كتب بواسطة

قررت حكومة الطوارئ في إسرائيل إعلان الحرب والتجهيز لشن غزواً بريًا وشيكاً واسع النطاق على قطاع غزة، رداً على الاجتياح الذي نفذته الفصائل الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023 والذي استهدف أكثر من 20 منطقة واقعة في غلاف غزة وإعلانها عن أسر "عشرات" الجنود والضباط الإسرائيليين موزعين على محاور قطاع غزة في أماكن آمنة، حيث تعد أزمة الأسرى هي الأشد وطأة في تاريخ المواجهات بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية.

 

ومع إعلان المتحدث باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، أن قصف الإسرائيلي للقطاع، أدى إلى مقتل ثلاثة عشر أسيرا إسرائيليا. كما هدد بإعدام باقي الأسرى الإسرائيليين، حالة مواصلة الاحتلال استهداف المدنيين في القطاع. عاد الحديث عن تطبيق بروتوكول هانيبال في أوساط الجيش الإسرائيلي لحلحلة أزمة الأسري. في حين تتعالي عدة أصوات في الآونة الأخيرة من إعلاميين، وسياسيين، وعائلات الأسرى، علاوة على عسكريين متقاعدين، لمطالبة حكومة نتنياهو، بوضع ملف الأسرى في صدارة أولوياتها، وإبرام صفقة مع المقاومة الفلسطينية لمبادلتهم بدلاً من شن هجوم بري الأمر الذي يشكل ضغطا على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويحد من خياراته بشأن اجتياح غزة بقصد إعادة احتلالها، أو خوض حرب مفتوحة وشاملة ضدها أو الانتظار لفترة أطول، حتى تضعف حماس بشدة بسبب الضربات الجوية، لتصبح أكثر استعدادا للتوصل إلى اتفاق؟، ومع ضغوط الرأي العام في إسرائيل حول فرص بقاء هؤلاء الرهائن على قيد الحياة أثناء القصف، واستغلال الفصائل للأسرى كورقة للضغط على الجانب الإسرائيلي، لذا يسعي هذا التحليل إلى توضيح تأثير الهجوم البري الموسع في غزة على موقف الفصائل حيال ورقة الأسرى.

فداء الأسرى كابوس لن ينتهي

يُعد “فداء الأسرى” وصية عليا في الديانة اليهودية، وهي مسئولية تقع على عاتق كل يهودي مسؤول عن بقاء كل يهودي آخر، وكشف تاريخ إسرائيل عن الحساسية الشديدة للرأي العام عندما يتعلق الأمر بالأسرى والمفقودين، ففي الماضي، تفاخرت إسرائيل على مدى عقود بعدم التفاوض مع الجماعات المسلحة بشأن إطلاق سراح الرهائن، وفضلت لفترة طويلة استخدام القوة – سواء داخل إسرائيل أو خارجها-. حيث تتمتع إسرائيل بخبرة في إنقاذ الرهائن، من خلال وحدة إنشاء استطلاع هيئة الاركان العامة السرية (Sayeret Matkal) في عام 1957 والتدريب بشكل مكثف على هذه العمليات، وهي تشبه إلى حد كبير وحدة SAS البريطانية أو قوة دلتا الأمريكي. وقد ذاع صيتها في عام 1976 من خلال غارتها على عنتيبي حيث أنقذت رهائن من طائرة مختطفة في مطار عنتيبي.

 

ولكن كان لعجز المجتمع الإسرائيلي عن التسامح مع احتجاز مواطنيه كأسرى سبباً في إشعال حملات ضغط شعبية واسعة النطاق، الأمر الذي دفع الحكومات الإسرائيلية المختلفة إلى الموافقة على عقد صفقات تبادل كبيرة كان أبرزها صفقة شاليط في عام 2011، والتي أفرجت إسرائيل بموجبها عن 1027 سجينًا فلسطينيًا مقابل الإفراج عن شاليط.

 

اللعب بورقة الأسرى

ترى الفصائل الفلسطينية أن أسر جندي هو الوسيلة الأكثر فعالية للضغط على إسرائيل من أجل فتح قنوات التفاوض لإطلاق سراح السجناء الفلسطينيين، البالغ عددهم ما بين 5- 12 ألف سجين، بعضهم يقضون عقوبات بالحبس، والبعض الآخر محتجزين بحكم “الاعتقال الإداري”. حيث تراهن حركتا حماس والجهاد الإسلامي على أن يكون العدد الكبير من الأسرى الإسرائيليين لديهم ورقة ضغط على حكومة نتنياهو، التي تواصل سياسات “الأرض المحروقة” و”العقاب الجماعي” ضد الفلسطينيين.

 

كما لعبت صفقة “إغلاق الزمن” أو ما يعرف إعلاميًا بصفقة شاليط دورًا في تعزيز شعور حماس بالانتصار وترسيخ ثقافة المقاومة في الوجدان الفلسطيني، وقد اعتبرت هذه الصفقة أول صفقة في تاريخ القضية الفلسطينية تتضمن المفاوضات. بفضل قدرة الفلسطينيين على الاحتفاظ بالأسير الإسرائيلي لمدة خمس سنوات متتالية، رغم شن قوات الاحتلال حربين مدمرتين على القطاع، وعلى الجانب الإسرائيلي. واجهت هذه الصفقة رفضًا من الإسرائيليين الذين اعتبروها تنازلًا لصالح حماس، مما يعتبرها عقبة أمام إمكانية إبرام صفقات مماثلة في المستقبل. وعلى الرغم من وجود أربعة أسرى لا يزالون في قبضة حماس منذ عام 2014، بالإضافة إلى أكثر من مائتي أسير انضموا بعد عملية “طوفان الأقصى”، تتجنب الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إبرام صفقات مبادلة بشأنهم مع حماس، خوفًا من استفزاز الإسرائيليين الغاضبين.

لا نية للتفاوض

كانت الأولوية الأولى لإسرائيل في الأوقات العادية ستكون لصالح التفاوض لعودة الرهائن، لكن تغيرت الأولويات مع تغيير تكتيكات حماس الهجومية لتصبح الأولوية الآن للقضاء على حماس كتهديد عسكري. ومع تصاعد التوترات والغضب على الجانبين، فإن إسرائيل وحماس ليستا في حالة معنوية تسمح بالتسوية أو تقديم تنازلات. حيث يشعر الإسرائيليون بالصدمة والغضب لأن الفصائل تمكنت بسهولة من اختراق حدودهم الجنوبية وأدت إلى مقتل ما لا يقل عن 1200 شخص، وأسر ما يزيد عن 200 إسرائيلي.

 

ورداً على عملية «طوفان الأقصى»، قامت حكومة الطوارئ بعدد من الإجراءات الانتقامية منها إعلان حالة الحرب وقصف متواصل للمباني السكنية والمناطق المختلفة في القطاع بالتوازي مع التجهيز لعملية برية شاملة تستهدف القطاع ، كما تم نقل صلاحيات إدارة السجون الإسرائيلية لسلطة الجيش. الذي ضاعف عمليات العزل الشامل على أكثر من خمسة آلاف أسير ومعتقل فلسطيني. علاوة على تطبيق حزمة من الإجراءات الانتقامية تندرج ضمن جريمة العقاب الجماعي، فيما ترفض حماس التفاوض تحت القصف، ولا يتجاوب الجانبان مع العرض المصري ــ القطري بشأن صفقة جزئية لمبادلة المحتجزين.

جندي قتيل أفضل من أسير

تفكر إسرائيل حالياً في تفعيل “توجيه هانيبال” أو “بروتوكول هانيبال”، وهو إجراء عسكري تتبعه وحدات الجيش الإسرائيلي أثناء تعاملها مع حالات احتجاز جنودها من قبل القوات المعادية، يسمح هذا التوجيه للجيش باستخدام الأسلحة الثقيلة والقوة النيرانية الكثيفة بشكل غير متناسب، حتى لو مثل ذلك خطر على حياة الجندي. صيغ هذا التوجيه عام 1986 وتم تعديله في عام 2017 ليصبح أكثر صرامة، مطالباً الجيش باستخدام القوة المفرطة لمنع أي جندي من الوقوع في الأسر، حتى إذا استدعى الأمر إطلاق النار بكثافة تجاه الأراضي الإسرائيلية في حالة وقوع عملية الاحتجاز بها، وليس فقط في الضفة الغربية أو قطاع غزة. يستند هذا التوجيه، الذي يهدف إلى منع تحرك المحتجزين وتقليل فرص احتجاز الإسرائيليين ، على عدة مبادئ أساسية، أبرزها:

 

  • قتل الجندي الإسرائيلي أفضل من اختطافه.
  • الحرص على تحرير الأسرى الإسرائيليين يمكن أن يكبح أي نوايا تصعيدية تجاه قطاع غزة.
  • صفقات تبادل الأسرى تؤثر على كرامة العسكرية الإسرائيلية.

 

ختاماً يسعى نتنياهو بكل قوة إلى تجميد قضية الأسرى الإسرائيليين، وحرمان المقاومة الفلسطينية من استغلال هذه الورقة الرابحة. ويعتمد في ذلك على وساطة أطراف إقليمية وتحركات مكثفة من الولايات المتحدة لاستعادة مواطنيها. في الوقت نفسه، تعتقد حكومة الطوارئ الإسرائيلية أن اتباعها استراتيجية “الأرض المحروقة” وتبنيها سياسة “العقاب الجماعي” تجاه قطاع غزة سيجبر قادة الفصائل الفلسطينية على الإفراج عن الأسرى، أو جزء منهم على الأقل. ونتيجة لذلك، هدد نتنياهو تدريجياً بشن اجتياح للقطاع إذا لم تستسلم الفصائل وتفرج عن الأسرى دون قيد أو شرط. بدورها، تتوقع الأجهزة الأمنية والاستخبارات الإسرائيلية أن حركة حماس لا تزال تحتجز الأسرى في أماكن متفرقة، ولكنها لن تتمكن من إخفائهم إلى الأبد، خاصة مع مساعدة القوات الإسرائيلية في اجتياح بري لتحديد مكان احتجازهم. ومع ذلك، قد يكون من الصعب على عائلات الأسرى والرأي العام الإسرائيلي قبول عمليات برية واسعة النطاق في غزة، والتي قد تعزز فرضية قتل الأسرى، خاصة وأنهم ينتشرون في منطقة ضيقة تتعرض لعدوان إسرائيلي.

المراجع

Tanno, Sophie, Paul P. Murphy, Allegra Goodwin, Benjamin Brown, Hadas Gold, Abeer Salman, Ibrahim Dahman, Kareem Khadder, Gianluca Mezzofiore, and Alex Stambaugh. “Festivalgoers, Children, Soldiers: What We Know about the People Captured by Hamas.” CNN, October 10, 2023. https://edition.cnn.com/2023/10/08/europe/israel-hostages-hamas-what-we-know-intl/index.html

 

Debre, Isabel. “Israeli Hostage Crisis in Hamas-Ruled Gaza Becomes a Political Trap for Netanyahu.” AP News, October 8, 2023. https://apnews.com/article/palestinians-israel-military-prisoners-hostage-hamas-soldiers-e75729364f8c0b453da272365c16d136

 

Teibel, Amy. “Gaza Is Tiny and Watched Closely by Israel. but Rescuing Hostages There Would Be a Daunting Task.” AP News, October 12, 2023. https://apnews.com/article/israel-gaza-palestinians-hostage-bombardment-tunnels-captive-8be8fd5b5b061253918476d3c1c6e650

 

Gardner, Frank. “Israel Hostage Crisis Is Every Government’s Worst Nightmare.” BBC News, October 11, 2023. https://www.bbc.com/news/world-middle-east-67084408

 

الخطيب. أحمد. “حرب غزة: ماذا يعني إعلان إسرائيل أنها ‘في حالة حرب؟”. بي بي سي عربي، 9 أكتوبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://www.bbc.com/arabic/articles/cv204ww578ro

 

عبد الفتاح. بشير. طوفان الأقصى ومعضلة الأسرى. بوابة الشروق. 16 أكتوبر 2023 متاح على الرابط التالي: https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=16102023&id=0a13ae44-aaa3-4b94-9ca3-c22fad789ca7

 

Taylor, Adam. “The ‘Hannibal Procedure’: How Far Is Israel Willing to Go to Stop Its Soldiers Being Captured?” The Washington Post, December 1, 2021. https://www.washingtonpost.com/news/worldviews/wp/2014/08/04/the-hannibal-procedure-how-far-is-israel-willing-to-go-to-stop-its-soldiers-being-captured/

تعليقات

  1. ��
    د عبدالله ال علي /كاتب في صحيفه الخليج

    شكرا استاذ مصطفى على هذا التحليل المدعم ببيان تاريخ ونعتقد إن السياسة الاسرائيلي تتجه مضطرة لهذا المسار الانتقامي . هذة المرحله مفصليه في تاريخ الجيش الاسرائيلي الذي زادت من حدة أزمته سياسه نتنياهو وتغير قواعد الاشتباك العملياتي مع حماس

  2. ��
    د عبدالله ال علي

    شكرا لكم

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *