يستعرض استطلاع "اتجاهات الرأي العام"، الذي أُجري في أغسطس 2025، تصوّرات الجمهور حيال اللغة العربية ودورها في تشكيل الهوية الإقليمية، والأمن، والتماسك الاجتماعي. وتُبرز نتائجه أنّ تراجع العربية يُنظر إليه كتهديد محتمل، لا للوحدة الثقافية والاجتماعية فحسب، بل أيضاً للاستقرار الاقتصادي والأمن القومي. ومن خلال تناول المخاوف الآنية وتلك الممتدة على المدى البعيد، يقدّم الاستطلاع رؤى بالغة الأهمية حول كيفية إدراك اللغة بوصفها ركناً من أركان الصمود في العالم العربي.
للبدء، وعلى الرغم من أنّ معظم المستجيبين اتفقوا على أنّ اللغة العربية تواجه تهديداً، فإنّهم اختلفوا في تحديد مصادر هذا التحدّي. فقد نسب أكبر عدد منهم، بنسبة 45%، هذا التهديد إلى العولمة. وتلتها منظومة التعليم بنسبة 29%، ثم عدم الاستقرار السياسي بنسبة 18%. ويعكس التركيز على العولمة إدراكاً واسع الانتشار للتأثير الخارجي باعتباره العامل الرئيس في تقويض اللغة العربية. ويمكن أيضاً النظر إلى التعليم والعولمة بوصفهما متداخلين، إذ قد يُضعف التعليم مكانة العربية إمّا من خلال إعلاء الأفكار المعولمة أو عبر الاعتماد على اللغات الأجنبية كلغة أساسية للتدريس. أمّا عدم الاستقرار السياسي، فعلى الرغم من أنّ ما يقارب خمس المستجيبين أشاروا إليه، فقد حاز النسبة الأدنى، ربما لتعقيده كمفهوم. وأخيراً، فإنّ 9% من المشاركين لم يروا أي تهديد، وهو ما قد يوحي بأنّهم إمّا حددوا مصادر بديلة لم يتضمّنها الاستطلاع، أو أنّهم لم يعتبروا اللغة العربية مهدَّدة أصلاً.
طُرِح على المشاركين سؤال عمّا إذا كان ضعف اللغة العربية قد يسهم في تفكك العالم العربي. وكان الهدف من هذا السؤال تقييم ما إذا كانت العربية تُدرَك كركيزة أساسية لوحدة العرب. وقد أظهرت النتائج أنّ غالبية واضحة، بلغت 72%، اعتبرت تراجع العربية تهديداً مباشراً لتماسك الدول العربية. وفي المقابل، رأى 25% أنّه تهديد محتمل، ما يشير إلى أنّ حتى الذين لا يعدّونه مصدر قلق آني يعترفون بأثره المحتمل في المستقبل. ولم يتجاوز من رفضوا الفكرة بالكامل نسبة 3.8%. وبصورة إجمالية، تكشف النتائج أنّ ما يقارب 95% من المستجيبين يدركون ضعف العربية كخطر قائم أو محتمل على مسار الاندماج العربي.
رأى غالبية كاسحة من المشاركين، بلغت %91، أنّ تراجع اللغة العربية يمكن أن يؤثّر سلباً في الاقتصاد. ومن بين هؤلاء، رأى 75% أنّ الأثر مباشر وراهن، في حين اعتبر 16% أنّه احتمال قائم أو خطر محتمل في المستقبل. ولم تتجاوز نسبة الذين لم يروا أي علاقة بين ضعف الاقتصاد وتراجع العربية 9%. وبالنظر إلى الطابع غير المباشر للعلاقة بين اللغة والأداء الاقتصادي، فإنّه من اللافت أنّ نسبة محدودة فقط من المستجيبين رفضت هذه الفكرة.
رأى غالبية المشاركين، بنسبة 62%، أنّ تراجع اللغة العربية يمثّل تهديداً للأمن الإقليمي. وعلى الرغم من أنّ السؤال لم يُشر صراحةً إلى “الأمن القومي”، فإنّ الإجابات توحي بأنّ الناس ما زالوا يربطون بين ضعف العربية ومخاطر أوسع تطال الاستقرارين القومي والإقليمي. وفي الواقع، اعتبر 98% من المشاركين أنّ هذا التهديد مؤكّد أو محتمل. ولم تتجاوز نسبة الذين لم يعتقدوا أنّ إضعاف اللغة قد يُستغلّ من قِبل القوى الأجنبية 2%. وتتسق هذه النتيجة مع ما سبقتها، حيث أبدت النسبة الضئيلة ذاتها عدم اقتناعها بأنّ تراجع العربية يمكن أن يكون عاملاً دافعاً نحو تفكك المنطقة.
عند طرح السؤال بشكل مباشر، رأى %80 من المشاركين أنّ ضعف اللغة العربية يمثّل تهديدًا راهنًا للأمن القومي، وهو ارتفاع ملحوظ مقارنة بنسبة %62 الذين عبّروا عن هذا القلق عند طرح السؤال بصورة غير مباشرة. وتُظهر هذه النتيجة اتساقًا لافتًا يؤكد أنّ الجمهور ينظر إلى أمن اللغة بوصفه مكوّنًا أساسيًا من مكوّنات الأمن القومي. وإلى جانب ذلك، اعتبر %14 أنّ الأمر يشكّل تهديدًا محتملًا في المستقبل، في حين لم يرَ سوى %6 أي صلة بين اللغة والأمن القومي أو التماسك الاجتماعي حتى عند توجيه السؤال بشكل صريح.
أكّد معظم المشاركين، بنسبة 81%، أنّ الوحدة الإقليمية مرتبطة بقوة اللغة العربية. في المقابل، لم يشاطر 19% هذا الرأي. وقد يكون هؤلاء إمّا لا يرون أي علاقة بين الأمرين على الإطلاق، أو يعتبرون أنّ اللغة وحدها غير كافية لقيادة مسار التفكك، مُشيرين بدلاً من ذلك إلى دور متغيرات أخرى أكثر تأثيراً.
رأى معظم المشاركين، بنسبة %67، أنّ الحكومات العربية لا تبذل ما يكفي من الجهود لحماية اللغة العربية، في حين عبّر %22 عن حالة من عدم اليقين. أما %12 فقط، فقد رأوا أنّ الإجراءات الحكومية المتخذة كافية. وربما كان من شأن إيراد أمثلة محددة للسياسات أو التدابير التي اعتمدتها بعض الدول العربية أن يفضي إلى إجابات أكثر دقة. ومع ذلك، يبقى الانطباع العام أنّ الجهود الحكومية الراهنة غير كافيةذ.
ختامًا، طُرح على المشاركين سؤال عن مستقبل اللغة العربية في ضوء التهديدات القائمة والإجراءات الحكومية الحالية. وقد رأى ما يقارب نصف المشاركين، بنسبة %45، أنّ اللغة ستبقى صامدة، مع إقرارهم بحجم التحديات، لكن معبّرين عن أملهم في أن تسهم المبادرات الحكومية أو التطورات الأوسع في الحفاظ عليها. في المقابل، أبدى 36% رؤية أكثر تشاؤماً، معتبرين أنّ العربية تفقد مكانتها تدريجياً. أمّا النسبة المتبقية، 19%، فقد اتسمت بتفاؤل أكبر، متوقّعة مستقبلاً أقوى للغة على الرغم من الصعوبات الراهنة.
“اتجاهات الرأي العام” سلسلة قائمة على البيانات، تهدف إلى تصوير توجهات الرأي العام إزاء القضايا الإقليمية والعالمية الراهنة، ويقوم على إعدادها وتحريرها فريق من كبار الباحثين في برنامج الإنذار المبكر بمركز الحبتور للأبحاث، وهما حبيبة ضياء الدين وأحمد السعيد.
وتستند النتائج المعروضة إلى بيانات جُمعت عبر استطلاعات رأي على وسائل التواصل الاجتماعي ونماذج إلكترونية وُزِّعت من خلال البريد الإلكتروني. وعلى الرغم من الحرص على تحقيق عينة واسعة ومتنوعة، فإنّ النتائج تعبّر عن آراء وتوجهات المشاركين فقط، ولا ينبغي تفسيرها على أنّها تمثّل الموقف العام أو تعكس بالضرورة رأي مركز الحبتور للأبحاث.
تعليقات