كتب بواسطة

جذبت استضافة قطر لكأس العالم لكرة القدم عام 2022 المزيد من انتباه المجتمع الدولي لها، حيث استطاعت تحويل نظرة العالم صوبها بوصفها دولة ذات مكانة عالمية قادرة على استضافة أكبر الفعاليات الرياضية، ففي الآونة الأخيرة سعت العديد من دول العالم إلى استضافة فاعليات وأحداث رياضية كبرى لتعزيز موقفها دبلوماسياً وتحسين سمعتها وتعزيز مكانتها في المجتمع الدولي، وهو ما لفت النظر إلى "دبلوماسية الرياضة" وجدوى استخدامها كوسيلة لتحقيق التفاهم والسلام بين الدول وتعزيز أهداف الدول السياسية والأيدلوجية، وسبق أن وظَّفت دولاً الرياضة لتأكيد تفوقها وعظمتها كما حدث حينما استضافة ألمانيا دورة الألعاب الأولمبية عام 1936، وكذلك استضافة إيطاليا في عهد موسوليني كأس العالم لكرة القدم نسخة 1934. كما لعبت الرياضة دورًا أكثر إيجابية، في تسعينيات القرن الماضي فكانت الرياضة فرصة لجنوب إفريقيا لتجاوز حقبة نظام الفصل العنصري والتطلع إلى الأمام. وبالنسبة للصين، فقد أسهمت الرياضة في انتهاج سياسة منفتحة واقتصاد أكثر تأثيرا.

 

وتعد سمعة الدولة أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر على علاقاتها الدولية، فهي تمثل صورة الدولة في أعين العالم، وتؤثر على مدى قبولها وتفاعلها مع الدول الأخرى، ومن خلال دبلوماسية الرياضة، يمكن للدول تحقيق العديد من الفوائد، مثل: تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين الدول، وتحسين الصورة العامة للدولة في العالم، وتحقيق التفاهم والتعاون بين الشعوب والدول. ولذلك، يمكن القول إن دبلوماسية الرياضة تعد أداة فعالة لتحقيق الأهداف الدبلوماسية وتعزيز سمعة الدولة في العالم. لذا يسعي هذا التحليل إلى توضيح العلاقة بين دبلوماسية الرياضة وسمعة الدولة وكيف تعزز دبلوماسية الرياضة سمعة الدولة وتحسن من صورتها في المجتمع الدولي.

ما المقصود بسمعة الدولة؟

تشير السمعة إلى “الصورة أو الإدراك العام” الذي تتمتع به الدولة في عيون المجتمع الدولي. وتعتبر هذه الصورة عاملاً هاماً في تحديد سلوك الدولة وموقفها في العلاقات الدولية. ويركز مفهوم سمعة الدولة على كيفية تأثير العوامل المختلفة، مثل السياسة الخارجية والتجارة والأحداث الدولية على سمعة الدولة، وكيفية تفسير هذه السمعة واستخدامها في العلاقات الدولية، ويعتقد كثير من الخبراء في العلاقات الدولية أن السمعة تمثل محركاً هاماً للعلاقات بين الدول، وأن الدول التي تتمتع بسمعة جيدة عادةً ما تحظى بمزيد من الاحترام والتأثير في المجتمع الدولي، حيث تؤثر العديد من العوامل على سمعة الدولة، ومن بينها:

 

السياسة الخارجية: تعتبر السياسة الخارجية للدولة عاملاً حاسمًا في تحديد سمعتها في المجتمع الدولي. فمثلاً، إذا كانت الدولة تتبنى سياسة خارجية تسعى إلى تحقيق السلام والاستقرار والتعاون مع الدول الأخرى، فمن المرجح أن يكون لهذه السياسة تأثير إيجابي على سمعة الدولة ويوجد العديد من الأمثلة في هذا الصدد: ألمانيا واليابان من الدول التي تشتهر بسياسة الاعتدال وتعميق التعاون الدولي، كما تعتبر سويسرا من الدول الأكثر استقراراً في العالم، نتيجة شهرتها بسياسة الحياد وسمعتها في مجالات الابتكار والتكنولوجيا والتنمية المستدامة.

 

الاقتصاد: يلعب الاقتصاد عاملاً هامًا في تحديد سمعة الدولة، حيث يعتبر الاستقرار المالي والاقتصادي للدولة عاملاً هامًا في تحسين سمعتها مثل وضع دولة الإمارات العربية المتحدة تُعد من أسرع دول العالم نمواً اقتصادياً، حيث تمتلك اقتصاداً متنوعاً يعتمد على النفط والغاز والخدمات المالية والغير مالية والسياحة مما جعل أماراتها الوجهة الأولي للمستثمرين وكبري الشركات العالمية. بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية و الصين من كبري الاقتصاديات في العالم حيث تمتلك اقتصاداً متنوعاً وقوياً يعتمد على الابتكار والتكنولوجيا و الصناعات التحويلية والتجارة الدولية.

 

الثقافة: يمكن أن تؤثر الثقافة والفن والأدب والموسيقى والأفلام الخاصة على سمعة الدولة في المجتمع الدولي. فيعكس تاريخها الغني وتراثها الثقافي والفني العريق. وتُعتبر فرنسا من أهم الدول ذات شهرة ثقافية في العالم، حيث تشتهر بتاريخها العريق في الفنون والأدب والفلسفة، ولقبت باريس بعاصمة الفنون في العالم كما احتضنت مقر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).

 

الرياضة: تعتبر الرياضة عاملاً مهماً في تحديد سمعة الدولة، وقد تستخدم الرياضة كوسيلة لتحقيق الأهداف الدبلوماسية وتعزيز العلاقات الدولية. ويتم احتساب السمعة بناءً على الإنجازات الرياضية للبلد عبر تاريخه. ومن بين هذه الدول: الولايات المتحدة، اليابان، ألمانيا، روسيا، البرازيل كلاً في رياضة مختلفة.

العلاقة بين دبلوماسية الرياضة وسمعة الدولة

هناك ارتباط وثيق بين سمعة الدولة ودبلوماسية الرياضة باعتبار أن كلاهما يركز بشكل رئيسي على عامل التأثير فتؤثر دبلوماسية الرياضة على الجمهور في الخارج لتنفيذ أجندة الدولة الخارجية أو لتغيير الصورة الذهنية وتحسين مستوي العلاقات على المدي المتوسط وطويل الأمد. لذا تتنافس الدول على استضافة أو المشاركة في الأحداث الرياضية الدولية لتقوية علاقاتها الدولية مع الدول أو للتقارب مع دول أخري وكسب ودها. وجذبت استضافة دولة مثل جنوب أفريقيا كأس العالم لكرة القدم في عام 2010 الانتباه العالمي وأثارت الاهتمام بجنوب أفريقيا كدولة تتمتع بثقافة غنية وأسلوب حياة متطور. وساعد هذا الحدث على تعزيز السياحة والاستثمارات في الدولة. كما استضافت دولة الإمارات العربية المتحدة العديد من الأحداث الرياضية الدولية، مثل بطولة العالم للجولف وبطولة كأس العالم للأندية لكرة القدم. وتساعد هذه الأحداث على تعزيز الصورة الإيجابية للدولة وتحقيق فوائد اقتصادية وسياحية. وتستثمر دول كدولة الإمارات بشكل كبير في الرياضة، وتوفر الدعم المالي والموارد اللازمة لرياضييها.

وتنعكس دبلوماسية الرياضة بصورة مباشرة على سمعة الدولة، وتنتج العديد من الآثار، منها:

الآثار الثقافية: تسهم دبلوماسية الرياضة في تعزيز سمعة الدولة عبر نشر الثقافة والتراث الوطني للدولة في المجتمع الدولي، وهو ما يمكن أن يعزز التفاهم والاحترام المتبادل بين الدول والثقافات المختلفة مثل ما حدث في مونديال قطر 2022.

 

الآثار الاجتماعية: تساعد دبلوماسية الرياضة على تعزيز العلاقات والتعاون بين الدول في مجالات مختلفة، مثل التعاون الرياضي والاجتماعي والثقافي والتنموي، وهو ما يمكن أن يساهم في تعزيز السلام والاستقرار في المجتمع الدولي.

 

الآثار البيئية: تعزز دبلوماسية الرياضة من الوعي البيئي في المجتمع الدولي، والذي يساعد بدوره في تحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية.

 

الآثار الاقتصادية: تسهم دبلوماسية الرياضة في بناء سمعة الدولة من خلال طرق عدة، منها تعزيز السياحة عبر جذب المزيد من الزوار إلى الدولة، حيث يتوجه الكثيرون إلى الدول التي تستضيف الأحداث الرياضية الكبرى مثل بطولات كأس العالم لكرة القدم والألعاب الأولمبية وغيرها، هذا بالإضافة إلى تعزيز الفرص الاستثمارية حيث تجذب الرياضة الاهتمام العالمي وتخلق فرصًا للأعمال والاستثمارات. كما تسهم دبلوماسية الرياضة في تعزيز العلامة التجارية للدولة وزيادة شهرتها عالميًا. كما تخلق الأحداث الرياضية فرص عمل جديدة وتحفز الاستثمارات.

الرياضة كأداة لتحسين سمعة الدولة

ظهر اهتمام متزايد بدبلوماسية الرياضة نتيجة التغييرات التي شهدتها البيئة الدبلوماسية، مما دفع الدبلوماسية إلى التكيف وتجربة أساليب جديدة. وبعد نهاية حقبة الحرب الباردة، زادت اهتمام الحكومات بدبلوماسية الرياضة باعتبارها وسيلة غير مباشرة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية، واستخدمت كأداة لخلق صورة جذابة للدولة أمام الجماهير الأجنبية. وفي القرن الحالي، أصبحت دبلوماسية الرياضة أداة قوية للسياسة الخارجية في جذب الجمهور وتعزيز التبادلات الثقافية والرياضية كأدوات للتفاهم والتقارب بين الدول. ويعتبر التبادل الرياضي والثقافي من أساليب القوة الناعمة التي تتبناها الدول في علاقاتها الخارجية والتي تلعب دوراً مهماً في بناء الجسور بين الثقافات والمجتمعات المختلفة.

 

أوضحت دراسة جوناثان جريكس وباري هوليهان (Jonathan Grix and Barrie Houlihan) التي أجريت على استضافة ألمانيا لمونديال عام 2006 وبريطانيا للألعاب الأوليمبية في عام 2012 إلى اتجاه الدول مؤخرًا لاستخدام الرياضة كقوة ناعمة لتحسين سمعتها وصورتها أمام المجتمع الدولي، وذلك عبر سعيها إلى استضافة الألعاب الرياضية لاستخدام مثل هذه الأحداث لتنشيط سمعتها وتحسين صورتها تجاه قضية ما أو موقف دولي ما، فقد استطاعت كلا من ألمانيا وبريطانيا تغيير صورتهما بين الجماهير الأجنبية وكسب هيبة دولية، و استخدمت ألمانيا كأس العالم عام 2006 كأداة لتحسين صورتها الخارجية بسبب تاريخها النازي والسلوك العدواني لها طوال القرن العشرين، وعدم اعتراف الدول الأجنبية بتطورها الثقافي وصعودها المذهل من أنقاض ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، لذلك اتجهت إلى تنويع موارد قوتها الناعمة لتغيير الصورة السلبية لها في الخارج، وأقامت مراكز ثقافية، ووجهت حملات للخارج كسفراء للثقافة واللغة الألمانية. وتمثل الأحداث الرياضية الضخمة جزء من الإستراتيجية الناعمة للأمّة حيث استخدمتها بريطانيا في عام 2012 بهدف الترويج للنموذج البريطاني عالميًّا باعتباره يمثل المدنية والتحضر والتقدم التكنولوجي والاقتصادي، وهو ما يرسخ الصورة الإيجابية عن بريطانيا في الوعي الجماهيري العالمي، كما ساعد شعار “مرحبا بك في ألمانيا: بلد الأفكار” عام 2006 على تحسين صورتها، وقد زاد تنافس الدول على استضافة الألعاب الرياضية البارزة باعتبارها أداة لتسريع وتيرة النمو الاقتصادي (مثل: استضافة البرازيل وروسيا كأس العالم عامي 2014، 2018).

 

ختاماً: احتل مفهوم دبلوماسية الرياضة مكانة هامة في أروقة الدبلوماسية العامة خلال العشر سنوات الأخيرة، وأصبحت الرياضة أحد أدوات تشكيل صور الدول على المسرح العالمي، ويظهر ذلك جلياً من خلال تعبير الجماهير عن مشاعرها الحقيقية تجاه قضية ما أو دولة ما أثناء الأحداث الرياضية. وهو ما يمكن أن يشكل مساحة لكل دولة لبناء صورة ذهنية عنها وعن قوتها الناعمة، وأيضا يحمل في طياته مخاطر يمكن أن تتعرض لها الدولة نتيجة إثارة مشاعر الجماهير أو عدائها لقضية ما أو دولة ما، حيث تنجح الأحداث الرياضية الضخمة في جذب انتباه مليارات الأشخاص، وهي الفكرة التي أشار لها جوزيف ناي في كتابه “القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية”، عندما ذكر أن الرياضة يمكن أن تلعب دوراً هاما في نقل القيم وإيصالها وهو ما قامت به العديد من الدول التي سبق ونظمت أحداثا رياضية عالمية، فضلا عن أنها تعد منصة مثالية لتسليط الضوء على الدولة المضيفة مما يعزز من سمعة الدولة في الساحة الدولية.

المراجع

Castilla-Polo, F. (2018). The Role of Country Reputation in Positioning Territories: A Literature Review. In: Carvalho, L., Rego, C., Lucas, M., Sánchez-Hernández, M., Noronha, A. (eds) Entrepreneurship and Structural Change in Dynamic Territories. Studies on Entrepreneurship, Structural Change, and Industrial Dynamics. Springer, Cham. https://doi.org/10.1007/978-3-319-76400-9_4
Jonathan Grix and Barrie Houlihan, “Sports Mega-Events as Part of a Nation’s Soft Power Strategy: The Cases of Germany and the UK, British Journal of Politics and International Relations, 2016.
Crescenzi, M. J. C., & Donahue, B. (2019, January 10). Reputation in International Relations. Oxford Bibliographies. Retrieved February 26, 2023, from https://www.oxfordbibliographies.com/display/document/obo-9780199743292/obo-9780199743292-0208.xml

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *