كتب بواسطة

شهد التقاضي المناخي زيادة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة، نظرًا لتزايد الدعاوى القضائية عالميًا خلال عام 2022. وفي عام 2023، تسببت موجة جديدة من الدعاوى القضائية المتعلقة بالمناخ في إثارة المخاوف بين الشركات الصناعية الكبرى وأصحاب المصلحة من الشركات والحكومات، ما دفع الشركات إلى زيادة الاهتمام بالإبلاغ الدقيق والمحاسبة فيما يتعلق بالانبعاثات. ونظرًا لأن المزيد من الجهات التنظيمية على مستوى العالم تعمل على سن وتحديث القوانين التي تُلزم الشركات الكبرى بالإفصاح عن المخاطر المتعلقة بالمناخ، بدأت المزيد من الشركات في الامتثال للمتطلبات ودمج الأنظمة والقوانين الجديدة في خططها، ما يدل على الطابع الحيوي لهذا التحول. وفي الوقت الذي يشتد فيه السباق للحد من الاحتباس الحراري، يتزايد تسليط الضوء على الجهات الفاعلة المتسببة في تفاقم أزمة المناخ الناجمة عن الوقود الأحفوري. في الوقت نفسه، لا تزال الفجوة كبيرة بين الإجراءات الملموسة التي يتعين على الشركات والحكومات اتخاذها والوضع الراهن الخاص بها؛ ما يجعل التقاضي المناخي بمثابة أداة أكثر جاذبية للنشطاء والمواطنين المحبطين المدافعين عن البيئة. ما هو تأثير التقاضي المناخي المتزايد على الشركات والحكومات؟ وما الذي قد يحدث في حال أسفرت المسارات القانونية عن نتائج غير مرضية؟

مواجهة العمالقة

في ظل الاندفاع المتزايد نحو تحديد أهداف المناخ والاستدامة، زاد تعرض العديد من الشركات التي تحاول الامتثال للمعايير العالمية لخطر التعرض للمساءلة إذا أخفقت في تحقيق هذه الأهداف أو العمل على تحقيقها. ففي فبراير 2023، رُفعت أول دعوى قضائية في العالم ضد البنك التجاري “بي إن بي باريبا” من جانب منظمات غير حكومية فرنسية مثل “Friends of the Earth” أو “أصدقاء الأرض” و”Notre Affaire à Tous” أو “قضيتنا جميعاً” و “Oxfam France” أو “أوكسام فرنسا”. ووفقًا لقانون واجب اليقظة الفرنسي، يجب على الشركات متعددة الجنسيات اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية حقوق الإنسان والبيئة، وبعد تصاعد الضغط العام، التزم بنك “بي إن بي باريبا” بخفض تمويل استخراج وإنتاج النفط والغاز بحلول عام 2030؛ ومع ذلك، لم يتخذ البنك حتى اليوم أي إجراءات ملموسة لمنع عملائه النشطين في هذه القطاعات من تطوير مشاريع الوقود الأحفوري الجديدة. لذلك، تمثل الدعوى القضائية لحظة محورية للتقاضي المناخي، وقد تشكل نقطة تحول عالمية، ما يدفع الشركات في جميع أنحاء العالم إلى إعادة تقييم التزاماتها القانونية. كما أنها تشكل جزءًا من حركة أكبر تسعى إلى ممارسة الضغط على المؤسسات المالية لوقف التمويل والتخطيط لخروجها من قطاعي النفط والغاز، وفي ذلك دلالة على التوسع في نطاق الإجراءات وجعلها إستراتيجية بشكل أكبر.

 

على الرغم من احتمالية كون مثل هذه الإجراءات ذات تأثير محدودة وربما كانت أكثر تشتتًا في الماضي، إلا أن العديد من التطورات الهامة في إستراتيجيات التقاضي المناخي أدت إلى تغيير المشهد خلال السنوات الأخيرة. فعلى سبيل المثال، تُستخدم حاليًا دعاوى وحجج حقوق الإنسان في المزيد من القضايا، على سبيل المثال قضية مؤسسة أورجيندا الناجحة، التي أسفر عنها إلزام الحكومة الهولندية بتنفيذ خطة مناخية جديدة في عام 2019 ذات أهداف أكثر طموحًا تتعلق بخفض الانبعاثات. بالإضافة إلى ذلك، ثمة مجموعة أكثر شمولاً من الإستراتيجيات باتت تُستخدم ضد شركات الوقود الأحفوري الكبرى، بما في ذلك دعاوى الضرر أو الاحتيال أو الإفصاح غير الكافي أو الكاذب أو مزاعم الغسل الأخضر التي تمثل الآن قضية ذات أهمية بالغة في أوروبا.

 

وعلى الرغم من تزايد الدعاوى القضائية ضد الشركات، لا تزال معظم دعاوى التقاضي المناخي على مستوى العالم موجهة ضد الحكومات. ففي كندا، رفع سبعة شبان أول دعوى قضائية بشأن المناخ في البلاد ضد حكومة أونتاريو بسبب خطتها للتراجع عن هدف خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لعام 2030. وفي جنوب أفريقيا، ثمة العديد من القضايا المهمة التي لا تزال قيد النظر، بما في ذلك قضية تتضمن تحديًا دستوريًا لخطة الدولة لبناء محطات جديدة تعمل بالفحم. وفي الوقت نفسه، رفضت محكمتان مختلفتان في سويسرا قضية رفعها مجموعة من السيدات المسنات زعمن أن فشل حكومتهن في معالجة تغير المناخ يعرض صحتهن للخطر وينتهك حقوقهن الإنسانية، ليتم رفع القضية الآن إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان للنظر فيها. ومع ذلك، قد تمثل الدعوى القضائية المقدمة من جانب مجموعة من المنظمات غير الحكومية ضد الحكومة الفرنسية إحدى القضايا القليلة التي أدت إلى إدانة دولة بنكران التغير المناخي. وفي عام 2021، قضت المحاكم الفرنسية بأن فرنسا لم تبذل ما يكفي من الجهد لتحقيق أهدافها ذات الصلة بخفض الانبعاثات، وعلى الرغم من أنه طُلب من الدولة فقط دفع مبلغ رمزي قدره يورو واحد لإظهار الالتزام الأخلاقي، إلا أن هذه القضية فتحت الطريق أمام ضحايا تغير المناخ المباشرين المحتملين لطلب تعويض من الحكومة الفرنسية.

 

كما أصبح التقاضي المناخي أكثر تنظيمًا واتسم بالصبغة المؤسسية مع ظهور المنظمات المعنية بالقانون البيئي التي تتصدى للجهات الفاعلة البارزة التي لم يتم تحديتها قبل ذلك. إذ تقوم بعض المنظمات حاليًا، مثل “ClientEarth” أو “كلاينت إيرث” التي رفعت دعوى قضائية غير مسبوقة ضد مجلس إدارة شركة “شل” Shell في مارس 2023، تطالب فيها بمحاسبة صناع القرار في مجال الأعمال والمطالبة بإدارة أفضل لمخاطر المناخ. كما أن القضية التي تدعي أن أعضاء مجلس إدارة شركة “شل” “أخلوا بواجباتهم القانونية بموجب قانون الشركات من خلال عدم تبني وتنفيذ إستراتيجية تحول الطاقة التي تتوافق مع اتفاقية باريس” لاقت دعمًا من جانب المستثمرين المؤسسيين الذين يستحوذون بشكل جماعي على أكثر من 12 مليون سهم في الشركة. وهذا مفاده أن الاستراتيجيات المناخية واسعة النطاق أو المعممة لم تعد كافية، وأن صناع القرار في القطاعين الخاص والعام بحاجة إلى تطوير فهم أكثر عمقًا لتأثيرها المباشر على البيئة وكذلك قدرتها الحالية والمستقبلية على التوافق مع الاتفاقيات الدولية والعمل على الوفاء بالتزاماتها المناخية. ومن المتوقع أيضًا أن تزداد كلفة التقاضي المناخي بشكل أكبر حيث يعتبر الآن بعض المستثمرين ذلك فرصة لتحقيق إيرادات؛ ومن المرجح أن تؤدي زيادة تمويل التقاضي إلى زيادة النطاق والقدرة التنافسية في هذا المجال، ما يزيد من صعوبة وتكلفة استمرار الشركات في مزاولة أعمالها كالمعتاد.

طرق بديلة لتحقيق العدالة

ولكن قد يؤدي تغيير الإستراتيجيات والأطر إلى شيء آخر غير التغيير العاجل والجذري الذي يسعى العديد من دعاة حماية البيئة إلى تحقيقه. فنظرًا لتغير المناخ بشكل كبير، ارتفعت تكلفة إنكار قضية المناخ وبات الناس أكثر وعيًا بذلك عن أي وقتٍ مضى، وعلاوةً على ذلك، يعني الطابع الوجودي للقضية أنه في حالة عدم اتباع الوسائل الرسمية لتحقيق العدالة في الوقت المناسب، فإنها قد تفقد جاذبيتها بسرعة، وهذا هو الحال بالفعل في كثير من الأماكن. حدد مرصد الاحتجاجات المناخية في مؤسسة كارنيجي ما يقرب من عشرين احتجاجًا مناخيًا في عام 2022 جرت في 41 دولة على الأقل، بما في ذلك فرنسا والمجر والبرازيل، مع توقعات باستمرار الاحتجاجات على مستوى العالم في عام 2023. كما أضحت هذه الاحتجاجات تعمل وفق أهداف محددة بشكل أكبر عن ذي قبل؛ فعلى سبيل المثال، ينظم مواطنون أمريكيون من كبار السن احتجاجات ضد البنوك الكبرى التي تمول الوقود الأحفوري، ويعطل نشطاء منظمة Greenpeace أو السلام الأخضر أعمال المؤتمر الأوروبي الدولي لصناعة الغاز وتحتج مجموعة مناخية إيطالية على الوقود الأحفوري من خلال إلقاء سائل أسود في مياه نافورة رومانية. أدى الاستياء المتزايد أيضًا إلى ظهور أشكال أكثر راديكالية من العصيان، والتي غالبًا ما توصف، وإن كان بشكل غير متسق، بـ “الإرهاب البيئي”، مثل أعمال التخريب المشينة للوحة “دوار الشمس” لفان جوخ باستخدام حساء الطماطم. وعلى الرغم من أن بعض المجموعات لم تعد ترى أن هذا الأمر فعال، يخشى بعض الخبراء من استمرار استخفاف العالم بمدى إمكانية توسع نطاق حركة حماية البيئة المتشددة.

 

في حقيقة الأمر، لا يعاني المواطنون والمنظمات المعنية بالمناخ وحدهم بالإحباط إزاء الافتقار إلى اتخاذ إجراءات مناخية جادة، بل تتزايد أيضًا الأنشطة الاحتجاجية للعلماء حيث بدأ علماء المناخ في جميع أنحاء العالم في استخدام أدوات مختلفة للتعبير عن مخاوفهم ومطالبهم، بما في ذلك العصيان المدني. وعلى سبيل المثال، تستخدم منظمة Scientist rebellion أو “تمرد العلماء”، التي بدأت في المملكة المتحدة في عام 2020، أعمالًا ثورية غير عنيفة وعصيانًا مدنيًا للاحتجاج على إنكار التغير المناخي وإيصال الرسائل العلمية الهامة إلى جمهور أوسع. ويمثل هذا أيضًا اتجاهًا متناميًا آخذًا في الصعود حيث وجد العلماء أن التحذيرات العاجلة القائمة على الأدلة غير كافية لتحفيز الحكومات على اتخاذ إجراءات.

التطلع إلى المستقبل: اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المتعلقة بتغير المناخ (COP28)

بالنظر إلى الاتجاه التصاعدي في الاحتجاجات المناخية والعصيان المدني، من المرجح أن يمثل مؤتمر COP28 القادم إحدى أهم الفعاليات المتوقعة هذا العام للنشطاء المدافعين عن البيئة، لذا ثمة استعدادات من جانب الجهات التنظيمية في دولة الإمارات تحسبًا لذلك وشرعت في اتخاذ تدابير وقائية لضمان إقامة الفعالية المناخية في إطار الحدود التقليدية التشاركية والمدنية؛ ومع ذلك، لم يتضح حتى الآن ما إذا كان المشاركون الدوليون سيقبلون نهجهم. على سبيل المثال، لاقى مؤتمر COP27 في مصر بالفعل انتقادات بسبب التواجد الكثيف لجماعات الضغط المعنية بالوقود الأحفوري، حيث قدم مراقبو المنظمات غير الحكومية تقاريرًا عن المصالح المهيمنة في القطاع، مشيرين إلى أن ما لا يقل عن 636 من الذين حضروا مؤتمر COP27 كانوا من جماعات الضغط العاملة في مجال الوقود الأحفوري والمدافعين عنه. ونتيجةً لذلك، قد يتعين على منظمي مؤتمر COP28 التفكير بعناية عند اختيارهم للمشاركين من الشركات أو التفكير في طريقة خلق مساحة للحوار بين أصحاب المصلحة من الشركات والمهتمين بالبيئة.

 

الخلاصة

ستستمر وتيرة تزايد التقاضي المناخي ضد القطاع الخاص، ما قد يسبب اضطرابات كبيرة في القطاعات الأساسية التي قد تنطوي على تأثيرات عالمية لاحقة. يمثل التقاضي ضد الحكومات أيضًا تهديدًا ناشئًا للشرعية، وبالنظر إلى الطبيعة المتداخلة لقضايا المناخ، فإنه قد يؤدي إلى عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وربما ينطوي أيضًا تزايد حالات العصيان المدني على تأثير مماثل، والتي قد تؤدي إلى العنف، لا سيما في حالة المجتمعات التي تتأثر سبل عيشها بشكل مباشر بسياسة التغير المناخي أو إنكاره. ولهذا يتعين على الحكومات والشركات مراعاة هذه المخاطر واتخاذ الإجراءات اللازمة للوفاء بالتزاماتها القانونية تجاه تغير المناخ.

المراجع

Hiar, C. (2023, March 27). Fear of climate lawsuits spreads beyond fossil fuel industry. E&E News. Retrieved April 3, 2023, from https://www.eenews.net/articles/fear-of-climate-lawsuits-spread-beyond-fossil-fuel-industry/

 

Oxfam International. (2023, February 23). French NGOs take BNP Paribas to court in World’s first climate lawsuit against a commercial bank. Oxfam International. Retrieved March 28, 2023, from https://www.oxfam.org/en/press-releases/french-ngos-take-bnp-paribas-court-worlds-first-climate-lawsuit-against-commercial#:~:text=This%20is%20the%20world’s%20first,26%20October%202022%20%5B1%5D.

 

Setzer, J., & Byrnes, R. (2020). (rep.). Global trends in climate change litigation: 2020 snapshot. Centre for Climate Change Economics and Policy (CCCEP). Retrieved April 2023, from https://www.lse.ac.uk/granthaminstitute/wp-content/uploads/2020/07/Global-trends-in-climate-change-litigation_2020-snapshot.pdf.

 

Kaminski, I. (2023, January 4). Why 2023 will be a watershed year for climate litigation. The Guardian. Retrieved March 28, 2023, from https://www.theguardian.com/environment/2023/jan/04/why-2023-will-be-a-watershed-year-for-climate-litigation

 

de Ferrer, M. (2021, February 9). France found guilty of climate inaction in ‘Historic victory’. Euronews. Retrieved March 30, 2023, from https://www.euronews.com/green/2021/02/03/french-government-found-guilty-of-climate-inaction-in-historic-victory

 

Drugmand, D. (2023, February 10). Lawsuit targets Shell’s board of directors over Energy Transition Plans. DeSmog. Retrieved March 30, 2023, from https://www.desmog.com/2023/02/09/clientearth-lawsuit-uk-shell-board-directors-energy-transition/

 

Kaminski, I. (2023, February 1). An ocean of opportunities? Climate litigation is doing so well it’s now being eyed by investors. The Wave. Retrieved April 2, 2023, from https://www.the-wave.net/climate-litigation-as-investment/

Milman, O. (2023, March 19). ‘We have money and power’: Older Americans to blockade banks in climate protest. The Guardian. Retrieved April 2, 2023, from https://www.theguardian.com/environment/2023/mar/19/climate-crisis-protest-environment-third-act-bill-mckibben

 

Greenpeace International. (2023, March 28). Greenpeace climbers hang 8-metre ‘end fossil crimes’ banner on European Gas Conference venue to protest industry plans to greenwash Fossil Gas. Greenpeace International. Retrieved April 2, 2023, from https://www.greenpeace.org/international/press-release/58917/end-fossil-crimes-protest-european-gas-conference-greenwashing/

 

Deutsche Welle. (2023, April 1). Climate activists turn famed Roman Fountain Black – DW – 04/01/2023. Deutsche Welle. Retrieved April 2, 2023, from https://www.dw.com/en/climate-activists-turn-famed-roman-fountain-black/a-65205301

 

De La Garza, A. (2023, January 5). Why climate activism may look different in 2023. Time. Retrieved April 2, 2023, from https://time.com/6244805/climate-protest-extinction-rebellion-future/

 

Dietzel, A. (2022, December 19). COP27: How the fossil fuel lobby crowded out calls for climate justice. The Conversation. Retrieved March 29, 2023, from https://theconversation.com/cop27-how-the-fossil-fuel-lobby-crowded-out-calls-for-climate-justice-195041

تعليقات

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *