كتب بواسطة

شهدت الآونة الأخيرة تزايد تمدد الوجود الروسي في إفريقيا بعد تراجع دام قرابة ثلاث عقود بعد تفكك الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي، وتعتبر العلاقات الروسية الإفريقية جزءًا من استراتيجية روسيا الجديدة لتعزيز نفوذها الدولي، وتتوافق هذه الاستراتيجية مع مواقف روسيا في الشؤون الدولية، بما في ذلك دعمها للدول التي تتعارض مع السياسات الغربية، وقد ركزت موسكو نفوذها على منطقة الغرب الأفريقي مستفيدة من أخطاء السياسة الغربية، وتزايد المشاعر المعادية لأوروبا، والفشل طويل الأمد للجهات الفاعلة الدولية والمحلية في معالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار الإقليمي. وقد جاءت مخرجات القمة الروسية-الإفريقية الأولي في سوتشي أكتوبر عام 2019 لتنتج عقودًا مع أكثر من 30 دولة أفريقية لتوريد الأسلحة والمعدات العسكرية، وفتحت الباب أمام الشركات المدعومة من الدولة للاستثمار بكثافة في قطاعات الأمن والتكنولوجيا والصناعات التي تستخرج الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز والذهب والمعادن الأخرى.

وعلى صعيد أخر، لم يعرقل الصراع الروسي الأوكراني هذا التقارب بل ساهم في تطوير الشراكة بين الطرفين لتتخذ شكل الشراكة الاستراتيجية، وقد برز ذلك جلياً في خطابات وتصريحات الرئيس فلاديمير بوتين وكان أبرزها الخطاب الذي ألقاه في مؤتمر البرلمان الدولي “روسيا – إفريقيا في عالم متعدد الأقطاب”، الذي عقد في موسكو مارس من العام الجاري على هامش استعدادات استضافة مدينة سانت بطرسبرج للقمة الروسية الإفريقية الثانية القادمة المقرر انعقادها في يوليو عام ٢٠٢٣. وقد أكد على أن التعاون بين موسكو والدول الإفريقية كان وسيظل دائمًا أولوية كأحد الأولويات الثابتة لسياسة روسيا الخارجية، معلناً وفاء روسيا بجميع التزاماتها المتعلقة بتوريد الغذاء والأسمدة والوقود وغيرها من المنتجات ذات الأهمية لبلدان القارة، ما يساعد على ضمان الأمن الغذائي وأمن الطاقة.

 

وفي هذا السياق يسعي التحليل الراهن إلى توضيح الأسباب وراء التوجه الروسي في إفريقيا، وملامح هذا التوجه، مع توضيح المعوقات التي تحد من تنامي النفوذ الروسي، ومستقبل العلاقات الروسية الإفريقية في ظل استمرار الصراع الروسي الأوكراني الدائر حتى الآن.

أولاً: لماذا تتجه روسيا نحو إفريقيا؟

تعددت الأسباب وراء التوجه الروسي نحو القارة السمراء، ويمكن إجمال أبرزها فيما يلي:

أزمة المواد الخام

يعٌد الحصول على المواد الخام أحد الركائز الرئيسية للاستراتيجية الروسية تجاه إفريقيا، فقد سعت موسكو في تجارتها مع الدول الإفريقية، عبر إبرام العديد من الاتفاقيات في قطاع الطاقة والحصول على عدد من امتيازات التعدين لاستخراج الكولتان والكوبالت والذهب والألماس. حيث حصلت شركة روسال (Rusal) على امتياز استخراج الألومنيوم في غينيا وتسعى مجموعة روساتوم النووية (Rosatom) للحصول على اليورانيوم في ناميبيا، كما وسعت شركة آلروسا (Alrosa)، أكبر شركة تعدين الماس في العالم، من عملياتها في أنجولا لتصل إلى 41% كما تعاونت شركة أفرومت (Afromet) الروسية مع شركة بين أيست (Pen East Ltd) في زيمبابوي لتطوير إحدى أكبر رواسب البلاتين في العالم.

 

وتنظر موسكو إلى منطقة الساحل الإفريقي ببعد استراتيجي وخاصة من الناحية الاقتصادية، فتتميز دول الساحل بانتشار مناجم الذهب وخاصة في بوركينا فاسو ومالي، علاوة على ذلك تنضم النيجر إلى الدول ذات الاهتمام بالنسبة لروسيا نظراً لامتلاكها مخزون كبير من اليورانيوم، مما يجعلها سوقاً واعداً تتطلع شركة روساتوم للطاقة النووية لدخوله.

بناء تحالفات بديلة

تسعي روسيا إلى تشكيل تحالفات بديلة وإعادة مد نفوذها في إفريقيا من أجل بناء صورتها كقوة عالمية وتحجيم النفوذ الغربي في إفريقيا مستفيدة من تصاعد المشاعر المعادية للوجود الاستعماري الغربي، حيث تتمتع روسيا بميزة نسبية فلم يسبق لها استعمار أي دولة بالقارة، وتنتهج مبدأ التعاون كبديل عن المساعدة وتؤمن بمبدأ حلول إفريقية للمشاكل الإفريقية، وينظر بوتين إلى إفريقيا كونها الحدود الثانية، بعد أوروبا الشرقية، لتطويق أوروبا الغربية.

فتح أسواق جديدة

أدت العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا إلى تغيير جذري في السياسة الروسية تجاه إفريقيا، حيث أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المرسوم الرئاسي رقم 204 الصادر في 7 مايو 2018 بشأن الأهداف الوطنية والأهداف الاستراتيجية لتنمية روسيا للفترة حتى عام 2024 عن مجموعة من الخطط التي تهدف إلى تعزيز القدرة التنافسية الروسية في قطاعات متعددة مثل الصناعات التحويلية والزراعة وقطاع الخدمات، استعداداً لانضمام الاتحاد الروسي إلى أكبر خمس اقتصادات في العالم، مما يضمن معدلات نمو اقتصادي تفوق أكبر خمس اقتصادات في العالم، مع استقرار الاقتصاد وإنشاء القطاعات الأساسية للاقتصاد، لا سيما في صناعات الزراعية والصناعية، وإنشاء قطاع اقتصادي عالي الإنتاجية وموجه للتصدير.

 

لتحقيق تلك الاستراتيجية الطموحة، تدرك روسيا أهمية الوصول إلى السوق الإفريقية، وذلك نظرًا لاستعادة الصناعة الروسية للانتعاش وزيادة حاجتها لاختبار وتسويق المنتجات النهائية في الأسواق الإفريقية ذات النمو الأقل، حيث يوجد طلب على تلك المنتجات. مستفيدة من التجربة الصينية في التسعينيات، التي نجحت في الاستحواذ على الأسواق الاستهلاكية الإفريقية السريعة النمو. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للشركات الروسية بالفعل دخول الأسواق الإفريقية بمجموعة واسعة من المنتجات المصنعة محليًا، وفي ذات الوقت، يظهر الأفارقة اهتمامًا كبيرًا بالأسلحة الروسية، خاصة بعد استخدامها الناجح في المناطق التي تشهد نزاعات إقليمية. وبالتالي، يمكن أن تسهم الأسواق الإفريقية بشكل كبير في زيادة الصادرات الروسية غير المرتبطة بالموارد الطبيعية

ثانياً: هل تنامي النفوذ الروسي في إفريقيا؟

هناك العديد من المؤشرات الكاشفة عن تنامي النفوذ الروسي في إفريقيا ويأتي على رأسها:

الاستفادة من الكتلة التصويتية الإفريقية في الأمم المتحدة

منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في أوائل عام 2022، زادت موسكو وتيرة اتصالاتها الدبلوماسية مع عدد من الدول الإفريقية، بهدف مواجهة العزلة التي فرضت عليها من الولايات المتحدة وأوروبا في المحافل الدولية، فقد نجحت الدبلوماسية الروسية في توجيه تصويت الدول الإفريقية لدعم القضايا الروسية في الأمم المُتحدة، وظهر ذلك جلياً في امتناع عدد من الدول الإفريقية عن التصويت في الأمم المُتحدة لإدانة العمل الروسي في أوكرانيا والتزام بعضها بالحياد، حيث ضغط الممثلون الأوروبيون والأمريكيون بشدة من أجل حصد كامل الأصوات الإفريقية ال 54 في الجمعية العامة للأمم المُتحدة لإدانة العدوان الروسي، لكن مُعظم القادة الأفارقة لم يبدوا الاستجابة المُتوقعة. كما امتنعت العديد من البلدان الإفريقية عن التصويت على تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المُتحدة، رفضًا للامتثال للعقوبات الغربية.  كما تلعب الحماية السياسية التي توفرها روسيا عاملاً مهماً لعدد من الدول الإفريقية وخاصة الدول التي تستفيد من وضعية روسيا كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي .

 

الانتشار العسكري الروسي في إفريقيا

يتصدر النشاط العسكري أجندة السياسة الخارجية الروسية، ويشتمل النشاط العسكري على بيع الأسلحة، والاتفاقيات العسكرية، والتدريب، والقواعد العسكرية، ونشر قوات فاجنر في عدد من الدول الإفريقية.

الاتفاقيات العسكرية

على مدى العقد الماضي، اكتسبت روسيا سمعة طيبة بين القادة الأفارقة كشريك عسكري ضد الإرهاب، وقد تمكنت من أن تحتل مكانة وسط كوكبة من الجهات الفاعلة العاملة في القارة، وقفز عدد اتفاقيات التعاون العسكري الروسي – الإفريقي من سبع اتفاقيات بين عامي 2010-2017 إلى عشرين اتفاقية في الفترة من 2017-2021. وجرى توقيع أكثر من نصف هذه الاتفاقيات العشرين مع دول ليس لها علاقات عسكرية سابقة مع روسيا، وبعد عام 2014، احتل التعاون العسكري موقع الصدارة في العلاقات الروسية الجديدة مع إفريقيا لرغبة روسيا في كسر العزلة التي فرضت عليها بعد أزمة القرم عام 2014. وتتيح عقود الأسلحة أشكالًا أخرى من التعاون العسكري، بما في ذلك استخدام الموانئ الإفريقية من قبل الأسطول الروسي، بما يمهد الطريق أمام المتعاقدين الأمنيين الروس لكسب موطئ قدم في القارة.

القواعد العسكرية

 أعلنت موسكو عن مخطط لبناء مركز لوجستي عسكري في إريتريا في عام 2018، وأعيد إحياؤه مؤخرًا بتصريحات سفير أسمرة في موسكو المرحِّبة باستقبال المركز اللوجستي الروسي في بلاده. ومن بين الأمور اللافتة لموسكو في هذا السياق، الاتفاق الذي عقدته مع الخرطوم في عهد الرئيس السابق عمر البشير حول بناء مركز دعم لوجستي على الساحل السوداني في عام 2017، والذي أصدر البشير قرار الشروع في بنائه في ولاية البحر الأحمر في ديسمبر عام 2020، ويشكِّل هذا المركز منصة لجمع المعلومات الاستخباراتية لمراقبة أنشطة القوى المنافسة لموسكو في حوض البحر الأحمر والقرن الإفريقي وشبه الجزيرة العربية، وسيدعم العمليات الروسية في أماكن أخرى من المنطقة.

كلاشينكوف بلا شروط

كانت روسيا مورِّدًا رئيسيًا للسلاح لإفريقيا خلال الحقبة السوفيتية، ولكن تضاءل الدور بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ليعود من جديد في أعقاب الألفية الجديدة، فقد نمت صادرات الأسلحة الروسية إلى إفريقيا بشكل ملحوظ، وتمكنت روسيا من أن تصبح أكبر مورد للأسلحة لإفريقيا حيث بلغت حصتها السوقية نحو 37.6% من حصة سوق السلاح الإفريقية، تليها الولايات المتحدة 16%، وفرنسا 14%

، والصين 9%. و لا تزال الجزائر أكبر متلقٍ للأسلحة الروسية في إفريقيا، تليها مصر وأوغندا. وقد زاد عدد الدول الإفريقية التي تشتري الأسلحة الروسية خلال العقدين الماضيين. في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حصلت 16 دولة إفريقية على أسلحة روسية. بين عامي 2010 و2020، ارتفع الرقم إلى 28 دولة حتى عام 2018.

 

فلا تتطلب صفقات الأسلحة مع روسيا أي شروط سياسية أو حقوقية كما يفعل الموردون الأوروبيون أو الأمريكيون، مع توفير ضمانات بصيانة أسلحة الحقبة السوفيتية، وقد وعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في القمة الروسية- الإفريقية الأولي أكتوبر عام 2019 بمزيد من التعاون الإفريقي دون أي تدخل “سياسي” من جانب موسكو. حيث طمأنت هذه الرسالة الدول الإفريقية التي أعربت سابقًا عن مخاوفها بشأن الاعتماد على مبيعات الأسلحة من الصين وعزوفها عن طلب الأسلحة من واشنطن نتيجة مشروطيه حقوق الإنسان أو الديمقراطية.

 

 

وفي العام الذي أعقب قمة سوتشي، وقعت الشركة المصنعة للدفاع الروسية المملوكة للدولة عقودًا بقيمة 1.7 مليار دولار في إفريقيا. وقد تم بيع بعض الأسلحة مصحوبة بإعفاء الديون أو سد الثغرات المتنازل عنها من قبل شركاء غربيين، كما امتنعت روسيا أيضا عن التصويت في مجلس الأمن الدولي على العقوبات وحظر الأسلحة ضد الدول الإفريقية، وعارضت علناً مثل هذه الإجراءات بما في ذلك المتعلقة بجنوب السودان عام 2019 وجمهورية إفريقيا الوسطى عام 2020 مما سمح لروسيا تقويض فعالية الجهود المتعددة الأطراف لنزع السلاح أو نزع تمويل أطراف النزاع.

تصدير المرتزقة

أدى انتشار التطرف وتفشي أعمال العنف في إفريقيا إلى خلق المزيد من الانفتاح على التدخل العسكري الروسي، حيث طلبت خمس دول في منطقة الساحل – بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر – دعم موسكو العسكري في عام 2018، كما انخرط المقاتلون الروس في موزمبيق وأنجولا.

 

ونشرت روسيا الشركات العسكرية الخاصة في 21 دولة على الأقل منذ عام 2014، ومعظمها في القارة الإفريقية وكان التوسع في مسار تصاعدي. فبين عامي 2014-2018، تضاعف نشاط الشركات العسكرية الخاصة الروسية في إفريقيا أكثر من ثلاثة أضعاف في السودان، ودربت فاجنر قوات الدعم السريع في منطقة دارفور ، كما تم تسجيل عمليات نشر مماثلة في ليبيا لدعم خليفة حفتر للجيش الوطني الليبي، وبالمثل في جمهورية إفريقيا الوسطى حيث وصل المئات من رجال فاجنر في عام 2018 لحراسة مناجم الماس وتدريب الجيش وتوفير حراس شخصيين للرئيس المحاصر فوستان آرشانج تواديرا (Faustin-Archange Touadéra)، وفي الآونة الأخيرة في مالي، تم نشر فاجنر في مالي لدعم الحكومة العسكرية الانتقالية ومتابعة عقود الموارد الطبيعية في البلاد – بعد انسحاب القوات الفرنسية التي تم تكليفها بعملية بارخان (Operation Barkhane) لمكافحة التمرد.

التبادل التجاري مع الدول الإفريقية

تسعى روسيا إلى تعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول الإفريقية على المستوى الدولي، وذلك من خلال المشاركة في المؤتمرات والمعارض الدولية التي يشارك بها العديد من الدول الإفريقية والروسية، كما تقدم روسيا الدعم للدول الإفريقية في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية.

 

وشهد التبادل التجاري بين روسيا وإفريقيا تنامياً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، حيث ارتفع حجم التجارة بين الجانبين من 12,5 مليار دولار في عام 2020 إلى 15,2 مليار دولار في عام 2021، حيث تركز التجارة بين روسيا وإفريقيا على قطاعات رئيسية مثل الطاقة والتعدين والزراعة والصناعة، ويتم تنفيذ مشاريع استثمارية روسية كبيرة في إفريقيا، تشمل شركات محلية مثل روسنفت (Rosneft)، وجازيرومنفت (Gazpromneft)، وروس هايدرو (RusHydro)، وآلروسا (Alrosa)، ولوك أويل (Lukoil). بالإضافة إلى دعم الدول الإفريقية في إنتاج الكهرباء من خلال تقديم تقنيات جديدة صديقة للبيئة، خاصة في مجال الطاقة النووية. تقوم روساتوم النووية (Rosatom) بالفعل ببناء محطة للطاقة النووية في مصر وتخطط لتوسيع مشاركتها في تطوير أنظمة الطاقة الوطنية في القارة الإفريقية.

 

كما يتم تعزيز التعاون الروسي الإفريقي في مجال التقنيات العالية، على سبيل المثال، تساعد روسيا في إنشاء نظام أنجو سات (ANGOSAT) للاتصالات الفضائية والبث التلفزيوني في أنجولا، ومن المتوقع أن يواجه التبادل التجاري بين روسيا وإفريقيا انخفاضا خلال السنوات القادمة نتيجة للعقوبات المفروضة على روسيا من قبل الغرب والولايات المتحدة.

 

الزيارات الرسمية وتبادل الوفود

زار 12 زعيماً إفريقيًا روسيا في الفترة من 2014-2019، كما شارك ما يزيد عن 43 زعيماً ورئيس دولة إفريقية في القمة الروسية الإفريقية الأولى في عام 2019، وقام وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بعدة جولات في القارة الإفريقية بعد اندلاع الصراع مع أوكرانيا فبراير عام 2022:

 

  • جاءت الجولة الأولي في يوليو عام 2022، تلك التي زار فيها مصر والكونجو برازافيل وأوغندا وإثيوبيا والتقى أيضاً بقادة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا.
  • ثم جاءت الجولة الثانية في يناير عام 2023، التي شملت جنوب إفريقيا وإسواتيني وأنجولا وإريتريا.
  • وكانت الجولة الثالثة في فبراير عام 2023 وشملت زيارته لمالي وموريتانيا والسودان.

 

وقد استهدفت هذه الجولات جميعها حشد الدعم الإفريقي لموسكو حتى لا تنضم إفريقيا ذات الكتلة التصويتية الأكبر في الأمم المُتحدة للغرب لإدانة روسيا في صراعها مع أوكرانيا، وتأكيداً على وفاء روسيا بالتزاماتها تجاه شركائها من القارة فيما يتعلق بالحبوب ودعم الأمن.

التعاون في مجال التعليم

وصل التعاون بين روسيا والدول الإفريقية في مجال التعليم إلى مستوى مرتفع حيث بلغ عدد الدارسين الأفارقة في روسيا إلى ما يقرب 27 ألف طالب إفريقي، منهم 5 ألاف طالب تم شمولهم بالمنح الفيدرالية الروسية. فضلاً عن زيادة الحصة السنوية للمنح الدراسية الممولة من الدولة في الجامعات الروسية إلى أكثر من الضعف عبر الجامعة الروسية لصداقة الشعوب (Peoples’ Friendship University of Russia). اعتبارًا من عام 2019، تم تسجيل ما لا يقل عن 17 ألف طالب إفريقي في الجامعات الروسية، ولعبت الشركات المملوكة للدولة العاملة في إفريقيا دوراً في إبراز القوة الناعمة؛ على سبيل المثال، تمول Rosatom برامج تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات كجزء من جهودها لمضاعفة عدد الطلاب الأفارقة في السنوات القادمة، وتخطط العديد من الدول الإفريقية لإرسال بعثات إلى روسيا، كأنجولا، لإرسال 300 طالب على مستوى الماجستير إلى روسيا سنويًا. علاوة على ذلك، يتزايد تأثير القوة الناعمة الروسية في الاتجاه المعاكس، حيث أعلنت جمهورية إفريقيا الوسطى العام الماضي أن تعلم اللغة الروسية سيصبح إلزاميًا لطلاب الجامعات مع اللغة التي يتم تدريسها منذ عام 2019.

 

التعاون في مجال الصحة

اتسمت عمليات التسليم الغربية للقاحات كوفيد- 19 (COVID-19) إلى البلدان الإفريقية بالبطء، مما ساعد روسيا على الترويج بقوة للقاحاتها المحلية سبوتنيك (Sputnik V) في القارة حيث تبرعت بأكثر من 300 مليون جرعة من اللقاح مباشرة إلى الاتحاد الإفريقي في محاولة لتعزيز جهوده في مكافحة الوباء.

التعاون في مجال الطاقة النووية

تفاوضت روسيا مع ما لا يقل عن 16 دولة في إفريقيا بشأن اتفاقيات التعاون النووي، ومرت هذه المفاوضات بعدة مراحل مختلفة، فشملت عدد من المشاريع التي لا تزال في مهدها (أنجولا وإثيوبيا)، إلى المزيد من الاتفاقات المتجسدة (نيجيريا والسودان)، إلى عقد كامل، مثل ما حدث مع مصر لبناء أربع مفاعلات في منطقة الضبعة. وتم توقيع عدد من الاتفاقيات حول التعاون في مجال الطاقة النووية السلمية مع عدد من الدول الإفريقية مثل جمهورية الكونغو في فبراير عام 2018، ومع السودان في ديسمبر عام 2017، ومع نيجيريا في أكتوبر عام 2017.  كما أبرمت أيضًا عقدًا لتوسيع برنامج الطاقة النووية في جنوب إفريقيا. ويوضح الشكل أدناه مستويات التعاون الروسي- الإفريقي في مجال الطاقة النووية.

 

ثالثاً: معوقات تنامي النفوذ الروسي في إفريقيا

 انغماس روسيا في الصراع بأوكرانيا

لطالما كانت روسيا أكبر مصدر للأسلحة إلى إفريقيا جنوب الصحراء، لكن العقوبات الغربية قد تجعل من الصعب على موسكو بيع الأسلحة، كما يتم استخدام الأسلحة والذخيرة وقطع الغيار الروسية بشكل متزايد في حربها مع أوكرانيا والتي لا يمكن استخدامها للتصدير، مما يفتح الباب أمام المزيد من الأسلحة الصينية. بالإضافة إلى ذلك، تتسبب العقوبات الغربية وضوابط التصدير ونضالهم من أجل استقلال الطاقة في انخفاض عائدات الدولة مما قد يعيق الاستثمارات المستقبلية في قطاع الدفاع الروسي، وقد يؤدي هذا المزيج من العوامل إلى تعقيد شحنات الأسلحة الروسية إلى إفريقيا، حيث كانت روسيا أكبر مصدر للأسلحة في الفترة 2017-2021. إلا أن هذا قد يوفر فرصًا للدول الإفريقية، وكذلك مصدري الأسلحة الصينيين أو الأوروبيين أو الأمريكيين لزيادة تأثيرهم على سوق الأسلحة الإفريقية.

 

تنامي النفوذ الصيني في إفريقيا

ترفع الصين شعار الشراكة من أجل التنمية في علاقاتها مع القارة الإفريقية حيث يأتي على رأس العلاقات الاستثمارات في البنية التحتية ولعل أبرزها مبادرة الحزام والطريق والقطاعات الاقتصادية المختلفة علاوة على تقديم مساعدات اقتصادية للدول الإفريقية في شكل قروض ومنح. وتنافس الصين للسيطرة على السوق الإفريقي، بالإضافة إلى توسع الصين عسكريًا في القارة من خلال إنشاء القواعد العسكرية لخدمة مصالحها الاقتصادية، مما قد يؤدي إلى توسيع نفوذها على حساب موسكو في الغرب الإفريقي.

 

استراتيجية واشنطن الجديدة

تحاول الولايات المتحدة تقويض نفوذ فاجنر في إفريقيا من خلال فرض المزيد من العقوبات على الشركات والجهات التي تتعامل معها في خطوة لتقويض النفوذ الروسي في القارة، كما تحاول الولايات المتحدة التقارب مع الدول الإفريقية عبر بوابة تحقيق الأمن الغذائي والترويج لاستثمارات ومعونات للدول الإفريقية لمواجهة حالة انعدام الأمن الغذائي.

 

تنامي دور فاعلين جدد في القارة

يمثل ظهور فاعلين جدد تهديداً للنفوذ الروسي في القارة الإفريقية على المدي الطويل، حيث أثر ظهورهم بشكل كبير على الديناميات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، ويشمل الفاعلين الجدد تركيا التي استطاعت فتح 26 سفارة جديدة في إفريقيا في غضون 5 سنوات، وبلغت عدد الزيارات الرسمية للرئيس أردوغان حوالي 30 زيارة منذ عام 2008، علاوة على الحالة الفريدة التي تشهدها العلاقات الإسرائيلية الإفريقية ورغبتها في توثيق التعاون مرة أخري، وغيرها من الدول كالهند وإيران.

رابعاً: مستقبل العلاقات الروسية-الإفريقية

يٌمثل اقتراب روسيا من إفريقيا في السنوات الأخيرة نية واضحة لإعادة تموضع بغرض إفراز وجود استراتيجي في القارة يُعيد أمجاد حقبة الاتحاد السوفيتي، وعلى الرغم من أن روسيا لم تنجح في خلق ثقل اقتصادي كبير في إفريقيا في هذه الأثناء، فإن الحقيقة هي أنها وسعت التجارة مع الدول الإفريقية، وظهر ذلك جلياً في التبادل التجاري بين الطرفين، وأقامت علاقات قائمة على الأمن والطاقة، وحصلت على عدد من امتيازات التعدين. كما وقعت روسيا اتفاقيات تعاون عسكري تقني مع دول إفريقية متعددة، وأصبحت في الواقع أكبر مصدر رئيسي للأسلحة إلى القارة. كما استفادت موسكو من الإحباطات الشعبية من سياسات مكافحة الإرهاب الأمريكية والفرنسية في إفريقيا لتحل محل القوى الاستعمارية وتعرض البديل من خلال مجموعة فاجنر أو من خلال الخبراء والمستشارين والدعم العسكري، كما ينظر الروس إلى إفريقيا على أنها مكان يمكنهم فيه توسيع نطاق انتشارهم العالمي واستخراج الموارد الطبيعية القيمة في الوقت نفسه لشركاتهم المملوكة للدولة.

 

وتهتم روسيا بالبعد الجيواستراتيجي في العلاقة مع إفريقيا لتوفير إمكانية وصولها إلى احتياطيات النفط وموانئ المياه العميقة في شرق البحر الأبيض المتوسط والوجود الدائم على الجناح الجنوبي لحلف الناتو من خلال دعم المشير حفتر بليبيا. أو من خلال السعي للوصول إلى ميناء بحري في البحر الأحمر، وخاصة ميناء بورتسودان. بالإضافة إلى توفير غطاء سياسي لمالي كفرصة لتصبح موسكو لاعبًا محوريًا في منطقة الساحل.

المراجع

 NDI. (2023, March 13). Russia’s influence in Africa: Scenarios to inform Greater Democratic Resilience. National Democratic Institute. Retrieved April 9, 2023, from https://www.ndi.org/publications/russia-s-influence-africa-scenarios-inform-greater-democratic-resilience

 

Siegle, J. (2022, March 9). The future of russia-africa relations. Brookings. Retrieved April 9, 2023, from https://www.brookings.edu/blog/africa-in-focus/2022/02/02/the-future-of-russia-africa-relations/

 

Address by president of the Russian Federation Vladimir Putin at the Plenary Session “Russia-Africa in a multipolar world.” The State Duma. (2023, March 20). http://duma.gov.ru/en/news/56652/

 

Guensburg, C. (2022, February 23). Russia steadily rebuilding presence in Africa. VOA. https://www.voanews.com/a/russia-steadily-rebuilding-presence-in-africa/6452193.html

 

Presidential Decree No. 204 on the national goals and strategic objectives of the development of the Russian Federation for the period up to 2024. FAO. (2018, May 7). https://www.fao.org/faolex/results/details/en/c/LEX-FAOC202095/

 

محي الدين، شيماء. (14 يوليو 2021). تحولات الاستراتيجية الروسية في أفريقيا: من الرابح؟. مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، متاح على الرابط التالي: https://pharostudies.com/?p=7229

 

Murphy, T. (2023, January 30). Russia under pressure: How Europe and the US are upping the ante in Africa. European Council on Foreign Relations. Retrieved April 11, 2023, from https://ecfr.eu/article/russia-under-pressure-how-europe-and-the-us-are-upping-the-ante-in-africa/

 

على، عبد القادر محمد (19 مايو 2021). الحضور العسكري الروسي في إفريقيا ودلالاته. مركز الجزيرة للدراسات، متاح على الرابط التالي: https://studies.aljazeera.net/ar/article/5001

 

 Suciu, P. (2020, August 11). Russian military looks to establish six military bases in Africa. The National Interest. https://nationalinterest.org/blog/buzz/russian-military-looks-establish-six-military-bases-africa-166685

 

Deutsche Welle. (2019, October 23). Vladimir Putin opens first Russia-Africa summit. . dw.com. https://www.dw.com/en/vladimir-putin-opens-first-ever-russia-africa-summit/a-50943192

 

Bisht, I. S. (2021, June 8). Russia signs $1.7 billion in defense contracts with 17 African nations. The Defense Post. Retrieved April 11, 2023, from https://www.thedefensepost.com/2021/06/08/russia-defense-contracts-african-nations/

 

Ling, J. (2023, March 18). Russian mercenaries are pushing France out of Central Africa. Foreign Policy. Retrieved April 9, 2023, from https://foreignpolicy.com/2023/03/18/russian-mercenaries-are-pushing-france-out-of-central-africa/

 

Stronski, P. (2023, February 28). Russia’s Growing Footprint in Africa’s Sahel Region. Carnegie Endowment for International Peace. Retrieved April 9, 2023, from https://carnegieendowment.org/2023/02/28/russia-s-growing-footprint-in-africa-s-sahel-region-pub-89135

 

[1] Sabbe, B. (2022, December 20). Africa and the Arms Trade, 2022. IPIS. Retrieved April 11, 2023, from https://ipisresearch.be/weekly-briefing/africa-and-the-arms-trade-2022/

 

Ramani, S. (2023, April 4). Russia has big plans for Africa. Foreign Affairs. Retrieved April 9, 2023, from https://www.foreignaffairs.com/articles/africa/2022-02-17/russia-has-big-plans-africa?gclid=Cj0KCQjwxMmhBhDJARIsANFGOSuaoxZ8Iz6BZGRJo2f14kiH4Mcwmi_NeVybBq7yrqgfvaIiRyGfl28aAjbXEALw_wcB

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *