كتب بواسطة

ثمة رهان كبير على نجاح جهود مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ القادم (COP28)، والذي ستستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة في نوفمبر 2023. ويحذر تقرير التقييم السادس وهو أحدث منشور صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) عن حالة المناخ في العالم من أن دول العالم ما زالت بعيدة عن المسار الصحيح للحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية لتجنب آثار تغير المناخ الأسوأ على الإطلاق. ويُظهر العلمُ بوضوح أن الأمر لم يعد يتعلق بما "إذا" كانت الأنشطة البشرية تمثل السبب الرئيسي لاضطراب الطبيعة - لأنها كذلك بالتأكيد - لكن هناك أيضًا دليل واضح على أن لدينا حلول ميسورة التكلفة وفعالة تتطلب اتخاذ إجراءات فورية والتزام جاد بتغيير نظام الطاقة.  وعلى الرغم من المحاولات التي اتخذتها قمم مؤتمرات تغير المناخ السابقة في التوصل إلى وفاق واتفاقيات دولية ملزمة بشأن استراتيجيات وأهداف خفض الانبعاثات، إلا أن تقارير سابقة صادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ذكرت مرارًا وتكرارًا أن خطط المناخ بحاجة إلى التحلي بمزيدٍ من الطموح. ومع ذلك، لا تزال كثير من الدول متخلفة عن الركب حتى فيما يتعلق بالأهداف التي تعتبر غير كافية. وفي ظل ذلك، من المتوقع أن يكون عدد من القضايا الملحة في طليعة مناقشات مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ بدبي.

التقييم العالمي وتحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفرية

تتمثل أحد أكثر مخرجات مؤتمر المناخ COP28 المرتقبة في إنجاز أول تقييم عالمي على الإطلاق والذي سيحدد ما الذي ستفعله الدول وأصحاب المصلحة أو ما قد تخفق في فعله من أجل الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاقية باريس. بدأ إجراء عملية التقييم العالمي، وهي عبارة عن تقييم فني من مرحلتين، في مؤتمر المناخ COP26 وسينتهي في يونيو 2023 مع توضيح النتائج المقرر تقديمها في مؤتمر المناخCOP28 . ويركز التقييم الفني، الذي يتضمن حوارات شخصية مباشرة، على التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معها وتطبيق الاتفاقيات ودعمها. وعلى الرغم من أن العملية تبدو متسقة ومنظمة وذات مدخلات ملموسة واضحة (بما في ذلك حالة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والتقدم العام الذي أحرزته الدول لتحقيق مساهماتها المحددة وطنيًا(NDCs) والتدفقات المالية)، فإن مخرجات ونتائج التقييم تبدو أقل وضوحًا. ويتمثل الحل المثالي للدول في تعزيز مساهماتها المحددة وطنيًا، لكن ظل ذلك تحديًا غير محسوم في مؤتمر المناخ COP27، ويرجع ذلك أساسًا إلى عدم إمكانية الحصول على التمويل الذي يمثل مسألة أخرى بالغة الأهمية.

 

ومع ذلك، يبدو أن الإمارات العربية المتحدة عازمة على رفع مستوى العمل المناخي وإظهار قدرتها على الضغط من أجل التغيير. وفي نقاش مائدة مستديرة استضافته وكالة الطاقة الدولية، صرح الرئيس المعين لقمة المناخ COP28، سلطان جابر، بوضوح أن “العالم بحاجة إلى خفض الانبعاثات بنسبة 43 ٪ في السنوات السبع المقبلة والحفاظ على درجة حرارة الأرض عند مستوى 1.5 درجة مئوية.” ويشير الزخم السياسي الذي يحشده جابر قبل القمة إلى أنه يمكن توقع بعض القرارات المهمة التي تهدف إلى تصحيح المسار، بما في ذلك تلك المتعلقة بخفض الانبعاثات.

تمويل العمل المناخي

يُعد تمويل الجهود المبذولة في مجال المناخ أحد أكثر النقاط الخلافية في الجدل الدائر حول المناخ بين صانعي السياسات وصناعي القرارات، ويبرز كنقطة تركيز رئيسية في مؤتمر المناخ بدبي. إذ حدد تحليل مستقل أجرته كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية ثلاث أولويات استثمارية لتمويل العمل المناخي، وهي: تسريع تحول الطاقة، والاستثمار في القدرة على حماية الأرواح وسبل العيش، والاستثمار لتعزيز التنوع البيولوجي والحفاظ على النظم البيئية.  وفيما يتعلق بتحول الطاقة والتحولات العادلة، تخطط العديد من الدول بالفعل من أجل شراكاتهم الإستراتيجية وفرص التعاون. علاوةً على ذلك، وبناءً على إنجازات مؤتمر المناخ COP27 المتمثلة في إنشاء صندوق الخسائر والأضرار المخصص لتغطية التكاليف التي لا يمكن تجنبها عن طريق التخفيف من آثار تغير المناخ أو التكيف معها، من المتوقع أن يحرز مؤتمر المناخ COP28 تقدمًا فيما يخص المفاوضات حول تشغيل الصندوق وإدارته. وفي هذا الصدد، هناك أيضًا عملية دفع مستمر لتحقيق قدر أكبر من المساواة في عملية الحصول على القروض والمساعدات المالية الأخرى للتكيف مع تأثيرات المناخ. وتقود رئيسة وزراء بربادوس، السيدة ميا موتلي، هذه الحركة من خلال “مبادرة بريدجتاون” الهادفة إلى تلبية الاحتياجات المالية المحددة للدول المعرضة بشكل خاص لتغير المناخ. ومن المتوقع أيضًا عقد اجتماع يستضيفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في يونيو لمناقشة جدول الأعمال هذا استعدادًا لعقد مؤتمر المناخ.

 

وتماشيًا مع ذلك، صرح رئيس مؤتمر المناخ COP28 مؤخرًا أنه يتعين على البنوك المساهمة في جعل تمويل العمل المناخي أكثر “توافرًا وأقل تكلفة”. وقد أشادت ميا موتلي بهذه الجهود وقالت إن الجهود التي يبذلها جابر “لبناء توافق في الآراء” فيما يتعلق بتمويل الدول النامية كانت ضرورية لدفع نقطة التحول التي تشتد الحاجة إليها. واستجابةً لدعوات الإصلاح داخل المؤسسات المالية وبنوك التنمية متعددة الأطراف MDBs، يستكشف حاليًا بعض القادة مثل رئيس البنك الدولي توجهات وطرقًا مختلفة لإجراء الإصلاحات الضرورية التي من شأنها أن تسمح بالتحول في الأولويات نحو الصالح العام. ووفقًا لتحليل كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، يجب مضاعفة استثمارات بنوك التنمية متعددة الأطراف (MDBs) ثلاث مرات لتصل قيمتها إلى 180 مليار دولار بحلول عام 2025 بهدف الوصول إلى النطاق اللازم للعمل بالتنسيق مع القطاع الخاص ودعم البنية التحتية العامة. وتندرج تحت قائمة المبادرات التي سيتم تناولها والتي تتطلب تمويلًا مناخيًا خطة إنشاء أنظمة إنذار مبكر عالمية لجميع الدول بحلول عام 2027، وقد أُعلن عن هذه الخطة في مؤتمر المناخ COP27، التي تطالب بتحقيق استثمارات مستهدفة جديدة بقيمة 3.1 مليار دولار خلال الفترة بين عامي 2023 و2027.

عملية الموازنة

على الرغم من الجدل الدائر حول تواجد جماعات ضغط في مجال النفط والغاز في مؤتمر المناخ COP27 السابق، فإنه من المتوقع أيضًا أن يشهد مؤتمر المناخ COP28 تواجدًا مماثلاً. ولا يحدث ذلك فقط نتيجة التوسع الشامل لتلك القطاعات في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر، تلك الدول التي احتلت المراكز الثلاثة الأولى للتوسع في عام 2023، ولكن أيضًا نتيجة التوسع المستمر في شراكات واتفاقيات الطاقة على مستوى العالم. وقد أدت الحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة الناجمة عنها إلى إيلاء اهتمام أكثر جدية وتوجيه الاستثمار نحو الطاقة المتجددة، وأدت أيضًا إلى حدوث زيادة في هذا النشاط، حيث حققت شركات الوقود الأحفوري أعلى معدلات أرباح لها خلال عام 2022. وما زال من المتوقع أيضًا أن يتمتع قطاع الطاقة المتجددة بصوت مسموع في مؤتمر المناخ COP28، لا سيما من القطاع الخاص الذي ذكرت رئاسة القمة أنه يجب أن يتولى دورًا أكبر. ويكمن التساؤل فيما إذا كان يمكن التوفيق بين المصالح المتضاربة لكلا القطاعين وما إذا كانت ستُتاح فرصة لمناقشة التخلص التدريجي من صناعة الوقود الأحفوري حيث من المحتمل أن يمثل ذلك أولوية قصوى بالنسبة للعديد من أصحاب المصلحة المشاركين، لا سيما المنظمات البيئية ومنظمات المجتمع المدني البارزة.

 

ومع تزايد أهمية مسألة “التخلص التدريجي” من الوقود الأحفوري قبل انعقاد قمة المناخ، بدأ القادة يدركون أهمية التحول الحتمي في تصريحاتهم وتعهداتهم؛ باستخدام مصطلحات تبدو طموحة، لكنها ربما تُخفي فقط الغموض الشديد لخططهم. وفي 16 أبريل 2023، تعهدت مجموعة الدول الصناعية السبع “بتسريع” عملية “التخلص من” الوقود الأحفوري في جميع القطاعات من أجل تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050. ومع ذلك، لم تحدد مواعيد نهائية محددة لوقف استثمارات الفحم الجديدة، ولا تزال التزاماتها متوقفة بسبب ضغوط الإمدادات العالمية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا. وفي حين لاحظ الناشطون في مجال المناخ أن ذلك يضعف الالتزام السابق للمجموعة، فمن الواضح أيضًا أن تأثير الحرب على العرض في السوق يمثل ظرفًا استثنائيًا أخذته تعهدات الدول في الاعتبار، وبالتالي أصبح بمثابة “ثغرة”. وفي الوقت نفسه، تمضي خطط تعزيز الطاقة الشمسية وطاقة الرياح قدمًا وتثبت عزم مجموعة الدول الصناعية السبع على تمهيد الطريق نحو التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة على الرغم من تراجعها على صعيد الوقود الأحفوري.

 

وبشكلٍ عام، يتزايد الضغط من أجل اتخاذ إجراءات مناخية أكثر فاعلية، وعلى الرغم من أن الكثيرين فقدوا الأمل في إمكانية عقد فعاليات رفيعة المستوى مثل مؤتمرات المناخ لإجراء التغييرات اللازمة، لا يزال المدافعون عن المناخ وصانعو السياسات يمضون قدمًا. وعلى الرغم من أنه من المرجح أن يعيد التقييم العالمي في مؤتمر المناخ COP28 التأكيد فقط على ما قيل بالفعل حول عدم إحراز الدول تقدمًا في خفض الانبعاثات وضرورة اتخاذ المزيد من الخطوات الجذرية إلى الأمام، إلا أنه سيضع القادة أيضًا في موقفٍ محرج يضطرهم إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة. ويبدو في الوقت الحالي أنه من غير المرجح وضع خارطة طريق واضحة وذات أهداف واضحة قابلة للتحقيق خلال هذا العام للتخلص من الوقود الأحفوري وأن يكون بإمكانها أن تستجيب على الأقل لإلحاح أزمة المناخ. ولكن، يمكن توقع وضع مخطط للتحول من خلال المشاركة والتفاوض مع كبرى شركات النفط والطاقة المتجددة وأصحاب المصلحة. علاوةً على ذلك، ومن أجل تجاوز التوقعات، يتعين على الأطراف الاتفاق على التزامات تتسم بطموح وجدية أكثر، بالإضافة إلى مواءمة هذه الالتزامات مع التعهدات المالية والشراكات الجديدة. وأخيرًا، ما سيثير الاهتمام في مؤتمر المناخ COP28 هو كيفية إتاحة الفرصة لسماع أصوات مختلفة وكيف ستستجيب قمة دبي للتوقعات الدولية.

المراجع

Boehm, Sophie, and Clea Schumer. “10 Big Findings from the 2023 IPCC Report on Climate Change.” World Resources Institute, March 20, 2023. https://www.wri.org/insights/2023-ipcc-ar6-synthesis-report-climate-change-findings#:~:text=The%20IPCC%20finds%20that%20there,sooner%20%E2%80%94%20between%202018%20and%202037

 

United Nations Framework Convention on Climate Change. “Components of the Global Stocktake.” Unfccc.int. Accessed April 13, 2023. https://unfccc.int/topics/global-stocktake/components-of-the-global-stocktake

 

Gupte, Eklavya. “Road to COP28: Global Stocktake, Fossil Fuels Phase out to Dominate Climate Talks.” S&P Global Commodity Insights. S&P Global Commodity Insights, March 22, 2023. https://www.spglobal.com/commodityinsights/en/market-insights/latest-news/energy-transition/032223-road-to-cop28-global-stocktake-fossil-fuels-phase-out-to-dominate-climate-talks

 

IEA. “IEA Hosts COP28 President-Designate Sultan Al-Jaber for Roundtable Discussion with over 50 Countries on the Road to COP28.” IEA, March 16, 2023. https://www.iea.org/news/iea-hosts-cop28-president-designate-sultan-al-jaber-for-roundtable-discussion-with-over-50-countries-on-the-road-to-cop28

 

Songwe, Vera, Nicholas Stern, and Amar Bhattacharya. “The Global Climate Finance Challenge.” Grantham Research Institute on Climate Change and the Environment, December 13, 2022. https://www.lse.ac.uk/granthaminstitute/news/the-global-climate-finance-challenge/

 

Mottley, Mia Amor, and Rajiv J. Shah. “How to Revitalize the World Bank, the IMF, and the Development Finance System.” Foreign Affairs, April 7, 2023. https://www.foreignaffairs.com/barbados/revitalize-world-bank-imf-development-finance-system-mia-mottley-raj-shah

 

Gelles, David, and Alan Rappeport. “The World Bank Is Getting a New Chief. Will He Pivot toward Climate Action?” The New York Times. The New York Times, April 9, 2023. https://www.nytimes.com/2023/04/09/climate/world-bank-ajay-banga.html

 

UN News. “COP27: $3.1 Billion Plan to Achieve Early Warning Systems for All by 2027.” United Nations. United Nations, November 7, 2022. https://news.un.org/en/story/2022/11/1130277

 

World Wide Fund for Nature. “Natural Gas Is a Bridge to Climate and Nature Disaster.” WWF, March 28, 2023. https://wwf.panda.org/discover/our_focus/climate_and_energy_practice/cop28/?8284466%2Fnatural-gas-climate-nature-disaster

 

Oda, Shoko, and Tsuyoshi Inajima. “Fossil Fuels Find a Loophole in the Latest G-7 Climate Pledge.” Bloomberg.com. Bloomberg, April 16, 2023. https://www.bloomberg.com/news/articles/2023-04-16/g-7-agree-to-fossil-fuel-phase-out-without-coal-exit-deadline?sref=jjXJRDFv&leadSource=uverify+wall

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *