في المنصات الرقمية — مثل أنظمة الدفع الإقليمية أو الحلول الجمركية القائمة على تقنية البلوك تشين — من شأنها أن تكمل الأحكام الواردة بالفعل في عدد من اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة التي وقّعتها الدولة. وعلى الصعيد العملي، فإن تفعيل هذه التدابير من شأنه أن يجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى قطاعات اللوجستيات والتكنولوجيا المالية والخدمات المتقدمة، وهو ما يعزّز موقع الإمارات كنقطة انطلاق للتجارة العابرة للحدود؛ علماً أنه بلغت تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الدولة في عام 2024 ما قيمته 45.6 مليار دولار.

 

خامساً، تنعكس بعض المكاسب الملموسة في تيسير التجارة وزيادة الكفاءة. إذ يقوّض كل عائق إضافي —سواء تمثّل في إجراءات جمركية غير متسقة أو في غياب التوثيق الرقمي—القدرة التنافسية. وتمتلك مبادرة (شراكة مستقبل الاستثمار والتجارة) -من خلال إعطاء الأولوية لقابلية التشغيل البيني والاعتراف المتبادل بالعقود الإلكترونية- القدرة على تحقيق وفورات كبيرة في التكلفة والوقت. وتشير دراسات البنك الدولي إلى أنّ توحيد اللوائح وتعزيز الاتصال الرقمي يمكن أن يخفض تكاليف التجارة بما يصل إلى 20% للسلع و30% للخدمات. وبالنسبة لدولة الإمارات، التي تُعدّ اقتصاداً رائداً في إعادة التصدير، فإن مثل هذه التخفيضات قد توفّر مليارات الدولارات وتعزّز القدرة الاستيعابية لموانئها. كما أنّ الأحكام الرقمية لـ(شراكة مستقبل الاستثمار والتجارة)، إلى جانب التوقعات بارتفاع التجارة الرقمية بمعدل سنوي يبلغ 12.3% بين عامي 2023 و2028 في الإمارات، من شأنها أن تسهم مادياً في رفع مساهمة الاقتصاد الرقمي في النمو المحلي الإجمالي.

 

غير أنّ الطموح ذاته الذي يتيح لـ(شراكة مستقبل الاستثمار والتجارة) إبراز ريادة الإمارات يطرح في الوقت نفسه أسئلة صعبة تتعلق بآليات التنفيذ، ما يستدعي مواجهتها بشكل مباشر.

مبادرة (شراكة مستقبل الاستثمار والتجارة) في مرحلة حاسمة

يكمن أحد أبرز المخاطر في هشاشة العمق المؤسسي؛ فغالباً ما تنطلق المبادرات الإقليمية ومتعددة الأقاليم بإعلانات كبرى وأطر طموحة، غير أنّها سرعان ما تصطدم بعقبات جسيمة على صعيد التنفيذ وضمان الالتزامات القابلة للإنفاذ. وفي غياب آليات واضحة، يظلّ الخوف قائماً من تحوّل الكتلة إلى كيان رمزي لا يتعدّى إطار تحالف فضفاض محدود الفاعلية والأثر. إذ تُعدّ القواعد الرقمية الموحدة، والإجراءات الجمركية المبسّطة، وآليات تسوية المنازعات الموثوقة ركائز أساسية لإقناع الفاعلين الاقتصاديين بأنّ هذه المبادرة تتمتع بالمصداقية والجدّية.

 

ويبرز تحدٍّ آخر يتمثل في تنوّع أعضاء المبادرة، حيث تختلف النظم القانونية ومستويات الدخل والبيئات السياسية من دولة إلى أخرى. ومن ثمّ، فإن التوافق على إطار تنظيمي موحّد للتجارة الرقمية أو لحماية الاستثمارات سيتطلّب جهداً فنياً واسعاً ومعقّداً، في حين قد يُضطر بعض الأعضاء إلى تقديم تنازلات سياسية. وفي غياب تنسيق محكم ومخطَّط له، ستظلّ الكتلة مجرّد شعارات بلا قدرة على تجسيد أي أطر عملية ملموسة.

 

يشكّل التداخل مع الاتفاقيات القائمة خطراً آخر، إذ إنّ العديد من الأعضاء المحتملين ينتمون بالفعل إلى تكتلات تجارية إقليمية قائمة، ولكل منها اتفاقيات ثنائية خاصة تتناول قضايا مشابهة. ومن ثمّ، وفي غياب قيمة مضافة واضحة، ستواجه مبادرة شراكة مستقبل الاستثمار والتجارة أو ما يعادلها مخاطر التكرار وضعف الاعتماد.

 

كما لا يمكن إغفال البعد الجيوبوليتيكي، إذ قد ترى القوى الكبرى في الكتلة تهديداً محتملاً إذا ما حاولت تجاوز نفوذها أو تقليصه. ولضمان انسيابية العمل، سيكون على الإمارات الحفاظ على حيادها، مع تأطير المبادرة ضمن نهج تكاملي بدلاً من مقاربة تنافسية.

 

وعند جمع هذه التحديات معاً، يتبيّن أن الأثر الاقتصادي لمبادرة شراكة مستقبل الاستثمار والتجارة لن يتوقف على رؤيتها فحسب، بل سيعتمد أيضاً على قدرة أعضائها على تجاوز الحواجز المؤسسية والتنظيمية والجيوبوليتيكية. وبحلول عام 2030، قد تتبلور مجموعة من السيناريوهات المحتملة، لكل منها تداعيات متباينة ومؤثرة على موقع الإمارات في ملف التجارة والاستثمار.

 

قد تتمكّن المبادرة، بحلول عام 2026 وفي إطار السيناريو الأكثر تفاؤلاً، من إرساء توحيد ملموس للقواعد التجارية، بما يشمل اعتماد معايير مشتركة للتوثيق الرقمي، والتوقيعات الإلكترونية، والإجراءات الجمركية المبسّطة. ومع بلوغ قيمة تجارة الإمارات غير النفطية من السلع نحو 817 مليار دولار في عام 2024، تشير التقديرات إلى أنّ خفض تكاليف المعاملات والامتثال بنسبة تتراوح بين 10 و15% قد يتيح للدولة وفورات تتراوح بين 81.7 و122.5 مليار دولار سنوياً.

 

وسيسهم هذا الخفض، إلى جانب المكاسب المرتبطة بالكفاءة والعوائد الاقتصادية المباشرة، في تحفيز مشاركة أكبر من جانب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي مثّلت أكثر من 60% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي حتى منتصف عام 2022، وفقاً للبيانات الرسمية الصادرة عن حكومة الإمارات. ومن المتوقع أن تؤدي هذه التحسينات دوراً محورياً في تعزيز مكانة الدولة كمركز لوجستي عالمي لإعادة التصدير، فضلاً عن دعم نمو القطاعات الناشئة، مثل التكنولوجيا المالية، والتجارة الإلكترونية، والخدمات المتقدمة. وعند دمج هذه المكاسب مع الهدف المعلن برفع مساهمة الاقتصاد الرقمي إلى 20% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، ستوفّر المبادرة إطاراً تمكينياً متقدّماً للتنويع الاقتصادي وترسيخ الابتكار.

 

في سيناريو أقل تفاؤلاً، قد يقتصر الإنجاز على تحقيق تقدم تدريجي، إذ يمكن أن تؤدي الفجوات في جاهزية الأطر التنظيمية، وقدرات البنية التحتية، وتباين الأولويات السياسية بين الدول الأعضاء إلى إبطاء وتيرة التكامل. ورغم أنّ الشركات العالمية المرتبطة بالإمارات ستواصل الاستفادة من تقليص الاحتكاكات في مجالي التجارة والاستثمار، فإنّ الشركات الأصغر ضمن نطاق المبادرة قد تواجه انتقالاً أبطأ، بما يؤجل المكاسب المرجوة لها.

 

وعلى الرغم من محافظة الإمارات على زخم واضح في تطوير منظومة تكنولوجيا التجارة وتوسيع نطاق اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة، فإنها ستجد نفسها أمام منافسة قوية من مراكز أخرى، وفي مقدمتها سنغافورة، ما يشكّل تحدياً لطموحها في قيادة صياغة معايير التجارة العالمية. وبحلول عام 2030، ستظل مساهمة المبادرة إيجابية إلى حدّ كبير، وإن كانت متواضعة نسبياً، مع استمرار تنويع الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بوتيرة مستقرة، غير أنّها لن ترقى إلى مستوى الأهداف بالغة الطموح التي وضعتها الإمارات.

 

وأخيراً، في السيناريو الأقل تفاؤلاً والأكثر حذراً، قد تواجه المبادرة مخاطر التشرذم، حيث يمكن أن يقوّض التباين في الأنظمة الوطنية، إلى جانب التردد في توحيد المعايير الرقمية واحتمال نشوء تعارضات مع اتفاقيات التجارة الحرة القائمة، مستوى الثقة ويبطئ وتيرة التقدّم. وبدلاً من أن تسهم المبادرة في خفض التكاليف، قد تتحوّل إلى مصدر لتحديات إضافية وتعقيد أكبر في التجارة عبر الحدود.

 

ويعني تطبيق هذا السيناريو على الإمارات تباطؤ نمو التجارة، إلى جانب تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، إذ ستُعتبر الدولة وجهة أقل جاذبية للشركات متعددة الجنسيات التي تفضّل بيئات تنظيمية قابلة للتنبؤ. ومع بلوغ صادرات الخدمات الرقمية 52 مليار دولار في عام 2024، فإنّ الإمارات ستكون معرّضة لفقدان زخمها في توسيع حصتها في السوق العالمية. وبذلك ستبقى مبادرة شراكة مستقبل الاستثمار والتجارة بالكاد إطاراً للحوار المتبادل، بدلاً من أن تتحوّل إلى محرّك فعلي وقوة دافعة للتحوّل الاقتصادي.

 

ختاماً، تبرز جميع السيناريوهات السابقة حقيقة جوهرية مفادها أنّه على الرغم من امتلاك الإمارات رؤية استراتيجية راسخة، وبنية تحتية متينة، وسجلاً حافلاً في ريادة التجارة، فإنّ النتائج الاقتصادية لمبادرة شراكة مستقبل الاستثمار والتجارة ستتوقف بدرجة كبيرة على مستوى التنفيذ الفعّال وجودته.

 

ففي حال أثبتت المبادرة نجاحها، يمكن أن تحقق نتائج ومكاسب ملموسة، من بينها وفورات بمليارات الدولارات، وتوسيع نطاق الوصول إلى الأسواق، وجذب استثمارات جديدة، وتعزيز مكانة الإمارات كمركز عالمي يربط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا. أمّا إذا أخفقت في بلوغ أهدافها، فستظل المكاسب محدودة، بما قد يؤجل طموح الإمارات في لعب دور محوري ضمن نظام تجاري عالمي جديد يستند إلى قواعد واضحة ومستقرة.

المراجع

12.3% Growth for UAE’s Digital Trade Between 2023-2028. WAM. Accessed September 20, 2025. https://www.wam.ae/en/article/b3cih4f-123-growth-uaes-digital-trade-between-2023-2028

 

Digital Services Trade Holds Promise for Africa but also Faces H…  World Bank Blogs. Accessed September 19, 2025. https://blogs.worldbank.org/en/trade/digital-services-trade-holds-promise-for-africa-but-also-faces-h

 

FIT-P: Singapore, the UAE, and Others Form a New Trade Alliance Amid Global Uncertainty. Trade, Treasury, and Payments. Accessed September 21, 2025. https://tradetreasurypayments.com/posts/fit-p-singapore-the-uae-and-others-form-a-new-trade-alliance-amid-global-uncertainty

 

Small and Medium Enterprises. UAE Government Portal. Accessed September 22, 2025. https://u.ae/en/information-and-services/business/small-and-medium-enterprises

 

UAE Announces First Trade Deal Since Pandemic with India. Financial Times. Accessed September 20, 2025. https://www.ft.com/content/d233de0d-ad0b-4483-9c7f-25d24a7b973a

 

UAE Cements its Position as Global Destination for…  WAM. Accessed September 18, 2025. https://www.wam.ae/en/article/bk9kxbg-uae-cements-its-position-global-destination-for

 

UAE Foreign Trade Reaches AED523 Trillion in 2024. WAM. Accessed September 19, 2025. https://www.wam.ae/en/article/bj9uwlt-uae-foreign-trade-reaches-aed523-trillion-2024

 

UAE Leans on Trade Deals for Growth as Non-Oil Trade Jumps 15% in 2024. Reuters, February 5, 2025. Accessed September 21, 2025. https://www.reuters.com/world/middle-east/uae-leans-trade-deals-growth-non-oil-trade-jumps-15-2024-2025-02-05/

 

UAE’s PM Says Country’s Non-Oil Sector Hit Record 3.5 Trillion Dirhams in 2023. Reuters, February 18, 2024. Accessed September 22, 2025. https://www.reuters.com/world/middle-east/uaes-pm-says-countrys-non-oil-sector-hit-record-35-trillion-dirhams-2023-2024-02-18/

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *