كتب بواسطة

مثّلت عملية الأسد الصاعد، التي نفذتها إسرائيل في 13 يونيو 2025، ضربة خاطفة استهدفت شلّ جوهر البنية التحتية النووية والعسكرية لإيران. وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه العملية الاستباقية بأنها إجراء ضروري لـ"دحر التهديد الإيراني لبقاء إسرائيل ذاته"، مستندًا إلى مبدأ بيغن الذي سبق تطبيقه في ضربات مماثلة ضد العراق في 1981 وسوريا في 2007. اتسمت أهداف العملية بالتعدد والتنوع الاستراتيجي، حيث شملت استهداف منشآت نووية متعددة، بالإضافة إلى كبار القادة العسكريين الإيرانيين والعلماء النوويين، في محاولة لإلحاق أقصى ضرر بقدرات إيران العسكرية والنووية. لم تقتصر نية إسرائيل على تعطيل البرنامج النووي فحسب، بل امتدت إلى تقويض قدرة إيران على شن هجمات انتقامية والدفاع عن نفسها ضد موجات مستقبلية من الهجمات الإسرائيلية.

 

جاء توقيت العملية الإسرائيلي بعد تقييم دقيق للقيادة الإسرائيلية التي خلصت إلى أن إيران على وشك تحقيق اختراق خطير في مساعيها لامتلاك أسلحة نووية، مما استدعى استغلال نافذة زمنية ضيقة قبل أن تصبح المنشآت النووية الإيرانية متطورة أو محمية بشكل متين. في هذا السياق، يهدف هذا التحليل إلى استكشاف الأسس المنطقية التي قامت عليها العملية، وتفسير أسباب الفشل الواضح لطهران في صد الهجوم بفعالية، وتأثير الهجوم على الداخل الإيراني. بالإضافة إلى دراسة المسارات المحتملة التي قد تتبعها إيران لاستعادة قدرتها على الردع.

ما وراء انتكاسة طهران

اتسمت العملية بدقتها ونطاقها والطبيعة الاستراتيجية لأهدافها، كاشفةً عن نقاط ضعف كبيرة في قدرات إيران الدفاعية أبرزها ما يلي:

 

تراجع قدرات الدفاع الجوي الإيراني

يُعزى فشل إيران في صد الهجوم، جزئيًا، إلى نقاط ضعف راسخة في بنية دفاعها الجوي. يعتمد نظام الدفاع الجوي الإيراني بشكل أساسي على أنظمة صواريخ روسية الصنع، مثل صواريخ إس-300 وبانتسير أرض-جو. ورغم أن هذه الأنظمة مصممة لتوفير حماية متعددة الطبقات ضد التهديدات الجوية، إلا أنها أثبتت قصورها بشكل كبير في مواجهة الهجوم الإسرائيلي المتطور والمتكامل. لم يكن هذا القصور تطورًا مفاجئًا؛ فالضربات الإسرائيلية السابقة في عام 2024 كانت قد ألحقت أضرارًا بالغة بالبنية التحتية الدفاعية، مما أضعف قدرات إيران حتى قبل بدء عملية الأسد الصاعد.

 

كان من العوامل الحاسمة في نجاح إسرائيل استخدام طائرات شبحية، وتحديدًا طائرات إف-35، التي ثبت أن “قدراتها الشبحية يصعب اكتشافها” بواسطة أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية الحالية. وقد أبرز هذا فجوة تكنولوجية وعقائدية عميقة. إن اعتماد إيران على أنظمة روسية من الجيل القديم يعني افتقارها للقدرات اللازمة لمكافحة التخفي لمواجهة الطائرات الحديثة ضعيفة الرصد بفعالية. ويشير الاختراق الناجح ودقة الضربات الإسرائيلية إلى أن استراتيجية الدفاع الإيرانية متعددة الطبقات، إذا طُبقت بشكل متماسك، فشلت في دمج أنظمتها المختلفة أو الاستجابة بشكل منسق لهجوم جوي متعدد الجوانب ضعيف الرصد. ويدعم “الاضطراب العملياتي” المُبلغ عنه خلال الضربة التقييم القائل بأن أنظمة القيادة والتحكم الإيرانية كانت مُرهَقة، مما أدى إلى انهيار في الدفاع المُنسق. هذا العجز الأساسي عن حماية الأصول الرئيسية والقيادة من التهديدات الجوية يُضعف بشكل أساسي الردع التقليدي لإيران عن طريق الرفض، مما يجعلها عُرضة بشدة لضربات مستقبلية.

 

سوء التقدير الاستراتيجي والثقة المفرطة

أحد عوامل عجز طهران عن صد عملية الهجوم يرجع إلى سوء تقدير استراتيجي كبير ودرجة خطيرة من الثقة المفرطة. على الرغم من التطمينات العلنية الصادرة عن الحرس الثوري الإسلامي الإيراني بأن دفاعاته الجوية قادرة على الصمود في وجه ضربة إسرائيلية، إلا أن العملية كشفت عن حقيقة مختلفة. بدا أن القيادة الإيرانية قللت من شأن “صمود إسرائيل وقدرتها على التكيف. ويُعد هذا الاستخفاف صادمًا بشكل خاص نظرًا لأن العملية كانت تتويجًا لسنوات من التحضير الإسرائيلي، والتي تضمنت إعداد ملفات استخباراتية شاملة وحملات سرية تهدف إلى تقويض القدرات الصاروخية الاستراتيجية الإيرانية على مدى عدة سنوات.

 

كما عمل صناع القرار الإيرانيون في ظل افتراضات خاطئة. ربما اعتقدوا أن المنشآت شديدة التحصين، مثل فوردو، أكثر صلابة من أن تستحق الاستهداف أو أن القيود السياسية وضبط النفس الأمريكي سيمنحهم المزيد من الوقت. وامتد هذا الخطأ في التقدير إلى تصورهم للعلاقة الأمريكية الإسرائيلية. وربما دفعت التصورات المبكرة للتقارب الوثيق بين الرئيس الأمريكي آنذاك ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو إيران إلى استنتاج أن إسرائيل لن تتصرف دون دعم أمريكي صريح. ومع ذلك، بحلول وقت الضربات، أصبحت هذه العلاقة “غير متكافئة بشكل متزايد”، مع اختلافات سياسية واضحة، لا سيما فيما يتعلق بإيران وغزة. وهذا يشير إلى فشل في تقييم المشهد الجيوسياسي المتطور بدقة والحسابات الاستراتيجية المستقلة لخصومها.

 

علاوة على ذلك، فإن تحالف محور المقاومة الإيراني، أضعفته بشدة معركة منهكة مع إسرائيل سبقت عملية الأسد الصاعد. تكبدت جماعات مثل حزب الله، الذي قُتلت قياداته العليا في صراعات سابقة، وأضعفت قدراته بشكل كبير بسبب الحملات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة. من المرجح أن هذا النفوذ الإقليمي المتضائل، وما يُنظر إليه على أنه عجز لوكلائه عن شن رد قوي ومنسق، قد ساهم في عزلة إيران الاستراتيجية، وزاد من تآكل استراتيجيتها القائمة على الردع بالعقاب. يشير الاستخفاف المتكرر بقدرات إسرائيل المتطورة وعزيمتها إلى مشكلة أعمق في عملية التقييم الاستراتيجي لطهران، ربما إلى جمود أو تحليل أيديولوجي أعطى الأولوية للسرد على التقييم العملي للتهديد. هذا الفشل العميق في إدراك التهديد أضعف بشكل أساسي قدرة إيران على توقع مثل هذا الهجوم الشامل والمدمر والاستعداد له.

 

إخفاقات مكافحة التجسس

تُعزى عملية التسلل الشامل التي شهدتها إيران إلى إخفاقات منهجية طويلة الأمد داخل جهاز مكافحة التجسس الإيراني، حيث كشفت تصريحات الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد عن تعاون وتنسيق بين مسؤول رفيع في جهاز مكافحة التجسس الإيراني وجهاز الموساد الإسرائيلي، مما يعكس عمق الاختراقات الأمنية. كما أظهرت الاستخبارات الإيرانية مرارًا عجزًا منهجيًا في تنفيذ تدابير وقائية فعالة ضد تهديدات متعددة، تشمل الهجمات الإرهابية، واغتيالات كبار الشخصيات، والتخريب الإلكتروني للبنية التحتية الحيوية، ما يعكس ضعفًا واضحًا في منظومة مكافحة التجسس.

 

ويُعد التنافس الداخلي المستمر وتداخل المسؤوليات بين الأجهزة الاستخباراتية الرئيسية في إيران، لا سيما وزارة الاستخبارات وجهاز استخبارات الحرس الثوري الإسلامي، من العوامل الجوهرية التي تسهم في هذه الثغرات الأمنية. فقد أدى هذا التنافس المؤسسي إلى إضعاف تماسك وفعالية العمليات الاستخباراتية، حيث تحولت المنافسة إلى احتكاك بيروقراطي وتبادل للوم بدلاً من تعاون موحد وفعال، كما أن التدخل السياسي المستمر وإعطاء الأولوية لأمن النظام على المصالح الوطنية الأوسع أضعفا الكفاءة التشغيلية، مما ساهم في تكرار هذه الثغرات.

 

بالإضافة إلى ذلك، توفر الديناميكيات الداخلية لإيران بيئة خصبة لتجنيد الاستخبارات الأجنبية، إذ تتيح حالة السخط الداخلي، والمشاكل المالية الحادة، والقواعد الأخلاقية والاجتماعية الصارمة للنظام، فرصًا للمنافسين الأجانب لتجنيد عملاء داخل البلاد. ومن اللافت أن إيران نفسها جندت مواطنين إسرائيليين عبر وسائل التواصل الاجتماعي لأغراض تجسسية، مما يدل على إدراكها لنقاط الضعف هذه. ويعزز استهداف العملية لأفراد ذوي قيمة عالية داخل إيران احتمال وجود اختراق بشري (HUMINT) عميق، حيث تعكس دقة الضربات توفر معلومات استخباراتية دقيقة تم الحصول عليها من خلال تجنيد عناصر على مستويات مختلفة، بدءًا من موظفي الدعم الذين يمتلكون وصولًا إلى مخططات المنشآت والجداول الزمنية، وصولاً إلى مسؤولين رفيعي المستوى يقدمون رؤى استراتيجية، وقد يكون هؤلاء إما ساخطين أو معارضين أيديولوجيًا أو عرضة للابتزاز أو الحوافز المالية.

 

ولم تقتصر عملية الاختراق على المصادر البشرية فقط، بل شملت أيضًا استخبارات تقنية متقدمة (TECHINT)، مثل التجسس السيبراني الذي استهدف اختراق الشبكات الإيرانية لجمع معلومات حول أنظمة القيادة والتحكم وبروتوكولات الاتصال والأجهزة الشخصية للأهداف، بالإضافة إلى استخبارات الإشارة (SIGINT) التي اعترضت وفككت تشفير الاتصالات الإيرانية لتوفير بيانات تشغيلية في الوقت الحقيقي ونقاط ضعف أمنية، واستخبارات الصور (IMINT) التي استخدمت المراقبة عبر الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار لرسم خرائط المنشآت وتحديد نقاط الدخول والخروج وتتبع التحركات وتقييم الإجراءات الأمنية.

 

ولا يُعتبر هذا الاختراق العميق حادثًا معزولًا، بل يتماشى مع نمط تاريخي من العمليات الإسرائيلية المزعومة ضد إيران، التي شملت اغتيالات متطورة لعلماء نوويين، مثل اغتيال محسن فخري زاده عام 2020 باستخدام مدفع رشاش يعمل بالذكاء الاصطناعي عن بُعد، وهجوم ستوكسنت الإلكتروني عام 2010 الذي ألحق أضرارًا جسيمة بالبرنامج النووي الإيراني عبر تدمير أجهزة الطرد المركزي. إن النجاح المتكرر لمثل هذه العمليات المعقدة، والقدرة على زرع أصول وعملاء داخل إيران دون اكتشافهم لفترات طويلة، يشير إلى اختراق استخباراتي عميق ومنهجي يتجاوز الخروقات التكتيكية، ويعكس أهمية الاستخبارات البشرية (HUMINT) التي قد تشمل تجنيد عناصر من الداخل، وهو أمر يضر النظام أكثر بكثير من الضربات الخارجية وحدها، حيث يقوض هذا المستوى من الاختراق قدرة النظام على السيطرة والحفاظ على استقراره.

تداعيات الحادث على الداخل الإيراني

سيترك الحادث أثرًا عميقًا على الداخل الإيراني، حيث سيُحدث صدمة كبيرة داخل المؤسسة السياسية والأمنية، مما سيؤدي على الأرجح إلى تدقيق داخلي مكثف وصراعات على السلطة بين الفصائل المختلفة. يتسم المشهد السياسي الإيراني بتفاعل معقد بين فصائل متعددة، تشمل المتشددين والأصوليين والإصلاحيين والبراغماتيين، الذين غالبًا ما تتداخل مصالحهم رغم اختلاف مناهجهم الأيديولوجية. في هذا السياق، سيؤدي أي فشل أمني كبير إلى لعبة لوم متبادلة، حيث ستتعرض مؤسسات مثل الحرس الثوري ووزارات الاستخبارات والأجهزة الأمنية لضغوط هائلة، ما قد يفضي إلى عمليات تطهير وإقالات وتحقيقات داخلية تهدف إلى تحديد “الخونة” أو المسؤولين “غير الأكفاء”.

 

على نحو متناقض، قد يؤدي هذا الهجوم الخارجي الشديد إلى تعزيز قوة المتشددين داخل النظام، خصوصًا في صفوف الحرس الثوري، الذين سيطالبون بمواقف أكثر عدوانية وعدم تسامح، مع تكثيف الدعوات لتعزيز الأمن الداخلي والالتزام الأيديولوجي الصارم. وفي الوقت نفسه، رغم السلطة المطلقة التي يتمتع بها المرشد الأعلى، قد تؤدي سلسلة الإخفاقات المتتالية إلى تآكل خفي في ثقة الجمهور والنخبة في قدرة القيادة على ضمان الأمن القومي، ما قد لا يفضي إلى تحدٍ فوري لكنه يغذي المعارضة على المدى الطويل.

 

أما على مستوى الرأي العام، فالجمهور الإيراني، الذي يعاني أصلاً من أزمات اقتصادية وعقوبات وضغوط اجتماعية، سيتفاعل بقوة مع هذا الحدث. فمن المتوقع أن يؤدي الفشل في حماية الشخصيات الوطنية وتأمين المنشآت الحيوية إلى تآكل ثقة المواطنين في قدرة الدولة على الدفاع عن مصالحهم. وقد تظهر مطالبات متزايدة بالشفافية والمساءلة، وربما تشكيك في التوجه الاستراتيجي للنظام، خصوصًا إذا ارتفع مستوى الوعي والإحباط الشعبي. في مواجهة ذلك، قد يحاول النظام تعبئة الغضب الشعبي ضد أعدائه الخارجيين، لكن إذا اعتُبر الفشل ناتجًا عن خلل داخلي، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة اللامبالاة أو السخرية، وربما إلى معارضة نشطة، مما يعقد المشهد السياسي والاجتماعي في إيران بشكل أكبر.

الحسابات الاستراتيجية للرد الإيراني

تتميز الحسابات الاستراتيجية لإيران بنهج محسوب بعناية، يتأثر بشدة بالحقائق الجيوسياسية والاقتصادية. هناك قلق حقيقي من أن يؤدي رد أكثر عدوانية إلى إشعال صراع أكبر يشمل إسرائيل وإيران، وهي نتيجة يرغب الطرفان على الأرجح في تجنبها . ويعكس النهج الحذر لإيران نفورها من المخاطر، مما يشير إلى أن أي إجراءات انتقامية ستكون موقوتة ومعايرة بدقة لمنع التصعيد إلى صراع إقليمي أوسع لا يمكن السيطرة عليه. ويبدو أن استراتيجية طهران الحالية تستفيد من الضغط النفسي للانتقام المتوقع، مما يجبر إسرائيل على البقاء في حالة تأهب قصوى بينما تتجنب إيران التصعيد الفوري واسع النطاق. علاوة على ذلك، تؤثر الانقسامات الداخلية والانتقادات المتزايدة من بعض الوكلاء الذين يشككون في تردد طهران في الانخراط مباشرة أيضًا على طبيعة وتوقيت رد إيران.

 

تمتلك إيران تاريخًا راسخًا من الرد الانتقامي المتحكم فيه. فبعد الضربة الأمريكية بطائرة بدون طيار التي قتلت الجنرال قاسم سليماني، كانت الضربات الصاروخية الإيرانية على القواعد الأمريكية في العراق محسوبة بعناية لتجنب وقوع إصابات أمريكية. وبالمثل، أظهر ردها على الضربة الإسرائيلية في الأول من أبريل على مجمعها الدبلوماسي في دمشق قدرات عسكرية ولكن وصف بأنه حتمي ودقيق ومحسو. يشير هذا النمط المتسق إلى أن إيران غالبًا ما تستخدم ضبط النفس كشكل من أشكال النفوذ الاستراتيجي بدلاً من الانتقام الفوري واسع النطاق. وتهدف إلى فرض التكاليف وإرسال الإشارات دون إشعال حرب شاملة. وتُقدم حرب الناقلات (1984-1988) خلال الحرب العراقية الإيرانية كتشبيه تاريخي مهم. في ذلك الصراع، نجحت إيران في جر الولايات المتحدة إلى اشتباك عسكري واسع النطاق في الخليج العربي من خلال تكتيكات بحرية غير متماثلة. تشير هذه السابقة التاريخية إلى استعداد إيران للانخراط بشكل غير مباشر وتدريجي لتحقيق أهداف استراتيجية، مما قد يوجه نهجها الحالي في المواجهة غير المباشرة وإدارة التصعيد

 

تواجه إيران معضلة استراتيجية عميقة فهي تتعرض لضغط داخلي وخارجي هائل للرد بقوة لاستعادة مصداقية ردعها بعد خرق كبير للسيادة والتحديات الأمنية الكبيرة ، مما يشير إلى نهاية حاسمة لـصبرها الاستراتيجي. ومع ذلك، فإن أي رد قوي أو غير متناسب يحمل خطرًا عاليًا للغاية لإشعال صراع إقليمي أوسع، مما قد يجر الولايات المتحدة، وهي نتيجة تسعى إيران إلى تجنبها إلى حد كبير بسبب نقاط ضعفها العسكرية التقليدية. لذلك، سيكون رد إيران عملًا محسوبًا بعناية من التصعيد القسري. سيتم تصميمه ليكون حتميًا ودقيقًا ومحسوبًا ، ويهدف إلى إلحاق تكلفة كافية بإسرائيل وإظهار تصميم لا يتزعزع، ولكن في الوقت نفسه إدارة مخاطر صراع إقليمي أوسع.

 

هناك انقسام بين المحللين حول الرد الإيراني فالبعض يري على أن الرد الإيراني على الهجوم حتمي بالنظر إلى التحدي المباشر لسيادتها والتحديات الأمنية الكبيرة على أراضيه وقد بدأت إيران بالفعل دفعة أولية من الطائرات بدون طيار كرد فعل فوري، محدودًا. وتتوفر لطهران عدة أشكال محتملة من الانتقام، أبرزها الضربات المباشرة بالطائرات بدون طيار والصواريخ الشكل الأكثر وضوحًا وفورية للانتقام وقد أظهرت إيران هذه القدرة في أبريل 2024، حيث أطلقت أكثر من 300 طائرة بدون طيار وصاروخ مباشرة على الأراضي الإسرائيلية، مما يمثل أول ضربة مباشرة واسعة النطاق لها. وتؤكد إيران أن ترسانتها الصاروخية لا تزال سليمة وقادرة على الوصول إلى القواعد العسكرية الأمريكية في العراق والخليج. ومع ذلك، فإن وابلًا صاروخيًا مباشرًا يمكن أن يؤدي إلى تصعيد كبير في الصراع، مما قد يجر الولايات المتحدة أو دول الخليج. وهناك أيضًا خطر متأصل في استهداف أفراد أو قواعد عسكرية أمريكية، سواء عن قصد أو عن طريق الخطأ، بالنظر إلى الوجود الأمريكي الإقليمي. والبعض يري أن رد نظام الملالي قد لا يأتي، كما شهدنا في أحداث عام 2024. ستضطر طهران إلى حشد منظوماتها الدفاعية بعد تقليصها بشكل كبير، وهي الآن تواجه أزمة قيادة في ظل الأهداف رفيعة المستوى التي تم استهدافها.

 

و يُعد تعطيل تجارة النفط العالمية في مضيق هرمز خيارًا قويًا، وإن كان عالي المخاطر. فقد حذرت إيران مرارًا وتكرارًا من أنها قد تغلق هذا الممر البحري الضيق والحاسم، الذي يتدفق عبره ما يقرب من 20% من إمدادات النفط العالمية يوميًا. وقد أكد مسؤولون عسكريون من الحرس الثوري الإيراني استعدادهم لاستخدام الألغام البحرية والغواصات والصواريخ والقوارب السريعة لتعطيل طرق الشحن إذا تعرضوا لتهديد خطير. كما لا تحتاج إيران حتى إلى إغلاق المضيق بالكامل؛ فمجرد التهديد بالتعطيل يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي.

 

كما أصبحت الحرب السيبرانية أداة متطورة بشكل متزايد لإيران. فقد زادت البلاد بشكل كبير من عملياتها السيبرانية في السنوات الأخيرة، مستهدفة بشكل فعال شبكة الطاقة الإسرائيلية، والبنية التحتية للمياه، والأنظمة العسكرية، والشبكات المالية الخاصة. وقد زعمت إيران مؤخرًا أنها سربت آلاف الوثائق الإسرائيلية السرية، بعضها يتعلق ببرنامج إسرائيل النووي. تسمح الهجمات السيبرانية لإيران بالانتقام دون صراع مادي مباشر، مع إلحاق أضرار قد تستغرق أسابيع أو حتى أشهر لتقييمها واستعادتها بالكامل. وإذا كانت مزاعم تسريب وثائق إسرائيلية سرية صحيحة، فإن هذا يثير مخاوف أمنية تتجاوز إسرائيل بكثير، وقد تشمل لاعبين عالميين.

