يشهد المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط بوادر تحوُّل كبير محتمل، عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن استئناف المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، اعتبارًا من الثاني عشر من أبريل 2025. يأتي هذا الإعلان عقب فترة اتسمت بتصاعد التوترات الثنائية وانهيار فعلي للاتفاق النووي المعروف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة"، ما جعل من هذا الانفراج الدبلوماسي موضع ترقب واسع داخل إيران وعلى مستوى المنطقة بأسرها. وقد انعكست هذه التوقعات الأولية، وإن كانت مؤقتة على الأرجح، في ردود فعل إيجابية في الأسواق المالية بطهران، تجلّت في تحركات أسواق الأسهم وأسعار الذهب، الأمر الذي يعكس بوضوح حجم التأثير الاقتصادي المحتمل لتلك المفاوضات على الشارع الإيراني. وإلى جانب الأبعاد الاقتصادية، فإن لهذه المحادثات المرتقبة انعكاسات محتملة على استقرار المنطقة بأسرها، ما يجعلها محل اهتمام بالغ لدى دول الخليج العربي كذلك. ورغم أن طبيعة هذه المشاركة الدبلوماسية— سواء أكانت ستأخذ شكل مفاوضات مباشرة كما ألمحت الإدارة الأمريكية، أم ستتم عبر قنوات غير مباشرة من خلال وسطاء— لا تزال غير محسومة، إلا أن مجرد بدء الحوار يُمثّل تحولًا لافتًا عن المسار التصعيدي الذي ساد العلاقات الأمريكية–الإيرانية في السنوات الأخيرة. وعليه، يسعى هذا التحليل إلى استكشاف مجموعة من السيناريوهات الممكنة التي قد تتشكّل مع انطلاق الوفدين الأمريكي والإيراني إلى طاولة المفاوضات في 12 أبريل، مع الأخذ بعين الاعتبار الديناميات السياسية الداخلية في كلا البلدين، والضغوط الإقليمية والدولية السائدة، والعوامل السياقية التي أفضت إلى هذا الانفتاح الحذر والمتجدد.
إن قرار كل من واشنطن وطهران بالانخراط مجددًا في المفاوضات، في الثاني عشر من أبريل 2025، لا يُعزى إلى تحول مفاجئ في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بل ينبثق عن تلاقي ضغوط ملحة وفرص استراتيجية مدروسة يدركها الطرفان. بالنسبة لإيران، فإن الدافع للعودة إلى طاولة الحوار يرتبط بشكل وثيق بالتأثير المدمّر الذي خلّفته سنوات من العقوبات الاقتصادية الصارمة التي فرضتها الولايات المتحدة. فقد أدّت هذه العقوبات إلى إضعاف الاقتصاد الإيراني بوضوح، من خلال تدهور حاد في قيمة العملة الوطنية، وتفشّي معدلات التضخم، وظهور حالة عامة من الضيق الاقتصادي الواسع النطاق، ما خلق حافزًا داخليًا قويًا يدفع طهران إلى البحث الجاد عن سُبل لتخفيف العقوبات. وقد تفاقم هذا الضعف الاقتصادي أكثر، إثر تقارير تفيد بانخفاض صادرات النفط الإيراني إلى الصين— الشريك الاقتصادي الأهم لطهران— وذلك في 4 فبراير 2025. يُعدّ هذا الانخفاض ضربة موجعة لشريان التمويل الرئيسي للاقتصاد الإيراني، مما زاد من إلحاح الحاجة إلى تبني استراتيجيات اقتصادية بديلة. من هنا، باتت فكرة التخفيف من وطأة العقوبات، عبر التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة، خيارًا أكثر إغراءً وإلحاحًا على حد سواء.
وعلى الجانب المقابل، قد تنظر الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، إلى المفاوضات المرتقبة باعتبارها فرصة استراتيجية لتحقيق انتصار دبلوماسي ملموس. وبالنظر إلى نهجه القائم على المعاملات في السياسة الخارجية وتركيزه الواضح على تحقيق نتائج قابلة للقياس، فإن الإعلان الذي نُقل عن الرئيس ترامب من سلطنة عُمان في 8 أبريل 2025 قد يكون مرتبطًا استراتيجيًا بتمهيد الطريق لهذه المحادثات. يشير ذلك إلى مرونة تكتيكية محتملة لدى الإدارة الأمريكية، تُعبّر عن استعداد للانخراط في حوار مباشر وربما تقديم تنازلات محسوبة بعناية، وإن كان ذلك ضمن الإطار العام لأجندة “أمريكا أولًا” التي يتبنّاها ترامب. وقد ساهم في تسهيل هذا المسار الدبلوماسي الحرج، الدور التاريخي المحوري الذي لطالما لعبته سلطنة عُمان، باعتبارها وسيطًا محايدًا ومحل ثقة بين الولايات المتحدة وإيران، إذ كان لجهودها المستمرة في بلورة “اتفاق أدنى مقبول مؤقتًا من الجانبين” أثر بالغ في تجاوز فجوة انعدام الثقة العميقة، وبالتالي التمهيد لوصول الطرفين إلى طاولة التفاوض في 12 أبريل. تشير هذه العوامل المتداخلة إلى أن كلًا من الولايات المتحدة وإيران قد وصلا إلى نقطة مفصلية، باتت فيها الفوائد المحتملة من العودة إلى مسار التفاوض— حتى وإن كانت الأهداف الأولية محدودة— تُعتبر أكبر من تكلفة الاستمرار في حالة الجمود الدبلوماسي، على الأقل في المدى القريب والمستقبلي المنظور.
أدى انهيار الاتفاق النووي، في ظل الإدارة الأمريكية السابقة، إلى سلسلة من الإجراءات التصعيدية، حيث بدأت إيران بالتراجع تدريجيًا عن التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق، وواصلت تطوير برنامجها النووي. وعلى الرغم من أن الخلافات الجوهرية التي أشعلت فتيل التوترات في البداية لا تزال قائمة، إلا أن التقاء الضغوط الداخلية والحوافز الخارجية قد أتاح، على ما يبدو، نافذة ضيقة أمام استكشاف دبلوماسي جديد. ومع ذلك، فإن التعقيدات الكامنة في هذا الملف، وسجل المحاولات السابقة التي باءت بالفشل، تُبرز الطبيعة الحساسة— وربما الهشّة— لهذه الجولة المقبلة من المفاوضات.
وفي ظل هذا السياق الذي يجمع بين تفاؤل حذر وتشكيك متأصل، تصبح مسألة فهم المسارات المحتملة ومآلات هذه المفاوضات أمرًا بالغ الأهمية. وستتناول السيناريوهات القادمة التفاعل المعقّد بين السياقات السياسية الداخلية في كلا البلدين، وتضارب المصالح بين الأطراف الإقليمية والدولية، والعوامل السياقية الخاصة التي مهّدت الطريق لهذا الانفتاح المتجدد، وإنْ ظل مشوبًا بالكثير من الحذر.
يتميّز هذا السيناريو بضيق نطاقه وأهدافه قصيرة الأجل، ويتم تفعيله عبر وساطة دبلوماسية تقودها سلطنة عُمان.
يرجّح أن يُركّز هذا الاتفاق المحتمل على تبادل محدود وواضح المعالم، تحصل فيه إيران على تخفيف اقتصادي محدد وموجّه مقابل تقديم تنازلات قابلة للتحقق تتعلق بعناصر معينة من برنامجها النووي الحالي. وقد تشمل هذه التنازلات، على سبيل المثال، تنفيذ بروتوكولات مراقبة معزّزة من قِبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية في منشآت محددة، أو فرض سقف مؤقت على نسبة تخصيب اليورانيوم. ومن المتوقع ألا ترقى هذه التدابير إلى مستوى التراجع الشامل عن التقدّم الذي أحرزته إيران في برنامجها النووي. أما من منظور الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس ترامب، فسيُروّج لهذا الاتفاق المحدود باعتباره إنجازًا دبلوماسيًا ملموسًا، يُظهر قيودًا واضحة– وإن كانت متواضعة– على الأنشطة النووية الإيرانية، يمكن تقديمها للرأي العام الأمريكي كدليل على التقدّم السياسي.
وبدافع الحاجة الملحّة لتخفيف الضغوط الاقتصادية الشديدة، من المرجح أن تكون إيران مستعدة للقبول بتدابير مؤقتة وقابلة للعكس تتعلق ببرنامجها النووي. ومن المحتمل أن تُصاغ هذه التدابير بعناية بحيث لا تُقوّض الطموحات النووية بعيدة المدى لطهران، ولا تتعارض مع الرواية الرسمية التي تؤكد على الطابع السلمي لبرنامجها النووي. وفي هذا السياق، يتمثل الدافع الأساسي لإيران في تحقيق تخفيف اقتصادي فوري— ولو محدودًا— في العقوبات المفروضة، بهدف استقرار عملتها الوطنية (الريال)، وتوفير بعض الانفراج لاقتصادها الوطني الذي يمرّ بمرحلة شديدة الصعوبة. في المقابل، قد يسعى الرئيس دونالد ترامب إلى تحقيق “انتصار دبلوماسي سريع” يمكن تسويقه بسهولة لقاعدته السياسية الداخلية. ومن ثم، قد يُبدي استعدادًا لمنح إعفاءات جزئية ومحددة من العقوبات القائمة، تتركّز على قطاعات بعينها، مثل استيراد السلع الإنسانية أو تسهيل بعض الصادرات غير النفطية. أما الهدف الأوسع للإدارة الأمريكية فيبقى إثبات تحقيق تقدم ملموس في الحد من البرنامج النووي الإيراني— حتى وإن كان الاتفاق الناتج محدودًا بطبيعته، وربما مؤقتًا.
من المرجّح أن تواصل سلطنة عُمان أداء دورها التاريخي المهم كوسيط محايد وموثوق، لضمان التزام كلٍّ من الولايات المتحدة وإيران بالشروط المتفق عليها في هذا الاتفاق المحدود، بالإضافة إلى تسهيل قنوات التواصل المستمر بين الجانبين. أما دول الخليج العربي، فمن المحتمل أن تتبنى موقفًا من التفاؤل الحذر تجاه هذا التراجع المؤقت في التوتر، على أمل أن يُمهّد الطريق لاحقًا نحو تخفيف أوسع وأكثر استدامة لحالة عدم الاستقرار الإقليمي. ومع ذلك، ستبقى هذه الدول على الأرجح متحفّظة حيال النوايا الاستراتيجية طويلة الأمد لإيران في المنطقة. وفي المقابل، من المرجّح أن تعبّر إسرائيل عن شكوك وربما رفض صريح لهذا النوع من الاتفاق المحدود، باعتباره غير كافٍ لمعالجة التهديد الذي تمثّله أنشطة إيران النووية، بل وقد ترى فيه فرصة تمنح طهران مساحة إضافية لتعزيز طموحاتها في المستقبل بصورة أكثر جرأة. أما الصين، فمن المرجّح أن تنظر بإيجابية إلى أي شكل من أشكال تخفيف التوتر في الشرق الأوسط، لما لذلك من أثر مباشر في دعم الاستقرار الإقليمي وضمان تدفّق إمدادات النفط دون انقطاع، حتى لو كان ذلك قد يؤثر بشكل طفيف على امتيازات حصولها الحصري على النفط الإيراني في ظل تخفيف العقوبات المحدود.
من المرجّح أن يُقدّم هذا السيناريو دفعة اقتصادية مؤقتة للاقتصاد الإيراني، قد تُسهم في تعزيز قيمة الريال. كما سيتيح للرئيس دونالد ترامب فرصة ادعاء تحقيق إنجاز دبلوماسي يمكن تسويقه سياسيًا على الساحة الداخلية. ومع ذلك، من المهم التأكيد على أن القضايا الجوهرية والعميقة التي تُغذّي الصراع الأوسع بين الولايات المتحدة وإيران— بما في ذلك الطموحات النووية الشاملة لإيران، وبرنامجها لتطوير الصواريخ الباليستية، ونشاطها الإقليمي متعدد الأوجه— ستبقى في الغالب دون حل ضمن إطار هذا الاتفاق الأدنى. كما أن استمرار حالة انعدام الثقة المتبادلة بين واشنطن وطهران، إلى جانب الضغط الإسرائيلي المتواصل، من شأنه أن يُعيق تطوّر هذا الاتفاق المؤقت إلى اتفاق أكثر شمولًا واستدامة، الأمر الذي قد يؤدي إلى عودة التصعيد بحلول النصف الثاني من عام 2025.
يتصوّر هذا السيناريو مسارًا دبلوماسيًا أكثر شمولًا من الاتفاق الأدنى الذي تم عرضه في السيناريو السابق، حيث يهدف إلى إحياء الإطار العام الذي أرسته خطة العمل الشاملة المشتركة، وإنْ كان بشكل غير مكتمل في نهاية المطاف.
هذا الاتفاق المحتمل سيتطلب تقديم تخفيف أكبر للعقوبات المفروضة على إيران، مقابل فرض قيود أكثر اتساعًا وطويلة الأمد على برنامجها النووي. وقد تشمل هذه القيود التزامًا صريحًا من جانب إيران بعدم تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز مستوى معين لفترة زمنية محددة، والسماح للمفتشين الدوليين التابعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول المُعزّز إلى جميع المواقع ذات الصلة، وربما فرض قيود على تطوير ونشر أجهزة الطرد المركزي المتقدمة. ومع ذلك، من المرجّح أن يُستثنى عمدًا من نطاق هذا الاتفاق عدد من القضايا الجدلية والحساسة سياسيًا، مثل برنامج إيران لتطوير الصواريخ الباليستية وأنشطتها الإقليمية المتعددة، وذلك لتسهيل التوصل إلى تسوية تركز فقط على المسألة النووية دون التورط في ملفات معقدة قد تُفشل المفاوضات.
ورغم أن الدافع الأساسي لإيران سيظل يتمثل في الحاجة العاجلة إلى تخفيف اقتصادي كبير، فقد تُبدي طهران استعدادًا لتقديم تنازلات أكبر نسبيًا في ما يتعلق ببرنامجها النووي، مقابل الحصول على تخفيف أوسع وأكثر تأثيرًا للعقوبات— وقد يشمل ذلك رفع التجميد عن أصول إيرانية كبيرة محتجزة في حسابات بالخارج. ومن شأن مثل هذه الإجراءات أن توفّر دفعة اقتصادية أكثر قوة واستدامة للاقتصاد الإيراني الوطني. أما من جهة الولايات المتحدة، فقد يجد الرئيس ترامب نفسه في مواجهة ضغوط من الحلفاء الدوليين لإيجاد حل أكثر استدامة، أو ربما يسعى إلى إنجاز لافت في السياسة الخارجية يمكن تسويقه على الساحة المحلية والدولية. ومن هذا المنطلق، قد يُبدي انفتاحًا على التوصل إلى اتفاق نووي أكثر شمولًا. يتمثّل المنطق الذي قد يستند إليه هذا التوجه في أن مثل هذا الاتفاق من شأنه أن يفرض قيودًا كبيرة وقابلة للتحقق على المسارات المحتملة التي قد تسلكها إيران نحو امتلاك سلاح نووي— حتى وإن لم يعالج جميع الهواجس الأمريكية أو هواجس الشركاء الإقليميين بشكل كامل.
من المرجّح أن تواصل سلطنة عُمان لعب دورها الحيوي في تسهيل المفاوضات، من خلال العمل على ردم الهوة المتبقية في الفهم المتبادل، وضمان أن يُنظر إلى الاتفاق النهائي على أنه مقبول وقابل للتنفيذ من قِبل كل من الوفدين الأمريكي والإيراني. أما الحلفاء الدوليون للولايات المتحدة، وخصوصًا في أوروبا، فسيُحتمل أن يُبدوا دعمًا قويًا لهذا السيناريو، باعتباره الوسيلة الأكثر واقعية وفعالية لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، مع فتح المجال أمام خفض أوسع للتوترات الإقليمية على المدى الطويل. وقد تبدي هذه الدول الأوروبية استعدادًا لتقديم حوافز اقتصادية إضافية لإيران، بهدف تعزيز التزامها بالاتفاق. في المقابل، يُرجّح أن تُعرب إسرائيل عن معارضة شديدة لهذا السيناريو، بحجة أنه— حتى مع القيود المشددة— لا يزال يُبقي بيد إيران البنية التحتية والمعرفة التقنية التي تتيح لها استئناف مسارها نحو امتلاك السلاح النووي بمجرد انتهاء القيود الزمنية المنصوص عليها في بنود الانقضاء الخاصة بالاتفاق النووي الأصلي. وبناءً على ذلك، يُتوقع أن تكثّف إسرائيل ضغوطها في أروقة واشنطن، سواء بهدف عرقلة الاتفاق أو على الأقل للحصول على ضمانات أمنية إضافية من الولايات المتحدة لمواجهة المخاطر المتصوّرة. أما الصين، فمن المرجّح أن تدعم هذا السيناريو بقوة، بالنظر إلى أنه يساهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي ويضمن استمرار تدفق صادرات النفط الإيراني، وربما في ظل ظروف تجارية دولية أكثر انتظامًا وتطبيعًا.
بالمقارنة مع الاتفاق الأدنى، يُتوقع أن يُحقق هذا السيناريو أثرًا اقتصاديًا أكثر قوة واستدامة لإيران. كما من المرجّح أن يُنظر إليه من قِبل شريحة واسعة من المجتمع الدولي على أنه خطوة إيجابية ومحورية في إطار الجهود العالمية الرامية إلى منع الانتشار النووي. ومع ذلك، فإن الاستبعاد المتعمّد لقضايا خلافية مثل برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني وأنشطته الإقليمية، يعني أن مصادر التوتر الجوهرية في المنطقة ستظل دون معالجة. كما أن استمرار الضغط الإسرائيلي إلى جانب استمرار الأنشطة الإقليمية الإيرانية— لا سيما إذا ما اعتُبرت تهديدًا مباشرًا للمصالح أو الحلفاء الأمريكيين (مثل هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، التي تمس أمن الملاحة البحرية العالمي)— قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تجدد التوترات الثنائية، وربما إلى انهيار الاتفاق بحلول النصف الثاني من عام 2025.
يفترض هذا السيناريو أن المفاوضات المرتقبة ستتعثّر سريعًا بفعل خلافات متواصلة وعميقة، مما يؤدي إلى مرحلة طويلة من الانخراط الدبلوماسي دون تحقيق أي اختراق جوهري أو اتفاق ملموس.
في ظل هذا المسار، سيواصل كل من الولايات المتحدة وإيران المشاركة في النقاشات، إما من خلال قنوات وسيطة أو عبر محادثات مباشرة ثنائية، غير أن الاختلاف الجوهري في الأهداف الاستراتيجية لكل من الطرفين، ووجود خطوط حمراء صارمة لدى كل دولة، سيحولان فعليًا دون التوصل إلى أي اتفاق ذي معنى أو طابع شامل. ومن المرجح أن تنحدر عملية التفاوض إلى سلسلة مطوّلة من النقاشات التدريجية وغير المثمرة في كثير من الأحيان، تتخلّلها فترات توقف واستراحة متكررة، دون أن تظهر أي مؤشرات واضحة لمسار يؤدي إلى تسوية مقبولة للطرفين.
في هذا السيناريو، قد تدخل إيران المفاوضات بدافع استراتيجي يركّز على إظهار رغبة سطحية في الانخراط مع المجتمع الدولي، بهدف امتصاص الانتقادات الدولية أو كسب الوقت الثمين لتعزيز برنامجها النووي المحلي بشكل أعمق. ومن المحتمل أن تُظهر طهران عدم استعدادها لتقديم أي تنازلات جوهرية أو قابلة للتحقّق في ملفها النووي، ما لم تحصل على ضمانات واضحة لتخفيف شامل وملموس للعقوبات، يلبّي احتياجاتها الاقتصادية البنيوية وطويلة الأمد. في المقابل، قد يُقدم الرئيس دونالد ترامب على إطلاق هذه المفاوضات بهدف الظهور بمظهر المنخرط دبلوماسيًا، إما تنفيذًا لتعهد انتخابي أو استجابةً لضغوط دولية من حلفاء يسعون لحل دبلوماسي. ومع ذلك، قد تبقى الإدارة الأمريكية غير مستعدة من حيث الجوهر لتقديم تخفيف كبير للعقوبات على النحو الذي تطمح إليه إيران، أو للقبول بأي قيود على قدرتها في التعامل مع الأنشطة غير النووية الإيرانية، مثل برنامج الصواريخ الباليستية والنفوذ الإقليمي لطهران.
من المرجّح أن تواصل سلطنة عُمان جهودها في الوساطة، ساعيةً إلى تسهيل التواصل بين الطرفين واستكشاف مساحات محتملة للتوافق، إلا أن هذه المهمة ستُصبح على الأرجح أكثر صعوبة وتعقيدًا مع اتساع الفجوات— التي تبدو متجذّرة وعصيّة على الحل— بين موقفي الوفدين الأمريكي والإيراني. أما الفاعلون الإقليميون، وخاصة أولئك المعنيين مباشرةً بأمن واستقرار الشرق الأوسط، فسيُبدون على الأرجح قلقًا متزايدًا وانزعاجًا واضحًا من غياب أي تقدم ملموس في المفاوضات، خشية أن يؤدي هذا الجمود الطويل في نهاية المطاف إلى تصاعد حاد في التوترات، وربما إلى تصعيد عسكري غير مقصود. في المقابل، ستعتبر إسرائيل— التي تحتفظ بموقف متشدّد وثابت تجاه الطموحات النووية الإيرانية— أن هذا السيناريو أفضل من أي اتفاق تعتبره “ضعيفًا” أو “غير كافٍ” لتفكيك التهديد النووي الإيراني. وقد تأمل إسرائيل، من الناحية الاستراتيجية، أن استمرار الضغوط الاقتصادية الصارمة، في غياب أي اتفاق دبلوماسي، سيدفع المجتمع الدولي لاحقًا إلى تبنّي نهج أكثر قوة وإكراهًا في التعامل مع إيران.
سيؤدي هذا السيناريو، الذي يتّسم بـالجمود المطوّل، فعليًا إلى الإبقاء على الوضع القائم، المتمثل في العقوبات الاقتصادية الخانقة المفروضة على إيران، بالتوازي مع استمرارها— وإن كان تدريجيًا— في تقدّم برنامجها النووي. من المرجح أن تتلاشى الحماسة الأولية والآمال المؤقتة التي ظهرت في طهران عقب الإعلان عن المفاوضات، مع تزايد وضوح غياب أي تقدم ملموس في أعين الرأي العام الإيراني. وفي المقابل، ستبقى مستويات التوتر مرتفعة في عموم منطقة الشرق الأوسط، وسط مخاطر دائمة بحدوث سوء تقدير، أو حوادث غير مقصودة، أو تصعيد متعمد من قِبل أطراف مختلفة.
يُجسّد هذا السيناريو المتشائم احتمال انهيار كامل للمفاوضات المرتقبة، وهو ما قد يؤدي إلى تصعيد سريع وخطير في التوترات الثنائية، مع ارتفاع ملحوظ في مخاطر المواجهة العسكرية المباشرة في المنطقة.
في ظل هذا المسار، قد تفشل المحادثات الدبلوماسية في تحقيق أي تقدم يُذكر، بل قد تنهار بشكل مفاجئ نتيجة حدث مُحفّز محدد أو تراكم سلبيات متعددة. ومن بين هذه المحفزات المحتملة: تقدّم كبير واستفزازي في برنامج إيران النووي، أو عمل إقليمي مزعزع يُنسب إلى إيران أو وكلائها (مثل استمرار أو تصعيد الهجمات في البحر الأحمر، والتي تُهدد حركة الملاحة العالمية)، أو تشدد حاد في الخطاب والمواقف السياسية سواء في واشنطن أو طهران.
وفي مثل هذه الظروف، قد تختار إيران الانسحاب الكامل من العملية التفاوضية، إذا رأت أن المطالب الأمريكية غير مقبولة جوهريًا، أو إذا اعتقدت أن بإمكانها تحقيق أهدافها الاستراتيجية عبر مسارات بديلة، كأن تقوم بتسريع برنامجها النووي لزيادة نفوذها التفاوضي مستقبلًا. وفي المقابل، قد يُقرر الرئيس ترامب التخلي عن المفاوضات إذا خلص إلى أن إيران غير جادة في تقديم تنازلات حقيقية بشأن أنشطتها النووية، أو إذا واجه ضغوطًا داخلية أو دولية متصاعدة تدفعه نحو اتخاذ موقف أكثر حدة وتشددًا تجاه طهران.
من المرجّح أن تُقابل إسرائيل انهيار المفاوضات بشيء من الارتياح، وقد تنظر إليه باعتباره فرصة ضائعة لإيران للحصول على تنازلات، بل وربما تعتبره مقدمة لتبنّي نهج أكثر حزمًا وربما عسكريًا من قِبل الولايات المتحدة وحلفائها ضد البنية التحتية النووية الإيرانية ونفوذها الإقليمي المتنامي. أما الفاعلون الإقليميون في الشرق الأوسط، فسيشعرون على الأرجح بقلق بالغ وذهول عميق جرّاء الانهيار الكامل للمسار الدبلوماسي، إذ ستتعاظم مخاوفهم من تصعيد عسكري وشيك وربما واسع النطاق داخل منطقة تعاني أصلًا من توتر مزمن وهشاشة أمنية. وعلى المستوى الدولي، من المرجّح أن تسود حالة من خيبة الأمل العامة والقلق الكبير نتيجة فشل المسار الدبلوماسي، وقد تبدأ دول ومنظمات دولية مختلفة بتوجيه اللوم لطرف دون آخر، محمّلة إياه مسؤولية فشل المفاوضات في التوصل إلى نتيجة ناجحة.
ومن شبه المؤكد أن يؤدي هذا السيناريو، المتمثل في انهيار دبلوماسي كامل، إلى تصاعد حاد وفوري في التوتر القائم أصلًا بين الولايات المتحدة وإيران. وسترتفع مخاطر المواجهة العسكرية المباشرة بشكل كبير، بما في ذلك احتمال تورّط إسرائيل في عمليات استباقية أو انتقامية، لا سيما مع اقتراب نهاية عام 2025. وفي مواجهة فشل المسار الدبلوماسي وعودة شبح العمل العسكري، قد تُقدم إيران على تسريع برنامجها النووي، وربما تتخذ خطوات لا رجعة فيها نحو تخصيب اليورانيوم بمستويات تصل إلى درجة الاستخدام العسكري. وفي الوقت ذاته، قد تبدأ الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون بالنظر في إجراءات أكثر صرامة ضد إيران، بما يشمل فرض عقوبات اقتصادية أشد قسوة، أو حتى نشر مزيد من الأصول العسكرية في المنطقة في خطوة تهدف إلى الردع واستعراض القوة.
تمثّل المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران في الثاني عشر من أبريل 2025 منعطفًا حاسمًا من شأنه أن يُحدث تحوّلًا كبيرًا في مسار الأمن الإقليمي والدولي. ورغم أن الأجواء السائدة حاليًا في طهران تعكس تطلّعًا واضحًا إلى انفراجة اقتصادية قد تُحققها هذه المحادثات، إلا أن الطريق نحو ذلك يظل مليئًا بالتعقيدات وعدم اليقين. تُجسّد السيناريوهات المطروحة أعلاه طيفًا واسعًا من النتائج الممكنة— بدءًا من اتفاق محدود ومؤقت، وصولًا إلى انهيار كامل للمسار الدبلوماسي وعودة إلى حافة الصراع.
في ضوء السياق المطروح، تبدو النتيجة الأقرب على المدى القريب هي “اتفاق أدنى” يمنح إيران انفراجة اقتصادية مؤقتة مقابل تنازلات نووية محدودة. ومع ذلك، فإن الهشاشة البنيوية لمثل هذا الاتفاق، إلى جانب الشكوك العميقة المتبادلة وإمكانية ظهور أطراف مخرّبة تُفشل التقدّم، تشير إلى أن تجدد التوترات مع نهاية عام 2025 يظل احتمالًا واردًا وبقوة.
في نهاية المطاف، فإن نجاح هذه المفاوضات سيتوقف على مدى استعداد كل من الولايات المتحدة وإيران لتقديم تنازلات صعبة، وتغليب منطق التهدئة على الرهانات القصوى. كما سيكون للدور الذي تؤديه الجهات الإقليمية والدولية— وعلى رأسها سلطنة عُمان كوسيط محوري— أثر حاسم في تسهيل هذا المسار المعقّد، وتهيئة بيئة تدعم التوصّل إلى حل أكثر ديمومة وشمولًا. سيراقب العالم بأسره مجريات هذه المحادثات عن كثب، آملًا أن يُفضي هذا الانفراج في العلاقات، الذي تُبشّر به هذه المفاوضات، إلى مستقبل أكثر استقرارًا وأمنًا للشرق الأوسط وما بعده.
تعليقات