سبل استعادة قدرات الردع

تواجه طهران ضرورة ملحة لاستعادة قدراتها على الردع، وهي مهمة معقدة تشمل الجوانب التالية:

 

التحديث والتكيف العسكري في العقيدة الإيرانية

تعتمد العقيدة الإيرانية للردع بشكل واضح على قدرات الحرب غير المتماثلة، والتي تشمل الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار ومحور المقاومة، كبديل متعمد عن القوة العسكرية التقليدية، وكمحاولة لتجنب تطوير الأسلحة النووية. ومع ذلك، أظهرت عملية الأسد الصاعد والانتكاسات التي تعرض لها محور المقاومة وجود عيب جوهري في هذه العقيدة، إذ فشلت القدرات غير المتماثلة في منع الهجمات التقليدية المباشرة ذات التأثير العالي على الأراضي الإيرانية وقيادتها. وهذا يشير إلى وجود فجوة استراتيجية أساسية، حيث لا تترجم القدرات الهجومية غير المتماثلة إلى دفاع فعال يحمي الوطن من الهجمات عالية الخطورة.

 

في ضوء هذه الفجوة، من المتوقع أن تشهد العقيدة العسكرية الإيرانية تحوّلاً سريعًا نحو استراتيجية الردع بالعقاب، التي تركز على شن هجمات صاروخية مكثفة، تليها موجات من الطائرات المسيرة الرخيصة التي تغمر المجال الجوي الإسرائيلي، ثم ضربات دقيقة التوجيه تستهدف البنية التحتية الحيوية لإسرائيل. ويعكس هذا النهج التفاعلي في التحديث العسكري تركيزًا على تعزيز قدرة الأصول العسكرية على البقاء والرد، من خلال تطوير منشآت محصنة تحت الأرض ومنصات إطلاق متنقلة، بهدف التخفيف من آثار الضربات الخاطفة المستقبلية.

 

مع ذلك، فإن التركيز على تحديث المعدات وانتشارها لا يعالج بشكل جوهري الإخفاقات الاستخباراتية التي سمحت للاعداء بالتمركز المسبق للأصول الإيرانية واستهداف القيادة خلال عملية “الأسد الصاعد”. ولهذا، فإن استعادة الردع الحقيقي تتطلب معالجة متكاملة تشمل تحسين القدرات العسكرية المادية بالإضافة إلى معالجة نقاط الضعف الاستخباراتية المتجذرة، لضمان قدرة إيران على الردع الفعال والدفاع المتين عن سيادتها وأمنها.

 

إصلاحات جهاز الاستخبارات والأمن

في أعقاب الاغتيالات البارزة والتسلل الواسع النطاق الذي كشفته العمليات الأخيرة، تتجه التوقعات نحو قيام إيران بإصلاحات جذرية في مجتمعها الاستخباراتي، قد تشمل القضاء على أفراد يشتبه في تعاونهم مع قوى أجنبية. وتتمثل التدابير المقترحة في إعادة تعريف تقسيم العمل داخل أجهزة الاستخبارات وإعادة فحص هيكلة قوات الأمن، بهدف تعزيز التنسيق والكفاءة في مواجهة التهديدات الأمنية.

 

غير أن تنفيذ هذه الإصلاحات يواجه تحديات داخلية كبيرة، إذ تعاني إيران من تنافسات وصراعات مستمرة بين وزارة الاستخبارات وجهاز استخبارات الحرس الثوري، مما يضعف تماسك وفعالية العمليات الاستخباراتية. ويُعد هذا التنافس المؤسسي المتجذر، الذي غالبًا ما يتسبب في احتكاكات بيروقراطية وتبادل للوم، عقبة رئيسية وربما مستعصية أمام تحسين قدرات مكافحة التجسس والأمن.

 

تجسدت هذه المشكلة النظامية بوضوح في حادثة اغتيال محسن فخري زاده، حيث توفرت معلومات استخباراتية مسبقة، لكن الإجراءات الأمنية تعثرت بسبب خلافات الاختصاص بين وزارة الداخلية والحرس الثوري، مما أظهر هشاشة التنسيق بين الأجهزة الأمنية. ومن ثم، فإن نجاح الإصلاحات يعتمد بشكل كبير على تجاوز هذه الخلافات المؤسسية وتعزيز التكامل بين مختلف أجهزة الاستخبارات والأمن لضمان حماية فعالة للبلاد من التهديدات الداخلية والخارجية.

 

ختامًا، يمثل فشل إيران في صد عملية “الأسد الصاعد” نقطة تحول جوهرية في المشهد الأمني الإيراني، نابعة من تضافر نقاط ضعف استخباراتية عميقة الجذور وموقف ردع متأثر بشكل كبير. فقد كشفت دقة الضربة التي استهدفت شخصيات عسكرية ونووية رفيعة المستوى عن ثغرات منهجية داخل الجهاز الأمني الإيراني، تتفاقم بفعل التنافسات المستمرة بين الوكالات الأمنية، لا سيما بين وزارة الاستخبارات وجهاز استخبارات الحرس الثوري، مما أدى إلى عمليات استخباراتية مجزأة وفتح ثغرات قابلة للاستغلال. إضافة إلى ذلك، تزيد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، ومنها الأزمة الاقتصادية الواسعة النطاق، من قابلية المواطنين الإيرانيين وأفراد الأجهزة الأمنية للتجنيد الأجنبي، مما يعزز خطر الاختراق الداخلي. كما يواصل التدخل السياسي التاريخي، الذي يفضل أمن النظام على الكفاءة المهنية، تقويض الفعالية التشغيلية، مما يكرس دورة متكررة من التسريبات والتخريب.

 

في ظل هذه الخلفية، تعتمد استراتيجية الردع الإيرانية أساسًا على الحرب غير المتماثلة، مستندة إلى قدراتها الصاروخية الباليستية والطائرات بدون طيار وشبكة وكلائها، إلا أن العملية كشفت عن فجوة حرجة، إذ لم تترجم هذه القدرات الهجومية إلى ردع دفاعي فعال ضد الضربات التقليدية المستهدفة والمتطورة على الأراضي الإيرانية. وقد تكبد محور المقاومة انتكاسات كبيرة أجبرت إيران على إعادة معايرة استراتيجيتها الإقليمية، نحو توطيد القوة المحلية بدلاً من إبراز النفوذ الإقليمي الواسع، ما يعكس تراجعًا تكتيكيًا مع احتفاظ المحور بمرونة نسبية عبر شبكاته غير المشروعة، لكنه في الوقت نفسه يشير إلى تراجع عام في النفوذ الإقليمي الإيراني. كما أن التخلي عن عقيدة الصبر الاستراتيجي الإيرانية طويلة الأمد، التي عبرت عنها الخطابات والإجراءات الرفيعة المستوى، لا يعكس قوة جديدة، بل هو استجابة قسرية تهدف إلى إعادة ترسيخ مصداقية الردع المفقودة في مواجهة الإخفاقات والانتهاكات العميقة للسيادة.

 

ردًا على عملية “الأسد الصاعد”، تواجه إيران معضلة تصعيد حادة، إذ يُعتبر الانتقام القوي أمرًا حتميًا لاستعادة الردع، لكن أي رد فعل غير متناسب يحمل خطر إشعال صراع إقليمي أوسع قد يشمل الولايات المتحدة. لذلك، من المرجح أن يكون الرد الإيراني عملًا محسوبًا بعناية من نوع “التصعيد القسري”، يستفيد من نقاط القوة غير المتماثلة عبر الضربات المباشرة بالطائرات بدون طيار والصواريخ، وتفعيل الوكلاء، والعمليات السيبرانية، وربما التهديد بالتصعيد النووي. وسيستند هذا الرد إلى النمط التاريخي للانتقام المحسوب، المصمم لإلحاق تكلفة بالخصم دون إشعال حرب شاملة. وفي هذا السياق، يبدو سيناريو “وعد صادق 2” الذي يقوم على امتصاص سلبي للهجوم، غير مرجح، نظرًا للحاجة الاستراتيجية الملحة لإيران لإظهار تصميمها وإعادة تأكيد قدراتها الردعية في بيئة إقليمية متقلبة. وبالتالي، ستحدد الفترة المقبلة مدى قدرة طهران على تحقيق توازن دقيق بين إظهار القوة وتجنب التصعيد الكارثي، مع تداعيات تمتد إلى المستوى العالمي.

 

أخيرًا، يظل التصعيد النووي خيارًا كامنًا لكنه قوي في ترسانة النفوذ الإيراني. فبينما تؤكد إيران باستمرار عدم سعيها لبناء قنبلة نووية، حذر مسؤولون من أن استمرار التهديدات والعقوبات قد يدفعها إلى تغيير موقفها. وقد أعلنت إيران مؤخرًا عن تسريع تخصيب اليورانيوم عقب تصويت سلبي في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع إشارات من مستشارين مقربين من آية الله خامنئي إلى إمكانية التخلي عن القيود الحالية والبدء في تخصيب اليورانيوم إلى مستويات صالحة للاستخدام العسكري إذا شعرت بأنها محاصرة. ولن يكون هذا خطوة عسكرية فورية، لكنه سيؤدي حتمًا إلى أزمة عالمية جديدة، قد تستدعي تدخلًا أمريكيًا مباشرًا، رغم محاولات واشنطن الحالية للحفاظ على الحياد. كما أن الدفع النووي سيغير بشكل دائم التوازن الاستراتيجي في المنطقة، مع عواقب يصعب التنبؤ بها. وإذا ثبت أن الضربات الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية لم تحقق أهدافها العسكرية، بل وفرت لطهران ذريعة للتسريع في تطوير أسلحة نووية، فقد يستنتج المسؤولون الأمريكيون أن الخيار العسكري هو السبيل الوحيد لمنع هذا السيناريو الأسوأ.

المراجع

الشرق الأوسط، “الوكالة الذرية تدين إيران بـعدم الامتثال لمعاهدة حظر الانتشار.”،  الشرق الأوسط،12 يونيو2025، متاح على الرابط التالي: . https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%8A%D8%A9/5153522-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%83%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D9%80%D8%B9%D8%AF%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%AA%D8%AB%D8%A7%D9%84-%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%87%D8%AF%D8%A9-%D8%AD%D8%B8%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B4%D8%A7%D8%B1

 

Ali-Khan, Veena, and Thanassis Cambanis. “The Axis of Resistance Returns to Its Local Roots.” The Century Foundation, April 21, 2025. https://tcf.org/content/report/the-axis-of-resistance-returns-to-its-local-roots/

 

Australian Institute of International Affairs. “The World Is Waiting: When Will Iran Strike Back?” September 6, 2024. Accessed June 14, 2025. https://www.internationalaffairs.org.au/australianoutlook/the-world-is-waiting-when-will-iran-strike-back/

 

Bodeen, Christopher. “How the Militaries of Israel and Iran Compare.” AP News, June 13, 2025. Accessed June 13, 2025. https://apnews.com/article/iran-israel-militaries-mideast-us-613e71aff67f6e1701981583bf699bc6

 

Byman, Daniel. “What to Know About the Israeli Strike on Iran.” The Center for Strategic and International Studies (CSIS). The Center for Strategic and International Studies (CSIS), June 13, 2025. Accessed June 14, 2025. https://www.csis.org/analysis/what-know-about-israeli-strike-iran

 

Copp, Tara, Jon Gambrell, Lolita Baldor, Josef Federman, and Julia Frankel. “Israel Attacks Iran’s Nuclear and Missile Sites.” AP News, June 13, 2025. Accessed June 14, 2025. https://apnews.com/article/iran-explosions-israel-tehran-00234a06e5128a8aceb406b140297299

 

Desk, Global. “World War III Fears Rise as Iran Tells the UN It Will Respond with Full Force against Israel — here’s how.” The Economic Times, June 13, 2025. https://economictimes.indiatimes.com/news/international/us/world-war-iii-fears-rise-as-iran-tells-the-un-it-will-respond-with-full-force-against-israel-heres-how-it-could-retaliate/articleshow/121831446.cms?from=mdr

 

Eslami, Mohammad. 2024. “Exploring the Driving Forces behind Iran’s Nuclear Deterrence Strategy: A Novel Methodological Approach.” Journal for Peace and Nuclear Disarmament 7 (1): 211–35. doi:10.1080/25751654.2024.2319381.

King, Jordan. “Operation Rising Lion: Maps Show Israeli Strikes on Iran.” Newsweek, June 13, 2025. https://www.newsweek.com/operation-rising-lion-israel-strikes-iran-map-2085072

 

Mansour, Renad, Hayder Al-Shakeri, and Haid Haid. “The Shape-shifting ‘Axis of Resistance.’” Chatham House, March 6, 2025. Accessed June 13, 2025. https://www.chathamhouse.org/2025/03/shape-shifting-axis-resistance/05-policy-conclusions

 

Shadi, Mohamed, and Mostafa Ahmed. “Recurring Patterns: How Will Iran Respond to Ismail Haniyeh’s Assassination?” Al Habtoor Research Centre, August 22, 2024. Accessed June 14, 2025. https://www.habtoorresearch.com/publications/iran-ismail-haniyeh/

 

Sky News. “What Are Iran’s Military Capabilities – and Where Could It Strike?” June 13, 2025. https://news.sky.com/story/what-are-irans-military-capabilities-and-where-could-it-strike-13115958

 

The Media Line. “Voices From the Arab Press: Iran’s Policy of Strategic Patience.” The Jerusalem Post, October 17, 2024. https://www.jpost.com/middle-east/article-824712

 

TRT Global. “Magnet Bombs to Missiles: Israel’s History of Assassinating Iran’s Key Nuclear Scientists,” June 13, 2025. https://trt.global/world/article/8bf30295f8b8

 

Wechsler, William. “Unknowns, Knowns, and Early Predictions about Israel’s Strikes against Iran.” Atlantic Council, June 13, 2025. Accessed June 13, 2025. https://www.atlanticcouncil.org/blogs/new-atlanticist/unknowns-knowns-and-early-predictions-about-israels-strikes-against-iran/

 

Whisnant, Gabe. “Iran Issues Ominous Israel Warning: ‘Gates of Hell.’” Newsweek, June 13, 2025. https://www.newsweek.com/iran-pakpour-salami-death-israel-strikes-gates-hell-2085294

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *